حضور قوي لغزة بالمناظرة الرئاسية
د. يوسف مكي
لم تجانب المرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي الصواب، حين صرحت بأنها ليست الرئيس جوزيف بايدن، كما أنها ليست دونالد ترامب. فالرئيسان بايدن وترامب، ينتميان إلى الجنس الأبيض، الجنس الأنجلوسكسوني، ولا يخفيان اعتدادهما به. والأخير، لا يتردد عن ابداء مواقفه العنصرية، تجاه المهاجرين، الذين يصفهم بأكلة الحيوانات الأليفة، وفقا لتصريحه في المناظرة الرئاسية التي جمعته مع المرشحة الرئاسية كمالا هاريس.
أصول المرشحة الرئاسية، كمالا هاريس، من أم هندي، وأب من جمايكا، يجعل لغتها مختلفة، عن لغة بايدن وترامب، ليس فقط تجاه قضايا الهوية والموقف من المهاجرين، بل أيضا تجاه السياسات الاقتصادية الداخلية، وأيضا تجاه المسائل الأخرى، وبضمنها حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل تجاه المدنيين في قطاع غزة، و الضفة الغربية ومدينة القدس.
علاقة بايدن وترامب بإلكيان الصهيوني، تكاد تصل إلى الانتماء الصوفي. فترامب، اعترف بمدينة القدس الموحدة، عاصمة أبدية لإسرائيل، خلافا للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، وبالضد من القانون الدولي، التي ترى في القدس الشرقية، أرضا محتلة، ويعتبرها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المرتقبة. أما جوزيف بايدن، فصرح في عدد من المرات، بأنه صهيوني، وأن إسرائيل لو لم تكن موجودة لوجب العمل على إيجادها. ووزير خارجيته، أنطوني بلينكن، يجاهر بتأييده المطلق لإسرائيل، في مواجهة سكان غزة.
صحيح أن بايدن، بخلاف ترامب، يؤكد على أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة، تأخذ مكانها بالضفة الغربية وقطاع غزة، وأن الجزء الشرقي من القدس، هو جزء من هذه الدولة، لكن هذا القول، لا يعني شيئا على أرض الواقع، طالما تم إلغاء اتفاق أوسلو من جانب نتنياهو، ولم تعترض إدارة بايدن على ذلك الإلغاء، حتى يومنا هذا. وقد وقفت هذه الإدارة باستمرار، في مجلس الأمن الدولي للحيلولة دون اتخاذ أي قرار يدين حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل بحق المدنيين في القطاع، واستخدمت حق النقض “الفيتو” لمنع إي إدانة لممارساتها.
موضوع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على الأراضي التي تم احتلالها في حرب يونيو/ حزيران عام 1967، وتحديدا في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، تم طرحه أول مرة في لقاء قمة جمع بين الرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر، وسكرتير الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي ليونيد بريجينف. وتكرر ذلك مرة أخرى، في عهد الرئيس بل كلينتون. وكان ذلك هو القاعدة التي بنيت عليها مفاوضات أوسلو، برعاية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين.
تم التوقيع على اتفاق أوسلو، في 13 أيلول/ سبتمبر عام 1993، بين عرفات ورابين، بالبيت الأبيض برعاية الرئيس الأمريكي، كلينتون. واتفق على تأجيل موضوعي القدس واللاجئين للمفاوضات النهائية، التي سـتأخذ مكانها بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاق المذكور، عام 1998. ورغم مرور ستة وعشرون عاما، على توقيع الاتفاق، فإن خطوة أخرى، على صعيد تحقيق صبوات الشعب الفلسطيني في الحرية والانعتاق لم تجد طريقها إلى النور حتى يومنا هذا.
صحيح أن الرئيس جورج بوش الأب، أكد بعد حرب الخليج الثانية، عام 1990، على أهمية إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ودعا لعقد مؤتمر مدريد، الذي أخذ مكانه مباشرة بعد الحرب على العراق لإجباره على الخروج من الكويت، لكن تلك المفاوضات المكوكية لم تؤد إلى أية نتيجة. بقيت مرتفعات الجولان السورية محتلة حتى يومنا هذا، كما بقيت الضفة الغربية ومدينة القدس وقطاع غزة، ضمن قائمة المصروفات.
واقع الحال، أن رؤساء الحكومات الإسرائيلية السابقين، مثل بيريز وأولمرت، وحتى ضمن حزب الليكود، مثل اربيل شارون وسيبني ليفني، تبنوا مواقف أكثر مرونة تجاه قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، لكن ذلك لم يؤد إلى قيامها. الخطوة العملية الوحيدة التي تحققت، على طريق تحقيق الحد الأدنى من صبوات الشعب الفلسطيني، هي توقيع اتفاق غزه- أريحا، الذي عرف لاحقا باتفاقية أوسلو، والذي بموجبه تشكلت السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، وليتبعه بعد رحيله، الرئيس محمود عباس (أبو مازن).
في الانتخابات الأمريكية الراهنة، برزت قضية الحرب على غزة بوضوح، مثل فيها الرئيس الأمريكي ترامب، الجانب المتطرف، الرافض للاعتراف بأية حقوق للفلسطينيين، والذي يتهم المرشحة هاريس، بدعم حماس، والوقوف ضد إسرائيل. من جانبها كمالا هاريس، تؤكد التزامها القوي بأمن إسرائيل، وتوفير كل المستلزمات، لتحقيق ذلك. مع تأكيدها من جانب أخر، على أهمية حماية المدنيين الفلسطينيين في القطاع، وتأمين الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. والطريق لتحقيق ذلك، هو الوصول إلى صفقة يتم بموجبها إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار، وإعادة إعمار ما خلفته الحرب على قطاع غزة، وتوفير الماء والغذاء للفلسطينيين، وعودة المهجرين إلى ديارهم.
البيان الأخير الذي صدر عن وزراء الخارجية العرب، الذي طلب من المجتمع الدولي تفعيل الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة الجنايات الدولية، والذي أكد على عدم قانونية وجود إسرائيل بالأراضي الفلسطينية المحتلة، هو خطوة في الطريق الصحيح، ينبغي التمسك بها، لكن ذلك ليس كافيا من الأشقاء العرب، لأن القضية الفلسطينية، هي بالأساس قضيتهم، وينبغي استخدام كل الوسائل، بما يحقق وقف حرب الإبادة، في غزة، وتطلعات الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير، وبناء الدولة المستقلة فوق التراب الوطني الفلسطيني.
التعليقات مغلقة.