حديث عن الأسهم والجمهور والتنمية
سأخرج عن المألوف في الأحاديث السابقة، وأبتعد في هذا الحديث قليلا عن السياسة متناولا موضوعا يبدو محليا بحتا في مظهره.. وإن كان من المستحيل الآن فك التشابك بين ما هو محلي وإقليمي وعالمي. كما أنه أيضا شبه مستحيل الفصل التعسفي بين السياسة والقضايا الأخرى التي تمس، بشكل مباشر، حياة الناس. أو ليست السياسة هي التعامل مع فن الممكن؟ ونحن في هذه المناقشة لن نخرج عن ذلك. وإذن فلا بأس من محاولة الدخول في غمار هذه التجربة.
سنتناول في هذا الحديث موضوع المستجدات في الأسابيع الأخيرة على حركة الأسهم السعودية، وبخاصة ما يتعلق بالاكتتاب في “شركة الإتحاد للاتصالات”، وعلاقة ذلك بالجمهور، وبمستقبل التنمية في بلادنا بكافة مستوياتها واتجاهاتها.
في الشهور الأخيرة شهدت، بفعل الارتفاع السريع في أسعار النفط، الحركة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية انتعاشا ملحوظا، وتعززت سوق الأسهم، حيث تضاعفت خلال السنة الأخيرة قيمة وكمية الأسهم المتداولة بالسوق. ومنذ ما يقارب الشهر، أصبح حديث الناس في المجالس والأسواق وأماكن العمل وصالات التداول ومنتديات الإنترنيت هو الاكتتاب في “شركة اتحاد الاتصالات”، باعتباره الأول من نوعه منذ إنشاء هيئة السوق المالية. ومنذ ذلك الحين، أصبح السوق، مع بعض الاستثناءات، عرضة للهبوط وفقد عدد كبير من النقاط، لأن الكثيرين من المساهمين قاموا بعرض أسهمهم بأسواق التداول، أملا في توفير المبالغ المطلوبة واللازمة للدخول في الاكتتاب الجديد.
وإذا كان حماس الناس للاكتتاب الجديد مفهوما، وفي الغالب يكاد يكون أمرا طبيعيا ومنسجما مع أية حالة اكتتاب جديدة لأحد المشاريع الموثوق برسوخ قواعدها الاقتصادية، فإن الذي لم يكن مفهوما ويستحق منا وقفة وتأمل هو مستوى الهجمة، غير المسبوقة، من قبل الجمهور على السوق. فحسب جريدة الوطن في عددها الصادر يوم الأحد 17 أكتوبر انضم أكثر من 600 ألف مساهم جديد إلى سوق الأسهم، دخلوا ميدان التداول لأول مرة أملا في الثراء السريع. وقبل يوم من هذا التاريخ نشرت جريدة اليوم تصريحا لمدير الأحوال المدنية بالدمام قال فيه إن قسم الإضافات في دائرته يستقبل يوميا أكثر من 300 شخص، ممن تخلفوا عن ضم مواليدهم لفترة طويلة، بلغت بالنسبة لبعضهم أكثر من ثلاث سنوات. وأن الذي دفعهم على الإسراع إلى إضافة أطفالهم هو الرغبة في استخدام أسمائهم لشراء عدد أكبر من الأسهم في شركة اتحاد الاتصالات. وبالمثل، وعلى غير ما هو معتاد، سارع آباء لاستخراج شهادات ميلاد لأبنائهم في اليوم الثاني للولادة، لنفس الهدف.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد نشطت حركة القروض من البنوك ومصادر التسليف الأخرى، التي تأخذ في الغالب أرباحا عالية على المقترضين. كما نشطت أسواق بيع السيارات المستعملة. إن الجميع يتبارون بحماس وبصورة مذهلة من أجل توفير قدر من المال يمكنهم من المساهمة في الاكتتاب الجديد.
بل إن محاولة الحصول على المال بأي شكل للمساهمة في اكتتاب الاتصالات الجديد، في حالات خاصة وصلت إلى نتائج كارثية. فهذا شخص قرر بيع بيته الجديد، الذي لم يزل في طور التشطيب، بمبلغ زهيد حتى يدخل السوق. وشخص آخر حصل على بيت بسعر “لقطة”، ولكنه حين سأل صاحب المنزل عن أسباب رغبته في البيع، وأجابه أنه يريد استثمار عائد بيع المنزل في الاكتتاب بالأسهم الجديدة، انسحب الأول عن عرض الشراء، مشيرا إلى أنه قد قرر الاحتفاظ بماله للسبب ذاته، إنه هو الآخر قرر أن يكتتب في المساهمة الجديدة، وأنه لذلك غير رأيه وعدل عن شراء المنزل، مستمدا حكمته من المثل العربي “جحا أولى بلحم ثوره”.
بدأ الاكتتاب في الثاني من هذا الشهر الكريم، رمضان المبارك، وغصت البنوك بطوابير كبيرة من الجمهور. وأصبح الشغل الشاغل لموظفي البنوك هو تلبية طلبات المساهمين الجدد، وتقديم استمارات الاكتتاب. تعطلت مصالح الناس، وامتنع الموظفون، نتيجة الضغط الكبير عليهم، الذي فوجئوا به عن التعامل مع العملاء في الشئون المالية الأخرى، كما امتنعوا عن فتح الحسابات الجارية الجديدة. وصارت كثير من المصارف تعاني من نفاذ النماذج في الساعات الأولى، مما جعلها في وضع لا تحسد عليه أمام الجمهور.
ماذا يعني كل ذلك؟!.
الواقع أنني حين حاولت لأول وهلة قراءة هذه الأحداث، أصبت بحالة من التشاؤم. فالأمر كله لا يبدو عقلانيا في كثير من جوانبه. فبحساب رياضي بسيط فإن الأسهم المطروحة في السوق للاكتتاب في هذه الشركة لا تعدوا العشرين مليون سهم، وتمثل 20% من رأسمال اتحاد الاتصالات. وقيمتها الإجمالية لن تتجاوز مبلغ قدره مليار ريال، وبقيمة 50 ريال للسهم الواحد. وذلك يعني أن مشاركة 2 مليون مساهم بالحد الأدنى الذي هو 10 أسهم ستكون كافية لتغطية المبلغ المطلوب. والتقديرات المتوفرة لدينا الآن من خلال الإعلام المرئي وغيره تشير إلى أن عدد الذين سيتقدمون للمساهمة سيتجاوز هذا الرقم بكثير. بل إن بعض التقديرات رجحت أن يغطي الاكتتاب 35 مرة من المبلغ المطلوب. والحد الأدنى للمبلغ المطلوب هو عشرة أسهم للفرد الواحد، ويبلغ خمسمائة ريال فقط لا غير، وفي حده الأعلى عشرة آلاف سهم، بما يساوي مبلغ خمسمائة ألف ريال. وإذا ما افترضنا أن المسئولين عن حركة البيع سيقومون، وذلك هو المنطقي، بتوزيع الأسهم أفقيا وبالتساوي على جميع الذين تقدموا للاكتتاب، فإن المتوقع أن يحصل كل مساهم جديد على عشرة أسهم فقط. وذلك يعني أن ليس هناك عمليا ما يبرر السلوك الذي جرى من قبل الجمهور الراغب في المساهمة، والذي شمل بيع الأسهم والسيارات الخاصة وحتى المنازل، والاقتراض بأرباح خيالية من البنوك ومصادر التمويل الأخرى.
لا شك أن المستفيد من هذا السلوك، ليس هو الجمهور المتحمس للمساهمة، بل هم بالدرجة الأولى شركة اتحاد الاتصالات، التي ضمنت عائدا جيدا، ومبالغ هائلة يمكن استثمارها، ولو لفترة وجيزة، ستعاد لأصحابها حسب إعلان مدير الاكتتاب بسامبا في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد استيفاء إجراءات التسجيل وإصدار الشهادات. ومن المؤكد أن البنوك التي قامت بعمليات التسليف، هي الأخرى، لها حصة في الاستفادة، وكذلك معارض السيارات المستعملة التي استغلت هذا الحدث وحصلت على المئات من السيارات بأسعار بخسة. وربما كانت إدارات الأحوال المدنية بالمملكة سعيدة أيضا بهذا التطور، فقد حلت إشكالا كبيرا، نتيجة لعدم تجذر الوعي لدى الجمهور بأهمية الالتزام بتطبيق أنظمة الدولة، فيما يتعلق بتسجيل المواليد الجدد في حينه. ولا شك أنها أضافت مبالغ لا بأس بها لخزينة الدولة، من الغرامات التي استوفيت بحق المتأخرين عن تسجيل مواليدهم، والتي بلغت في بعض الحالات 200 ريال سعودي للحالة الواحدة.
أما المتضررون فهم كثر. ولعل الأبرز في ذلك هو تجميد السيولة النقدية، كما هو حاصل من خلال الاكتتاب بكم كبير من الأسهم، لن يقدر له نصيب من التحقق. وفي هذا الصدد فإن المطلوب أن يكون هناك تدخل من الجهات المعنية لتقنين حجم المساهمة، كي لا تتكرر مستقبلا هذه الصورة، ولكي لا يتكرر سيناريو اكتتاب الصحراء للبتروكيماويات الذي استحوذ على اهتمام كبير من الجمهور يكاد يكون مماثلا لشركة الإتحاد. لقد تم ضخ أكثر من 36 مليار ريال في تلك المساهمة للاكتتاب في أسهم لم تتجاوز قيمتها 300 مليون ريال، حسب تقارير موثقة. وسوف يتضرر أيضا الذين يضطرون لبيع أسهمهم وممتلكاتهم بأبخس الأثمان للحصول على مبالغ للمشاركة في المساهمة الجديدة.
لكن هذه الصورة القاتمة، رغم كل ما فيها من سلبيات، يمكن أن يستشرف منها ما هو إيجابي. إن حماس الجمهور للمساهمة في تنشيط الحركة الاقتصادية، والدخول في حركة السوق، أي تكن نوايا وأهداف الكسب السريع، يمكن إذا ما أحسن التعامل معه أن يمثل جانبا مشرقا، وأن يزج بهذه الروحية من أجل العمل على استكمال بناء نهضة الوطن وتقدمه.
إن الوطن بحاجة إلى استكمال بنيته وتنمية موارده، وإيجاد بدائل جديدة عن النفط. ولا شك أن الولوج في مشاريع تنموية اقتصادية حقيقية ومستقلة، وعدم هدر الثروة في مشاريع وهمية سيشكل خطوة أكيدة على طريق تقوية اقتصاد البلاد واستكمال تنمية مواردها في كل الاتجاهات والأصعدة. وقد أثبت المواطن في البلاد أنه ليس فقط مستعد لتحمل تبعة انتمائه لهذا الوطن، وعبر عن ذلك بحماس منقطع النظير، فعسى أن تتجه جهودنا بصدق لاستثمار هذا الحماس، من أجل بناء الوطن وتنمية موارده، والعمل معا من أجل حاضره ومستقبله.
makki@alwatan.com.sa
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2004-10-20
2020-05–0 2-:05
الهنوف من تبوك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فمن منطلق حرصنا على نهضة هذا البلد وتطوره نتمنى أن نكون عناصر فعالة ومفيده لهذا الوطن الغالي
وأود الحصول عن معلومات تخص شركة الاتحاد للاتصالات وبالضبط عن الوظائف النسائية فيها
وشكرا
2020-06–0 7-:05
محسن أحمد سبعي من السعوديه
أريد استمارة للاكتتاب في مصرف الراجحي