ثمانية أشهر من الحرب على غزة

3

قرابة ثمانية أشهر انفرطت، منذ بدأ الهجوم الإسرائيلي على قطاع عزة، ردا على العملية العسكرية التي أطلقتها حركة حماس، والتي باتت تعرف بطوفان الأقصى، ولم تقف شهية جيش الاحتلال، في قتل المدنيين، وشن حرب إبادة شاملة على القطاع عند حد. وقد أعلنت حكومة الاحتلال على لسان عدد من مسؤوليها، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن هدف الحرب على القطاع هو القضاء على قدرات حركة حماس، وتجريدها من السلاح، وتصفية قادتها.

ورغم مرور ثمانية أشهر على هذه الحرب، فإن الاحتلال لم يحقق أي من أهدافها المعلنة، بل إن السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين إلى دخول أطراف أخرى فيها. فالحرب التي أريد لها أن تقتصر على القطاع، انتشرت لتشمل، منطقة الجليل الأعلى، شمال إسرائيل، ولتتسبب في نزوح أكثر من 250 ألفا من الاسرائيليين، من أماكن سكنهم، ولتتحول مستوطنة كريات شمونة إلى خراب وأطلال. ولتضع الحكومة الاسرائيلية في حيرة من أمرها. فالولايات المتحدة الأمريكية، تضغط بقوة على ربيبتها، مطالبة بعدم توسيع نطاق الحرب.

والاسرائيليون، لا تزال ذاكرتهم تحتفظ جيدا بما جري في حرب تموز/ يوليو 2007، حين أقدم حزب الله على أسر ثلاثة جنود اسرائيليين، اقتربوا من الحدود اللبنانية، وشنت اسرائيل حربها، بذريعة العمل على اطلاق سراح الأسرى، وانتهت تلك الحرب، بهزيمة أعترف بها قادة الجيش الاسرائيلي، تحطمت خلالها أسطورة دبابة المركابا، التي تباهت بها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث تم تدمير العشرات منها، والاستيلاء على عدد كبير منها، تم عرضها لاحقا لأجهزة الاعلام، من قبل حزب الله.

 

أما الأطراف الأخرى، التي دخلت الحرب، دعما لحماس، والتي ترسل المسيرات والصواريخ يوميا للأراضي الاسرائيلية، فإن المعضلة معها أكبر، فهي لا ترتبط بحدود مباشرة، مع إسرائيل، وإنما تكتفي بالهجوم عن بعد بالمسيرات والصواريخ البالستية، وتعترضها القبة الحديد، كما تشير البيانات الصادرة عن المؤسسة العسكرية الاسرائيلية. لكن ذلك لا يغيب حقيقة الكلفة الباهظة التي تدفعها إسرائيل لصد تلك الهجمات. فالمسيرات التي لا تكلف قيمه الواحدة منها، بضع مئات من الدولارات، يتطلب صدها في معظم الأحيان، أسلحة تكلف ملايين الدولارات. بمعنى أن الحرب، لم تعد في المجال العسكري فقط، بل باتت حربا اقتصادية لا تميل كفتها لصالح إسرائيل.

 

صحيح أن قطاع غزة، قدم أكثر من خمسة وثلاثين ألف شهيد، معظمهم من المدنيين، وكثير منهم من النساء والأطفال، وقرابة تسعين ألف جريح، وصحيح أيضا، أن جيش الاحتلال أحدث تدميرا مهولا في البنية التحتية، شملت معظم القطاعات الخدمية، ومن بينها القطاع الصحي، والتعليمي، ومصادر الطاقة، من كهرباء وماء، لكنه لم يتمكن حتى هذه اللحظة من تحقيق أهدافه. وفي هذا السياق، يقدر بعض الاستراتيجيين الاسرائيليين، أن الحرب على قطاع غزة، لن تحقق أهداف حكومة نتنياهو حتى لو استمرت سبع سنوات.

 

وإذا ما أردنا أن نقدم جردة مختصرة، لحصيلة الحرب على غزة، سنجد أن معظمها يصب لصالح الفلسطينيين والقضية الفلسطينية. فلأول مرة، في تاريخ الصراع، يتعرف العالم بأسره، على جوهر القضية الفلسطينية، وتكون حاضرة في المحافل الدولية. وتصبح جرائم الاحتلال الشغل الشاعل، لمحكمة العدل الدولية، ويهدد رئيس الحكومة الاسرائيلية، بالقاء القبض عليه، من قبل محكمة الجنايات الدولية.

إن المسيرات اليومية، التي تشهدها العواصم والمدن الأوروبية، والمدن الأمريكية، بما فيها العاصمة واشنطون، تنديدا بالعدوان، تشكل إدانة واضحة وصريحة لممارسات الاحتلال، وتكشف عنه قناع الديمقراطية، الذي تلفع به طويلا، ليصبح نطام فصل عنصري، يرفضه القانون الدولي، ومبادئ الأمم المتحدة. وقد أشرنا في حديث سابق، إلى حجم المظاهرات الطلابية التي عمت مدن العالم، والتي لم يسبق لها مثيل، حتى أبان الحرب التي شنتها الولايات المتحدة، في حقبتي الخمسينيات والستينيات، بالهند الصينية، والتي شملت فياتنام ولاوس وكمبوديا.

 

وإذا ما عدنا إلى الهدف الرئيسي المعلن من الحرب، وهو تقليص قدرات حماس، والجهاد وبقية حركات المقاومة، فإن ما يجري على الأرض، يثبت عقم محاولات جيش الاحتلال، وعجزه الفاضح، عن تحقيق أي من أهدافه. ويكفي في هذا السياق، التذكير بالهجوم الصاروخي الكبير، الذي شنته حركة حماس، في الأيام الأخيرة، على قلب تل أبيب، والضربات شبه اليومية، على المناطق الواقعة في غلاف غزة.

 

ليس ذلك فحسب، فقد واجبه جيش الاحتلال، ولا يزال، مقاومة ضارية في مخيم جباليا، وفي رفح، بل إنه يمكن الجزم، بأن جيش الاحتلال، لم يتعرض لخسائر بشرية، في كل الحروب العربية- الإسرائيلية، منذ نكبة عام 1948ـ واستمرارا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وحتى نكسة حزيران/ يونيو عام 1967، التي تمكن خلالها من احتلال سيناء بأكملها، ومرتفعات الجولان والضفة الغربية، ومدينة القدس الشرقية، لم يواجه خلالها بالخسائر والكلف التي دفعها في الثمانية أشهر المنصرمة.

 

إن تحقيق وقف اطق نار مستدام في قطاع غزة، وانهاء الاحتلال والاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، فوق ترابهم الوطني، هو السبيل الوحيد المتاح امام حكومة نتنياهو، وهو الحل المتسق، مع شرعة الأمم وميثاق الأمم المتحدة، وحق الشعوب في تقرير المصير.

التعليقات مغلقة.

د.يوسف مكي