حول الأهداف التنموية للألفية في البلدان العربية

0 204

في عام 1990 تبنت هيئة الأمم المتحدة، في مؤتمر قمة لها عقد بمقرها الرئيسي في نيويورك، ما عرف بـ “أهداف التنمية الألفية”. وقد قيل في حينه أن تلك الأهداف هي تعبير عن التطلعات الأساسية للناس في حياة أفضل، من خلال الإلتزام بتطبيق أهداف محددة، بأرقام وأطر زمنية واضحة، يجري إنجازها خلال ربع قرن، يبدأ مع عام 1990م، وينتهي في عام 2015م. إن الغاية من تطبيق هذه الأهداف هي خفض نسب الفقر والجوع إلى النصف، وتطبيق التعليم الابتدائي على مستوى شامل، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وخفض مستوى الوفيات بين الأطفال دون الخمس سنوات إلى الثلثين، وخفض معدل الوفيات بين الأمهات بنسبة ثلاثة أرباع، ومكافحة فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والملاريا والسل وضمان الاستدامة البيئية، وبناء شراكة عالمية للتنمية.

 

وفي إطار مناقشة ما تحقق من هذه الأهداف في بلدان الخليج العربي، عقدت في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر بفندق الدبلومات بالمنامة- البحرين ندوة مقاربة لتحقيق أهداف الألفية للتنمية في الخليج العربي، بإشراف الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية. وقد حظيت بشرف تلقي الدعوة للمشاركة بهذه الندوة، والمساهمة في مناقشاتها، وتقديم ورقة شملت تسجيل بعض الملاحظات على بيان التنمية الألفي ذاته، آنف الذكر.

 

هدف هذا الحديث هو تسجيل بعض النقاط الهامة حول المناقشات التي دارت في الندوة المذكورة، نظرا لأهمية وخطورة موضوع التنمية، وتأثيره المباشر على مسيرة التطور والنهضة في بلدان المنطقة.

 

والواقع أن أية قراءة نقدية لبيان الألفية تستدعي استحضار الأهداف التي تضمنها البيان المذكور. لقد أشار البيان إلى ثمانية أهداف، وحدد لكل هدف غايات ومؤشرات. والمشكلة التي تواجهنا هو أن الأهداف والغايات والمؤشرات على السواء أعطيت طابعا تعميميا شمل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، دون مراعاة للمراحل التي قطعتها الدول المتقدمة، أو تلك التي لم تبدأ بعد رحلة السير نحو التطور والنماء. فعلى سبيل المثال، جاء في الهدف الأول للتنمية القضاء على الفقر والجوع الشديدين. وفي هذا الصدد، حددت الغاية في تخفيض نسبة عدد الأشخاص ذوي الدخل الذي يقل عن دولار واحد يوميا إلى النصف بين عامي 1990- 2015. إن هذا الهدف، كما يبدو، ليست له علاقة البتة ببلدان الخليج، ولا ينطبق على واقعها بأي شكل من الأشكال. فنسبة دخل دولار واحد للفرد في هذه البلدان، إذا أخذنا القدرة الشرائية، ونسبة التضخم، ومتطلبات الحياة اليومية، تعني ما هو أسفل قاع حد الفقر. ومن هنا فإن تحقق هذه النسبة لا يعني إطلاقا القضاء على الجوع والفقر في أقطار الخليج العربي. ومن هنا فإنه مع التسليم بأهمية الأهداف التي جرى تبنيها، فإن الغايات والمؤشرات التي طرحت لا تستجيب لتلك الأهداف عندما يتعلق الأمر بواقع بلدان الخليج العربي.

 

ومثل هذا القول ينسحب أيضا على الهدف الثاني الذي تبناه مؤتمر القمة العالمي، والمتعلق بتعميم التعليم الابتدائي الشامل. فهذا الهدف لا ينبغي الحديث عن تحقيقه في بلدان مضى على بعضها أكثر من سبعين عاما، منذ بدأت في تصدير النفط بكميات تجارية ضخمة. إن ثورة الاتصالات والكمبيوتر تجعل من التعليم الابتدائي بشكله التقليدي القديم، وجها أخر من أوجه الأمية. لم تعد قضية محور الأمية مرتبطة بالقراءة والكتابة فحسب، دون إجادة للتعامل مع الحاسب الآلي وواحدة على الأقل من اللغات الحية، إضافة إلى اللغة الأم. لابد عند الحديث عن مكافحة الأمية أن يصار إلى مناقشة نوعية التأهيل والبرامج والمواد التي ينبغي تضمينها في المرحلة الابتدائية، بما يتماشى مع روح العصر وقوانين التطور.

 

لابد أن تعالج البرامج التربوية قضايا ملحة، تهدف إلى التخلص من سيادة نمط التقاليد الاجتماعية البالية والمعوقة لعملية النهضة والتطور، تلك التي تعزز نظام الطاعة الصارم والاستسلام، والقبول بواقع الحال، وترسخ عوامل التخاذل، وتعطل من روح المبادرة والإبداع.

 

ومثل ذلك أيضا ينطبق على مشاركة المرأة في الحياة السياسية في البلدان العربية. إن الكلام عن كوتا، أو نسبة لتمثيل المرأة في صناعة القرار السياسي العربي، يفترض مقدما وجود مؤسسات تشريعية حقيقية في الوطن العربي. وهو أمر للأسف غير موجود في الغالب. وهو إن توفر في بعض البلدان، فلأغراض ديكورية واحتفائية تفتقر إلى المصداقية، ومهمتها في الغالب هي التصديق والتصفيق والموافقة على المراسيم والقرارات التي تصدرها الهيئات الحكومية. وليس من جدال، في أن مشاركة المجتمع في صناعة نهضته وبناء بلده يقتضي مشاركة في الحياة السياسية، وإسهاما حقيقيا في صناعة القرار، بما في ذلك صياغة التشريعات ومراقبة تحقيقها، ومحاسبة الجهات التنفيذية والتأكد من حسن أدائها لعملها.

 

إن الحديث عن مشاركة المرأة الذي أشار له بيان الأهداف الألفية للأمم المتحدة، ينبغي أن يبدأ من مقدمات جوهرية أخرى لا غنى عنها، من ضمنها العقد الاجتماعي، بين الحاكم والمحكوم، ومعالجة الخلل في توازن القوة الاقتصادية الذي ينتج عنه بالتأكيد خلل في الحقوق السياسية. وهكذا فإن أي حديث جدي عن مشاركة الجمهور في صناعة القرار ينبغي أن ينطلق من إعادة تشكيل الهياكل الاجتماعية، بما يضمن انبثاق قوى حية جديدة قادرة على التنافس مع الواقع المعاش. ومن هنا أيضا فلا مناص من التأكيد على التلازم بين فكرة العدل الاجتماعي والمساواة، كمقدمات لا غنى عنها لمشاركة المواطن الخليجي في بناء بلده.

 

إن قراءة بيان الأمم المتحدة المتضمن للأهداف التنمية، يوضح بأنه لم يأخذ بعين الاعتبار خصوصية البلدان الموجه إليها. ولذلك جاء ركيكا وفضفاضا وضبابيا، رغم كل محاولات الإيحاء بفرادته، وعمقه ووضوحه. إنه لم يتحدث مثلا عن مصادر تمويل هذه الأهداف، وترك ذلك معلقا دون الإشارة له.

 

وحتى عندما تحدث بيان قمة الأمم المتحدة عن شراكة دولية فإنه تناسى أن العلاقات بين الدول الغنية والفقيرة ليست تكاملية ابتداء، بل علاقات صراع، تقوم على الهيمنة والقهر والتسلط والتفرد، ويحكمها قانون التطور اللامتكافئ. والحديث عن مساعدات تقدمها الدول الصناعية للدول الفقيرة كان دائما، ولا يزال مصدر ابتزاز يمارسه القوي بحق الضعيف. وقد رأينا بأم أعيننا النتائج التي تؤول لها القروض التي يقدمها بنك التنمية الدولي للبلدان المتخلفة. فهذه القروض غالبا ما توجه نحو صفقات احتيالية وتساهم في تعميق حالة الفساد. وحين يأتي أوان السداد، لا يكون بإمكان الحكومات المستدينة دفع مستحقات البنك. فيقوم البنك بصياغة برنامج تقشف يشمل رفع أسعار الكهرباء والبنزين والطحين والملح والسكر، وتكون ضحاياه الغالبية من الشعوب المطحونة، ليضيف إلى ثقل معاناتها أثقالاً تنوء بحملها الجبال، فتكون النتيجة تمرد وانتفاضات وغياب للأمن والإستقرار.

 

لابد، عند الحديث عن تنمية حقيقية، أن ننتقل من العام إلى الخاص، وأن نتعامل مع بلدان الخليج، في عصر التكتلات الكبرى، كوحدة إقليمية، هي بدورها جزء من منظور أقليمي أوسع، يشمل الوطن العربي بأسره. إن ذلك وحده هو السبيل للانتقال من حالة الإقتصاد الريعي، والطبيعة المربكة وغير الواضحة لمؤشرات الإقتصاد المستقبلية الناتجة عن أحادية مصدر الدخل المتمثلة في النفط، إلى عالم تتعدد فيه مصادر الدخل. وبالقدر الذي يجري الإهتمام فيه بالقطاعات الخدمية والسياحية فإنه ينبغي التركيز على السير في التصنيع، وخلق القوى الذاتية المحركة، وتشجيع القطاع الخاص على الولوج في عملية الإنتاج، من منظور متصور وتخطيط شاملين، وخلق الحوافز اللازمة لذلك.

 

إن هذا العصر ليس فيه مكان للضعفاء، وهو عصر الأبعاد الكبيرة والكتل الضخمة. ولذلك فلن يكون للعرب أي مكان، ما لم يمتلكوا مشروعا تنمويا ضخما، يستند على قواعد مادية متينة، وذلك لن يتحقق إلا من خلال تكامل اقتصادي عربي، كمقدمة لتحقيق الوحدة الاقتصادية العربية، وصولا إلى تحقيق صيغة من صيغ الإتحاد السياسي بين البلدان العربية. وهكذا تبقى مسألة بعث الروح للعمل العربي المشترك، والتضامن العربي قضية كينونة، قضية “أن نكون أو لا نكون”، وتلك هي المعادلة التي ينبغي أن نجيب عليها.

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2004-12-08

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أربعة + سبعة عشر =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي