حوار أجرته مجلة الهدف الفلسطينية
كيف تقرأون تطور الصراع الصهيوني- الفلسطيني في الفترة الأخيرة، خاصة أحداث يوم الأرض. وما تعليقكم على حجم العنف الممارس ضد الفلسطينيين العزل؟
الصراع بين الصهاينة والفلسطينيين، في المرحلة الأخيرة، ليس في أسوأ حالاته، على الرغم مما يبدو على السطح من مظاهر لا تبعث على الأمل. لقد أكدت التجربة التاريخية، أن المشروع الصهيوني يتقدم، حين يتراجع الفلسطينيون عن المقاومة، وحين يغفل العرب عن نصرة قضيتهم المركزية. أما حين يبدع الفلسطينيون، في تطوير أشكال مقاومتهم للاحتلال، فإن العدو يتحول من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع.
والغطرسة الصهونية، المتسمة بالإفراط في استخدام القوة، ليست سوى الدليل القاطع، على حالة الارتباك التي يعيشها الكيان الصهيوني، والخشية من تصاعد المقاومة الشعبية الفلسطينية، واتخاذها أشكالا أخرى، قادرة على إلحاق الأذى بالمشروع التوسعي الصهيوني.
على الصعيد العربي، الوضع المتردي لا يزال قائما، لكن مقاربة الواقع الأن عنه في السنوات الأخيرة، يوضح بما لا يقبل الشك فشل مشاريع تفتيت المنطقة. فقد تم إلحاق هزائم ماحقة للتنظيمات الإرهابية في سوريا، وهزمت داعش في العراق، وتضعضعت العملية السياسية التي هندس لها السفير الأمريكي بول برايمرز في العراق، والقائمة على المحاصصة بين الطوائف والأقليات. وأدرك كثير من العراقيين، بعد سنوات عجاف مرت بأرض السواد، مخاطر الاحتلال، والمشاريع الطائفية التي ارتبطت به. ويمكن القول بأن هناك ما يمكن أن نطلق عليه مجازا بعودة الوعي، لدى معظم العراقيين، والأوضاع في أرض الكنانة، هي أفضل بكثير مما كانت عليه في العقود السابقة، رغم وجود بؤر متناثرة للإرهاب. ومن المؤكد أن ينعكس الأداء الاقتصادي لاحقا على الموقف السياسي. كما أن الأوضاع في تونس والمغرب، تؤكد تنامي دور الحركة الشعبية في البلدين الشقيقين.
جميع هذه مؤشرات، تشي بأن الأمور الآن فلسطينيا وعربيا، هي أفضل مما كانت عليه من احتلال العراق عام 2003، حين بدأ عمليا وضع مشاريع التفتيت قيد التنفيذ. وستنعكس آثار هذا الوضع الجديد على القضية الفلسطينية. وربما نضع مبادرة المصالحة المصرية بين الفلسطينيين، كدليل على الدور الذي تريد القيادة المصرية لعبه تجاه هذه القضية.
مظاهرات الغضب الفلسطينية، التي بدأت فور إعلان الرئيس الأمريكي ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس، واستمرت لأكثر من أربعة أشهر، وتصاعدت في الأسابيع الأخيرة، مع مسيرات العودة، دليل آخر، على أستحالة شطب القضية الفلسطينية، وأنها ستبقى حية وستتجه إلى الأمام، إلى أن تحقق أهدافها في إلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني.
منذ اعلان ترامب القدس عاصمة للكيان الغاصب، أزدادت عطرسة الاحتلال، من خلال مشاريع تهويد وسن قوانين تصفية القضية الفلسطينية، فهل يتجه فعليا إلى تصفية هذه القضية؟
بالنسبة لغطرسة الاحتلال، فذلك يمكن تلخصيه في مقاربة خلاصتها أنه كلما تصاعد النضال الفلسطيني، كلما تصاعدت غطرسة الاحتلال. فحين يتمكن الاحتلال من بناء مستوطناته وجدرانه العازلة في الضفة والقطاع ومدينة القدس، دون مقاومة لن تكون هناك له حاجة جدية لممارسة الغطرسة. أما حين يواجه بمقاومة الشعب المحتل، فإنه يمارس جبروته وغطرسته بمختلف الأشكال.
وهكذا يمكن القول، إن غطرسة المحتل، دليل واضح على أن النضال الفلسطيني، يسير على السكة الصحيحة. وأنها قد ألحقت الأذى فعليا بمشروع التوسع الصهيوني. التضحيات في هذا السياق كثيرة، وقافلة الشهداء كبيرة، لكن هذا هو قدر الفلسطينيين، ولا مفر من السير في طريق النضال والكفاح حتى تحقيق النصر.
التهويد بدأ بشكل تراكمي منذ لحظة الهزيمة في حزيران/ يونيو 1967. وأكثر من 52% من الأراضي الفلسطينية التي تم احتلال عام 1967 قد تم تهويدها، بحيث يمكن القول، أنه لا يوجد للسلطة الفلسطينية، في ظل الواقع الراهن ما يمكن أن تتفاوض عليه. نجاح عملية التهويد مرتبطة، بمستوى التسليم من قبل السلطة والفلسطينيين، بالواقع القائم. أما إذا استمرت المقاومة، وتصاعدت فإن حقائق سياسية جديدة ستبرز، تجبر الصهاينة على تغيير مواقفهم، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، على الأقل ضمن ما كفلته قرارات مجلس الأمن الدولي، 242و338.
ردود الفعل العربية على قرار ترامب، ضعيفة جدا، ويكثر الحديث عما يسمي صفقة القرن، فكيف تنظرون للرد العربي على واحد من أخطر المشاريع الهادفة إلى اجتثاث القدس من فلسطين؟
ردود الفعل العربية الرسمية، كانت دائما متخاذلة تجاه النضال الفلسطيني، والقضية المركزية للعرب جميعا, وحدهم الفلسطينيون يصنعون ملحمة التغيير، ووحدهم يخلقون بيئة يتصاعد فيها الدعم الشعبي العربي لقضيتهم، ويجبرون القيادات العربية، على تصليب موقفهم باتجاه تأييد حقوق أشقائهم في فلسطين. وكلنا يتذكر كيف غير انطلاق المقاومة الفلسطينية المناخ العربي، وكيف تشكلت بيئة شعبية عربية مناصرة للمقاومة. والقول هذا يصدق على انتفاضة أطفال الحجارة في نهاية الثمانينات من القرن العشرين، وانتفاضة الأفصى في مطالع هذا القرن. لقد خلقت هذه الانتفاضات، والمقاومة قبل ذلك، بيئة عربية مناصرة لفلسطين، أجبرت القيادات العربية، على اتخاذ مواقف مناصرة، لأشقائهم، أضافت زخما للنضال الفلسطيني، رغم أنها لم تصل إلى المستوى المنشود,
صفقة القرن، لا يمكن قراءتها بمعزل عن مشاريع مشبوهة سابقة، كمشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي جرت تسميته بالجديد مع مجيئ جورج بوش الإبن، والمرتبط بما أطلق عليه بالفوضى الخلاقة، وما لحقه من تداعيات ما بات معروفا بالربيع العربي. والهدف هو إلحاق الضربة القاضية بمشروع النضهة العربية، والتصفية النهائية للقضية الفلسطينية. والخضوع العربي الكامل لمشاريع الهيمنة، وتسليم الثروة والإرادة لصالح المركز في واشنطون.
“صفقة القرن”، صفقة غامضة إلى حد الآن، برأيكم ما هي الاحتمالات الممكنة التي تتضمنها هذه الصفقة؟
رغم أن الرئيس الأمريكي ترامب، لم يعلن حتى هذه اللحظة تفاصيل “صفقة القرن”، لكن الكلمة ذاتها تحول كثيرا من التهويل الفارغ. ذلك أن كل من سبقوه من الرؤساء الأمريكيين، أضاف بشكل أو بآخر، قوة للمشروع الصهيوني. وقد بات مؤكدا أن هذا المشروع، ليس سوى أسطول ثابت للولايات المتحدة، شأنه شأنه الأساطيل الأخرى، التي تجوب البحر الأبيض المتوسط، والتي تؤدي هدفا واحدا، هو إخضاع المنطقة بأسرها للمشروع الإمبريالي- الصهيوني.
هناك حالات عديدة، يتراجع فيها الرؤساء الأمريكيون عن تقديم الدعم الفاقع للكيان الصهيوني، كما في عهد الرئيس بوش الأب، لكن هذه الواقف في النهاية تهدف لخدمة المشروع الصهيوني، فثمن تجميد تقديم الدعم المالي لبناء مستوطنات صهيونية جديدة، الذي قدمه جورج بوش في التسعينيات هو تدمير القوة العراقية، التي هي بالتأكيد الرصيد الاستراتيجي للعرب جميعا، وللفلسطينيين بشكل خاص. والحال هذا ينطبف على مواقف أخرى، تبناها قلة من الرؤساء الأمريكيين.
بالنسبة لصفة قرن ترامب، هي استمرار لمشاريع التفتيت، وخلاصتها كما توضع هي حرمان الفلسطينيين من دولة مستقلة حتى على الشطر الذي تم احتلاله في حرب 1967م. وضم القدس للكيان الصهيوني، والعودة لمشروع رونالد ريجان في بداية الثمانينات من القرن المنصرم، وهو منح الفلسطينيين حكم ذاتي، ومنح الكيان الغاصب حق السيطرة العسكرية الدائمة على مناطق الحكم الذاتي، وتحقيق تكامل اقتصادي بين إسرائيل والحكم الذاتي والإردن، بحيث تكون مناطق السلطة، معبرا حقيقيا للتسلل الإقتصادي والسياسي الصهيوني لكافة أرجاء الوطن العربي.
قرار ترامب الفاقع عن ضم القدس، ونقل سفارة بلاده للكيان الغاصب، كان قرارا غبيا، أفسد صفقته بشكل كامل وخلق بيئة ممانعة قوية فلسطينية، ستفشل المشروع حتما، وتعيد إلى النضال الفلسطيني ألقه. ولا تبدو هناك أية إمكانية لعبور هذه الصفقة.
نلاحظ أن الوضع الداخلي الفلسطيني يساهم بدرجة كبرى في إضعاف الموقف الوطني، في مجابهة الاحتلال، فما هي مقترحاتهم للخروج من هذا الوضع؟
الموقف الرسمي الفلسطيني، لم يكن له دور منذ عام 1967م، في قيادة النضال الفلسطيني بالأراضي المحتلة. كانت المقاومة الفلسطينية ترتكز على المنافي، وتحديدا المخيمات الفلسطسينية في الأردن وسوريا ولبنان، حيث شكل اللاجئون الفلسطينيون العمود الفقري لحركة المقاومة الفلسطينية,
منذ منتصف السبيعينات، برزت حالة النهوض الشعبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولحقت بها منظمة التحرير الفلسطينية. والحال هذا ينسحب على انتفاضة أطفال الحجارة، التي بدأت حركة عفوية، ثم تحولت إلى عمل منظم، أجبر قيادة منظمة التحرير، بقيادة ياسر عرفات على الالتحاق بها واستثمارها في عملية المقاوضات مع الكيان الصهيوني، التي انتهت بتوقيع اتفاقية أوسلو.
كما في المرات السابقة، سوف تجبر القيادات الفلسطينية، في حالة استمرار مسيرات العودة، والتحاق الشسعب الفلسطيني في الضفة الغربية والأراضي التي جرى احتلالها في عام النكبة بالانتفاضة، على الارتباط بها ودعمها.
هناك شروخ كبيرة بين القيادات الفلسطينية، من ضمنها الاختلاف حول استراتيجية الكفاح، ورفض كثير منهم سياسة التفريط التي اتبعتها السلطة الفلسطينية. ولكن السلطة، رغم كل تنازلاتها وتفريطها، قد وصلت إلى طريق مسدود, وسيكون عليها التوصل إلى اتفاق مع بقية أطراف المقاومة، على مواجهة المحتل، وتصعيد المقاومة بكافة اشكالها ضد الاحتلال.
يبدو أن لا مفر من التوصل إلى مصالحة بين الفلسطينيين، والظروف تبدو ملائمة لتحقيق ذلك الآن. والأشقاء في مصر يضغطون بذلك من أجل تحقيق ذلك. لا نتوقع توافقا استراتيجيا، بعيد المدى بين مختلف الفصائل، لان ذلك لا يتناسب مع طبيعة ومواقف هذه المنظمات، ولكن ذلك لن يكون مانعا في التوصل إلى صيغة عملية لمواجهة تداعيات مواقف ترامب في هذه المرحلة. وهو ما نتطلع له في الأيام القادمة.
ما هي خيارات المقاومة العربية، للتصدي للمشروع الصهيو- أمريكي لكامل المنطقة، خاصة بعد سقوط أوراق ما يسمي الربيع العربي؟
خيارات المقاومة العربية، حددها الفلسطينيون أنفسهم. وهناك حاجة إلى دعم شعبي عربي، ولعل تشكيل جبهة تحرر عربية، تضم القوى الرافضة للمشروع الامبريالي، وتصيغ استراتيجية واضحة لدحر المشروع الامبريالي- الصهيوني يشكل خطوة عملية في الطريق الصحيح. وسيكون من شأن ذلك إجبار النظام العربي الرسمي على اتخاذ مواقف مناسبة تسهم في تصليب النضال من أجل تحرير فلسطين، وإفشال المشروع الامبريالي تجاه الأقطار العربية.