خواطر حول العلاقة بين الأنا والآخر

0 206

نحن والآخر: رؤية وطنية مشتركة للتعامل مع الثقافات العالمية، هو العنوان الذي تقرر أن يكون موضوع اللقاء الخامس لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. وقد تلقيت دعوة كريمة من المركز لتسليط الضوء على هذا الموضوع، وتسجيل بعض الخواطر حوله.

 

والواقع أن اختيار هذا الموضوع قد جاء موفقا، ذلك أن جزءا كبيرا من التحديات التي تواجهها بلادنا في هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ، سواء من الداخل أو الخارج، له صلة مباشرة بوعي العلاقة مع الآخر، وإقامة علاقات متوازنة، لا تكون عبئا علينا ولا تجعلنا نعيش خارج التاريخ وغرباء على الزمن الكوني الذي نعيش فيه. ومن هنا فإني أجد من اللازم، في هذه العجالة، أن أشاطر المركز بتدوين بعض الملاحظات، علها تشكل مساهمة في السجال المنتظر أن يأخذ مكانه داخل الملتقى وفي محيطه.

 

وبديهي أن مفهومي الأنا والآخر، شأنهما شأن مجموعة كبيرة من توائمهما، يتسعان لكثير من الخلط والضبابية ومختلف التأويلات. وهما أيضا من المفاهيم التي ترفض صفة الثبات. فما دامت الأشياء من حولنا تتحرك، وما دام الكون في تغير مستمر، وما دامت تقاليدنا وعاداتنا ورؤيتنا لما يجري من حولنا في تطور دائم، فإن النتيجة الطبيعية أن تطرأ تغيرات مستمرة على رؤيتنا تجاه ذاتنا، “الأنا” وتجاه الغير، “الآخر”. وعلى هذا الأساس، فإن ما نضعه من تعريفات لهذين المفهومين هو وليد اللحظة، وهو أيضا في جزء كبير منه يعكس الصورة الكامنة في وعينا.. إنه والحال هذه، جزء من متخيلنا. والصورة في الغالب، لا تستطيع أن تركز إلا على البؤرة التي يرغب فيها ويختارها حامل آلة التصوير. وإذن فهي ليست صورة الأنا أو الآخر، في حقيقتهما وواقعهما. إنها والحالة هذه لن تكون إلا اختراعا متماهيا مع حيلنا الدفاعية. هكذا فالآخر يمثل إسقاطات معاناتنا وانسحاقنا وتجاربنا المرة والطويلة مع الآخر.

 

إن الأنا في حالتنا هي نقطة الإرتكاز، ومنها نتجه إلى ما حولنا. ولعل الوعي بهذه الحقيقة هو ما حفز الإخوة في مركز الملك عبد العزيز على اختيار هذا الموضوع بالذات. فالمملكة تواجه في الداخل تحدي العنف. وخلف هذا التحدي يقف فكر ينطلق من رؤية متزمتة ومتحجرة تجاه ما هو إنساني وخلاق ومبدع. ويتخذ موقفا سلبيا ومتشنجا من الآخر. إن جل الأمر بالنسبة له هو مواجهة بين الخير والشر، بين الفرقة الناجية وبين الشيطان. والنظرة هنا عامة وشمولية، لا تميز بين العدو وبين الصديق، وترى في المجتمعات الإنسانية كتلا هلامية، اختارت أن تكون على الجادة الأخرى، في موقف معاد للعرب والمسلمين.

 

إن هذه الإسقاطات، رغم سلبياتها، نتاج رحلة طويلة وقاسية، بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر، حين أخذت سنابك خيول البرتغاليين والأسبان والفرنسيين في تهشيم ما بناه الإنسان في هذا الجزء من الكوكب الأرضي، بل ربما عادت بنا الذاكرة إلى قبل ذلك بوقت طويل، إلى الحروب الصليبية وإلى الجنرال اللنبي وهو يخاطب ضريح بطل الدولة الأيوبية: ها نحن عدنا يا صلاح الدين. وربما عادت بنا الذاكرة سحيقا إلى صراعاتنا مع الإغريق والرومان والدولة البيزنطية.

 

بعد الحرب العالمية الأولى، كانت لنا تجربة مرة مع سايكس بيكو ووعد بلفور، والسيطرة على النفط والمعابر الإستراتيجية، وقيام الكيان الصهيوني وعدوان 1956، وحرب حزيران، وفتن وحروب شملت على الأغلب كل شبر من أرض الأمة العربية. وفي كل سوح هناك قضية تعطي مبررا محرضا للوجدان، حتى وإن لم يجد له ما يسنده عمليا ومنطقيا. إن هذه الإسقاطات، على الرغم منا، تظل معشعشة في اللاوعي، تفرض قوانينها الخاصة وأحكامها الجبرية علينا.

 

لا مناص إذن، إذا ما أردنا أن نتجاوز حالة الإسقاط من التذكير دائما بأن الأنا، هو ليس إسقاط معاناتنا فقط، ولكنه ينبغي أن يمثل تفاعلنا الواعي مع هذا العالم الرحب، السائر نحو غاياته، رغم تضادها وتعدد مساربها. الأنا الآن يقتحم السوق العالمية بصيغة التابع الذليل، وهو لا يتردد في استهلاك كل ما ينتجه الآخر لأنه ليس لديه ما ينتجه. إنه الآن يكتفي بتصدير المواد الخام ويتسلم أثمان بخسة مقابلها، قدر ما توجد به أريحية الآخر، ونادرا ما تجود بشيء، وقد آن له أن يكون جزءا حيا وفاعلا في ماكنة الإنتاج. إن الإمساك بناصية العلم، والولوج في العصر الكوني الذي نحياه هو سبيلنا للخروج من قمقم الخوف والتردد، وهو الذي يصنع لنا هوية جديدة ومكانا لائقا تحت الشمس، ولن يتحقق ذلك بالحنين إلى الماضي، والبكاء على الأطلال.

 

لا بد من التسليم بأن العالم لا يحترم الضعفاء، ولا البائسين. إن التاريخ السابق كان عصر صراع بين الإمبراطوريات والممالك ومن أجل المصالح، وقد أصبح الآن أعتى من ذلك بكثير بحكم تغير مفردات القوة وتطورها. إنه الآن عصر الكارتلات النفطية، والتجمعات الإقتصادية، والشركات الكبرى المتعدية الجنسية والعابرة للقارات. وإذا أردنا، أن نكون أسياد أنفسنا وأن نملك السيطرة على مصائرنا ومقدراتنا، ولا أشك في أننا نرغب ذلك، فينبغي استيعاب هذه المسلمات، دون التفريط بحق أو استقلال أو سيادة أو مستقبل. لكن أيضا بوعي إيجابي منفتح على الثقافات الأخرى ومحرض على التفاعل مع كل ما هو إنساني وخير.

 

إن الإسقاطات التي عانينا منها قد جعلتنا نختزل العالم بأسره في شرق وغرب، وأحيانا آخر، في شمال وجنوب. فنحن حين نتحدث عن الآخر، في الغالب لا نعني أولئك الذين يقفون معنا في خندق واحد مناصرين لقضايانا العادلة، في أماكن أخرى من المعمورة، ولكن أذهاننا تتجه فورا إلى الذين مارسوا الإضطهاد بحقنا. لا نجد بيننا من يكرس جهوده لدراسة طبيعة الحضارات التي جرت في بلاد الهند والصين وجنوب شرق آسيا، لسبب بسيط وواضح هو أن العلاقة بيننا وبين تلك الحضارات الإنسلانية لا تحمل تاريخا إو إرثا معاديا. وهنا تحضر للتو نظرية المركز والأطراف. إننا باختيارنا التركيز على الغرب نتناسى أن هناك أكثر من مليار صيني، وعدد آخر يقترب من ذلك في الهند وجنوب شرق آسيا. ولكن كما يقول المثل الشعبي لدينا “إن القط لا يسمع إلا لخناقه”، إضافة إلى أن تلك فإن تراث تلك البلدان وحضارتها لم تكن لها مغناطيسية غلابة بالنسبة لنا في التاريخ المعاصر، باستثناءات زمنية محدودة ورموز بطولية قليلة، كحركة العصيان المدني في الهند بقيادة المهاتما غاندي التي أدت إلى انهاء الإحتلال البريطاني لهذا البلد، والمسيرة الطويلة في الصين التي قادها ماوتسي تونج وأدت إلى تحرير الصين من اليابان.

 

إن ثقافات خصبة ومعتقدات جميلة تدعو إلى التأمل والسلام كالكنفوشية والبودية، يعتنقها جزء كبير من أعضاء كوكبنا الأرضي، لم تكن أبدا رغم ثرائها وخصبها موضوع اهتمامنا. إن علاقتنا بهذه الثقافات لا تتسم فقط بالحيادية، بل تتعدى ذلك إلى التجاهل والتهميش. أسوق ذلك ليس على سبيل الإفتراض، بل إنه التقرير. فمن منا لم يسمع بأرسطو وسقراط وأفلاطون وهيرودوت، والأساطير اليونانية. وفي المقابل كم من الأسماء تحتفظ بها ذاكرتنا حين يتعلق الأمر بالحضارات الشرقية، وهي حضارات لا تقل خصبا وتنوعا عن مثيلاتها الغربية، وهي بالتأكيد سابقة عليها في التاريخ.

 

إن شمولية النظرة إلى الآخر، هي عملية ملحة ومطلوبة في هذه الحقبة، فهي أولا تحررنا من إسقاطاتنا من جهة، ومن جهة أخرى، إنها تفتح وعينا على أمم تحث الخطى نحو منافسة القطب المتربع على عرش الهيمنة الدولية. إن النمو الإقتصادي المذهل في الصين يحمل للبشرية أملا واعدا في إمكانية امساك جنس غير الجنس الأبيض بناصية العلم والتقدم، وفي ذلك دحر وهزيمة لأفكار عنصرية وغير أخلاقية سادت حقبة طويلة. كما أنه يتيح لنا فرص جديدة لكي يدخل مفهوم الشراكة الدولية حيز التنفيذ.

 

وأخيرا، فإن الأنا والآخر، ليسا مرتبطان بالمكان فحسب, فكل تناقض وصراع في داخلنا يقسم خندقنا الواحد إلى أنا وآخر، ويحدث شرخا عميقا في بنية مجتمعاتنا، وكل اقتراب وتفاعل إنساني بيننا وبين النوع الإنساني في أي مكان من عالمنا من شأنه أن يقرب مسافات الإختلاف، ويخلق نوعا من التضامن والتفاعل لما فيه خير الجنس البشري. وكلما تقلصت المسافات كلما بهتت مفاهيمنا ورؤيتنا السلبية عن الآخر.

 

لا بد من موازنة بين التاريخ والجغرافيا، بحيث نتمسك بالثوابت التي ترسخت في مجتمعاتنا إثر بزوغ الإسلام، وبضمنها ثقافة التسامح وقبول الآخر، ومن خلال هذا الوعي نتمكن من اختزال الزمان والمكان، فنتمسك بكل ما هو إيجابي ومحرض في ثقافتنا ونعيش بالقلب والعقل في الزمن الكوني الذي نعيش فيه، وبغير ذلك لا محيص عن البقاء أسرى في شرانق الخوف والجمود والتخلف.

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

 

 

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2005-03-16


 

 

2020-05–0 6-:06

عزيز ابو حفص من السويد

 

أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة

 

2020-05–0 3-:02

محمد حافظ من مصر

لا بد ان نعترف ان كل من الأنا والآخر في وادي وكل منهما يتحدث لنفسه ولا يتقبل وجهة نظر مغايره لما يؤمن به

الانا يري ان الاخر بموجب النظام الجديد يفرض عليه رؤية متناقضة بما يؤمن به خاصة في بعض الامور العقائدية التي لا يمكن التنازل فيها منها علي سبيل المثال حرية الجنس وإطلاق حرية الشذوذ والاجهاض ونتيجة لذلك يرفض كافة رؤية الاخر بما فيها من أراء صحيحة

هذا بالاضافة الي اننا حتي الان لم نتعلم ادب الحوار وكل من ليس معنا فهو ضدنا وللاسف هذه الافكار البغيضة انتقلت للاخر كما جاء في خطاب بوش

والاخر يتحكم بإعلامه اليهود وينقلون صورة بغيضة وينتقون صورة مغايرة للحقيقة أوصورة لا تمثل الاغلبية بل تمثل قله من المتطرفين وتعمم هذه الصورة للغرب

 

لا بد من وجود قناة إتصال سليمة وغير منحازة تعمل علي نقل صورة واقعية وتنشر فكر أن يتكامل الاطراف دون فرض وجهة نظر لاحد علي الاخر

 

2020-05–0 3-:06

رانيا من مصر

بأى شىء نشارك …أنت فى القمه ويكفينا أننا نٌقرأ وننهل من فكرك الرائع ………….

موقع جيد ومتجدد واسم على مسمى وأنت فى أحسن حال وبال وبارك الله بك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تسعة عشر − 9 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي