تكتيك أمريكي أم استراتيجية جديدة
في وضع متشابك ومعقد مليء بالحوادث والمتغيرات التي تحدث بشكل مفاجيء يجد كاتب المقالة في صحيفة سيارة نفسه مجبرا على تغيير اتجاهه في الكتابة لكي يتعايش مع متطلبات اللحظة. وهذا هو بالدقة ما حدث لمشروع هذا الحديث. فقبل أسبوعين وعدنا القاريء الكريم بأن نتناول، باستعراض، أكثر توسعا وعمقا، أسباب الإنقلاب الجديد في السياسة الأمريكية. ولكننا فوجئنا بحوادث تفجيرات لندن. وكانت طبيعة الحدث، وعلاقته بقضايا أمتنا وهمومنا قد استدعى منا تسجيل موقف منه ومن تداعياته، شمله الحديث السابق، وقد تم ذلك على حساب وعد أشرنا له وعلى حساب هذه المقالة أيضا.
قلنا إن ثمة انقلاب جديد في السياسة الخارجية الأمريكية بدأ مباشرة بعد تسنم الرئيس الأمريكي لدورته الرئاسية الثانية. وإذا كان لكل حقبة وسياسة رموزها وأدواتها، فإن غياب الرموز والأدوات التي اضطلعت بمهام المرحلة السابقة هو مؤشر لا يخطؤه الباحث على أن ثمة تحول في السياسة والإستراتيجية في طريقه لأن يأخذ مكانه على الأرض.
وفي هذا السياق، يمكن أن نشير إلى استبعاد عدد من الصقور الذين كان لهم دور مباشر في رسم سياسة الرئيس بوش تجاه العراق، بعد 11 سبتمبر عام 2001، من السلطة، إضافة إلى عوامل أخرى، تطرقنا لها في أحاديث سابقة، كدليل على تبني الإدارة الأمريكية لخيار استراتيجي آخر، يشمل موقف جديد من التواجد العسكري في العراق، وانتقال في جاذبية الصراع إلى مناطق أخرى بالمنطقة العربية. لهذا تم استبعاد (المحافظين الجدد) واحدا تلو آخر، وهم في رأس قائمة الذين تورطوا بتخطيط وتنفيذ غزو العراق، ابتداء بريتشارد بيرل، الذي اعفي من منصبه، وانتهاء ببول ولفووتز، الذي ابعد بتعيينه رئيسا للبنك الدولي، إلى دوجلاس فيث، الذي أجبر على الاستقالة.
ويمكن أن نشير إلى تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية الجديدة، كونداليزا رايس الذي أوضحت فيه بأن الإدارة الأمريكية لن تستخدم القوة، منذ الآن، بل السياسات الدبلوماسية، مطالبتها لرئيس الوزراء، الجعفري بالتفاوض مع من أطلقت عليهم بـ المقاومة الشرعية، وإشراك السنة في الحكم، كمؤشرين على الإنتقال فعليا إلى تبني السياسة الجديدة. وقد تزامن هذا التصريح مع تصريح آخر لوزير الدفاع الأمريكي، رامسفيلد في 26 يونيو لمجلة ‘فوكس’ الإخبارية قال فيه إن القوات الأمريكية لن تبقى في العراق حتى تحقق النصر الكامل على المقاومة العراقية، وأنه على الأرجح سوف تتم هزيمة المقاومين بسواعد العراقيين أنفسهم.
والقى الجنرال مارك كيميت، نائب قائد المنطقة الوسطى للتخطيط ،قنبلة مهمة جدا (يوم9 –5، في حديث مع شبكة السي أن أن الامريكية، حينما اعترف بان القضاء على المسلحين في العراق يحتاج إلى وقت طويل، وقال: إن إنهاء ما وصفه بأعمال التمرد في العراق يحتاج إلى 10 سنوات في المتوسط.
وإذا ما جرت مقاربة هذا التصريحات بتصريح كونداليزا رايس وتصريح سابق لرامسفيلد نفسه أعلن فيه أن مقاومة العراقيين للإحتلال ستستمر 12 عاما، فإن المعنى الواضح هو أن القوات الأمريكية لن تتمكن من هزيمة المقاومة، وأنها أيضا لن تبقى حتى تستكمل مهماتها، بل ستترك الامر للقوات العراقية، التي تؤكد الحوادث اليومية عجزها عن الإضطلاع بمهمات الحفاظ على الأمن والإستقرار وقهر إرادة المقاومة في العراق.
إن اللافت للإنتباه هو أن أجهزة الإعلام الأمريكية تقوم الآن بتحضير الشعب الأمريكي لعملية الإنسحاب العسكري من العراق، بالحديث عن الصعوبات التي تواجهها قوات الإحتلال هناك، وبتكثيف الحديث عن المخاطر والخسائر التي يتعرض لها الأمريكيون كل يوم. فصحيفة الواشنطون بوست، على سبيل المثال، تتحدث في تقرير صدر لها في 24 أبريل عن تزايد عدد الهجمات التي تشنها المقاومة، وأن قوات الشرطة والجيش العراقيين لا يسيطران على كثير من مدن العراق، وأنه لا وجود لهما في الشارع العراقي. كما تحدث التقرير عن هروب عدد كبير من أفراد القوات الأمنية، من مواقعها وخلو نقاط الشرطة من الجنود، وزيادة عدد هجمات المقاومة العراقية بنسبة 40% عن الفترة ذاتها من العام الماضي. وفي يوم 25 من نفس الشهر نشرت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية مع زميلتها الواشنطن بوست، تقريرا مهما يعترف فيه ضابط امريكي بان ثلت فرقته قد قتل او جرح. وقال الجنرال الأمريكي جون كياني الذي أمضى نحو أسبوع في العراق الشهر الماضي لتقييم الأوضاع هناك في حديث نشر في نفس الفترة في صحيفة كابيتول هل أنه “يمكننا أن نتوقع المزيد من الهجمات”، موضحا أن المقاتلين لديهم المقدرة على التخطيط لعمليات منسقة ذات تأثير واسع النطاق.
وفي إطار تحضير الشعب الأمريكي للإنسحاب من العراق أيضا، نشر تقرير أعد لحساب محطة الـ أي بي سي التلفزيونية ان 54% من الامريكيين يعتبرون الحرب على العراق غير مبررة فيما رأى 58% منهم ان الولايات المتحدة تغرق فى وحول هذا البلد الذى يعمه العنف. ورأى 60% من الامريكيين أن العراق لن تكون له حكومة ديموقراطية فى غضون سنة. وقد عارض 56% منهم طريقة ادارة بوش للوضع فى العراق.
وفي يوم 3- 5 اطلق ريتشارد مايرز، رئيس اركان الجيوش الامريكية، في لقاء مع الكونجرس الأمريكي تصريحا مزلزلا اعترف فيه بان القدرة الامريكية على استخدام القوات المسلحة قد بلغت ذروتها، وأشار إلى أن حشد القوات الأمريكية والأسلحة في العراق وأفغانستان قوضت من قدرة البنتاجون في التعامل مع صراعات مسلحة محتملة أخرى. وقال مايرز للكونجرس في تقريرسري: إن العمليات القتالية الرئيسة في أي مكان آخر في العالم، من المحتمل أن تكون ذات أمد أطول وتؤدي إلى نسبة عالية من الخسائر المدنية الأمريكية والأجنبية بسبب تقيد موارد البنتاجون في العراق وأفغانستان. واستشهد مايرز بانخفاض الاحتياطي من الأسلحة الدقيقة، التي استنفدت خلال غزو العراق.
وبدورها تماهت صحيفة الجارديان البريطانية مع هذه الحملة الإعلامية، فنشرت يوم 3 – 5 مقالا مهما نوهت فيه الى التقرير الذي أصدره البنتاغون حول تحقيقاتهِ بشأن مقتل ضابط الإستخبارات الايطالي في مارس الماضي بنيران جندي أمريكي. وقد كشَفَ التقرير أن عدد العمليات التي قام بها المقاومون في بغداد لوحدِها كان 3306 عملية للفترة (1 نوفمبر 2004 حتى 12 مارس 2005. ومن هذهِ العمليات 2400 عملية إستهدفت القوات الامريكية وحدها. أي بما معدلهُ 20 عملية يومياً في بغداد فقط!. وهذهِ المرة الاولى التي يكشف البنتاغون عن هذهِ الارقام. وتنقل الجارديان عن مسؤولين امريكيين اعترافا اخرا مهما يضع القدرات التطويرية للمقاومة بمستوى تطوير القوات الامريكية لقواتها واساليب الحرب في العراق، حيث يقول: بنفس السرعة التي يطور الجيش الامريكي وسائل تعطيل الألغام المزروعة على طرق القوافل الامريكية، تطور المقاومة أساليبها وتكنيكها.
وفي اتجاه التحضير ذاته أيضا، ذكرت صحيفة ‘ديلي تلجراف’ البريطانية في يوم 2- 5 -2005 إن الجيش الأمريكي حدد، في وثيقة سرية وزعت على ضباط كبار، شهر ديسمبر القادم هدفًا له للانسحاب من العراق، ولتسليم المسؤوليات إلى وحدات الشرطة والجيش العراقيين. إن الاقتراح يرى أنه بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في ديسمبر فإن الجيش الأمريكي قد ينسحب من الدوريات الأمنية ويبدأ انسحابًا تدريجيًا من العراق.
وفي لقاء لاحق مع قناة الجزيرة، شدد وزير الدفاع الأمريكي، رامسفيلد على ضرورة التوصل الى استقرار سياسي واقتصادي في العراق، وأن ذلك شرط حاسم لحل المشكلة. إن أهمية هذا التصريح يكمن في أنه ورد على لسان شخص يعرف بحكم تجربته ان الاستقرار مستحيل، ذلك أن استراتيجية المقاومة تهدف ضمن أولوياتها إلى منع الاحتلال وعملاءه من استغلال موارد العراق خصوصا النفط. وقد أوضح ذلك حين قال ان “العراقيين لن يتوصلوا الى التغلب على المتمردين بالوسائل العسكرية فقط، انما باحراز تقدم على الصعيد السياسي”. إنه يعلم أن التقدم في العملية السياسية بالعراق مرهون برحيل قوات الإحتلال وتحرير البلاد. وفي حالة تبدو قريبة فإن اللاعب المنتصر لن يجد لديه من الأسباب ما يجعله يتعاون مع الذين ساعدوا وشاركوا المحتل عدوانه على العراق وتدمير كيانه هوية ودولة ومؤسسات وجغرافيا وتاريخ.
لا يجيب رامسفيلد ولا بوش ولا بقية المتنفذين في الإدارة الأمريكية عن الطريقة التي يمكن أن يتحقق فيها الإستقرار بالعراق، وكيف يمكنهم الخروج منه عسكريا مع حفظ ماء وجههم، والدفاع عن البقية الباقية من مصالحهم، كما لا يشيرون بوضوع إلى استراتيجيتهم الجديدة، التي يزمعون تنفيذها في المرحلة القادمة بالعراق بشكل خاص، والمنطقة العربية بشكل عام. تلك فيمن وجهة نظرنا أسئلة جوهرية وملحة ينبغي تناولها في حديث قادم بإذن الله.
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2005-07-20
2020-05–0 7-:03
سامر حمدان الشمري من البصرة
لو شاركت برأيي في هذا الموقع فإنه لن يرى النور لأسباب يعرفها المشرفون.. فهذا المقال يحلم بإعادة صدام حسين إلى العراق .. وهذا شبيه بعشم إبليس في الجنة .. إن مقالك ياصديقي هو حشرجة محتضر. المستقبل لمساكين العراق وحدهم.. سيتجاوزون مفخخاتكم .. وسينعمون بمستقبل آمن بدأت تباشيره تلوح في جنوب العراق.. سوف تفاجئني لو أجزت هذا التعليق..