حول تراجع الأسهم السعودية

0 175

عند كتابة هذا الحديث يكون سوق الأسهم السعودية قد خسر أكثر من خمسة آلاف ومئتي نقطة من أصل عشرين ألفاً وثمانمئة نقطة. وهي ظاهرة تراجع لم تحدث في الأسهم السعودية، خلال السنوات الأخيرة، حتى مع وجود الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن التراجع الحاد في أسعار النفط قبل عدة سنوات.

 

ولم يستثن الهبوط أي شركة. وقد استمرت الأزمة منذ 26 فبراير حتى يومنا هذا، ولا يلوح في الأفق ما يؤذن بقرب نهايتها. وقد حذر المحللون من استمرار انهيار الأسعار، مشيرين إلى أن العرض يفوق الطلب بكثير، مع اتجاه العديد من المضاربين المرتبطين بقروض بنكية إلى البيع. وأكدوا صعوبة التوقع باتجاهات السوق التي خالفت حتى الآن كل التوقعات بعدم وجود نهاية قريبة لما يطلق عليه مجازا أو تأدبا بالتصحيح.

 

وقد تزامن هذا التراجع الكبير مع تراجعات مماثلة في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، في الكويت والإمارات وقطر والبحرين. وحتى تاريخه عجزت التحليلات الفنية والأساسية والاقتصادية عن إيجاد تفسير موضوعي ومقنع لأسباب هذه الهزة. فالبعض قال إن السبب هو الارتفاع غير المبرر لأسهم المضاربات التي لا يوجد لها عائد اقتصادي. والبعض الآخر قال إنه أمر تصحيحي ضروري، بعد ارتفاع حاد في مؤشر السوق خلال الثلاثة أشهر المنصرمة، وإنه أمر مطلوب لتجنب مخاطر الانزلاق نحو انهيار اقتصادي. وقال آخرون، إنه بسبب محدودية وقلة الأسهم المعروضة أمام تراكم السيولة النقدية التي لم تجد لها مخارج سوى أسهم المضاربات، وإن الحل مستقبلا لتجنب هدر المال، والاتجاه نحو تنمية حقيقية هو زيادة عدد الأسهم ذات العوائد الإقتصادية في السوق، من خلال توسيع قاعدة الاكتتابات كما ونوعا.

 

وقيل نقيض ذلك تماما… قيل إن تراكم عمليات الاكتتاب في بعض دول الخليج العربي، وبخاصة في الإمارات وقطر قد أدى إلى عمليات التراجع الواسعة في السوق وطالب أمين عام مجلس التعاون الخليجي بإيقاف عمليات الاكتتاب حتى يتم العبور من هذه الأزمة، تجنبا للإضرار بصغار المستثمرين. وهناك من يقول إن القضية برمتها ليس لها علاقة بكل هذه الأسباب، وإنها لا تعدو صراعا بين العمالقة، يذهب ضحيته صغار المستثمرين.

 

وهنا في المملكة العربية السعودية، برزت في مجلس الشورى دعوات لاستدعاء القائمين على السوق إلى المجلس لمناقشتهم في أسباب التراجعات الحادة في سوق الأسهم السعودي، وكيفية الخروج من هذه الأزمة.

 

والواقع أنني شخصيا، حاولت جل جهدي أن أفهم حقيقة ما يجري، ولم أصل بعد إلى قرار. قرأت ما قيل عن التحليلات الاقتصادية والأساسية والفنية ولم أجد جوابا مقنعا.

 

فإذا كان السبب هو حالة التضخم التي بلغها السوق، فإن هذه الحالة لم تطل جميع الشركات بشكل أفقي ومتوازن، بل شملت بعضا منها، وفات شركات أخرى فرصة الاستفادة من حالة التضخم. ولكن التراجع الحاد شمل الجميع، وبضمن من شمل شركات كبرى تمثل قواعد أساسية في مسيرة الاقتصاد السعودي. وقد دفع المستثمرون فيها خسائر باهظة دون أن يجنوا من مرحلة الارتفاع شيئا يستحق الذكر. وعوقب هؤلاء المستثمرون مرتين، مرة حين رفضوا الانسياق في حمى المضاربة، وركزوا على الشركات الحقيقية ذات العائد الاقتصادي الكبير، والتي تخدم فعليا مسيرة الاقتصاد الوطني في بلادنا، وفوتوا بذلك على أنفسهم فرصة الاستفادة من حمى المضاربة التي سادت في الثلاثة أشهر المنصرمة، وعوقبوا مرة أخرى إثر الهزة الحالية التي شملت جميع الشركات ولم تستثن أية شركة من لهيبها.

 

الملاحظة الأخرى، لها علاقة بحالة التضخم التي حدثت في أسعار الأسهم، هل حقيقة هي المسؤولة عما حدث في السوق السعودي؟. إذا كان الأمر كذلك فلماذا تراجعت بحدة أسعار السوق الكويتي، التي لم تشهد نمواً كبيرا خلال المرحلة الماضية. والاقتصاد الكويتي يشبه اقتصادنا من أوجه كثيرة. فكلا البلدين يعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، وكلاهما أيضا يمتلك خبرة طويلة في سوق الأسهم، وتقترب اللوائح المعمول بها بشؤون الأسهم في كلا البلدين لتصل حد التماثل.

 

وإذا كانت محدودية سوق الأسهم هي التي أدت إلى هذه الأزمة، فلماذا تواجه قطر والإمارات نفس المشكلة، وهما أيضا تتماثلان معنا من حيث اعتمادهما على مصدر واحد للدخل: النفط في حالة الإمارات والغاز في حالة قطر، رغم أن البلدين شهدا اكتتابات عديدة، قيل إنها مفرطة، خلال العامين المنصرمين. في المملكة انضمت سبع شركات فقط إلى قائمة الأسهم المتداولة في السوق خلال نفس الفترة. ورغم اختلاف الحالة بين اكتتابات مفرطة في حالة قطر والإمارات وأخرى لا تكاد تذكر، كما هو الحال في المملكة، فإن حالنا لم يختلف في هذه الأزمة عن حال غيرنا من الأقطار الشقيقة المجاورة التي تتماثل معنا في أنظمتها السياسية والاقتصادية. هل هو إذن قانون الأواني المستطرقة.. وإذا كان الأمر كذلك فما هي نقطة البداية لكي نفهم ما جرى؟!

 

صحيح أن من الأهمية إيجاد مخارج للسيولة النقدية في المملكة، وأن الأسهم كانت تؤدي هذا الغرض رغم محدودية عددها. وكانت قوتها هي عقب إيخيل، الذي هيأ لهذه الأزمة حيث تعطل العمل في معظم الفعاليات الاقتصادية والمهنية والمجتمعية، وانشغل الجميع في رحلة البحث عن الربح السريع، هرب صغار الموظفين من مكاتبهم، وترك عدد كبير من المعلمين فصول التدريس، تحت هذه الذريعة أو تلك، لمتابعة سوق الأسهم. بل وتقلص نشوء المؤسسات الصغيرة، رغبة في راحة البال والحصول على المال بوسائل سهلة ميسرة. ولا لوم ولا عتب، فمن منا لا يأسره بريق المال؟ ألم يقل أصدق القائلين: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا”؟!

 

وإذا سلمنا، بأن ارتفاع أسعار الأسهم السعودية لم يكن بسبب تحقيق قطاعات الاقتصاد المختلفة معدلات نمو مرتفعة، وذلك أمر ليس موضع جدل، وإنما تم بسبب الارتفاع السريع في قيمة الصادرات النفطية تبعا لارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية خلال العام المنصرم. وقد عكس ذلك نفسه بقوة على معدلات مستوى نمو دخل الفرد، وعلى التنمية الاقتصادية في البلاد بأسرها، مساهما في استكمال بناء القاعدة التحتية للبلاد وتطوير كافة مؤسسات الدولة، على مختلف الصعد. وقد كان لذلك أثر واضح على توفر السيولة النقدية محليا بمعدلات عالية. إننا هنا إزاء مسألة معقدة يصعب علينا تفكيكها. إذا كانت البلاد، اقتصاديا، والحمد لله بخير.. فميزانية هذا العام هي أضخم ميزانية في تاريخ الدولة، والنفط لا يزال يعيش ربيع ارتفاع أسعاره، وما زال الطلب العالمي كبيرا عليه. وكلنا متفقون على الربط بين عملية صعود أسعار النفط وبين نمو سوق الأسهم السعودي فما الذي جرى؟ الجواب لم يقدمه لنا التحليل المالي ولا الأساسي ولا الاقتصادي، وسقطت كل تنبؤات المحللين الاقتصاديين عن نقاط دعم بمؤشر السوق عند النقاط الـ19، 18، 17، 16، ولم يعد هناك أي معنى لحواء واحد أو آدم أو حواء اثنين. وبقينا عند الخط المستقيم النزولي، دون وصول إلى الـ دبليو W، الذي يتجه إلى الأعلى والأسفل في شكل تذبذبات حادة من الأعلى إلى الأسفل والعكس.. بقي المؤشر يسير بقوة في اتجاه رأسي واحد إلى الأسفل، مستعصيا على الفهم. هل هو إذن صراع بين العمالقة، أم خلاف بين كبار المستثمرين وهيئة سوق المال.. غضب من قرارات اتخذت يعبر عنه بهروب جماعي من السوق يكون ضحيته صغار المستثمرين وحدهم، وبالتأكيد اقتصادنا المحلي الذي يشكل هؤلاء المستثمرون عموده الفقري.

 

ماذا وكيف وإلى أين أسئلة تستدعي كثيرا من التأمل، ربما لا تسمح بانتظار الجواب عليها طبيعة الأزمة، فعسى أن يكون هناك أمل في الخروج من هذا الإنهيار، وعسى أن تكون لنا متابعة أخرى مع هذا الموضوع في الحديث القادم بإذن الله.

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2006-03-15


 

2020-06–0 5-:01

ابواسامة من السعودية

اتقوا الله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أربعة عشر − 3 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي