خواطر حول دور مراكز البحوث الخليجية
أولى هذه الملاحظات، هي أن الدول الخليجية، بدأت الاهتمام بمراكز البحوث بعد أن تم استكمال بنائها في دول الغرب، وتحديدا في أمريكا الشمالية والقارة الأوروبية. بل إن تقرير جامعة بنسلفانيا لعام 2016م، يشير إلى تراجع في نسبة بناء المراكز، في الدول الغربية، وأن الصعود مقتصر على دول آسيا، وبشكل خاص الصين والنمور الأسيوية، وبعض بلدان العالم الثالث.
ويشير التقرير آنف الذكر، إلى أن أسباب التراجع في أعداد المؤسسات البحثية على مستوى العالم، تعود إلى أن بنية العمل السياسي، في معظم دول العالم، باتت معادية للمؤسسات البحثية وللمنظمات غير الحكومية.
كما أشير إلى انخفاض الدعم المالي للمراكز البحثية من قبل القطاع الخاص والأفراد المتبرعين. واتجاه القطاع العام والخاص، نحو المشاريع قصيرة الأمد، وبمبالغ محدودة، بدلا من الاستثمار في الأفكار والمؤسسات البحثية. إضافة إلى أن كثيرا من هذه المراكز أنجزت مهامها، وحققت غاياتها، ولم تعد هناك حاجة لها.
أما بالنسبة للدول النامية، فإن الضعف في نمو المؤسسات البحثية ومراكز الدراسات، يعود إلى عدم قدرة مؤسساتها على تبني تغييرات سياسية جذرية. إضافة إلى زيادة التنافس على المؤسسات الاستثمارية الربحية والمؤسسات القانونية والإعلام الالكتروني.
ومن وجهة نظرنا، فإنه هذه النقاط، تغيب جملة من الأمور أهمها أن الدول الغربية، استكملت بنياتها البحثية، وأن ذلك يشكل سببا في تراجع وتيرة نمو هذه الأبحاث. على نقيض دول أخرى، بدأت تدخل في مجال التصنيع، وبناء قدراتها الذاتية، كما هو الحال مع اندونيسيا والهند، التي يلاحظ نموا مضطردا، في تأسيس مراكز البحوث لديها.
الأمر الآخر، أن هناك علاقة طردية، بين الانخراط في ثورة التقانة وعدد المراكز البحثية. ذلك يعني أن عدد المراكز البحثية، ونوعية تخصصاتها يرسم صورة كاشفة، عن مستوى التفاعل مع الثورات الصناعية، والمعلوماتية والرقمية. وأن الدول المعرفة بالنامية، هي الأقل حضورا في مجال البحوث والدراسات.
وفيما يتعلق بمراكز البحوث والدراسات في دول مجلس التعاون الخليجي، لا بد من الاعتراف، بمحدوديتها، كما ونوعا. وتكاد تكون غالبية المراكز غير موجهة نحو الشؤون السياسية والتنموية، وتختص بمجالات إدارية وصحية واقتصادية. ومع ذلك يمكننا القول، أن دور هذه المراكز قد تصاعد فيما بعد عام 2000، على وجه التحديد، في عموم دول المجلس، بعد أن كانت دولة الإمارات العربية تحظى بحصة الأسد من هذه المراكز، التي بدأت عمليا انطلاقتها منذ عام 1994.
من جهة أخرى، فإن محدودية عدد مراكز البحوث الفاعلة، وافتقارها للكفاءة، لا يؤهلها لإنجاز الأهداف المرجوة منها. كما أن المعلومات عن هذه المراكز، شحيحة وغير دقيقة.
ووإذا ما سلمنا بدقة التقرير، الصادر عن جامعة بنسلفانيا، فإن مستوى التفاوت في الكم والنوع، واسع وكبير، حين يتعلق الأمر بمجال الدراسات والبحوث، بين دول مجلس التعاون الخليجي وجوارها الإقليمي، وبشكل خاص بين دول المجلس، و”إسرائيل” وإيران، البلدين الذين نرتبط بهما بصراع حضارة ووجود، وتشكلان في سياساتهما تحد واضح للأمن القومي العربي، ولأمن الخليج.
وعلاوة على ذلك، فإن معظم مراكز الأبحاث الدراسات الخليجية، هي مؤسسات خاصة، أو أكاديمية، تعمل داخل حرم جامعات دول مجلس التعاون الخليجي، وصلتها بصانع القرار السياسي، تكاد تكون معدومة. وذلك يعيق تنفيذها لجزء مهم وحيوي من الرسالة المنوطة بها. وتلك معضلة ينبغي التصدي لها، من خلال بناء الجسور بين هذه المراكز وبين صانعي القرار، في الدول الخليجية.
والنتيجة التي نخلص لها، أن مراكز البحوث في دول مجلس التعاون الخليجي، على أهمية ما هو متوقع منها، من مساهمة في صناعة القرار، لم تستطع أن ترتقي إلى المستوى المأمول، وربما يعود ذلك في أساسه، للضعف في مناهج العلوم السياسية، وتلكأ القطاع الخاص في المشاركة بإنشاء مراكز أبحاث متخصصة، بسبب الخوف من الخسارة، وأيضا بسبب تعقيد إجراءات الحصول على التراخيص اللازمة، وغياب التمويل، ما جعل هذه المراكز تنشأ بشكل كسيح في ظلال الجامعات والصحف والجمعيات الخيرية.
لكن ما يبعث على التفاؤل، هو أن صورة المشهد قد بدأت بالتغير في السنوات الأخيرة، فقد برزت مع نمو وتطور، الإعلام الفضائي أهمية ومكانة مراكز البحوث والتحليل السياسي، وبدأنا نرى تزايد الاهتمام بهذا الجانب من الأنشطة، ونشوء مؤسسات بحثية فردية، غير أن ذلك لازالدون المستوى المطلوب بسبب محدودية الإمكانات.
يضاف لهذا التطور، تطور أخر مماثل، أخذ مكانه مع بدأ المؤسسات الحكومية الرئيسة، كوزارات الدفاع والداخلية والخارجية، والاقتصاد، إيجاد اذرع بحثية داعمة، مستعينة في ذلك ببيوت الخبرة المحلية في مجال الأبحاث، كل حسب مجال اختصاصه.