بعد خمس سنوات من سبتمبر: محطات ما بعد العاصفة

0 204

جملة من الأمور طرحتها الإدارة الأمريكية إثر حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001، كان أبرزها ما عرف بـ “الحرب على الإرهاب”. وفي هذا الإتجاه برز الحديث عن الإطاحة بالنظم السياسية التي تأوي “الإرهابيين” وتقدم لهم الدعم والتأييد، وجرى تحديدهم بمحور الشر الذي شمل العراق وإيران وكوريا الشمالية، حسب إعلان الرئيس الأمريكي، جورج بوش. وقيل أيضا بحتمية تجفيف منابع الإرهاب، ويتضمن ذلك منع التدفق المالي عن التنظيمات التي وصمت بأنها إرهابية من وجهة نظر صانع القرار الأمريكي، وبضمنها منظمات المقاومة الفلسطينية، وبعض حركات التحرر في العالم. كما يتضمن تغيير البنى الثقافية والفكرية التي يعتقد أن الذين نفذوا عمليات سبتمبر قد استندوا عليها.

 

وقيل أيضا إن أحد الدوافع التي أدت إلى تلك العاصفة هي حالة الإحتقان التي تعيشها المجتمعات العربية، من جراء سيادة أنظمة الإستبداد التي بقيت مدعومة من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لأكثر من نصف قرن، وأن الولايات المتحدة حملت مسؤولية استمرارية الأنظمة الديكتاتورية في الحكم، وأن ماجرى في سبتمبر هو تعبير عن بلوغ حالة الإحباط واليأس مرحلة خطيرة، كانت نتائجها قيام الغاضبين بتدمير برجي مركز التجارة العالمي، وجزء من مباني البنتاجون. إن معالجة هذا الوضع، من وجهة النظر الامريكية، تقتضي القضاء على أنظمة الإستبداد، وإشاعة الديموقراطية وروح التسامح ونبذ الكراهية. فأين يقف العالم الآن، وبخاصة منطقتنا العربية بعد مرور خمس سنوات على عاصفة سبتمبر؟ وماذا تحقق من وعود الديمقراطية التي بشر بها الرئيس بوش؟

 

كانت الخطوة الأولى، بعد 11 سبتمبر مباشرة هي التحضير لاحتلال أفغانستان. وجرى ذلك على وجه السرعة، بعد أسابيع محدودة من حدوث العاصفة. وتساقطت المدن الأفغانية كحبات السبحة، الواحدة تلو الأخرى. وكان الجنرالات يبحثون عن أهداف صالحة للقصف، في بلد أنهكته الحروب، وهد أبناءه الجوع والمرض. لم تكن هنالك بنية تحتية قوية ولا أهداف عسكرية واضحة. كانت الطائرات تقذف بحممها فوق جبال تورا بورا على أمل العثور على قادة طالبان في أحد كهوفها، ولكن دون جدوى. ولم تكن كلفة الحرب في الأيام الأولى، بالنسبة للأمريكيين عالية، لكنها بالتأكيد كانت كبيرة جدا في صفوف الأفغان، كلفتهم أضعاف عدد الذين سقطوا في نيويورك وواشنطن جراء عاصفة سبتمبر.

 

وكان الهجوم على العراق، ومصادرته كيانا وهوية هو المحطة الثانية في “الحرب على الإرهاب”. وإذا كانت الحرب على أفغانستان، قد بدت مبررة، كون طالبان احتضنت ابن لادن وتنظيم القاعدة، فإن أسباب الحرب على العراق بدت واهية. واستندت على ذرائع تكشف بطلانها، كان في مقدمتها أن العراق يحتفظ بترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل، وأنه يقدم الدعم لتنظيم القاعدة. وكانت الحرب على العراق غير شرعية، من حيث بطلان الذرائع التي استندت عليها، وأيضا من حيث خروجها على القانون الدولي، وشنها خارج دائرة مجلس الأمن، وتحديا له. وانتهت تلك الحرب، باحتلال العراق، وتفتيته إلى محاصصات طائفية وأثنية.

 

ولعل المحطة الثالثة في تلك الحرب، هي الهجمة الشرسة التي قام بها أرييل شارون في المناطق الفلسطينية المحتلة، بالضفة الغربية وقطاع غزة. فهذه الهجمة أعلن أنها أيضا، وبمنطوق الرئيس الأمريكي، بوش نفسه أنها جزء من الحرب العالمية على الإرهاب. وكان احتجاز الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات في مقر إدارة السلطة برام الله حتى استشهاده، واغتيال عدد كبير من القيادات الفلسطينية في حماس والجهاد والشعبية، وفي مقدمتهم أبي على مصطفي والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، وعشرات آخرين، وتقطيع الضفة الغربية إلى ثلاثة أوصال، وعزل قطاع غزة، وإقامة الجدار العازل، ومحاصرة المخيمات والبلدات والمدن الفلسطينية، وفرض حصار اقتصادي جائر على المناطق المحتلة هي أبرز معالم تلك الحرب.

 

ولا شك أن انتصار حركة حماس في الإنتخابات البرلمانية الفلسطينية، وحصدها لعدد كبير من المقاعد، وبالتالي تسلمها لإدارة السلطة الفلسطينية، قد كشف زيف الإدعاء الأمريكي بأن الحرب على الإرهاب تستهدف إشاعة الديموقراطية. فمنذ الوهلة الأولى لإعلان النتائج، اتخذت الإدارتين الإسرائيلية والأمريكية موقفا معاديا لفوز حماس، واخذت تمارس عقوبات جماعية بحق الشعب الفلسطيني، بسبب إقدامه على انتخاب قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

 

لقد اتضح للقاصي والداني، أن شعار الديموقراطية الأمريكي، يعني الخضوع للسياسات الإستسلامية، وللإبتزاز، وأن الإنتخابات النزيهة وما تفرزه صناديق الإقتراع لا تعني شيئا بالنسبة لصانع القرار الأمريكي، إذا لم تتمخض عن وصول عناصر موالية لنهج الهيمنة والعدوان.

 

وبالعدوان الصهيوني على لبنان أخذت المحطة الرابعة من الحرب الأمريكية على الإرهاب مكانها، وكان مسرحها هذه المرة هو الجنوب اللبناني. وكان التدمير مهولا.. كما كانت مقاومة أبناء الجنوب ضارية واستثنائية للعدوان. وقد أشرنا في أحاديث سابقة إلى أن الهدف الرئيسي للحرب هو تأكيد انكشاف لبنان أمام الكيان الصهيوني، ونزع سلاح المقاومة، واستكمال تنفيذ القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والتمهيد لتطبيق خطة أولمرت لإعلان حدود نهائية للدولة العبرية، والإنتقال بالنظام الإقليمي العربي، إلى نظام شرق أوسطي.

 

لكن سؤال، بل ربما عدة أسئلة تطرح نفسها بحدة: هل تمكنت الإدارة الأمريكية في هذه المحطات أن تنجز أهدافها المعلنة؟ وهل أن العالم أكثر أمنا ورخاء الآن مقارنة بالأوضاع السائدة قبل عاصفة سبتمبر؟ وأين وصلت أجندة الحرية والديمقراطية التي أعلنت عنها الإدارة الأمريكية؟ وأسئلة أخرى كثيرة..

 

المؤكد أن الجيش الأمريكي غارق في مستنقعي أفغانستان والعراق، وأن أعداد القتلى والجرحي من الأمريكيين في تزايد مستمر. والمؤكد أيضا، أن الحقوق الفردية، وبخاصة حقوق المرأة كانت مصانة في العراق بشكل خاص، أكثر مما هي عليه الآن، وأن قانون الأحوال المدنية الذي كان سائدا في العراق من قبل هو أكثر تطورا من القوانين التي سنتها الحكومة العراقية في ظل الإحتلال. كما أن الأمن والإستقرار في أفغانستان والعراق، هو أفضل قبل الإحتلال، مقارنة بما هو عليه الوضع الآن. والصراعات السياسية التي شهدها العراق من قبل تحولت من صراعات سياسية واجتماعية إلى صراعات طائفية، ثم تحولت من صراع بين طائفة وأخرى، إلى صراع بين أبناء الطائفة ذاتها، منذرة بحروب أهلية لم تكن لتدور بخلد أي عراقي من قبل.

 

لقد جرى تفتيت أفغانستان والعراق، وفقا للإستراتيجيات الأمريكية. وفي العراق، يجري تسريع برنامج التفتيت، وفقا لخطوط حظر الطيران، الذي فرضه الرئيس، بيل كلينتون على الحكومة العراقية التي كانت قائمة حتى احتلال العراق في التاسع من أبريل عام 2003.

 

في فلسطين المحتلة أصبح الحديث عن الديمقراطية الأمريكية مثار سخرية وازدراء من مختلف فصائل الشعب الفلسطيني، بعد أن رأوا بأم أعينهم كيف عملت الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية على وأد نتائج الإنتخابات الفلسطينية التي شهد الجميع بنزاهتها. وكان التدمير المنهجي الوحشي في لبنان، وفي الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، والتحريض الأمريكي المتواصل للحكومة الإسرائيلية اليمينية بمواصلة الحرب والعدوان على الشعب اللبناني، قد أزال ما علق في النفس من أوهام حول الحرية وحقوق الإنسان التي يتحدث عنها الإعلام الأمريكي جهارا ونهارا.

 

ولا جدال أن حالة الكراهية للغرب قد تضاعفت بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر، خاصة بعد أن لحظ المسلمون في مختلف بقاع الكرة الأرضية نبرة العداء للإسلام في خطابات الرئيس بوش، كالحرب الصليبية والإسلام الفاشي.. وما إلى ذلك من عبارات نابية ومسيئة للإسلام وللثوابت الدينية والأخلاقية العربية والإسلامية.

 

وفي داخل الولايات المتحدة ذاتها، مرت البلاد بحقبة مكارثية جديدة، عبر عنها سلوك الإدارة الأمريكية تجاه نزلاء السجون في غوانتناموا وتراجع حقوق الإنسان، وفضائح التنصت ومراقبة الحسابات المالية، وإيجاد قوانين تعاقب من يحرض على الكراهية والعداء للسامية، في محاولة لتكميم أفواه كل من يتعرض بالنقد للسياسات الأمريكية والإسرائيلية.

 

ومن جهة أخرى، فإن حالة الإحتقان من السياسات الأمريكية قد بلغت مدى غير مسبوق في أمريكا اللاتينية، حيث شهدت القارة قيام أنظمة معادية للإدارة الأمريكية، يأتي في مقدمتها نظام الرئيس الفنزويلي، شافيز، والقارة لا تزال حبلى بمزيد من التحولات.

 

لا تزال حرب أمريكا “على الإرهاب” مستمرة، وفي الملفات كثبر من المواقع التي يجري الإعداد للتعامل معها، وبضمنها التدخل في الشؤون الداخلية لعدد من البلدان العربية، يأتي في مقدمتها السعودية والسودان ومصر وسوريا، كما عبر عن ذلك عدد من التقارير والوثائق والتصريحات الأمريكية، كما أن هناك ملفات عديدة بعضها فتح والآخر في قائمة الإنتظار ذات علاقة بهذه الحرب، كالملف النووي الإيراني، والملف النووي الكوري، والأوضاع في الصومال، وقضية دارفور.

 

كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع مشاريعها وملفاتها المستقبلية، وهي لا تزال غارقة في ملفاتها الأولى، في مستنقعات أفغانستان والعراق، حيث تفقد هيبتها وتضعف سطوتها وتشيع خيرة شبابها، وتتضاعف خسائرها، ذلك ما سوف تجيب عنه الأيام القادمة، ونحسب أن انتظارنا للجواب على ذلك سوف لن يطول..

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2006-09-13


 

2020-06–0 9-:03

علي الكاش من اليونان

أستاذ يوسف

في كل مرة يطلعون لنا بأيدلوجية جديدة يطبقونها في دول العالم الثالث فبعد النظام الدولي الواحد جائت الحرب الأستباقية ومن ثم الحرب على الأرهاب ، ثم القضاء على التطرف الأسلامي وهلم جرا.. والحقيقة أن هذه الأيدلوجيات خلفت ورائها ذيولاً مأساوية وبدلاً من إنهاء ألأرهاب او الحد منه جاءت النتائج معاكسة تماماً، فقد امتدت براثن الأرهاب الى كل الجهات وطالت الدول جميعاً من متقدمة ونامية.. أما محاربة التطرف الديني فأن نتائجها ماثلة للعيان، ففي كل بلد خرجت منه أمريكا تنامى التطرف بشكل غير معهود والصومال وافغانستان والعراق ولبنان أبرز امثلة على ذلك ..

وكما تفضلت أستاذ يوسف أن هناك صعوبة في فهم كيفية قيام امريكا بلملمة ملفاتها الساخنة ولا سيما ان نار جهنم فتحت عليها بعد خسائر ربيبتها إسرائيل في لبنان والصفعات المتتالية التي توجهها قوات المقامة العراقية من جهة والأفغانية من جهة ثانية.. انه كما وصفت مستنقع آسن من الصعب الخروج منه وحتى لو خرجت امريكا منه فأن الأوساخ ستبقى معلقة بها وتفوح منها الروائح الكريهةعلى مدى التأريخ ..

طوبى لقلمك وبوركت كلماته .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أربعة + سبعة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي