حرب الإرهاب

0 174

كنت أزمع تكريس موضوع هذا الأسبوع للحديث عن مناسبة مرور عام على بدأ العدوان الأمريكي على العراق، الذي انتهى بسقوط بغداد، والقضاء على نظامه السياسي، ومصادرة الدولة العراقية الحديثة ومكوناتها، كيانا وهوية. لكن قيام الكيان الصهيوني الغاصب، صباح يوم الاثنين باغتيال الشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأحد الرموز الشامخة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، والتداعيات التي أعقبت الحدث، كان لهما وقع الصدمة على نفسي، وبالتأكيد على العرب والمسلمين جميعا، فقد أثار هذا الاغتيال أسئلة مشروعة عن علاقة ما جرى ويجري الآن في بلاد النهرين، وفوق أرض فلسطين، وما الرابط بين احتلال العراق وما يجري من حرب إبادة وتصفيات لقادة المقاومة الوطنية في أرض القداسات.

 

وبغض النظر عن اليافطات والشعارات التي طرحت من قبل الأمريكيين، كذرائع لاحتلال العراق، فقد تكشف للجميع، بما في ذلك الشعب الأمريكي، أن الحرب على العراق لم تكن بسبب وجود أسلحة دمار شامل في ترسانته العسكرية، أو لوجود علاقة مفترضة بين النظام السياسي القائم حتى صباح التاسع من أبريل/ نيسان من العام الماضي وتنظيم القاعدة، كما أن الحرب لم تقم من أجل فرض الديموقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان العراقي.. فقد عجزت الإدارة الأمريكية أن تثبت تهمة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، كما عجزت عن تقديم أية أدلة ثبوتية بوجود علاقة للقاعدة بالنظام الذي كان يقوده الرئيس العراقي، صدام حسين.

 

أما الديموقراطية وحقوق الإنسان، فليس أدل على زيف الادعاء الأمريكي بها من الإعلان عن تأسيس نظام تابع يستند في تركيبته على المحاصصات الطائفية والإثنية والعشائرية. وقد تكشف لنا ضيق الإدارة الأمريكية بانتشار المعلومة عما يجري داخل العراق، وملاحقتها للإعلاميين، وقتل أعداد منهم، فضلا عن التضييق الواضح على الحريات، وملاحقة الوطنيين والمقاومين للإحتلال، وممارسة العقوبات الجماعية، بحق القرى والمدن التي لا تتعاون مع الغزاة، وتصفية آلاف المعارضين، تحت ذريعة تبعيتهم للنظام السابق، واغتيال العلماء.

 

الشيء الذي تحقق على الأرض في بلاد الرافدين، منذ الاحتلال الأمريكي، هو حل الجيش العراقي الذي كان يشكل، من وجهة النظر الصهيونية والأمريكية، قوة استراتيجية للأمة العربية وتهديدا مباشرا للأمن الإسرائيلي. وقد شارك هذا الجيش بالفعل في جميع الحروب العربية- الإسرائيلية، ولم يكن دوره احتفائيا. ولربما شكلت تصريحات الجنرال شوارزكوف، قائد القوات الأمريكية في حرب الخليج الثانية، في التلفزيون الإسرائيلي، بعد الحرب مباشرة، وتصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جيمس بيكر في افتتاح مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط أصدق تعبير عن الأهداف الحقيقية للحرب على العراق. فقد أشار الأول، بوضوح ودون لبس أو مواربة، بأن الحرب ضد العراق قد شنت من أجل الدفاع عن إسرائيل، وأن انتصار قوات الحلفاء ضد الجيش العراقي، هو نصر لإسرائيل. أما الآخر، فقد أبلغ وزير الخارجية السوري، أثناء مؤتمر مدريد، أن العرب يحضرون إلى هذا المؤتمر وقد جردوا من أخر قوة عسكرية لهم، بعد هزيمة الجيش العراقي، وأن خيارهم الوحيد هو القبول بالمبادرة الأمريكية، والسير في طريق السلام.

 

وتحقق أيضا في بلاد الرافدين، نتيجة للإحتلال الأمريكي، تدمير منظم للمرتكزات العلمية والتكنولوجية والثقافية ومراكز البحث العلمي والمتاحف والآثار والمكتبات، وقتل التاريخ. وتحقق أيضا حضور، لم يكن له أثر من قبل، لتنظيم القاعدة، في ظل انفلات أمني وغياب واضح للمؤسسات الفاعلة في الدولة، إلى جانب حضور واضح ومكثف لأجهزة الموساد، ولمختلف فعاليات الكيان الصهيوني الإقتصادية والسياسية والأمنية، في بلد كان محكما ومغلقا بالكامل على التواجد الإسرائيلي.

 

وكما اعتبر الفلسطينيون احتلال بلادهم من قبل الصهاينة عملا عدوانيا، وواجهوه بشجاعة نادرة، توجت بانتفاضتهم الباسلة التي مضى عليها حتى الآن أكثر من ثلاث سنوات، رفض العراقيون أن يحتل الأمريكان بلادهم، وتعاملوا معهم، منذ اليوم الأول، بصفتهم غزاة ومحتلين وطامعين في الهيمنة والثروة، وليس بصفتهم محررين كما تقول بذلك أجهزة أعلامهم والجوقات التابعة لها. لقد استيقظ ما هو ساكن في الموروث العراقي منذ آلاف السنين، من إباء وكبرياء، ورفض للإحتلال الأجنبي، ونزوع نحو التضحية والإستبسال في سبيل الدفاع عن الوطن ووحدته واستقلاله كرامته، وبدأت المقاومة العراقية، تغض مضاجع الجيش الأمريكي، وتنغص على الإدارة الأمريكية وحلفائها نشوة الإنتصار، منذ الأيام الأولى للإحتلال، مستمرة في خط بياني متصاعد، أخذ في الآونة الأخيرة، يلحق خسائر كبيرة في قوات العدو، بالأفراد والمعدات، ويشكل ضغطا نفسيا على الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، وينذر بطردها من مواقعيهما، بذات الطريقة التي تم بها طرد حليفهما في مدريد.

 

وكما في العراق، توصل المحتلون إلى أن الوحدة الوطنية هي الخطر الحقيقي على مشروع الإحتلال، فقاموا بتفتيت البلاد على أسس طائفية وقومية، وسعوا إلى خلق الفتنة بين مختلف الطوائف، يعمل الكيان الصهيوني على تفتيت التلاحم الوطني الفلسطيني، وشق وحدة حركات المقاومة الفلسطينية.

 

وإذا ما تم النظر إلى التصريحات الأخيرة للمسؤولين الصهيونية، والمتعلقة بالانسحاب من قطاع غزة، من طرف واحد، وأخذ بعين الإعتبار أن حركة حماس تشكل العمود الفقرى للمقاومة الفلسطينية في القطاع، تكشفت لنا النوايا الحقيقية لعملية اغتيال الشيخ. إنها محاولة لتغييب العناصر التي تشكل الصمام الأمان لحماية الوحدة الكفاحية الفلسطينية، من أجل تسهيل خلق الفتنة بين السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الفلسطينيية، وبالتالي حر القطاع إلى مواجهات واحتراب داخلي، لا يخدم سوى أغراض الكيان الصهيوني، ونواياه المبيتة في تفتي وحدة النضال الوطني الفلسطيني.

 

ولا شك أن الكيان الصهيوني قد عول كثيرا على حالة التداعي والإنهيار في النظام العربي الرسمي برمته، والذي بلغ حد العجز الشامل عن مواجهة المشروع الأمريكي في احتلال العراق، الدولة العضو في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكتلة عدم الإنحياز، وإعادة صياغة الخارطة السياسية للمنطقة العربية، بما يخدم إحكام القبضة على مقدرات وخيرات الأمة، والتي تمخضت أخيرا عن مشروع الشرق الأوسط الكبير. كما عول على انحياز الإدارة الأمريكية الفاضح لمشاريعه، وعلى موسم الإنتخابات الأمريكية، التي ستجعل من المستحيل على أي من اللاعبين في حلبة الصراع من أجل الوصول إلى البيت الأبيض اتخاذ أي موقف يغضب الحكومة الصهيونية واللوبي الذي يقف من خلفها في واشنطون. وعول أيضا على انشغال العالم بما يدعى بالحرب على الإرهاب، التي تقدوها الولايات المتحدة، وهي حرب تكشف أنها صيغة أخرى، أشد قبحا وأكثر فتكا لممارسة الإرهاب بحق الأمم والشعوب التي لا تتماشى مع السياسات والمشاريع الإستعمارية.

 

لكن الذي لم يحسب حسابه الغزاة ولا المحتلون في العراق وفلسطين، أن عنف المتحل لا يزيد السكان سوى إصرارا على التمسك بثوابتهم الوطنية والقومية، وأن ما يدعى بالحرب على الإرهاب، دون وضع اعتبار لحقوق الناس وآمالهم في التحرر والإنعتاق وتقرير المصير، لن يكون إلا محرضا على زيادة الإحتقانات وتوسيع نزعات العنف والتطرف، واشتداد إيقاع المقاومة. وسيكتشف الغزاة والمحتلون أخيرا، في ساعة لا ينفع فيها الندم، أن الدماء التي تسيل بغزارة، دفاعا عن الوطن وكرامته، هي التي تخصب الأرض وتجعلها أكثر عطاء واستبسالا وتضحية، وهي التي ستكون عنوان وحدة المقاتلين، حين تزج بهم جميعا في معمعان الكفاح من أجل الحرية وتحقيق الإستقلال. ولن يسعف الصهاينة ولا الأمريكان، حينئد، لقاءات القمة، ولا محاولات الوساطة، ولا التذكير بشرم الشيخ أو واي ريفير، ولا حتى خارطة الطريق.

 

مرحى للشهداء، في العراق وفلسطين، وهم يسطرون ملاحم البطولة ويواجهون عنف المحتل بمقاومتهم الباسلة، ويكتبون بدمائهم التاريخ الجديد للأمة، ومرحى للشهيد القائد الشيخ أحمد ياسين في رحيله الأبدي، وهو الحي الباقي معنا أبدا.,, نم هانئا قرير العين، فالنصر الفلسطيني، بعد هدر دمك العزيز الطاهر قريب وعاجل.

 

 

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2004-03-24

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

6 − 4 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي