تحولات الشأن الثقافي الخليجي
الحركة الثقافية بالخليج العربي، كانت إلى ما قبل عقود قليلة امتداداً للحراك الثقافي العربي. وقد تواصلت على هذا الحال، إلا أن معركة أكتوبر عام 1973، وما تبعها من تحولات سياسية بالوطن العربي، وبشكل خاص ما يتعلق بالصراع مع «إسرائيل»، قد هيأت لفطام الثقافة الخليجية، بحيث باتت تتجه رويداً رويداً، نحو الاستقلال.
لكن هذا التقرير، ينبغي ألا يؤخذ على علاته، فليس بالإمكان، عندما يتعلق الأمر بالأفكار، القطع التام والشامل مع الماضي، خاصة أن ثقل الجغرافيا والتاريخ على منطقتنا كبير جداً. وبعض الأحداث التي وقعت في منطقتنا العربية، من الصعوبة عزلها عن الشأن الخليجي. فالحرب العراقية – الإيرانية، على سبيل المثال لم تكن فقط بين بلدين جارين، بل طالت ألسنتها بشكل مباشر، مناطق عدة بالخليج العربي، كالكويت والسعودية والبحرين والإمارات. ولذلك كان من الصعب، أن يكون هذا الحدث خارج دائرة الاهتمام الثقافي الخليجي. والأمر هذا ينسحب على الأحداث الدائرة في بلدان الجوار الأخرى.
وفي هذا السياق، من الصعب القول بخصوصية خليجية، ذلك أن المثقفين الخليجيين لم يكونوا وحدهم الذين ساندوا العراق في تلك الحرب، بل ساندهم كثير من المثقفين والأدباء على مستوى الساحة العربية، مع الإقرار بأن الانقسام حول تلك الحرب عربياً كان سيد الموقف.
في الموقف من الصراع العربي – الصهيوني برز شعراء سعوديون، حتى في العقود الأخيرة، دعموا بشكل قوي المقاومة الفلسطينية، ودانوا العدوان «الإسرائيلي» على العرب. وحين جرى التعرض للمقاومة من قبل بعض الأنظمة العربية، أسهم بعض الأدباء الخليجيين في إدانة ذلك السلوك: «كانت الساعة طفلاً سرق النابالم رجليه، فلما ظل يعدو سرقوا حتى طريقه»،
وبالمثل، شجب المثقفون الخليجيون مع نظرائهم من المثقفين العرب، زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس الشريف، كما رفضوا نتائج اتفاقية كامب ديفيد. وكان ذلك تماشياً مع الموقف القومي، وأيضاً مع سياسات دول الخليج العربي، آنذاك.
وفي مساندة العراق، أثناء الحرب مع إيران، ساند معظم المثقفين الخليجيين كما أشرنا العراق، لكن الكويتيين، كانوا الأكثر حماسة واندفاعاً في تأييدهم. وفي حينه، لمعت أسماء مثل أحمد السقاف، وعبدالله أحمد حسين، ومن الشعراء الأميرة سعاد الصباح، والدكتور خليفة الوقيان. ومن الصحف كانت «الأنباء» هي الأكثر صراحة واتساعاً في تأييد العراق.
على أن هذا التقرير من جانبنا، لا ينفي، أنه منذ منتصف السبعينات، بدأت حالة الفطام الثقافي الخليجي، عن الارتباط الوثيق بالثقافة العربية. وفي هذا السياق، يمكن أن نذكر الدكتور محمد جابر الأنصاري، من البحرين، كمثال على ذلك. والأنصاري هو من جيل مخضرم، شهد مرحلة نهوض الفكر العربي، وتأثر بها، كما هو حال معظم النخب الفكرية العربية، التي عاشت حقبة النهوض العربي. وحين حدثت نكسة حزيران / يونيو 1967م، برزت رؤية فكرية ونقدية جديدة لحقبتي الخمسينات والستينات، من القرن المنصرم، من ضمنها إعادة النظر، في اليقينيات التي سادت منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، حتى النكسة. والدكتور الجابري، في هذا السياق، هو أحد النخب التي أجرت تلك المراجعات، لكنه في ما بعد انتقل من مفكر قومي إلى مفكر خليجي، ونظر في كتابه «تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية»، إلى دور الجغرافيا في إعاقة قيام نظام عربي موحد، ومن وجهة نظره، فإن القطيعة المكانية تتمثل في دور الفراغات والفواصل والحواجز الصحراوية الشاسعة الممتدة بين معظم الأقطار العربية في تقطيع وتجزئة المنطقة العربية، عمرانياً وسكانياً. وإن الوحدة العربية، هي مشروع رومانسي ليس له نصيب على أرض الواقع.
ومع توقيع اتفاقية أوسلو، بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، ووادي عربة بين الأردن و«إسرائيل» تراجع الدور القومي للمثقفين الخليجيين، لكن قلة منهم ظلت متمسكة بالرؤية التاريخية للصراع مع العدو، باعتباره صراع وجود.
في الثمانينات تأثر شعراء وأدباء شباب، بالمذاهب الأدبية العالمية، وعلى رأسها الحداثة، وما بعد الحداثة، وبرز شعراء مبدعون قدموا الكثير في هذا السياق. وتلك محطة مهمة في تطور الثقافة الخليجية، سيكون لنا معها وقفة في أحاديث قادمة.