حول الانضمام لمنظمة التجارة العالمية

0 205

قبل حوالي عدة أسابيع نشرنا على صحفات التجديد العربي حديثا تحت عنوان “الإنضمام لمنظمة التجارة العالمية… المحاذير والآفاق” كان محوره هو السؤال عما إذا كنا فعلا جاهزين لهذه الخطوة أم أن الطريق لا تزال طويلة لذلك. وقد أشرنا في حينه أن الإنضمام لهذه المنظمة يعني فتح الأبواب واسعة لدخول كافة أنواع المنتجاب ومن مختلف الدول، دون استثناء لأي منتج.

 

كان تركيز المقال في حديثنا المشار إليه على القطاعات الإقتصادية وما ينبغي عليها تحقيقه للصمود في وجه المنافسة العالمية، وماهية الخطوات المطلوبة لتحقيق ذلك. والآن وقد اقترب موعد الإحتفال بدخول المملكة الرسمي في المنظمة، فإن الحديث عن هذا الموضوع يفرض نفسه بحدة من جديد، ملحا على تناول الكثير من الأسئلة والمزيد من التحليلات والتفاصيل، حتى لا نتعلل بتسارع الأحداث أو بتفاجئنا بها.

 

على صعيد فتح الأبواب مشرعة للمنتجات الأجنبية للتنافس مع الصناعات المحلية، وهو شرط تفرضه اتفاقية منظمة التجارة العالمية على الدول الأعضاء، هناك سؤال ملح ينبغي التعامل معه وكيف يمكن إيجاد مخرج لهذا الشرط. إن ما هو متوفر من معلومات يشير إلى أن هذه الفقرة تعني رفع للمقاطعة الإقتصادية العربية للمنتجات الإسرائيلية. وفي يقيني فإن اتخاذ قرار بتكريس المقاطعة أو إلغائها هو قرار سيادي، لكننا للأسف في عالم لا يحترم حقوق السيادة، فماذا سيكون جوابنا عليه. إن المملكة، كما هو معروف، ملتزمة بمقاطعة الكيان الصهيوني سياسيا واقتصاديا، حتى تعاد كافة الأراضي المحتلة للفلسطينيين والعرب… وحتى تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة فوق التراب الفلسطيني.

 

الأمر الآخر، ويتعلق بجملة القوانين التي تنظم مستوى تدفق حركة الأجانب من وإلى داخل البلاد، والحقوق التي يتمتعون بها أثناء فترة إقامتهم. وهل يحق للمملكة الإمتناع عن استقبال أو منع أفراد من جنسيات مختلفة أو من بعض الدول من الدخول، إذا ما رأت أن في ذلك تهديد لأمنها أو لمصالحها الوطنية. وكيف ستتفق القوانين والقرارات المحلية مع ارتباط بلادنا بمنظمة التجارة.

 

وهناك قضايا لا تقل أهمية، تتعلق بدور مؤسسات المجتمع المدني، وبالمؤسسات الحرفية والمهنية التي يشترط توافرها بالمملكة. وليس سرا أن تقاليد من هذا النوع لا زالت جديدة على بلادنا، وأن وتيرة تشكيل هذه المؤسسات لا تزال بطيئة، رغم أن الأيام تجري بسرعة، وربما فاجئنا الوقت قبل أن نكون قد قطعنا شوطا مهما في هذا المجال.

 

ولاشك أن الحاجة ملحة لإعادة النظر في الهياكل واللوائج والأنظمة والقوانين السائدة لكي تتكيف مع الأوضاع الجديدة. إن بلادنا بحكم التطورات الجديدة ستصبح جزءا من حالة اقتصادية كبرى، تشمل العالم بأسره. وإذا لم يكن أداؤنا متميزا في ما يتعلق بدقة العمل وبسرعة الحركة وشفافية الإجراءات والقضاء على البيروقراطية، فلن يكون في وسعنا أن نتقدم إلى أمام. وسوف يكون انضمامنا إلى هذه المنظمة عبئا على اقتصادنا وميزانيتنا، وستكون عامل هدر بدلا من أن تكون عامل تفعيل ونهوض.

 

ومن هنا ينبغي أن تتحول المملكة، على كافة الصعد الحكومية والرسمية والأهلية إلى ورشة عمل، منذ الآن لمعالجة حالات الإختلال، التي تعوق نجاحنا في عملية الإنضمام للغات. وخلال ذلك كله، لا بد من مواجهة صادقة وجرئية مع النفس. فلن يجدي نفعا خلق مؤسسات شكلية وهلامية نطلق عليها مؤسسات مجتمع مدني، لا تملك من أمرها شيئا، ولا تستطيع أن تلحق ضررا أو نفعا. فهذه المؤسسات إذا ما أريد لها أن تتحقق على الأرض، يجب أن تعكس وضعا مجتمعيا حقيقيا، وأن تعبر عن إرادة وحضور حقيقي للقوى التي تعبر هذه المؤسسات عنها، وتتحدث بإسمها، بما يتجانس مع أصول ومبادئ تقسيم العمل في ظل عقد اجتماعي شفاف وواضح، يحدد بجلاء علاقة البناء الفوقي بسفوحه ووديانه.

 

تمت على سبيل المثال انتخابات لمجالس بلدية في عموم المملكة، وكانت تلك خطوة إيجابية في اتجاه التماهي مع هذا العصر الكوني الذي نعيش في غماره، ولكننا لا نعلم، حتى الآن، شيئا عن موعد مزاولة هذه المجالس لأنشطتها. وبالمقابل، أعلن عن تشكيل بعض الجمعيات المهنية، ومؤسسات المجتمع المدني، لكن الواضح أن تأسيسها جاء هبة من الأعلى، ولم تكن شاملة ومكتملة بعد، وهي بالتأكيد ليست حاصل حراك وتفاعل حقيقي بين المجتمع والدولة.

 

وهو شأن لا شك ستنعكس آثاره بشكل سلبي، حيث ستغيب في هذه المؤسسات روح الإبداع والمبادرة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الزج بكل طاقاتنا الوطنية، في كل المجالات، للتنافس في سوق وعالم لا يحترم الضعفاء وليس فيه مكان إلا للأقوياء.

 

وحين نقول بأهمية معاودة تقييم هياكل وإدارات الدولة ولوائجها وأنظمتها، فلا مندوحة من الإشارة إلى المصاعب التي تنتج عن غياب اللامركزية في أجهزة هذه الدوائر. إن هناك قضايا كثيرة تتعطل فيها مصالح المواطنين نتيجة لوجود نظام مركزي صارم، لا يمكن الإداراة المحلية من اتخاذ القرارات السريعة بحقها. ومن المؤسف أن ذلك لا يشمل الدوائر الحكومية وحدها، بل يتعداها بكثير ليصل إلى مستوى المؤسسات التجارية والصناعية الصغرى. وإذا كان بالإمكان التعامل مع ما يلحقه ذلك من ضرر في السابق، فإن الإنضمام إلى السوق سوف يجعل مؤسساتنا المحلية كسيحة وغير قادرة على أداء عملها بكفاءة ومثابرة، وهو أيضا سوف يحجب عنها روح الإبداع والمبادرة التي هي عوامل أساسية وجوهرية للتنافس في كل سوق.

 

ويمكن معالجة النظام اللامركزي بمنح صلاحيات واسعة لإمارات المناطق، وربط معظم الدوائر الحكومية بها. وفي هذا الصدد فإن كثيرا من البلدان المتقدمة تدرك أهمية وجود وزارة للحكم المحلي، ترتبط بها الدوائر المعادلة للإمارات في بلادنا. ومعروف أن وزارة الداخلية قد اضطلعت لفترة طويلة بهذا الدور، فإضيف إلى أعبائها الجسيمة أعباء أخرى ثيقلة. وربما كان ذلك معقولا ومطلوبا في فترات لاحقة، لكننا الآن إزاء واقع متغير ومتحرك بشكل غير مسبوق، وينبغي أن يكون أداؤنا معه متوازنا وسريعا. إن إعطاء سلطات واسعة لإمارات المناطق وربطها بوزارة خاصة تعنى بهذا الشأن من شأنه أن يقلل من أعباء المركز، وأن يسرع باتخاذ القرارات، ويساهم في القضاء على البيروقراطية التي يبدو تفشيها طبيعيا ومنطقيا في ظل واقع الحال.

 

على الصعيد الإقتصادي، ينبغي معاودة التركيز على أهمية تحقيق الإندماج بين مختلف المؤسسات التي تقوم بأنشطة متشابهة، وخلق فرص استثمارية جديدة في السوق، تركز على الصناعات والمنتجات التي نستطيع أن نتنافس بها في السوق. وأن يتصاعف عدد شركات الأسهم من الـ 77 إلى مضاعفاتها، لكي نتجنب هدر الأموال، ونتجه إلى أنشطة إنتاجية حقيقية تقوى من اقتصاديا، وتجعله قادرا على الصمود والتنافس. كما ينبغي تطوير أنظمة السوق، بما يضمن تأمين حقوق المستثمرين ويقضي على التدليس والتحايل والتلاعب.

 

هكذا إذن بتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وتأسيس علاقات تعاقدية، والقضاء على البيروقراطية والإبتعاد قدر الإمكان عن المركزية، وإعادة النظر في هياكل ولوائح وأنظمة الدولة، وتنظيم حركة التدفق من وإلى البلاد، وتشجيع حركة الإندماج الإقتصادي بين المؤسسات، وتحويل البلاد من البحر إلى البحر ومن الشمال إلى الجنوب إلى ورشة عمل كبيرة استعدادا لليوم الذي نكون فيه عضوا كاملا وفاعلا في المنظمة، بتحقيق هذه الأشياء مجتمعة نضمن التقليل من المخاطر التي ستواجهنا غداء انضمامنا إلى السوق، ونجعل من الإنضمام لمنطمة التجارة العالمية خطوة إلى الأمام على طريق تعزيز قدراتنا الإقتصادية والتنموية، بدلا من أن تكون عبئا علينا ومعوقا لتقدمنا ونهوضنا. نحن أمام تحد حقيقي، أما أن نكون جديرين به، أو نقبع خارج التاريخ ولا خيار.

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2005-11-30

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

واحد × خمسة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي