حول الانتخابات البرلمانية العراقية

0 366

 

انتخابات أخرى، اقتربت من إعلان نتائجها، والموقع هذه المرة هو العراق، بعد انتهاء الانتخابات الجزائرية بإعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقه لدورة رئاسية رابعة. وكما لم تكن هناك مفاجئات بنتائج الانتخابات الجزائرية، هنا أيضا في العراق، لن تكون هناك مفاجآت ولا هم يحزنون. فسوف يحصد ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الحكومة نوري المالكي أغلبية المقاعد، ليواصل رئاسة الحكومة لدورة ثالثة على التوالي.

كانت نتائج الانتخابات الجزائرية، قد حكمها الحرص على استمرارية الحكم، وسط وضع متلاطم تعيشه منطقة الجوار، ويهدد استقرار البلاد، فكانت استمرارية النظام، من وجهة نظر كثير من الجزائريين، أمرا فرضته ضرورة الحفاظ على كيانية الدولة، وبقاء الجزائر موحدة في مواجهة الإرهاب.

الوضع مختلف جدا في العراق. فالانتخابات البرلمانية، تأتي وسط انقسام للكتل السياسية، وليست حصيلة توافق تلك القوى على برنامج سياسي موحد. فالتشطي هو الحقيقة المعترف بها من قبل الكل، وتشمل هذه الحالة، حتى الكتل الشيعية، التي ساندت المالكي في المرات السابقة. فالتيار الصدري اتخذ موقفا معاديا لنهج المالكي، وعمار الحكيم وقف حتى وقت قريب، منتقدا سياساته وطريقة إدارته للدولة. وكانت الاتهامات المتبادلة بين القوى المتصارعة عنيفة وشرسة، وصلت حد الاتهام بجر البلاد إلى التقسيم.

الانتخابات النيابية هذه المرة، هي الأولى، التي تجري في العراق بعد انسحاب الجيش الأمريكي. وفي وضع صحي فإن المفترض فيها أن تقود إلى تغيرات سياسية جوهرية، تعكس خلاص البلاد من قيود الاحتلال، ويكون من نتائجها إلغاء العملية السياسية، التي دشنت من قبل السفير الأمريكي، بول برايمز، ليعود العراق موحدا، لكل العراقيين، ولتسود دولة المواطنة، بدلا من المحاصصة والقسمة بين الطوائف. لكن ذلك لم يحدث، لسبب بسيط هو أن الاحتلال قد نفذ بقوتين: قوة الجيش الأمريكي، وميليشيات الطوائف المدعومة من قبل طهران.

انسحاب الجيش الأمريكي من العراق، ليس نهاية للاحتلال، طالما استمرت القوة الأخرى، المتمثلة في هيمنة أتباع إيران، على مفاصل الحكم والدولة في بلاد الرافدين. والنتيجة أن القوى السياسية العراقية المسنودة أمريكا، تراجع دورها السياسي، بعد انسحاب الجيش الأمريكي، لصالح حلفاء إيران.

يضاف إلى ذلك، أن هيمنة المالكي، على رئاسة الحكومة، لدورتين متعاقبتين، قد مكنته من السيطرة على جميع مفاصل السياسية، وما يعرف بعمق الدولة، من إعلام ومال ومؤسسات ثقافية ودينية واجتماعية، بما يمكنه من توجيه الماكنة الانتخابية، بالطريقة التي تخدم مصالحه. وكما في الانتخابات السابقة، صدرت أيضا هذه المرة فتاوى من مرجعيات دينية، تحرض أتباعها، على ممارسة حقهم في الانتخابات. وكانت الفتاوى تصدر في الغالب من جهات دينية، لا تقف بالضد من سياسات المالكي، رغم الفشل الذريع لسياساته بالدورتين السابقتين، في مقابلة استحقاقات الناس، والقضاء على الإرهاب.

لقد تمكن المالكي، إضافة إلى زعامته لائتلاف دولة القانون، من حيازة دعم ما يقرب من 20 قائمة انتخابية، تمثل قوى سياسية صغيرة، ولكنها عند اجتماعها تصبح مؤثرة، ومعظمها قوائم شيعية، وأنجز تحالفات مع أحزاب وشخصيات سنّية وكردية متفرقة، بما مكنه من حصد غالبية المقاعد في مجلس البرلمان العراقي، وبالتالي إعداد المسرح لتشكيل حكومته الثالثة.

ولا شك أن قرارات الاجتثاث، بحق أنصار النظام الوطني الذي أسقطه الاحتلال، وحرمان أتباعه من ممارسة حقوقهم السياسية، والمشاركة بحرية في الانتخابات، والحياة السياسية، قد حرم عشرات الألوف من العراقيين من ممارسة هذا الحق، وهؤلاء هم في الغالب ضد توجهات طهران، وأطماعها في الهيمنة على مقدرات العراق. والاجتثاث بهذا المعنى، سيسهم في توجيه نتائج الانتخابات، لصالح حلفاء طهران، بالضد من التوجهات الحريصة على وحدة العراق وعلى عمقه القومي العربي.

وطبيعي أن تعمل الحكومة الإيرانية، كل ما بوسعها، وأن تحشد طاقاتها، لكي يواصل المالكي رئاسة الحكومة. فقد تأكد طيلة السنوات الثماني المنصرمة، حرص المالكي، على ضمان استمرارية صيانة مصالح إيران في العراق، بما يؤمن ما صار يطلق عليه بالعمق الاستراتيجي الذي يصلها بالبحر الأبيض المتوسط، عبر بغداد، مرورا بمحافظة الأنبار، إلى الأراضي السورية، لتصل عبر جنوب لبنان، حيث يتواجد حزب الله، إلى شواطئ البحر الأبيض. وتلك مكاسب لن تفرط فيها القيادة الإيرانية، تحت أي ظرف، ما دامت قادرة على ذلك.

والنتيجة، أن العراق سيواصل لأربعة سنوات قادمة، في حال فوز المالكي، حالة اليأس والبؤس، وانتشار البطالة، واستفحال ظواهر الأمية، وتزايد عمليات الإرهاب، والقتل على الهوية، وتفشي الفساد، ومصادرة ثروات العراق وأمواله إلى الخارج، وهيمنة المنتفعين والانتهازيين، على مفاصل الدولة. ولن يتغير شيئا في البنية التحتية للبلاد التي تعرضت للخراب والدمار، وبقيت كذلك دون تغيير، بعد أكثر من مرور أحد عشر عاما على الاحتلال. فالنظام الذي فشل في السابق، في ظروف أفضل، وضمن تحالفات سياسية أعمق وأوسع، هو أعجز عن تنفيذ الوعود التي تعهد سابقا ولاحقا، بتحقيقها.

ولن يصدق العراقيون نقد المالكي المتكرر، للعملية السياسية التي هندس لها المحتل، وأوصلته إلى السلطة، والقائمة على القسمة بين الطوائف. فقد وصل إلى الحكم في دورتين متعاقبتين، والفضل في ذلك يعود إلى تلك العملية القائمة على القسمة. فليس يكفي القول إن نظام المحاصصة، سيضيع هيبة الدولة، ويقود البلاد إلى التفتيت، وعلى حد وصف سامي العسكري، القيادي المقرب منه: «محاولة تحويل المركز إلى مجرد مصرف يوزع الأموال على المحافظات والأقاليم».

فالمهم كما يقال هي الأفعال لا الأقوال، وممارسة المالكي طيلة حكمه تتجه إلى أخذ العراق نحو التفتيت، وتنفيذ قرار الكونجرس غير الملزم بتقسيم العراق إلى دول ثلاث، ما لم ينهض العراقيون بمشروع آخر، ينهي إلى الأبد العملية السياسية، التي أودت لفدرلة العراق، على أساس القسمة، فتحقيق ذلك، يمثل المحطة الأولي، على طريق استعادة العراق لعافية، وعودته بلدا عربيا محررا، ولكل العراقيين.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنان − اثنان =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي