حول الإنتخابات الأمريكية الرئاسية المقبلة

0 185

في الحديث الماضي سلطنا الضوء على بعض جوانب الأداء الاقتصادي لإدارة الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش، واستخلصتا من قراءتنا إلى أن ذلك الأداء لم يكن إيجابيا ولا واعدا. ووعدنا القارئ الكريم أن نتناول محاور أخرى، ذات تأثير مباشر على التنافس، الذي من المتوقع أن يستعر خلال الأيام والشهور القادمة على من يصل سدة الحكم ويتربع على العرش في البيت الأبيض.

 

والواقع أنه بقدر ما تكون الدورة الرئاسية الأولى عاملا إيجابيا، للرئيس الأمريكي، حين يكون الأداء جيدا فإنها تكون سلبية حين يكون الأداء باتجاه معاكس للتيار، ولرغبات الناس وآمالهم.

 

وعلى هذا الأساس، فإنه أمام المعضلات الكبيرة التي واجهت إدارة الرئيس بوش، خلال الفترة المنصرمة من الدورة الأولى، وبخاصة حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكيفية ردود أفعالها واستجاباتها تجاهها، وكيفية صناعة قراراتها، وفشلها الذريع، فيما يدعى بالحرب على الإرهاب، والتي تشير في مجملها إلى ضعف أدائها، فإن الكفة لا يمكن أن تكون متعادلة بين المتنافسين، بوش وكيري، ذلك أن الأخير يدخل اللعبة الإنتخابية غير مثقل بأعباء الإخفاقات والفشل الذي يثقل خصمه, بل إنه في واقع الأمر يدخل معركة التنافس على الرئاسة مدعوما بسجل وطني مشرف للغاية، بالقياسات الأمريكية العامة، وبكاريزما لم ينالها منافسه.

 

ففي الوقت الذي، يسجل على الرئيس بوش فشل برنامجه الإقتصادي وفقدانه للجاذبية المطلوب توافرها في شخص يحتل موقعا كالموقع الذي يحتله، تتناقل وسائل الإعلام الأمريكية أن الرئيس بوش لم يكن متماسكا أثناء حوادث سبتمبر وأنه بقي معلقا بين السماء والأرض، ومتنقلا في حالة رعب وفقدان للتوازن من مدينة إلى أخرى ومن مطار لآخر دون أن يهبط إلى الأرض، مما اضطر والدته للإتصال به وتوبيخه، قائله له إنها تفضل أن يكون ابنها صريعا في سبيل للواجب من أن يقال عنه رعديد وجبان، فإن سجل منافسه كيرى يشير إلى أنه عاد من فيتنام بطلا محملا بأنواط الشجاعة، رغم أنه كان أحد أكثر منتقدي تلك الحرب. ويشير مؤيدوه إلى أنه يتمتع بنوع خاص من الكاريزما، حيث يتصف بطول القامة والذكاء كما يتمتع بالأرستقراطية التي تتماشى مع تطلعات وطرق تفكير الشعب الأمريكي. كما ستركز إدارة الحملة الإنتخابية الخاصة به على دوره كسناتور أمريكي لما يقرب من عشرين عاما. وسوف يكون له تأييد واسع في أوساط الليبراليين الذين يؤكدون هدوءه وقوة تماسكه وتوازنه والتزامه بالموضوعية في الشؤون الخارجية، واهتمامه الخاص بالشؤون التي تهم الجمهور,

 

وقد شمل برنامج كيري الإنتخابي الداخلي، ضمن ما ورد فيه، عزمه على توسيع نظام الرعاية الصحية كي تصل إلى ملايين الأمريكيين الذي لا تشملهم خطط الرعاية الصحية العامة والخاصة، وزيادة الدعم من أجل التعليم وخفض الضرائب على الطبقة المتوسطة. ومثل مرشحين ديمقراطيين آخرين فإن كيري يقترح أن تسدد قيمة هذه البرامج عن طريق زيادة النسب الضرييبة على الأمريكان من الطبقات الثرية. وجميع هذه الأهداف هي ضمن المطالب الحيوية للغالبية الساحقة من الأمريكيين,

 

وعلى الرغم من جون كيري صوت في الكونجرس لصالح قرار الحرب على العراق، إلا أنه حاليا ينتقد الرئيس بوش لعدم اتخاذ الإجراءات الكافية بشأن مساعدة الحلفاء، ولعدم وجود خطة واضحة للاستقرار وإعادة البناء بعد الحرب.

 

وإذا كان كيري قد ركز في الأيام الأولى من الحملة على حسم الصراع بينه وبين منافسيه من الحزب الديموقراطي، وتجنب الحديث بشكل مكثف عن أداء الرئيس بوش في الحكم، فإنه بعد أن تأكد له الفوز، بترشيح حزبه له، بشكل لا يرقى له الشك، وبعد أن ضمن فوزا ساحقا على منافسيه بالانتخابات التمهيدية في أربعة عشر ولاية من أصل ستة عشر، فإن من المتوقع أن يبدأ، منذ الآن، في تصعيد حملته ضد الإدارة الحالية، وربما ضد الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني بشكل خاص.

 

ولا شك أنه سيصبح من الصعب على كلا المتنافسين في هذه الحملة الفصل بين ما هو داخلي وما هو متعلق بالسياسة الخارجية، وهو أمر كان من الممكن حدوثه في دورات انتخابية أخرى. فعلى سبيل المثال، ستجد الغالبية من الشعب الأمريكي من الصعوبة أن تفصل بين الحرب على العراق وبين سياسة التزوير والكذب التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية لتبرير تلك الحرب، والزج بشبابهم في محرقتها. لقد للكل تكشف بطلان الادعاء بوجود أسلحة دمار شامل لدى العراق، والذي بنت عليه إدارة الرئيس بوش مبرراتها لشن الحرب، مدعية أن هناك تهديد حقيقي للأمن القومي الولايات المتحدة الأمريكية ذاته، بسبب وجود تلك الأسلحة. كما لم يثبت حتى الآن التعاون المزعوم بين النظام العراقي القائم حتى عشية الإحتلال في نيسان/ أبريل من العام الماضي وبين تنظيم القاعدة. إن ذلك يشير، في كل الأحوال، وأي يكن المسؤول، إلى خلل كبير وفاضح في صناعة القرار لدى الإدارة الحالية.

 

وسوف يكون من الصعب على طاقم الرئيس بوش تسويق القيام بالعدوان على العراق واحتلاله بالاحتماء إما بتقارير الاستخبارات الأمريكية غير الدقيقة حول هذا الموضوع، أو طرح أهداف جديدة أخرى للحرب غير تلك التي كانت معلنة، كالقول بالديموقراطية وحقوق الإنسان، خاصة وأن اليمين المحافظ الذي يضطلع برسم الإستراتيجية الأمريكية في هذه المرحلة، لم يخف نواياه في الهيمنة على العالم، كما لم يخف نهمه في الاستيلاء على النفط العراقي، ولم يتردد عن فضح نواياه في صياغة خارطة سياسية جديدة، بشكل دراماتيكي، لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها. وستكون التقارير التي قدمتها لجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، وآخرها تقرير رئيس اللجنة، هانز بليكس، وتقرير لجنة التفتيش عن البرنامج النووي الذي قدمه رئيس اللجنة، محمد البرادعي لمجلس الأمن الدولي، فنيل إعلان الحرب بفترة وجيزة، والتي لم تؤكد على وجود تلك الأسلحة، ستكون أوراقا رابحة في يد جون كيري في سعيه الحثيث لأخذ مكان الرئيس بوش في البيت الأبيض.

 

ومن جهة أخرى، ستكون تهم الفساد بحق أعضاء متنفذين بإدارة الرئيس بوش، ربما يكون نائبه ضمنهم، أوراقا رابحة بيد المنافس الديموقراطي. فقد تكشف للأمريكيين تهافت الشركات المقربة من إدارة الرئيس بوش على احتكار ما يدعى بمشاريع إعمار العراق لصالحها. فهناك حديث عن استفراد شركة بكتل بنقل طلبة المدارس الابتدائية في المدن العراقية لصالحها.

 

وفي الأيام الأخيرة أخذت ذكرت بعض الصحف الأردنية أن شركة هيوبرتون التي كان ديك تشيني رئيسا لها، والتي يملك أسهما كبيرة فيها قد احتكرت لنفسها عقدا خاصا قيمته مليار دولار لتدريب الشرطة العراقية، ولزمته هاليبورتن بعقد من الباطن إلى شركة محلية بـ400 مليون ولزمته هذه الأخيرة إلى الجهة التي تقوم فعلاً بالعمل بـ25 مليون دولار فقط لا غير،أي نهب ما يزيد عن 975 مليوناً من أموال العراق. وتعتبر هذه الحالة، نموذجا كاريكاتوريا لحالات وممارسات نهب واسعة، تفسر بشكل جلي، وتروي بوضوح الأسباب الحقيقية لقيام الأمريكيين باحتلال العراق.

 

وسيكون استمرار المقاومة في العراق، وفشل الأمريكان في أعادة الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وارتفاع أرقام القتلى الأمريكيين، وحالة الاحتقان العام والعداء الصريح الذي يسود العالم تجاه السياسة الأمريكية، ستصب جميعا لمصلحة هزيمة إدارة الرئيس بوش وفوز منافسه جان كيري.

 

هكذا تبدو الصورة الآن، ما لم تحدث تغيرات درامية تقلب المعادلة رأسا على عقب، وتكون في صالح الرئيس بوش وذلك ما لا تلوح بوادره حتى هذه اللحظة.

 

ـــــــــــــــــــــــ

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2004-02-18

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

16 − خمسة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي