تفجيرات لندن جريمة أخلاقية
حين حدث إعصار 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 الذي طال مبنيي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك ومقر البنتاجون التابع لوزارة الدفاع في العاصمة الأمريكية واشنطون نشرنا مقالا تحت عنوان بين الأخلاق والسياسة، على صفحات جريدة “الوطن” السعودية، قلنا فيه: إنه مهما تكن وجهة النظر في انحياز الموقف الرسمي الأمريكي ضد قضايانا العادلة، وفي المقدمة منها قضيتنا المركزية، قضية فلسطين، فإنه لا مجال أبدا للدفاع عن تلك العمليات وتبريرها.. فهي أعمال إرهابية مدانة أخلاقيا وإنسانيا.. مدانة حسب شرعة السماء وقوانين الأرض، “أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا” صدق الله العظيم. مدانة في كل القوانين، بما في ذلك، القوانين القديمة منذ عهد حمورابي إلى الحضارة اليونانية والإمبراطوريات التي قامت على وجه البسيطة: رومانية وفارسية وصينية وهندية.. إلى القوانين الوضعية التي ارتبطت بعصر الأنوار الأوروبي، وحتى يومنا هذا. فالغايات لا تبرر أبدا الوسائل. ليس من حق أي قوة في الأرض نزع الروح من بشر لم يكونوا طرفا في جريمة أو جناية، تحت أي من الذرائع، خاصة إذا تم ذلك خارج معادلة الحق والقانون.
إن ما حدث في 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية من أعمال إرهابية في نيويورك وواشنطن، وما حدث خلال هذا الأسبوع في 7 تموز/ يوليو 2005 بلندن هي أعمال مجردة عن أية مشاعر إنسانية، وهي في الحد الأدنى من التقييم، أعمال إجرامية تدخل في خانة السلوك العبثي الجنوني، الذي يساوي في النهاية بين الفضيلة والرذيلة، حين يوازي نهج القوة بالقيم الفاضلة والنبيلة، وحين يتماهى في أسلوبه مع أساليب العنصرية وظلمها. إن النضال ضد الظلم بطبيعة محفزاته هو عمل أخلاقي ينشد الحق والحياة الأفضل للإنسان، وإذا ما انحرف هذا النضال عن غاياته وتساوى في وسائله وأدواته مع أسلوب المعتدي انتفت غاياته.
وهنا نشير إلى أن ما جرى من تفجيرات كان موجها أصلا إلى الأنفاق وحافلات النقل، وكان الاستهداف فيه موجها مباشرة إلى المدنيين العزل، فهو والحال هذه موجه إلى أمة بأسرها، دون تمييز أو استثناء.
وما يجعل الإدانة صارخة وجلية أكثر، أن ضحايا تلك التفجيرات هم الذين وقفوا إلى جانب حقوقنا العربية، من البريطانيين العاديين الذين لم يكن لهم دور في السياسات التي تقدم عليها حكومة بلادهم، والذين يقدرون بالملايين… خرجوا في مدينة لندن، التي استهدفتها التفجيرات، أثناء الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، مطالبين أولا بعدم المشاركة في العدوان، ومطالبين بعده بوقف الحرب التي تشنها بلادهم مع أمريكا، وسحب الجنود البريطانيين من ميادين القتال، ومنادين باستقالة طوني بلير ووزارته من الحكم. بل إن عددا من الوزراء والموظفين استقالوا من وظائفهم احتجاجا على المشاركة البريطانية في الحرب.
ليس ذلك فحسب، فالتاريخ الحديث يشهد للشعب البريطاني مساندته ونصرته لقضية العرب، القضية الفلسطينية. فقد خرج هذا الشعب مستنكرا ومدينا مذبحة صبرا وشاتيلا، في بيروت عام 1981 في وقت كانت فيه بعض الشعوب العربية مشغولة بنتائج مباريات كرة القدم. وتظاهر هذا الشعب أيضا ضد الجدار العازل الإسرائيلي الذي أقامته الحكومة الليكودية، حكومة أرييل شارون للفصل بين المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وبين الكيان الصهيوني. وطالب مثقفوه بمساندة قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.
وحين فر عدد كبير من رؤساء تحرير الصحف والمجلات العربية بجلدهم، خشية من بطش واستبداد بعض الحكام العرب، كانت مدينة لندن ضمن إحدى الحواضر القليلة التي احتضنتهم، وبدأوا من هناك التبشير بحرية التعبير والكلمة. وعادت صحفهم ومجلاتهم للصدور من جديد من خلال مقراتها في العاصمة البريطانية. بل إن عددا لا بأس به من فضائيات التلفزة العربية قد بدأ تدشينها في لندن، وما زال عدد منها يبث من هناك حتى يومنا هذا. والقائمة في هذه المجالات طويلة.
يضاف إلى ذلك، أن الأمة العربية قد ارتبطت بعلاقات وثيقة ومتينة بالشعب البريطاني، بفعل ظروف تاريخية، أيا يكن الموقف من جذورها وأسبابها. ويعيش في وسط هذه المدينة وحدها عشرات الألوف من العرب والمسلمين. وفي بعض الأحياء يمثل العرب الغالبية من السكان.
ومن هنا فإنه على الصعيد البراجماتي، يمكن القول: إن تفجيرات 7 تموز/ يوليو موجهة أيضا في محصلتها ضد الأماني والتطلعات العربية، وضد حشد كبير من حلفائنا، في صراعنا المرير مع الاستعمار والصهيونية.
لقد جاءت حملة التفجيرات في العاصمة البريطانية، لندن في ظل تصاعد المقاومة العراقية الباسلة للاحتلال الأمريكي وللوجود العسكري البريطاني في العراق، وتسجيلها لانتصارات باهرة في عدد من المدن والبلدات. وتزامنت مع انتشار أخبار واسعة عن لقاءات متكررة بين بعض قيادات المقاومة العراقية مع مسؤولين أمريكيين مخولين، وتصريحات علنية لمسؤولين أمريكيين وبريطانيين بصعوبة استمرار الإحتلال للعراق، وعن إمكانية التوصل إلى حل سياسي مع المقاومة، بما يعني التسليم من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وإدارة حليفه طوني بلير بأن تجاهل دور المقاومة وفعلها الميداني لم يعد أمرا ممكنا، خاصة بعد فشل إدارة الإحتلال الذريع في تأسيس جيش عراقي من العناصر المؤيدة للاحتلال، كبديل عن الوجود العسكري الأمريكي. وقد أشرنا في الحديث الماضي إلى أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق يمر بظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، وتناولنا ذلك بشيء من التفصيل. وقد أرغمت تلك الظروف وزارة الدفاع الأمريكية على التصريح المباشر، خلال هذا الأسبوع، عن نيتها سحب أكثر من مئة ألف جندي أمريكي من العراق في غضون عام من تاريخه. وقد أعلن البريطانيون والإيطاليون من جانبهم أيضا أنهم ينوون التقليل من وجودهم العسكري في العراق. ويأتي جل هذه التصريحات، في وقت لم تعد فيه قوات ما يدعى بالتحالف مجتمعة، ومعها الشرطة والجيش العراقي اللذان أسسهما الاحتلال بقادرة على حماية شريط صغير من مدينة بغداد يدعى بالمنطقة الخضراء. بما يعني أن مشروع الهيمنة الأمريكي لم يتورط في المستنقع العراقي فحسب، بل إن من قاموا به يجدون أنفسهم مضطرين في النهاية إلى التسليم بفشلهم، والهروب بجلدهم، كيفما أمكنهم ذلك، من العراق.
إن من المتوقع أمام جملة المعطيات الجديدة على الساحة العراقية أن تنشط حركة المطالبة برحيل القوات البريطانية من العراق، وأن يتصاعد الضغط الشعبي البريطاني من أجل ذلك، كما رحلت القوات الأسبانية والفلبينية من قبل، بفعل الضغط الشعبي في أسبانيا والفلبين. وكانت النتائج الأخيرة للانتخابات البرلمانية البريطانية قد أكدت، بشكل لا لبس فيه، تراجع شعبية رئيس الوزراء طوني بلير، حيث خسر حزبه أكثر من مئة مقعد في تلك الانتخابات. والأنكى من ذلك أن غريمه جورج جالاوي، الذي قاد المظاهرات المليونية ضد سياساته أثناء احتلال العراق فاز فوزا ساحقا في تلك الانتخابات، وأصبح شوكة تؤرق بلير، وتنكد عليه حياته.
إن الخلاصة المريرة التي لا مفر من مواجهتها، هي أن تفجيرات لندن جريمة أخلاقية بكل المعايير، ينبغي إدانتها بوضوح ودون تردد أو مواربة. فقد عززت تلك التفجيرات تهم الإرهاب بحق العرب جميعا، وأضرت بحلفاء بريطانيين لنا في صراعنا من أجل الدفاع عن وجودنا وقيمنا وأخذ مكاننا اللائق بين الأمم، وأدت إلى إزهاق أرواح بريئة، وأخيرا وليس آخرا، فإنه ينبغي إدانتها أيضا، لأنها ألحقت شرخا عميقا، وخللا كبيرا في معادلة صراع الحق مع القوة.
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2005-07-13
2020-05–0 7-:02
عبد الله المنصور من Sa
و إن جادلنا بصدق كل ما أدعيتة
فكيف مدد لبلير ألم يفز بالأنتخابات ؟
قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم
2020-05–0 7-:01
فؤاد من المغرب
باللة عليك الا تستحي من كتابة متل هده الترهات ?قال تعالى (و لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم…….)يبدو انك نسيت او تناسيت وعد بلفور
2020-06–0 9-:05
jamal lrabas من maroc
السلام عليكم.
الذي قرأته في الصفحات من التفجيرات الارهابية التي وقعت في العاصمة البريطانية لندن. انما هو ظلم وقع على الشعب البريطاني، ولا ينغي له الك لان الشعب البرياطاني لا يستحق كل هذا لانه بريئ من الاعمال الارهابية ولا نعرف عنه الا خيرا
والخير يزكي الانسان كما زكى الشعب البريطاني. والسلام.
2020-06–1 0-:06
منيره من السعوديه من السعوديه
ان الذى حصل فى لندن انما هو ردعلى الذى يحصل فى فلسطين وبعض الدول العربيه زادهم الله فى التفجيرات