خمسون عاماً من العمل والبناء
في بداية عام 1970، خاض حزب العمال البريطاني معركته الانتخابية، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تمر بها بلاده. وقد شمل برنامجه الانتخابي، لحل الأزمة الاقتصادية المستعصية ضمن أمور أخرى، الانسحاب كما أطلق عليه في حينه بشرق السويس. والمعنى يشير إلى بلدان الخليج العربي، التي لم تنجز استقلالها السياسي حتى تلك اللحظة. وحقق حزب العمال فوزاً ساحقاً في تلك الانتخابات، وبدأ مباشرة في الترتيب للانسحاب العسكري من الخليج.
وكانت تلك فرصة تاريخية، بالنسبة لقيادات وشعوب هذه البلدان لتحقيق تطلعاتها وآمالها في الحرية والاستقلال، ولتبدأ مرحلة النهوض وبناء دولها على أسس عصرية.
في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول يحتفل شعب وقيادة دولة الإمارات المتحدة، ومعهم أشقاؤهم في مجلس التعاون الخليجي، وبقية الأقطار العربية، بمرور خمسين عاماً، على تأسيس الاتحاد، الذي هو الحصيلة الأولية للاستقلال، وثمرة كفاح طويل كان للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وأشقائه بقية حكام دولة الإمارات الفضل في تأسيسه. وقد جاء تشكيل الاتحاد ليحقق صبوات أشقائنا في تحقيق وحدة راسخة للبلاد، كمقدمة لازمة للنهوض والعمل في تجربة فريدة، باتت موضع إعجاب وتقدير من جميع دول العالم.
ومنذ ذلك التاريخ، التحقت الإمارات بشقيقاتها، في جامعة الدول العربية، وغدت شريكاً مؤثراً في مجالات التعاون المشترك وحماية الأمن القومي العربي، وباتت جزءاً من كتلة عدم الانحياز، وأصبحت عضواً في هيئة الأمم المتحدة، وبقية المنظمات الدولية التابعة لها. كما ارتبطت بمنظمة التعاون الإسلامي. وحين تأسس مجلس التعاون الخليجي، في الثمانينات من القرن المنصرم، كانت دولة الإمارات، عضواً مؤسساً في المجلس. وكان للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الدور الأكبر في دعمه وتمكينه حتى عقد اجتماعه الأول في أبوظبي، وفي كل هذه المؤسسات الدولية ظلت وفية لالتزاماتها السياسية والأخلاقية، معززة دور هذه المؤسسات في تحقيق وتعزيز السلم العالمي، في مختلف المجالات.
ومن غياهب الماضي وتبعاته، بدأت دولة الإمارات مباشرة، بعد التأسيس، معركة البناء والعمل المتواصل لتحقيق التكافؤ وبناء مجتمع أفضل تجري على قدم وساق، شملت توفير السكن والماء والكهرباء، ومجالات الصحة والتعليم، واستكمال بناء مؤسسات الدولة، بكافة فروعها وتشعباتها، على أسس عصرية ومتينة. وبسرعة فائقة قل أن يوجد لها نظير، غدت دولة الإمارات نقطة وصل جوي وبحري عالمية، بين الشرق والغرب، ومركزاً مصرفياً وتجارياً عالمياً يشار إليه بالبنان.
وعلى صعيد الثقافة والفنون، اضطلعت الإمارات بدور بارز في النهوض بالثقافة العربية، وتكريم المبدعين، من خلال جوائز، تتجدد كل عام، في مختلف المجالات باتت معروفة للجميع. فهناك جائزة «البوكر»، لأفضل رواية، وهناك جائزة الصحافة، وهناك جائزة لأفضل شاعر. والكثير من الجوائز في المجالات كافة، كما باتت مدينة دبي محطة إقامة واستقبال، لكبار الفنانين ونجوم الرياضة العرب والأجانب، ومعملاً ضخماً لصناعة الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، يضاهي وينافس مثيلاته من المدن المتقدمة في هذا المجال.
وعلى الصعيد السياحي، اشتهرت مدن الإمارات بتطور واتساع بنيتها التحتية، وبمراكزها الترفيهية، وبشكل خاص في مجال الاهتمام، بملاعب الأطفال. وغدت مركزاً يرتاده الملايين من السياح ليس من الدول المجاورة فحسب، بل من جميع الدول العربية وبلدان العالم الأخرى.
وعلى المستوى التجاري، اشتهرت الإمارات في العقود الأخيرة، بكونها مركزاً للتجارة الحرة، في المنطقة المعروفة بجبل علي، وأيضاً بمواسم التخفيضات الكبرى للسلع، التي يقْدم خصيصاً لحضورها آلاف البشر، من كل حدب وصوب، في ظل بيئة رحبة، وكريم استقبال.
لقد باتت مدن الإمارات بحق، بعد خمسين عاماً، من البناء والعمل الضخم، من أهم المدن السياحية والتجارية في العالم، ومضرب مثل على فرادة هذه التجربة ومتانة قوتها.
خالص التهاني والتبريكات، لأهلنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، قيادة وشعباً، وهم يحتفلون باليوبيل الذهبي لتأسيس الاتحاد، وحصاد خمسين عاماً من الكفاح والعمل، لكي تصل البلاد إلى ما وصلت إليه الآن. ومبروك لنا جميعاً في دول مجلس التعاون العربي، هذا النجاح الباهر، ودائماً من نجاح لآخر، على طريق الازدهار، وإلى الأمام.
التعليقات مغلقة.