الواقع الاجتماعي للمرأة السعودية: هموم ومشاكل في انتظار الحل.
ورقة مقدمة للقاء الثالث للحوار الوطني
المنعقد بالمـدينة المـنورة في الفـترة
الواقـعة من 24/4/1425 إلي 26 من نفس الشهر
مقدمة
لا تناقش هذه الورقة ما حصلت عليه المرأة من حقوق ومكتسبات بالمملكة العربية السعودية، على الصعيدين القانوني والاجتماعي، رغم أهميتهما ووجاهتهما، فتلك أولا وأخيرا أضحت حقوقا مكتسبة لا تضيف شيئا إلى موضوعنا هذا. إن الهدف هنا هو تسليط الضوء على جملة المشاكل الاجتماعية التي تواجه المرأة وتعطل حركتها وإسهاماتها في عملية النهوض الاجتماعي والاقتصادي والوطني، بغية إيجاد مخارج وحلول لها.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة تنطلق ابتداء، من التسليم بأهمية دور المرأة في بناء المجتمع السعودي ونهوضه وتقدمه, من خلال المشاركة الإيجابية، وعلى قدم المساواة، مع شقيقها الرجل في عملية البناء والتنمية. يدفعنا إلى ذلك قناعة راسخة بوجود تلازم قوي وجلي ومتواز بين إهمال دور المرآة وتغييب حقوقها والانهيار الذي تواجهه الأمة على كافة الأصعدة، وبالمقابل بين ارتقاء المرأة وتقدم الأمم ومدنيتها. على هذا الأساس، فإن تقدم ونهضة الوطن يجب أن يبدأ بتقدم المرأة، كونها تشكل نصف المجتمع، إذ لا جدال في أن أمة تعطل نصف طاقاتها البشرية، لن تكون قادرة على أن تبدع وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية.
وإذا سلمنا بالقول المأثور “العقل السليم في الجسم السليم”، فإن المرأة هي الزوجة، والأم والأخت والحاضنة والمربية والمعلمة الأولى لأجيال المستقبل، وهي نصف المجتمع، وهي التي إذا أعددتها “أعددت شعبا طيب الأعراق”. ومن هنا فإن أي حديث عن بناء ونماء وتقدم ونهضة للوطن يجب أن يضع في سلم أولوياته سلامة هذا النصف ومعالجة مختلف المشاكل الاجتماعية التي تواجهها المرأة وتحد من إسهامها الوطني.
ويتوجب أن يكون حاضرا في الذهن أن الصراحة المتناهية التي طبعت تناول ومعالجة مختلف القضايا المتعلقة بهذه الورقة لا تهدف إلى تأجيج الصراع وتسعير الفتنة بين الجنسين، إنما على العكس من ذلك، العمل على التقريب بينهما من خلال المكاشفة وتسليط الضوء على ما هو مغيب وضعيف في ثقافتنا ووعينا الإجتماعي. إن الهدف النهائي لهذه الدراسة هو العمل على أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة، علاقة تكامل وتفاعل، لا علاقة تنافر وصراع، وصولا إلى وضع يمكن من ضمان الحقوق والمشاركة المتوازنة لكل أفراد المجتمع في الحياة الحرة الكريمة.
حين نطرق بوضوح علاقة المرأة بأسرتها من أهلها: الأم والأب والأخوات والإخوة، أو علاقتها مع زوجها وأهله فذلك لأن من المسلمات التي لا جدال حولها استحالة دراسة واقع المرأة والمشكلات التي تواجهها دون وعي المحددات الأولية والمعوقات الأسرية والمجتمعية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فلأن الأسرة بتركيبتها وأدوارها المكتسبة عن طريق الزواج الإنجاب، هي في أعلى القائمة من تلك المحددات. ومن البديهي أن علاقة الإنسان، امرأة أو رجلا، بتلك المحددات قد ساهمت بشكل كبير وواسع في تمكينه من اكتساب أهم الخبرات التي جعلت منه كائنا اجتماعيا.
لعلنا لا نأت بجديد حين نشير إلى أن الأدوار التي تؤديها وتؤثر بها الأسرة في محيطها تختلف باختلاف تركيبة كل أسرة، واختلاف أنماطها وسلوكياتها. ومعلوم أن العلاقات الأسرية في جوهر بنيتها تضم مجموعة متنوعة من الحقوق والواجبات، يلتزم بها أعضاء الأسرة، وتحددها ثقافة المجتمع وظروفه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ومن هنا، فإن الأدوار المتمثلة في ممارسة السلطة داخل الأسرة والكيفية التي يتم بموجبها صنع القرار، وتقسيم العمل المتصل بإشباع الوظائف الاقتصادية والتربوية والإنجابية، هي في المحصلة انعكاس لثقافة المجتمع، مستندة في ذلك إلى ركائز بيولوجية ونفسية واجتماعية.
إن الدور التاريخي للأسرة قد هدف بشكل رئيسي إلى تحقيق مجموعة من المهام والوظائف. في هذا يجمع معظم دارسي الأسرة على أنها كانت في البنية المجتمعية التقليدية مكتفية بذاتها. ذلك أنها كانت إلى جانب وظائفها الاقتصادية ذات الطابع الإنتاجي، تنهض بوظائف اجتماعية كثيرة ومتعددة، مثل التنشئة الاجتماعية، ومنح المكانة لأفرادها، وتحديد المعتقدات والتوجهات الدينية وأنواع الترفيه، والتعاطف والمحبة. ويمكن القول، إن التغيرات الرئيسية في هذه الأدوار هي ناتج تراكم وتغيرات في البنية الثقافية والهياكل الاجتماعية. وأن أي تغيير رئيس في الثقافة وهياكل المجتمع سيعكس نفسه في تغيرات موازية، سلبا أو إيجابا، في تلك الأدوار.
وهكذا فإن خروج المرأة، في العصر الحديث، من المنزل وانتقالها للعمل في المؤسسات والشركات ومشاركتها الفعلية في الإنتاج الاقتصادي وعملية البناء في الوطن قد أدى إلى تغير بعض وظائفها في المنزل، وخلق مهمات جديدة مزدوجة، اقتضت التوفيق والموازنة بين دورها في رعاية زوجها وتنشئة الأطفال والمهام الأخرى التي تضطلع بها داخل المنزل، وبين دورها الجديد في موقع العمل. ومن المفترض أن يؤدي ذلك بدوره إلى تغير جذري في شكل وأنماط السلطة التي يمارسها الرجل على المرأة، وإلى تغيير للأدوار فيما يتعلق بصناعة القرار في الأمور العائلية والشخصية والاجتماعية. ولسوف يؤدي ذلك بدوره إلى بروز مشكلات وقضايا جديدة ينبغي رصدها ومعالجتها.
نأمل أن نكون بهذه الورقة، ومن خلال القراءة والتفكيك والتحليل، وتسليط الضوء على المشاكل التي تواجه المرأة، وافتراح الحلول، ووضع التوصيات، قد ساهمنا في وضع لبنة على طريق بناء الوطن ونهوضه، ومن الله التوفيق.
طريقة البحث
تتصدى الورقة للمشاكل والهموم الاجتماعية التي تعاني منها النساء في المملكة العربية السعودية، وتصنيفها ومعرفة أسبابها والخروج بتوصيات لمعالجتها. وقد اعتمدت محاولة الكشف عن هذه المشاكل والهموم على جمع المعلومات، وتفكيكها باستخدام المنهج الوصفي والتحليل النوعي، ومن ثم طرح الاستنتاجات والتوصيات، أملا أن يكون في ذلك تحريض على الفعل الخلاق والعمل الإيجابي، من أجل تجاوز تلك الهموم ووضع حلول للمشاكل، باعتبار ذلك مهمة أخلاقية ونبيلة بالدرجة الأولى، وخطوة عملية وصحيحة على طريق الزج بالعنصر النسائي في المشاركة الكاملة والشاملة في بناء الوطن وتحقيق تقدمه ونمائه.
اعتمدت الدراسة في الحصول على القواعد البيانية للمعلومات، على الاتصال الهاتفي المباشر بشرائح مختلفة من النساء، روعي أن تشمل عددا من مناطق ومدن المملكة العربية السعودية. وقد شملت هذه المحادثات خمسين امرأة سعودية من مختلف الفئات. وروعي في هذا السياق ثلاث مستويات:
المستوى الأول: شمل مقابلات مع مستويات تعليمية مختلفة، ضت المرأة شبه الأمية إلى حاملة الشهادة الابتدائية والمتوسطة فالثانوية، إلى طالبة الجامعة والحاصلة على شهادة البكالوريوس، إلى حاملة شهادة الماجستير ودرجة الدكتوراه.
المستوى الثاني: ويمكن أن نعده المستوى (الطبقي) وكان يستهدف تناول أثر الجوانب الاقتصادية. وقد روعي في الاختيار اختلاف الحرف والوظائف. وشملت المقابلات المرأة المتفرغة لرعاية الأسرة، (ربة بيت)، والمدرسة، والمتقاعدة، والمشتغلة بالمهن والأعمال الحرة، وموظفة البنك، والعاملة في المؤسسات والشركات الأهلية ومجالات النفط، والإعلامية والمشرفة التربوية والمهندسة، والممرضة وإخصائية المختبرات والطبيبة.
المستوى الثالث: يتعلق بالحالة الاجتماعية للمرأة التي تجري معها المقابلة، أهي عزباء، ويشمل ذلك اللواتي لم يتزوجن رغم تقدم السن بهن، أو متزوجة أم معلقة، أو أرملة أو مطلقة. وقد روعي هنا أيضا أن تشمل بيانات هذه الدراسة، وبشكل أفقي ومتوازن، مختلف الحالات الاجتماعية.
بحكم السرعة المطلوبة لإنجاز هذه الدراسة، وجد أن الاتصال عن طريق الهاتف هو أفضل وأسهل وسيلة للحصول على المعلومات المطلوبة. فالاتصال الشخصي المباشر يبدو شبه مستحيل، في المجتمع السعودي إلا في حالات محدودة جدا، مع الأهل وبعض الأقرباء. وقد جرى تجنب فكرة الاعتماد على طرح نماذج الأسئلة الإستبيانية، لأن هذه الطريقة تشوبها بعض الصعوبات والمشاكل. فهي أولا: تتعارض مع الحاجة إلى الحصول على ردود سريعة. وهي ثانيا تجعل الباحث يوجه أسئلته باختياره، وبشكل محدد، حسب ما يرد في خاطره من رؤى لمشاكل المرأة الاجتماعية، ولا تفتح له آفاقا كبيرة ومجالات واسعة للكشف عن هموم ومشاكل أخرى ربما تكون مجهولة لديه عنها. وقد تركزت المقابلات الهاتفية والأسئلة التي تخللتها على جملة المشاكل والهموم الاجتماعية التي تتعرض لها المرأة السعودية.
من جهة أخرى، جرت عملية رصد لما يصدر في بعض الصحف والمجلات المحلية من مقالات وتحقيقات ورسائل قراء. وكان لجريدة الوطن السعودية، التي تناولت بشكل مكثف قضايا المرأة والمجتمع، حصة الأسد في هذا الرصد.
وقد تناولت هذه الورقة عمليتي الاتصال الهاتفي والرصد لما جاء في عدد من الصحف المحلية بالقراءة والتحليل.
مع ذلك يقتضي التنبيه، إلى أن الباحث لا يزال يرى أن العينات التي تم الاتصال بها لا تمثل موقفا جماعيا للمرأة السعودية. إذ لا شك في أن اللواتي أبدين استعدادهن للحديث مع الباحث هن الأكثر وعيا وحماسا وتطلعا لإيجاد حلول لمشاكل المرأة. وهن بكل تأكيد لا يمثلن إجماعا نسائيا عاما على طلب التغيير. ولكنهن على كل حال، يمثلن شريحة مستنيرة واسعة من النساء في المجتمع السعودي، وهي الشريحة الواعية والمتعلمة المهتمة بما يجري من حولها، والتي يشكل ما تواجهه البلاد من تحديات هاجسا مقلقا لها. إن هذه الشريحة، من خلال الرؤية الموضوعية والعلمية، تمثل إحدى روافع التغيير والتطوير وبناء المستقبل في هذا الوطن. ومن هنا يكتسب الحديث مع هذه الشريحة أهميته في تحديد اتجاه الدراسة.
حصيلة جمع المعلومات
1- مقابلات هاتفية مباشرة
تركز الحديث مع النساء اللواتي جرى الإتصال بهن في محاور وقضايا عديدة مهمة. شمل بعضها مطالب محددة، ذات علاقة مباشرة بالقوانين واللوائح والتشريعات، وشمل البعض الآخر وصفا دقيقا للمشاكل الاجتماعية التي تعترض المرأة، تضمنت توجيه تهم مباشرة للأهل وللزوج والمجتمع. واعتبرت الثقافة، في جانب كبير منها، مسئولة عن حالة الظلم والتمييز الذي تتعرض له المرأة السعودية.
والواقع أن بعض المشاكل التي تم طرحها، يصعب الفصل فيها بين دور الدولة والقوانين التي تسنها ودور المجتمع، وتتداخل في الأجوبة مظاهر الشعور بالاحتقان وعدم الرضا، وواقع التمييز والنظرة الدونية التي تواجهها المرأة من قبل فئة ليست فليلة من الرجال في البلاد.
قيادة السيارة:
لعل أكثر مطلب حصل عليه شبه إجماع خلال المقابلات، هو موضوع قيادة السيارة. فمن بين خمسين امرأة تم الحديث معهن، طالب ستة وأربعون منهن بالسماح للمرأة بذلك، مع اقتراح بعضهن وضع ضوابط هنا وهناك، تتعلق بالعمر ومستوى المسئولية. ولم يتجاوز عدد اللواتي لم يتشجعن لهذا المطلب سوى أربعة.
وحتى أولئك اللواتي رفضن أو لم يعرن اهتماما لهذا الموضوع، وهن نسبة ضئيلة جدا، اختلفن في أسبابهن. فقد أشارت، على سبيل المثال، مهندسة تعمل في مجال النفط لدى شركة أرامكو بأنها لا تواجه مشكلة حادة في موضوع قيادة السيارة، لأن دخلها جيد جدا، وباستطاعتها تأمين سائق لها ودفع راتبه. وأن لديها سائق موجود معها باستمرار. ولذلك فإن موضوع القيادة لا يشكل لها هاجسا أو معضلة. بينما قالت أخرى، وهي ربة بيت، لا زالت تبحث عن عمل منذ فترة طويلة، إن موضوع قيادة السيارة لا يشغلها وليس من أولوياتها، كونها لن تستطيع شراء سيارة، حتى لو تم الترخيص للمرأة بذلك. وأن همها يتركز الآن في الحصول على وظيفة، وتأمين معيشتها ومعيشة أطفالها. بينما قالت ثالثة، وهي مدرسة ابتدائية متزوجة من أجنبي، إن زوجها يوصلها إلى العمل، وهو متفرغ لها. وأنها تخشى إن فتحت الأبواب على مصارعيها للمرأة لقيادة السيارة أن تحدث انحرافات كثيرة، وخاصة لدى اليافعات واللواتي في سن المراهقة. في حين قالت آنسة، تحمل شهادة جامعية، وتعمل في أحد المستشفيات في مجال الأشعة، إنها ضد حرية المرأة، لأنها لا تتناسب مع ديننا وقيمنا، وأنها تعتبر قيادة المرأة للسيارة أحد التعبيرات عن هذه الحرية.
أما النساء اللواتي طالبن بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة فاختلفت أسبابهن في ذلك. فقد قالت سيدة، تحمل شهادة بكالوريوس في الجغرافيا وتعمل مدرسة، إنها تطالب بالسماح بقيادة السيارة لأنه ليس باستطاعتها أو باستطاعة زوجها تأمين راتب لسائق. في حين علقت سيدة أخرى، تحمل شهادة جامعية وتعمل بوظيفة مشرفة تربوية، أن هذا حق إنساني لها، وأنها لا ترغب في مرافقة سائق لها يكون ظلها أينما ذهبت وأينما حلت، وأنها تشعر بأنها مشلولة ولا تستطيع الحركة مع غياب هذا الحق.
وأجابت ربة بيت، تحمل شهادة ابتدائية، أن زوجها يذهب إلى العمل وأنها هي التي تذهب إلى المخازن الغذائية والأسواق لتأمين ما يحتاجه المنزل. ولذلك فإنها تطالب بالسماح لها بقيادة السيارة لكي تستطيع جلب ما يحتاجه البيت من مؤن ولوازم أخرى. وحين سألتها عن توظيف سائق أو استخدام سيارة أجرة قالت إن الدخل الوحيد المتوفر للعائلة هو دخل زوجها، وأنه لا يكفي لاستقدام سائق، وأنها من جهة أخرى، لا تفضل الصعود مع سائق غريب عنها، سواء كان ذلك السائق خاصا بالبيت أو سائق سيارة أجرة.
وقالت سيدة أخرى، تحمل شهادة بكالوريوس، وتعمل إخصائية أشعة في أحد المستشفيات، إن القيادة هي مشكلة المرأة الرئيسية، وأنها لا ترى موجبا منطقيا، قانونيا أو اجتماعيا لمنعها من ممارسة حقها، باعتبارها إنسانة كاملة الأهلية لممارسة هذا الحق. واستهجنت آنسة أخرى، تحمل شهادة بكالوريوس في علم النفس، وتبحث عن عمل يناسب تخصصها منذ أربع سنوات، هذا السؤال، وقالت لماذا يكون هذا الحق ملكا للرجل فقط، ويمنع عن المرأة.
وأجابت سيدة أخرى، تحمل شهادة عليا، ومتقاعدة عن العمل، إنها اضطرت للسكن في دولة مجاورة لأنها تستطيع هناك ممارسة حقها في الحركة وقيادة سيارتها. وقالت ربة بيت، تحمل بكالوريوس في علم الإجتماع، إنها تؤيد قيادة المرأة للسيارة، ولا تستطيع توفير راتب سائق خاص بها، وأنها حتى لو استطاعت توفير هذه الكلفة فإنها لا تجد مبررا في ذلك لهدر مالها ومدخراتها، وأن المنطقي هو أن تقوم بالقيادة بنفسها.
وتناولت سيدة أخرى، تحمل شهادة دبلوم في التمريض، وتعمل ممرضة في أحد المراكز الصحية الحكومية، هذا الموضوع من وجهة أخرى. وأشارت إلى أن عدم السماح للمرأة بقيادة سيارتها تسبب في مشاكل اجتماعية عدة. وأوضحت أن إحدى من صديقاتها انتهت علاقتها بزوجها إلى الانفصال، لأنها كانت تطلب من زوجها باستمرار أن يوصلها إلى مقر عملها وقضاء احتياجاتها من السوق أو لزيارة الأهل والأصدقاء، وقد رفض شريك حياتها أن يعمل لها سائقا دائما. ومن هنا أخذت المشاكل والخلافات بين الزوج والزوجة في التصاعد، حتى انتهى بهما الأمر إلى الطلاق.
وطالبت سيدة أخرى، تحمل شهادة متوسطة، وتعمل مراسلة في أحد الجرائد السعودية بأن يسمح للمرأة بقيادة السيارة بعد بلوغها سن الأربعين، لأنها في هذا السن تكون رصينة ومقدرة للعواقب.
في حين قالت سيدة متزوجة، تحمل شهادة عليا في طب الأسنان، وتعمل طبيبة في أحد المستشفيات العسكرية، إنها تطالب بقيادة المرأة للسيارة لأن ذلك حقها، وأن لديها مشكلة خاصة مع سائق سيارتها، وذلك لأن قوانين المستشفى لا تجيز له أن يوقف السيارة الخاصة بها في الموقف الخاص بمقر عملها. وأنها تعطلت في الشارع مرارا وهي تنتظر وصوله. وأن ذلك تكرر عدة مرات، مع عدد من السواق الذين استأجرتهم.
وقالت سيدة أخرى، متزوجة من أجنبي، وتحمل شهادة عليا في الطب وتعمل في مستشفى إخصائية للأطفال، إن مشكلتها مركبة، فهي من جهة تزوجت من أجنبي ولم تحصل بعد على موافقة وزارة الداخلية على زواجها رغم مضي فترة طويلة منذ تقدمت بطلبها. وقد اضطرها ذلك للعيش مع زوجها في مملكة البحرين. وقالت أنها تأتي يوميا من البحرين إلى المملكة للإلتحاق بعملها الرسمي، حيث تترك سيارتها عند مدخل الجسر من جهة البحرين، وتستأجر سيارة لكي توصلها من وإلى مقر عملها. وأنها تتكبد نتيجة لذلك خسائر مالية كبيرة ومعاناة قاسية بسبب القوانين التي تحظر على المرأة قيادة سيارتها. وتساءلت كيف أؤتمن على علاج ومصير الأطفال وهم براعم المستقبل، ولا أؤتمن على نفسي في قيادة سيارتي الخاصة. وقالت أنني أمارس حالة انفصام كل يوم. فأنا أشعر بكرامتي وإنسانيتي عندما أتصرف بمقود سيارتي، وحين أتركها عند مدخل جسر الملك فهد من جهة المملكة، يتبدل الحال. ويتكرر ذلك في دورات يومية مستمرة.
وهكذا استمرت بقية الأجوبة، وكلها تعكس موقفا يقترب من الرؤية الواحدة… إن غالبيتهن يطالبن بالسماح لهن بقيادة سياراتهن، ويعتبرن ذلك، بشكل أو بآخر، حقا طبيعيا مجسدا لإنسانيتهن، ينبغي توفره، وعدم حرمانهن منه.
موضوع المحرم أو الوكيل
تعرض معظم من شملتهن المقابلات إلى موضوع المحرم والوكيل، باعتباره أحد المشاكل التي تشكل معاناة حقيقية لهن، وخاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا السفر والوظيفة والزواج والإرث والدخول إلى المستشفى ومراجعة الدوائر الحكومية واستقدام الخدم والسائقين.. وكثير من الأمور الأخرى.
وفي هذا الصدد أشارت سيدة مطلقة وتحمل شهادة جامعية، تعمل مدرسة بالتعليم الابتدائي، بأنها خضعت لابتزاز مستمر من قبل شقيقها الذي كان مفترضا فيه أن يكون ولي أمرها والمدافع عن حقوقها. لقد كان هذا الأخ يرفض منح أخته ترخيصا للسفر للخارج إلا إذا وافقت على مرافقته لها. وكان يفرض على أخته ليس فقط تحمل تكاليف سفره، بل وتكاليف سفر جميع أفراد عائلته. وأوضحت أنها لا تعترض على القوانين والنصوص الشرعية، ولكنها تطالب المسئولين بإيجاد مخارج وحلول عملية لهذا النوع من القضايا.
وأفادت سيدة أخرى أرملة، تحمل شهادة جامعية وتعمل مدرسة بالتعليم الابتدائي، أن كونها أرملة، وبدون محرم مباشر، وأمام قوانين الدولة الصارمة بضرورة حضور رجل وكيل في الدوائر والمؤسسات الرسمية جعلها محاصرة بإحباط مستمر. ذلك أن والدها شيخ كبير، وأشقاؤها مشغولون عنها بعائلاتهم وأمور معاشهم. وأنها أينما ذهبت لمراجعة دوائر حكومية بمفردها تجد الأبواب موصدة أمامها.
وسخرت سيدة أعمال تعمل مديرة مستشفى أهلي، وتحمل شهادة دكتوراه، من اشتراط أخذ موافقة شقيقها الصغير، الذي يعمل لديها، والذي يقل عنها عمراً وجاهاً وثقافة ومالا، على سفرها. وقالت مهما تكن الأسباب لمثل سن هذه القوانين فإنها في حالتها هذه تبدو غير منطقية وغير معقولة.
وقالت سيدة متزوجة، تحمل بكالوريوس في التمريض، وتعمل رئيسة قسم في أحد المستشفيات الحكومية، إنها بينما لا تعرف شيئا عن دخل زوجها، ولا تتدخل في الكيفية التي يصرف فيها راتبه، ولا كم يملك من المدخرات، فإنه يعرف عنها كل شيء، لسبب بسيط هو أنها لا تستطيع فتح حساب أو مراجعة بنك دون حصولها على دفتر الأحوال منه. إن ذلك قد عرضها لإحراج شديد ومستمر. فهي أمام ضغوطه في سبيل الحصول على أموالها لا تستطيع حتى تقديم أدنى المساعدة المالية لأهلها العجزة. كما أنها لا تستطيع أن تحتفظ في حسابها الخاص بأي مدخرات تحسبا لغدر الزمن ونكباته. وأشارت إلى أنها تعلم أن كثيرا من صديقاتها لم يكن لهن خيار في الزواج، وإنما تم ذلك بسبب ضغوط أهلهن، بحكم ما يوفره لهم قانون الأحوال الشخصية من قوة فرض. وطالبت بإعادة النظر بقوانين الأحوال الشخصية، بما يرفع الأذى عن المرأة ولا يتعارض مع روح الدين الإسلامي الحنيف.
سيدة أخرى، متزوجة، تحمل شهادة جامعية في التاريخ، وتعمل مدرسة بالتعليم الثانوي أشارت إلى أن تدخل العائلة في الزواج يؤدي في حالات كثيرة إلى أن يكون الزواج غير سعيد، خاصة إذا كان البون شاسعاً بين مستوى وعي وثقافة الزوجة وتدني مستوى ثقافة الزوج ووعيه. إن الحياة بين الزوجين تصبح جحيما وتغدو العشرة مستحيلة. وأضافت أنه ليس هناك من سبب لهذه التعاسة والبؤس، سوى استخدام الأهل لما يمنحه لهم المجتمع والقوانين من صلاحيات، يفرضونها دون وجه حق على بناتهم وأخواتهم. لا بد من النظر بجدية للآثار السلبية التي تترتب على هذا النوع من الهيمنة الذكورية على المرأة، إذا كنا حقا نرغب في مشاركتها العملية في تطور المجتمع.
وشكت سيدة مطلقة، تحمل شهادة في الدراسات العليا، وتشغل وظيفة إدارية مهمة في شركة أرامكو السعودية، من أنها رغم مستواها الإجتماعي الجيد، ورغم أنها تنحدر من عائلة عريقة، وتعدت سن الأربعين. فإنها تواجه بمعوقات كبيرة حين تتعامل مع القوانين واللوائح وإجراءات الدولة. فهي لا تستطيع الشراء والبيع والمقايضات التجارية إلا بموافقة ولي أمرها، الذي هو في الغالب، ليس معنياً ولا شأن له بها، ولا يتصل بها إلا نادرا. وقالت إن كثيرا من الشابات غير المتزوجات، اللواتي يعانين من جفاء العائلة، أمام صرامة هذه القوانين وقسوتها، ينتظرن أي طارق يطلب الزواج منهن، فيستجبن لطلبه فورا ودون تفكير أو دراية، على أمل أن ينتقلن إلى بيت الزوجية فتحل معظم مشاكلهن. ولكنهن سرعان ما يكتشفن أن الملاذ الذي حسبنه آمنا ودافئا هو أقسى بكثير من ذلك الذي هجرنه.
وأشارت سيدة متزوجة، تحمل شهادة جامعية في الآداب، وموظفة في أحد البنوك إن قضية الوكيل والمحرم كانت مصدر شقاء لكثير من السيدات. وقالت إن من الصعب على المرأة في كثير من الأحيان، خاصة حين تكون منفصلة أو مطلقة أو أرملة أن تأتي بمعرّف لمجرد أنها ترغب في الحصول على خط تلفوني لمنزلها. وأوضحت أن كثيرا من الأهل لا يبدون استعدادا لخدمة شقيقاتهن أو بناتهن في مجالات كهذه. ودللت على ذلك بالإشارة إلى أن إحدى صديقاتها ليس لها حتى الآن دفتر عائلة، وأن شقيقها، الذي هو في عرف القانون محرمها أو وكيلها، يرفض مساعدتها في الحصول على ذلك. وقالت إن صديقة أخرى لها، اكتشف زوجها وجود حساب بنكي لها، حين طلبت منه دفتر العائلة لاستخدامه في قضايا روتينية لدى البنك. وعرف من خلال ذلك أن لديها في حسابها البنكي مبلغا لا بأس به، وطالبها بتسليمه ذلك المبلغ، وحين لم تستجب ضربها ضربا مبرحا، مما اضطرها للذهاب إلى البنك وسحب المبلغ وتسليمه له.
وأفادت سيدة مطلقة، تحمل شهادة جامعية، وتعمل مدرسة بالتعليم الابتدائي إنها أصبحت مطلقة منذ أكثر من سنتين، ولكن اسمها لا يزال مسجلا في بطاقة أحوال مطلقها، وهو يرفض أن يساعدها في هذا الموضوع. ولم تستطع بعد إقناع أهلها بالتدخل لصالح حل مشكلتها.
مشاكل أخرى
قضايا أخرى لا تقل أهمية، أثيرت في هذه المقابلات، ولكنها لا تتعلق بحالات النساء جميعا، كسلبية الزواج المبكر، والنظرة الدونية لمن فاتهن قطار الزواج والمطلقة، والضرب الذي تتعرض له بعض النساء من قبل أهلهن وأزواجهن، وتعرضهن للهيمنة المطلقة من الرجال، وقضية توقف راتب التقاعد الخاص بالمرأة بعد وفاتها مباشرة رغم وجود أهل وأطفال لها لا زالوا بحاجة إلى من يعيلهم، يعتمدون كلية على دخلها. ومحدودية الوظائف التي يمكن أن تشغلها المرأة، مما يضطرها إذا كانت محظوظة وحصلت على وظيفة، للعمل في مهنة خارج تخصصها. ومطالب أخرى ذات علاقة بالوظيفة كتخفيض ساعات العمل. ويمكن تسليط الضوء على بعض هذه القضايا.
في موضوع الزواج المبكر: أشارت إحداهن إلى أن زوجها يحرمها من رؤية أهلها وأصدقائها. وتحدثت عن أيام الخطبة، حين كانت طالبة في الجامعة وطلبت تأجيل الزواج حتى تنهي دراستها، لكنه اعتبر ذلك سببا عير كاف للتأجيل. ووعدها بأن تواصل دراستها بعد الزواج مباشرة. وتزوجت الفتاة وواصلت دراستها إلى حين. لكن الزوج عدل عن موفقه لاحقا. وحين أصرت على مواصلة دراستها، سرق مفتاح البيت من حقيبتها وحبسها في المنزل خوفا من أن “تتحداه” وتخرج إلى الجامعة لمواصلة الدراسة.
وحول الازدراء والهيمنة والضرب أفادت امرأة أخرى أنها ذهبت مع زوجها في رحلة شهر العسل، واكتشفت خلال تلك الرحلة ميل زوجها للعنف، حيث كان أسهل رد فعل لديه على أي شيء هو الاعتداء بالضرب. وعندما عادت إلى البلاد من الرحلة، كاشفت أهلها بحقيقة زوجها وأصرت على عدم العودة إلى بيت “الزوجية”، وأصر الزوج على العكس وطالبها بالإلتحاق به، وحين رفضت رفض هو الآخر أن يطلقها وبقيت القضية معلقة، وبالإمكان تصور حجم المعاناة والتعقيدات التي تواجهها تلك الفتاة.
وعن ازدراء الرجل للمرأة أيضا، تحدثت مطلقة عن محنتها، وقالت إنها لا تستطيع ممارسة حياتها بشكل طبيعي، فالأهل والجيران والأصدقاء جميعا يلاحقونها. وأن المطلقة في مجتمعنا، مهما كانت الأسباب التي أدت إلى طلاقها تعتبر مسئولة، من طرف واحد، عن النتيجة التي انتهى إليها زواجها. ولن تتوقع، إلا في حالات نادرة، أن تطلب للزواج مرة أخرى إلا من شخص ذي عاهة أو فاشل، أو أرمل أو مطلق، أو شخص يرغب في ابتزازها إن كان لديها مال أو وظيفة. وأنها كانت عرضة لكثير من الملاحقات والمضايقات من قبل الأهل، الذين يضغطون عليها للقبول بالزواج من أي طارق، حتى لا تكون حالتها الاجتماعية عبئا عليهم.
وفي حادثة لا تبدو نادرة، ذهبت إحدى اللواتي قابلتهن لجارها مهنئة له على مجيء مولودة جديدة له، وعلى سلامة زوجته، حاملة هديتها معها، فقابلها أب المولودة وقال لها إن عليها أن تعزيه لا أن تهنئه. وقالت لي إنها تعلم أن بعض الآباء بسبب نظرتهم المزدرية للأنثى، خاصة في المجتمعات الشعبية الفقيرة، يحرمون الأنثى من أجود أنواع الطعام حين تتوفر لديهم، ليستأثر بها الصبي وحده.
سيدة أخرى قالت إنها تتعرض باستمرار للإيذاء الجسدي من زوجها وأن خوفها من المجهول وحرصها على رعاية أطفالها هو الذي كان يدفعها للاستمرار في حياة الزوجية، ولكنها في الأخير، وبعد سنين طويلة، أمام استمرار عذاباتها فاتحت أهلها بطلب الطلاق، بعد أن وصل العنف حد كسر عظام الساق والركبة وتحطيم الفك. وفتاة أخرى تحملت ضرب الأب والإخوة خلال سنين، ولم تجرؤ على ترك البيت.
وتحدثت أكثر من ممرضة في عدد من المستشفيات عن تصاعد حالات الاعتداء على النساء بالضرب من قبل أهاليهن وأزواجهن، وأن المستشفيات تستقبل باستمرار حالات اعتداء جسدي، يتم في كثير من الأحيان معالجتها بصمت، لأن المريضة لا تريد أن تكشف ما جرى لها، ولا تريد مشاكل لأهلها أو مع زوجها. وأبلغتني سيدة أن صديقتها تعرضت لضرب من زوجها بعد زواجها بشهر واحد. وأن طفلة جارة لها يعتدي عليها والدها بالضرب والحرق، ولا يوجد هناك جهة يمكن الرجوع لها.
إخصائية أشعة في أحد المستشفيات قالت لي أن كثيرا من الرجال يرفضون أن تقوم بالكشف عليهم امرأة، تحت ذريعة أن ذلك ليس مقبولا في الإسلام. وأفادت ممرضة أخرى أنها لم تستطع أخذ قياس الضغط من رجل مريض لأنه يعتبر ذلك غير مقبول دينيا واجتماعيا. وقالت طبيبة أسنان، تعمل في أحد المستشفيات إن زميلا لها، يعمل استشاريا في الأمراض الجلدية، رفض أن تعالج له أسنانه لأنها امرأة.
سيدات أخرى تكلمن عن قلة عدد ساعات الرضاعة، واشتكت بعض الممرضات من عدد ساعات العمل اليومي، وطالبن بتخفيضها. وتحدث كثير من السيدات عن موضوع التقاعد، وقلن أنهن يفقدن حقوقهن بمجرد الوفاة حتى مع وجود من هم بحاجة للعون. وطرح بحدة موضوع محدودية الوظائف التي يمكن أن تشغلها النساء، وصعوبة مساهمتهن في القطاع الخاص بسبب ظلم القوانين لهن، متمثلة في كثير من التعقيدات الإجرائية. وفي كل هذه القضايا أوردت النسوة اللواتي جرت مقابلتهن كثيرا من الأمثلة لتعزيز مطالبهن ومواقفهن.
ب- متابعة لشئون المرأة صادرة في الصحف المحلية
في عدد الوطن الصادر في 10/3/1425 الموافق 29/4/2004 وفي تحقيق أجرته نادية الفوزان من أبها، تحت عنوان نجاح المرأة يقابل بغيرة وحساسية، والزوجة الناجحة عقدة الرجال، تحدثت عن وجود مشاكل جديدة بين الأزواج نشأت بسبب دخول المرأة وتفوقها في معترك العمل. وتناول التحقيق لقاء مع عدد من الإختصاصيين، أجمعوا على وجود غيرة لدى الرجال بسبب تفوق زوجاتهم على الأصعدة الاجتماعية وفي مجالات عملهن ووظائفهن.
وتحدثت الوطن في عددها الصادر في 24/3/1425 الموافق 15/5/2004 في تحقيق من جدة، أجرته منال الشريف تحت عنوان جراح مكتوبة وأنات مكتومة أسفل لوحة الإدارة العامة للتربية والتعليم، ذكرت أن سيدة تحمل درجة البكالوريوس من جامعة الملك عبد العزيز عام 1409هـ حصلت على وظيفة بعد صبر طويل ومعاناة استمرت 9 سنوات للعمل في مدرسة حكومية. ولكنها فوجئت بمشاكل لا تحتمل، من ضمنها الغربة ووعورة الطرق والحيوانات السائبة وعدم توفر أي وسيلة اتصال بالعالم الخارجي، وعدم توفر سكن للمعلمات، والأمن اللازم للمحافظة على حياتهن. وأضافت أنها تسافر يوميا عن طريق غير مأهول، يخلو من الاستراحات وورش الصيانة ومراكز الإسعاف والنجدة في حالة الطوارئ. إنها تنطلق في الصباح الباكر في الظلام الدامس، قبل ساعتين من موعد الدوام مما يعرضها مع زميلاتها لكثير من المشاكل، خاصة عندما تتعطل بهن السيارة وسط الصحراء فيضطر السائق لتركهن لمدة قد تطول عدة ساعات. وأشار الموضوع إلى الكثير من حوادث السيارات الشنيعة التي ذهبت ضحيتها الكثير من المعلمات..
وفي جريدة الوطن أيضا في عددها الصادر بتاريخ 1/1/1425 الموافق 21/2/2004 كتبت سامية البريدي، من أبها تحقيقا عن جامعيات يرفضن إكمال الدراسة خوفا من العنوسة. ويعزو التحقيق ظاهرة الزواج المبكر إلى الخوف من الحرمان من الزواج. وأحيانا ما يكون الأهل أنفسهم هم الذين يضغطون على بناتهم لترك الدراسة من أجل الزواج، لاعتقاد بعضهم أن الدراسة مفسدة للبنت.
وفي جريدة الوطن بالعدد الصادر بتاريخ 20/1/1425 الموافق 11/3/2004 في تحقيق أعدته من أبها أيضا، سامية البريدي تحت عنوان جلسات النساء نميمة وأسرار عائلية وتحريض على الرجال، وفي التحقيق تحريض من بعض النساء لزميلاتهن بعدم تسليم رواتبهن لأزواجهن، فلا يأخذ الزوج ريال واحد من الراتب..” لأن فلانة كانت تساعد زوجها من راتبها، وندمت بعد ذلك. فقد تزوج عليها من راتبها، وهي الآن تعض أصابع الندم”.
وهناك قضايا كثيرة منشورة في جريدة الوطن لا تحتمل هذه الدراسة التعرض لها بالتفصيل، نكتفي هنا بالإشارة إلى عناوين بعضها والتواريخ التي نشرت فيها. ومن أراد زيادة واستزادة بإمكانه الرجوع لها حسب تواريخها. فهناك بتاريخ 24/3/1425 الموافق 13/5/2004 خبر تحت عنوان: يمني يعذب زوجته في نجران ويطفئ السجائر في رقبتها ويحاول قطع يدها، وفي العدد 1/1/1426 الموافق 21/2/2004 هناك خبر بعنوان: معلمة بالطائف تحاول الانتحار بشرب الكلور. وفي العدد الصادر بتاريخ 28/2/1425 الموافق18/4/2004 هناك تحقيق تحت عنوان: سيدات يتحايلن لأخذ النقود من أزواجهن البخلاء، وزوجة تقول، أستطيع تحمل الفقر ولا أتحمل البخل. وفي العدد الصادر في 19/2/1425، تناول العدد موضوع الغيرة لدى الرجال، في تقرير من الدمام كتبته هيفاء خالد تحت عنوان، رجل يشك في “جنين” وآخر يراقب هاتف زوجته. نار الغيرة.. من القذف بالألفاظ إلى الطعن في شرف الزوجات. وفي العدد الصادر بتاريخ 8/1/1425 الموافق 28/2/2004 خبر بعنوان: يطالبن بأماكن خاصة للسيدات لممارسة الرياضة. وفي العدد الصادر بتاريخ 11/2004 هناك موضوع بعنوان: ليلة هروب شاب مع فتاة، يناقش كيف يضطر الشباب والشابات للهروب والزواج من بعض، نتيجة رفض أهلهم لزواجهم. وفي العدد الصادر في 12/4/1425 الموافق 31/5/2004 هناك خبر بعنوان: عريس يطلق عروسه ليلة زواجهما في مكة المكرمة، ويحكي الخبر كيف أدى تدخل الأهل إلى طلاق الزوجين في ليلة زفافهما. وفي نفس العدد موضوع بعنوان تعليق مواهب الفتيات حتى إشعار آخر، وموضوع أخر تحت عنوان: فتيات يعالجن الفراغ والكآبة باـ “الدش”.
والواقع أنه لا يكاد يخلو عدد من جريدة الوطن دون التعرض لأحد المشاكل الاجتماعية التي تواجه المرأة السعودية، يما يستعصى علينا حصره في هذه العجالة.
ومن جانب آخر تشارك بعض الصحف المحلية للأسف في تكريس النظرة الدونية للمرأة ويصبح محور الثقافة عاملا رئيسيا في اضطهاد المرأة في مجتمعنا بدلا من النهوض بها. فهذا كاتب لا يتردد عن القول “أن إهمال المرأة لزوجها كثيرا ما يدفعه إلى الزواج عليها بحثا عن الإحساس بالأهمية.. والتماسا لسعادة لم يجدها في زوجته الأولى، وقد ينتهي الأمر بالزوجة المهملة إلى الطلاق.. إن لإهمال المرآة لزوجها وعدم اهتمامها به أسبابا كثيرة: الطبع، الكسل، عمل المرآة خارج البيت، الأطفال..”. ولذلك ينصح كاتب المقالة المرأة بقوله: “لا تشعري زوجك بأهمية عملك في حياتك واحذري أن تتحدثي له عن طموحاتك..؟.. “لا تفرطي في عملك مهما كانت الأحوال إلا إذا احتاج إليه صغارك بشكل حقيقي. أما زوجك فامنحيه اهتمامك الصادق وحبك الخالص..”تفاهمي مع زوجك بشكل ودي ورقيق واستعملي عاطفتك الحلوة لا إرادتك الصلبة.. شاركي زوجك في مصاريف البيت وتحمل أعباء الحياة بشهامة، ولكن احذري أن تنبسي بربع كلمة عن “منة” فإنها تفسد الحب كما يفسد الذباب الحلوى” (جريدة الرياض 28/4/1995).
هكذا يساهم الرجل في رسم الخطوط وتحديد السلوك الذي ينبغي على المرآة أن تلتزم به تجاه زوجها. إن الكاتب هنا يعلن بصراحة عن احتقاره للمرآة، ويحملها تبعة ما يجري لها من فشل في حياتها الزوجية، فهي وحدها التي ينبغي عليها أن تتنازل فتصبح لعبة للرجل، وقطعة جميلة من مقتنياته.
مقالة أخرى، نشرت في جريدة اليمامة في 18 ربيع الثاني 1416 تقول “إن اعتلاء المرأة منصبا سياسيا مخالف للطبيعة وإهدار لكرامة الرجل”. ويرد في نفس المقالة أيضا منح الإسلام المرآة كامل حقوقها… (لكن) مهما أمنت المرآة نفسها فهي بحاجة إلى حماية”.
وفي حوار أجرته جريدة الرياض نشر بتاريخ 15/12/1996 مع دكتورة لها إسهاماتها الثقافية المعروفة، وكانت قد رشحت لنيل جائزة الملك فيصل العالمية قالت: “لو.. منعني زوجي من السفر لاستلام الجائزة لأطعته.. ودفاع المرآة عن حقوقها لا يكون إلا بالمعروف.. ولا يصح أن تصرخ في وجهه بطلب المساواة.
تحليل المعلومات
تشير القراءة المتأنية لعمليتي الاتصال والرصد إلى أن هموم المرأة تكاد تنحصر في ثلاثة محاور، ينبغي العمل على معالجتها. المحور الأول قانوني، ويتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، والتعاميم والتوجيهات التي تحجب عن المرأة كثيراً من الحقوق. والمحور الثاني له علاقة بالثقافة والتقاليد والأعراف السائدة، التي تحول دون مشاركة المرأة في معظم أنشطة الحياة الرئيسية. أما المحور الثالث فيتمثل في غياب المؤسسات التمثيلية، التي تحتضن المرأة وتعالج مشاكلها وتتبنى الدفاع عن حقوقها، كنتيجة طبيعية للغياب شبه الكامل لمؤسسات المجتمع المدني.
فيما يتعلق بالمحور الأول، يمكن أن يساق على سبيل المثال لا الحصر، حرمان المرأة من قيادة السيارة، وعدم السماح للمرأة باستقدام سائق تحت كفالتها الشخصية، ومحدودية الوظائف المسموح لها بالعمل فيها، واشتراط حضور محرم لتسلم بطاقة الأحوال الشخصية الخاصة بالمرأة، وامتهان كرامة المرأة لدى الدوائر الحكومية بفرض أخذ البصمة عليها بدلا من التوقيع، بغض النظر عن مستواها العلمي، خلافا لما هو معمول به مع الرجل. يضاف إلى ذلك قوانين أخرى اعتبرت جائرة بحق المرأة كقانون التقاعد والتأمينات الإجتماعية.
أما في المحور الثاني، المتعلق بالأعراف والتقاليد وينتج عنه أفعال قسرية على المرأة، مثل فرض الزواج عليها ممن لا ترغب، وعمليات ابتزاز يقوم بها الزوج تجاه الاستحقاقات المالية وراتب زوجته، مستغلا ما تتيحه له الأعراف والتقاليد من تفوق، والنظرة الدونية للمطلقة أو المتأخرة في الزواج أو الأرملة، وغياب التكافؤ بين الرجل والمرأة بأشكال مختلفة، أحيانا تجعل من الزوجة أقل بكثير من الزوج، مما يشعرها بعقدة النقص، وفي أحيان أخرى يكون العكس، حين يكون وضع الزوجة الوظيفي أو الاجتماعي متميزا على الزوج مما يخلق غيرة لديه تحول الحياة في المنزل إلى جحيم.
إما في المحور الثالث، فإن غياب المؤسسات النسائية التي ترعى حقوق المرأة وتدافع عنها، قد أدى إلى سيادة حالة اغتراب وضياع مريعة في الوسط النسائي، حيث لا ملجأ للنسوة في أوقات محنهن، بعد الله، سوى الأهل، وهم في الغالب مكبلون بأعراف وتقاليد لا تجعلهم قادرين على تقديم أي عون لهن، أو لبعض الصديقات، الذين لا حول لهن ولا قوة، والذين في الغالب لا تختلف معاناتهن ومشاكلهن عن أقرانهن. والنتيجة هي عجزهن عن تقديم أي عون أو دعم للتخفيف من معاناة صديقاتهن.
ويصدق هذا القول على ما تم حصره في الصحف المحلية. فهذه الصحف أيضا تحدثت عن دور الثقافة والقوانين وغياب المؤسسات، بشكل أو بأخر. وقد عبر خلالها الكتاب عن مواقف متعارضة، تعكس حماسا من قبل المرأة لتغيير واقع حالها، كما عكست مواقف متشددة ومزدرية للنساء في بعض الكتابات الصادرة في الغالب عن الرجال.
التحليل والإستنتاج
ليس من شك في أن سيادة نمط اجتماعي يقوم على احتقار القوي للضعيف وامتهان الرجل للمرأة، قد أدى إلى حدوث خلل أساسي أعاق نهوض الوطن والأمة. ومن المؤكد أن المدخل الرئيسي لمعالجة واقع الأزمة التي تواجهها المرأة هو الثقافة.
وإذا اعتبرنا الثقافة هي المدخل الصحيح لمعالجة هذا الواقع، فإن اللغة هي الرمز المعبر عن ثقافة أي مجتمع، فهي لغة التخاطب وهي لغة الكتابة والآداب والفنون وهي لغة التدوين. ولغويا يشير مفهوم العائلة في المجتمع الشرقي إلى علاقات الإعالة والاعتماد المتبادلة. ويشار للأولاد بالعيال وإلى الأب بالمعيل والمسئول عن تأمين الرزق، والأم بالحنون وسيدة المنزل والمسئولة عن التربية. وتشير كلمة أسرة إلى التآزر والتضامن. ومن هنا فإن كلا المعنيين يشيران إلى التزام متبادل بين أفراد العائلة في مختلف المجالات. وفي المجتمع العربي، ومن ضمنه المجتمع السعودي، تنجلي هذه الوحدة بأعمق معانيها بالتماهي والوحدة في الهوية بين مختلف أعضاء العائلة، فتكون المشاركة واحدة في الإخفاقات والإنجازات.
إن تصرف العضو الفرد ينعكس على أعضاء العائلة مجتمعين، ولا يقتصر بالضرورة على الفاعل فحسب. إن أي عمل محمود يقوم به عضو من العائلة ينعكس إيجابيا على الجميع، وبالمثل يعكس العمل المشين نفسه سلبيا على جميع أفراد العائلة حتى وإن قام به فرد واحد منها. وهذا يفسر لنا كيف بتغلب الانتساب للقبيلة والعشيرة على حساب الفرد، والتماهي مع الجماعة على حساب التفرد والاستقلالية في العائلة العربية. هكذا يصبح الإنسان في العائلة عضوا أكثر منه فردا مستقلا، وهوية أكثر منه شخصية قائمة بذاتها ولذاتها.
ومن هنا فإن العلاقات ضمن العائلة العربية هي علاقات بين أعضاء وأدوار فرضها توزيع العمل، وليست علاقة بين أفراد يملكون استقلاليتهم وحريتهم الشخصية.
ولهذه الأدوار تسميات هي الأب والأم والزوج والزوجة والأخ والأخت والأهل والأولاد، والكبار والصغار والصبيان والبنات.. ولذلك تبدو استحالة صعوبة الفصل، في مجتمع كمجتمعنا، بين تعبيرات علاقات القربى والوظائف الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
وبموجب هذه العضوية والوحدة إلى مستوى الاندماج في الهوية، يصبح الإنسان في الأسرة مسئولا ليس عن تصرفاته الشخصية فقط، بل عن تصرف الأعضاء الآخرين، رغم التفاوت بين الذكور والإناث. وفي سيادة هذه النمطية من العلاقات، ينعكس انحراف البنت، في العائلات التقليدية خاصة، على العائلة كافة، فيسمها في الصميم، ولا يمس الفتاة وحدها. وفي إطار هذه النظرة، يمكن فهم جرائم الشرف التي تقترف عادة في المجتمعات التقليدية الشديدة التماسك، حيث تسود القيم العائلية الصارمة ويعرف الجميع بعضهم البعض معرفة شخصية. إن جريمة الشرف في هذه الحالات هي بمثابة محاولة يائسة ومحبطة من قبل العائلة لاستعادة شرفها “المهان” في المجتمع الصغير الذي تنتمي إليه في الحي أو القرية أو القبيلة.
ولأن الإنسان في مجتمعنا هو عضو في عائلة أكثر منه فردا مستقلا، فإنه يعتبر كل تصرف أو قرار مستقل، خاصة حين يصدر عن المرأة، خروجا على وحدة العائلة، وتنكرا لجميلها. إن المرأة من وجهة النظر هذه، هي كائن بغيره لا بذاته، يستدل على تحديد هويتها بأنها زوجة فلان أو بنت فلان أو أم فلان أو أخته. إنها في ذاتها لا تساوى شيئا، ووجودها الوحيد الذي تستمده في الثقافة الشائعة هي أنها أنثى الرجل، هي الأم أو الزوجة. وهي باختصار، تعرف هويتها نسبة إلى الرجل، وليس لها وجود مستقل عنه. ولأنها كذلك لا يمكنها في ظل الأوضاع التقليدية أن تجد كينونتها وتعيش بذاتها. إنها المثال النموذجي والصارخ للإغتراب، الذي يتفاقم في ظل غياب العدل الاجتماعي والخلل بين القاع والسفح. فحيث تكون العلاقات قائمة بين سيد ومسود يصعب أن تمارس فيه المرأة إنسانيتها واستقلالها وكرامتها.
إن الوعي على وجود هذه الثقافة هو الذي سيفتح أمامنا آفاقا لتفسير كثير من المشاكل. فيمكن، على سبيل المثال لا الحصر، تفسير أسباب التأخر في الزواج في الوضع السلبي الذي تعيشه المرأة السعودية. فهي رغم ما حدث من تطور على صعيد التعليم ونمو الوعي لا زالت تخضع لشبكة معقدة من التقاليد والعادات المتبعة البالية التي لم تتغير. إنها تنتظر الرجل لكي يأتي ويطلبها للزواج. وذلك منطقي جدا، لكن في ظل وجود نظام صارم يغيب صوتها، يظل قرار القبول بزواجها بيد غيرها. وكم هي مآسي تلك النظرة التقليدية، إذ يصبح فيها مصير البنت مصير البضاعة.. من يدفع أكثر يحصل ما يريد.
وفي نفس الاتجاه، يلاحظ دور الثقافة في صياغة رؤيتنا ومفرداتنا، وهي من الكثرة في مأثوراتنا وحكمنا جميعها تحط من شأن المرأة.. ويكفي أن نذكر في هذا الخصوص ما أورده أبو حامد الغزالي في كتابه التبر المسبوك في نصيحة الملوك نشرته المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت عام 1987. تحقيق محمد أحمد دمج، ص 370-373 ضمن باب بعنوان ذكر سير النساء وعاداتهن يقول الغزالي:
اعلم أن جملة النساء على عشرة أصناف، وصفة كل واحدة تشبه صفة الحيوانات فالأولى كالخنزيرة والثانية كالقردة والثالثة كالكلب والرابعة كالحية والخامسة كالبغلة والسادسة كالعقرب والسابعة كالفأرة والثامنة كالطير والتاسعة كالثعلب والعاشرة كالغنمة.
ثم يشرح ويفصل:
فالأولى: المرأة التي تشبه الخنزيرة لا تحسن غير الأكل، ولا تبالي أين مضت، ولا تهتم بأمور الدين وتربية الأولاد، وتلبس الثياب القذرة، وتظهر منها الرائحة الكريهة. والثانية: كالقردة التي تكون همتها في لبس الثياب الملونة والتحلي بالجواهر والتفاخر على أترابها بتعظيم منزلتها عند زوجها ادعاء وكذبا. والثالثة كالكلبة إذا كلمها زوجها وثبت في وجهه وصاحت عليه، وخاصمته ولا تكون وفية له إلا إذا كان كيسه ملآنا بالذهب والفضة. والرابعة: كالحية الناعمة والقاتلة والخامسة: كالبغلة الحرون لبلادتها أو لعجبها بنفسها والسادسة: كالعقربة تدور في الساحات والبيوت مروجة للنميمة، مثيرة للفتن والخصومات، والسابعة: كالفأرة همها سرقة أموال زوجها وتبديدها في التوافه والرذائل، والثامنة: كالطير تحلق طوال النهار خارج البيت ثم تتهم الرجل- الزوج- بأنه لا يخرج منه إلا كرها فيه وبحثا عن غيرها. والتاسعة: كالثعلب الماهر همها التشكي والتمارض لتنغيص حياة الزوج كلما عاد إلى منزله طلبا للراحة والمودة والسكينه. أما الصنف العاشر والأخير من النساء فهي المرأة التي تشبه الغنمة، إذ كل شيء فيها فيه منفعة وبركة، وهي مشفقة على زوجها محبة لقرابتها وجيرانها، حريصة على أولادها، مطيعة لربها.
وبالمثل يحمل تعبير سن اليأس، مدلولات ثقافية دونية للمرأة. إن دورها الإيجابي، حسب هذا المدلول، يقتصر على الإنجاب وحين تفقد هذا الدور تصبح غير نافعة. إن مدلولات ومفاهيم جديدة تبنى على أسس مغايرة ينبغي أن تسود. ويجب أن ترتبط هذه المدلولات والمفاهيم بمستويات أخرى، كالمستوى العلمي ونوعية المشاركة في العمل والإنتاج والمشاركة في النهضة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
وهذه الثقافة السائدة، هي التي تجعل من ممارسة العنف والإيذاء الجسدي أمرا مقبولا. والعنف الجسدي هذا لا يقتصر على الضرب وحده، فهذا العنف يشمل الركل وشد الشعر ولي الذراع أو الساق أو الخنق. وقد يستخدم الرجل أدوات حادة مؤذية في “تأديب” المرأة، كأن يرميها بحذاء أو كرسي أو منفضة أو أي شيء آخر. وقد يضربها بعقال أو يجرحها أو يطعنها بسكين، أو يفتح باب السيارة ويرميها منها، أو يشوه وجهها بأسيد أو بغيره، أو يفقأ عينيها.
وفي ثقافة كتلك التي تسود في مجتمعنا السعودي، نجد من الصعوبة حصر معظم حالات الإعتداء الجسدي التي يمارسها الأب أو الأخ أو الزوج بحق المرأة والتعرف عليها، بسبب طبيعة هذا المجتمع، الذي هو أولا مجتمع ذكوري، وثانيا لأن النساء تعودن على إخفاء ما يتعرضن له. ولاعتقاد سائد، وهو في جانب كبير منه صحيح، أن الله أمر بالستر. ثم أن الثقافة وأنماط التربية تجعل من العسير على المرأة أن تفشي فضائح أقرب الناس لها، حتى وإن كان ذلك على حساب جسدها وصحتها وكرامتها. ولا شك أن عدم وجود جهات حكومية أو أهلية متفهمة تتحمل مسؤولية الدفاع عن المرأة هو من أسباب الصمت الذي تلوذ به المرأة.. وبالتالي هو من أسباب هدر حقوقها وكرامتها. وهكذا فإن ما ينشر في الصحافة لا يمثل أبدا حقيقة ما يجري على أرض الواقع، ولا يعكس إلا النزر اليسير منه.
وتعبر الثقافة المزدرية للمرأة عن نفسها في أنماط مختلفة، خصوصا في بعض الأوساط المتخلفة، حيث ينظر بامتعاض واحتقان للمولودة الأنثى، وربما يحدث ذلك خلاف بين الزوج والزوجة يصل حد القطيعة. وقد اعتاد بعض الأقرباء أن يسارعوا بزف البشرى للأب حين يأتيه مولود ذكر، لأنهم يتوقعون منه أن يدفع لهم ما يدعى بالبشارة، في حين يترددون عن تبليغه بولادة زوجته حين يكون المولود أنثى.
وتجيز هذه الثقافة للزوج أن يتخذ بحق زوجته أشكالا أخرى من مظاهر العنف، من ضمنها ما يمكن أن نطلق عليه مجازا بالعنف المعنوي، كالهجر في الفراش، أو أن يعاقب الزوج قرينته بالحرمان من المال ليجعلها دائما بحاجة للتوسل إليه، أو الزجر والصراخ والسخرية من سلوكها أو حركتها، أو انتقادها على نوعية الكتب التي تقرؤها أو ما تشاهد أو تحب وتصادق، بما في ذلك أسرتها وأهلها، مدعيا أنه بذلك إنما يساهم في تعليمها وتوجيهها كي يتحسن أداؤها. وقد يقارنها سلبا بغيرها من النساء. وإن اختلفا في أمر من الأمور، ربما يفسر الرجل ما حدث تفسيرا غير صحيح، أو يدعي أن زوجته قد استفزته، لا سيما إذا جادلته. ولا شك أن هناك موروث تاريخي واجتماعي استمر لحقب طويلة، قد يتسلل إلى الزوجة ويقنعها لا إراديا بتفوق الزوج عليها، في قدرته على رؤية الأمور ووزنها، فتأخذ في النهاية بأقواله وتبدأ في محاسبة نفسها، محاولة أن تصحح تصرفاتها كي تنسجم مع متطلبات ورؤية الزوج أو الأخ. ومن هنا تفقد المرأة ثقتها بنفسها وتصدق المعتقدات المهترئة التي يلصقها بها الرجل من أنها غبية أو بشعة، أو غير صالحة كزوجة أو أم أو حتى كامرأة. وفي النهاية ينتهي بها هذا الاعتقاد إلى الموت البطيء نفسيا ومعنويا. وقد أفادت أحداهن لي أنها تشعر بإحباط ويأس، وباختصار فإن الإنسان مات في نفسها.
ومن نافلة القول الإشارة إلى أن العنف الجسدي يؤثر بشكل سلبي كبير على نفسية المرأة، إنه يجعلها تعيش في حالة رعب دائم، لا يفارقها ليل نهار. وكثيرا ما تشعر بالخوف من إفشاء سرها لأقرب الناس لها خوفا من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الإهانات والعقوبات. وهكذا تجد المرأة نفسها مضطرة، بسبب حالة الرعب التي تعيشها، للسكوت والإستمرار في حياة تمقتها خوفا من عنف مستقبلي.
من المؤسف والمؤلم في آن معا، أن كثيرا من النساء قد بدأ إحساسهن بهذا النوع من الشعور منذ وقت مبكر في حياتهن. فقد تعودن، في بعض الأوساط ذات الثقافة والوضع الإجتماعي المتدني، أن يشهدن ممارسة العنف منذ صغرهن، بحيث أن المرأة بعد الزواج، حين تواجه عنف الشريك تجده أمرا طبيعيا ومن سنة الحياة، وأن ذلك مجرد انتقال من عنف الأب والأخ إلى عنف من رجل آخر، فتسكت، أو تعتقد أنها هي المذنبة والمسئولة عن عنف شريكها، وأنها لو كانت امرأة أفضل وألطف وأكثر مهارة لما استفزت زوجها وجعلته يضربها. ولا جدال في أن تربية المنزل هي المسئولة أولا عن هذا التدهور. إن التربية المبكرة التي تشجع مثل هذا الإحساس والتي توجه المرأة نحو الالتزام بنظام الطاعة الصارم، وتجعل المرأة تخضع وتستسلم لمتطلبات الأخ أو الزوج لا يمكن أن تساهم في خلق مجتمع صحي وسليم. ولسوف تبقى دائما وباستمرار الكلمة الأولى والأخيرة للرجل في المجتمع الذكوري، ويتعطل دور المرأة عن المساهمة الإيجابية والفعالة في تنمية المجتمع، وتكون النتيجة أن الوطن يخسر مشاركة نصفه في عملية بنائه وتنميته ورخائه. إنما يقضي على المرأة هو قبولها للقمع، إذ تصبح هي في النهاية التي تقمع نفسها، فتنظر إلى ما يجري إليها على أنه قضاء وقدر عليها، عليها الاستسلام له.
ولا شك أن الثقافة المحلية تشجع على هذا النوع من السلوك. إن الأهل والأصدقاء يساهمون، ربما دون قصد، في تكريس حالة الإنفصام والشعور بالدونية وفقدان الثقة بالنفس لدى المرأة، حين يطلبون منها أن تصبر وتتحمل وتطول بالها، بل ويتهمونها بأنها السبب فيما تناله من عنف زوجها. فهي لو تسكت على إهاناته ولا تجيب على شتائمه وتقريعاته، ولو أنها استجابت لطلباته ورضخت لأوامره لما بدر منه تجاهها عنف أو تعذيب. وهكذا تجد الزوجة نفسها محاصرة بمختلف أنواع الإحباط.
إن أسرة هذا هو ديدنها لن تنجب أطفالا أصحاء، فالمرأة الضحية المشغولة بمعاناتها ومشاكلها الخاصة لن يكون بمقدورها أن تمنح أطفالها الدفء والأمان. ولن تستطيع أن توفر لهم ما يحتاجونه من عطف وعناية. إن لديها من المشاكل ما يكفيها ويزيد. وسيكون همها الأكبر حماية نفسها. وقد أوضحت بعض الدراسات أن الأولاد الذين يشاهدون آباءهم يضربون أمهاتهم يصبحون قلقين وتنتابهم نوبات من العصبية، ويكونون في الغالب ميالين إلى العزلة. يبللون السرير، ويعانون من أوجاع الرأس والمعدة، ونسبة الإصابة بالربو والتأتأة بينهم تكون في العادة مرتفعة. كما يلاحظ تأخرهم في دروسهم. أما الصبيان منهم فيمارسون بدورهم العنف على رفاقهم وفي ألعابهم. وأهم من هذا كله، أن تفكير هؤلاء الأطفال يصبح بالغ التعرض للخطأ. حيث تسود في نفوسهم قناعة بأن العنف شيء طبيعي في الحياة، وأنه هو الطريقة الوحيدة لحل مشاكلهم، وهو الذي يمكنهم من الحصول على ما يريدون. كما يسود لديهم اعتقاد بأن احتقار المرأة وضربها هو أمر طبيعي ومقبول. وقد دلت بعض الإحصاءات أن ما بين 50 إلى 80 في المائة من الرجال الذين يمارسون العنف بحق زوجاتهم عاشوا في أسر كان الوالد فيها يقوم بضرب الأم.
يضاف إلى ذلك أن الرجل في مجتمعاتنا الشرقية، وبحكم البيئة والثقافة المزمنة، يعيش في وضع أساس العلاقة فيه قائمة على الإستبداد. استبداد يمارسه الأب تجاه أبنائه، ويمارسه المدرس تجاه طلابه، ويمارسه شيخ القبيلة بحق أعضاء قبيلته، وتمارسه الدولة بحق مواطنيها. مجتمع لا يحترم تعدد الآراء، وتسود فيه روح التكفير وتغيب فيه المشاركة في صناعة القرار، ويصبح فيه مفهوم السلطة مختزلا في القدرة على الهيمنة والتحكم بالآخرين. وضمن هذه المفاهيم يصبح مفهوما أن يختزن العقل الباطن للرجل مفاهيم خاطئة عن العلاقة بين الرجل والمرأة. فهذه العلاقة هي أيضا خاضعة لنظام الإستبداد، تصبح فيه المرأة جزءاً من الملكية الفردية، يحق لمالكها التصرف بها كيف ما شاء. والرجل، وفقا لهذا التصور، هو رب العائلة، مالك زوجته وابنته وأخته، وهذا من وجهة نظره سبب كاف يعطيه الحق في التحكم بحياتها وتقرير مصيرها. فإن لم يستطع ذلك بالحسنى لجأ إلى العنف، في بيئة اجتماعية متدنية تعتبر ممارسة العنف إحدى علامات الرجولة. بحيث يكمن في العقل شعور خفي بأن الرقة والعطف والحنان هي من صفات النساء.. وهكذا يربي الولد على رفض النقد والنصح والتوجيه، وبشكل خاص إذا كان مصدر ذلك امرأة.
وفي المنزل الأصل للأسرة، يربي الأب أبناءه وبناته على أن للمرأة وضع دوني سياسي واجتماعي واقتصادي. فمنذ نعومة أظفاره ينشأ الطفل باعتقاد أنه المسئول عن أخته، وحتى عن أمه. وأنه القيم على أخلاقها، ومن واجبه أن يراقب تصرفاتها. ونتيجة لذلك يعتبر المرأة دونه مرتبة وذكاء، بل ويعتبرها هو الآخر أحد ممتلكاته، له كامل الحرية في أن يتصرف بها كيفما يشاء، أن يهينها أو يوجهها أو يضربها..
وتتسلل هذه الآراء ببطء ولكن بقوة إلى المرأة. فتتحمل مصائبها ومآسيها باعتبارها قدرا مقدرا عليها. وهذا ما يفسر الصمت عن بعض أعمال العنف الفظيعة التي ترتكب بحقها. وإلا فما الذي يدفع امرأة كسر زوجها عظام ساقيها وركبتها وحطم فكها، ويجعلها تتحمل عنفه سنين طويلة، قبل أن تتجرأ على الإفشاء بسرها وتطلب الطلاق. وفتاة أخرى تحملت ضرب الأب والإخوة خلال سنين، ولم تجرؤ على ترك البيت.
ربما يكون سبب الصمت هو الخجل، فعزة النفس والكرامة تحول في كثير من الأحيان دون إبراز ما يصيب المرأة من أذى وإهانة. وخاصة إذا كانت المنكوبة من عائلة مرموقة أو ذات مستوى علمي عال. وحين تعود المرأة لأهلها وتبلغهم عما يقوم به شريك حياتها، يقوم الأهل بترويضها وتهدئتها وتشجيعها على القبول بواقع الحال، بدلا من مساعدتها والأخذ بيدها. ويتم ذلك من قبل الأهل تحت شعار الخوف من الفضيحة، يقابله خوف أخر من قبلها من موجة أخرى أشد عنفا من قبل زوجها إن هي تكلمت أو شكت.
وربما يكون سبب صمتها خوفها من حكم المجتمع. فعلى الرغم من نظرة المجتمع الدونية للمرأة، لكنه في الغالب يحملها وحدها مسئولية نجاح الأسرة أو فشلها. إن تربية المرأة في مجتمعاتنا الشرقية تجعلها تشعر في أعماقها بأنها هي وحدها المسئولة عن تفكك العائلة. ويبرز لديها الشعور بعقدة الذنب تجاه الأولاد. وهكذا يضاف إلى عذاباتها عذاب آخر. إن الخوف على الأولاد وتفشي الفضيحة، ومجمل المعوقات الثقافية التي تعترض انعتاق المرأة وتحول دون دفاعها عن حقوقها وكرامتها وإنسانيتها يبرر لماذا يحاول النساء، حين يعالجن بالمستشفيات إخفاء هويتهن الحقيقية، وإذا ما اضطررن إلى ذلك فإنهن يتجنبن المطالبة بالتقارير الطبية التي تمكنهن من الشكوى ورفع قضاياهن أمام المحاكم.
وهنا يحضر بقوة دور القانون، فالمرأة أمام عدم وجود أو ضعف القوانين التي تنص على حماية حقوقها تصل إلى نتيجة مفادها أن لا فائدة من الشكوى. فإلى من تشكو حين لا توجد نصوص واضحة تضمن الدفاع عنها وعن كرامتها. ومما يضاعف من هذا الشعور هو إحساس المرأة بأن من يفترض فيهم الدفاع عنها من رجال الشرطة وأفراد المحاكم وعناصر اتخاذ القرار هم في غالبيتهم من الرجال، وقسم كبير منهم لم يتلق أي تدريب أو تأهيل على التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة. بل إنهم ربما يقفون في خندق أخيهم الرجل، فيسخرون من المرأة حين تشكوا إليهم، معتبرين أنها تستحق ما يصيبها. والقوانين، في هدا المجال تبدو نادرة، وليس هناك شيء واضح بشأن الرجل الذي يعتدي بالضرب على زوجته، إلا إذا تسبب ذلك الضرب في إلحاق أضرار جسيمة وملحوظة أمكن الحصول على تقرير طبي بشأنها. وفي الغالب يقوم رجال الشرطة والقضاة بدور الوسيط والمصلح الذي يحاول أن يعيد الأمور إلى مجاريها، فتعود المرأة إلى بيتها، بعد أن تتم الوساطة والصلح لتتكرر من جديد دورة عذاباتها ومعاناتها.
من المتعارف عليه في مجتمعنا أن مغادرة المرأة منزل الزوجية هو شيء ممقوت. وفي ظل غياب القوانين، فإن من المتوقع أن تكون مبادرة رئيس قسم الشرطة أو القاضي هو تشجيع الزوجة على العودة إلى بيت الزوجية. والواقع أن انعدام الأدلة ضد الزوج تضع الزوجة إزاء مشاكل مستعصية، حيث أن الزوج بموجب الشرع والقانون، في ظل غياب الأدلة الواضحة التي تدين سلوكه، بإمكانه أن يعيد زوجته بالقوة إلى منزله. وهكذا فإن المرأة أمام غياب القوانين والمؤسسات التي تضمن حمايتها، تبقى مرة أخرى أسيرة وضحية لهيمنة المجتمع الذكوري على وسائل ومؤسسات الدولة وصناعة القرار. وتظل قضية العصمة التي يملكها الرجل مشكلة عويصة تعاني منها المرأة. فالطلاق من حق الرجل فقط، وبإمكانه أن يبقي زوجته في عصمته حتى وإن لم يكن هناك ود أو فراش بينهما. وقد أبانت سيدة فاضلة أن زوجها الذي اكتشفت بعد ارتباطها به أنه عنين رفض أن يطلقها، وبقيت معه فترة طويلة حتى وفاته، وكان وضعها شاذا فلم تكن أمرأة تمارس كامل حقوقها ولم تكن عانسا بالعرف الاجتماعي، بسبب أنانية زوجها ورفضه فكرة تطليقها، وهكذا ضاعت حياتها هدرا.
وليس من المستغرب أن يكون وعي المرأة بعجز القوانين الموجودة عن مساعدتها مدعاة للصمت. يضاف إلى ذلك الخوف من المجهول ومحدودية الوظائف التي تشغلها النساء في المجتمع السعودي، تجعل من الصعب على المرأة تحقيق استقلالها الإقتصادي. إن الشعور بعدم وجود مهنة أو وظيفة يجعل من المستعصي على المرأة إيجاد دخل معقول يؤمن لها عيشا كريما، فتضطر إلى الاعتماد كليا على الرجل، في المنزل الأصلي: منزل الأب أو الأخ. ويسودها شعور بأنها عالة على أهلها. وتترقب أي فرصة سانحة للخلاص من مأزق تبعيتها الاقتصادية لأهلها، وشعورها بأنها تشكل عبئا إضافيا عليهم. ولذلك تقبل أي عرض وأية فرصة تأتيها في الحال، اعتقادا منها بأن الزواج سوف يخلصها من تبعيتها للوالد والإخوة، ويمنحها ملاذا آمنا ومشرفا. ولكنها في حالات كثيرة تنتقل من وضع سيء إلى وضع أسوأ. إن ما ينتظرها هو أشبه بلعبة الحظ، فإن كانت محظوظة التقت برجل طيب قدر علاقته الزوجية بها، واحترمها وراعى حقوقها، وبذلك تكون قد حققت غايتها، أو تكون تعيسة فتتزوج من يغمطها حقوقها ويسلبها كرامتها الإنسانية، ويمارس بحقها الاضطهاد والعنف. وتصبح المرأة في هذه الحالة بين أمرين أحلاهما مر، إما البقاء مرتهنة لوضعها البائس في بيت زوجها، أو العودة إلى بيت أهلها العاجزين في الأصل عن تحمل أي أعباء إضافية.. وفي الغالب، يكون الزوج في هذه الحالة غير مستعد لدفع أي نفقة، كون طلب الطلاق قد جاء بناء على طلبها، إلا في حالات نادرة جدا تصدر فيها المحاكم أمرا قضائيا لصالح المرأة، وهذا يقتضي بكل تأكيد أن يتولى القضية محام بارع، تكون المرأة المطلقة في الغالب عاجزة عن دفع أتعاب عمله.
ليس من حل لهذه المشاكل إلا من خلال تحسين وضع المرأة بالمملكة بتبني سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى توفير مزيد من فرص العمل والتشجيع على إقامة مشاريع إنمائية للنساء، والعمل على إصدار قوانين وتشريعات تأخذ بعين الإعتبار احتياجات وحقوق المرأة العاملة. وإعداد بعض البرامج والدورات لرفع مستوى التدريب المهني للنساء ومعالجة قضاياهن. والعمل بجدية على رفع أشكال التمييز الجائرة بحق المرأة.
التوصيات
إن الكشف عن أسباب العلة هو أنجع الطرق لمعالجتها، وما دمنا قد توصلنا إلى ثلاثة محاور، ركزت عليها الورقة، كأسباب للمشاكل والهموم التي تعاني منها المرأة في المملكة العربية السعودية. فإن بيدنا، إذا ما ملكنا العزم والتصميم والإرادة على تغيير واقع الحال أن ننطلق في ذلك، بإعادة النظر في القوانين السائدة المتعلقة بأوضاع المرأة، وأن يجري بالتوازي مع ذلك حملة مكثفة باتجاه تغيير البنية الثقافية، والكشف عن البالي من التقاليد والأعراف، التي تعتبر معوقات رئيسية لانطلاقة المرأة في النهضة. وأن يجري تدشين مؤسسات المجتمع المدني، وبخاصة المؤسسات التي تحتضن المرأة وتعبر عن آمالها وأحلامها وتحقق لها الإنعتاق.
وفي هذا الاتجاه، يمكن أن يصار إلى فتح جمعيات نسائية، بفروع متخصصة، لمعالجة مختلف المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها المرأة، أو يصار إلى فتح جمعيات بتخصصات مختلفة، كل جمعية تتولى العمل على واحدة أو أكثر من المشاكل، وأن يكون بين هذه الجمعيات من يقوم برعاية المرأة وحمايتها من الإضطهاد والعسف والجور والأذى الذي يصل في بعض الحالات إلى العنف الجسدي.
إن الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة فيما يخص حق العمل، يشير إلى أن المرأة قد لحق بها ظلم كبير. فهذه المرأة التي كان دورها فيما مضى ينحصر على ما له علاقة بالمنزل، من تربية للأطفال وخدمة للزوج ورعاية لشئون المنزل، أصبحت الآن تقوم بأعباء إضافية بعد أن دخلت في مجالات الوظيفة والعمل. إنها تعمل الآن بمعدل يتراوح بين 6 إلى 8 ساعات يوميا، وتعود مرهقة إلى المنزل، وعليها بعد عودتها أن تمارس ذات الأعباء والمهام التي كانت تقوم بها في السابق. ولعل هناك من يتصدى لهذا القول بالإجابة بأن كثيرا من العائلات الآن يستقدمون عمالة للقيام بمهام العمل المنزلي. وهذا قول صحيح، ولكنه يغفل عدة أمور أهمها أن استقدام العمالة مرتبط إلى حد كبير بظروف اقتصادية تمر بها البلاد الآن، وذلك أمر لا يمكن البناء عليه وضمان استمراره في المستقبل، وهو إلى جانب ذلك، هدر كبير، وغير مبرر، للثروة والمدخرات الوطنية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن استقدام عاملات لرعاية المنزل وتربية الأطفال هو أمر ليس إيجابيا أو صحيا على أية حال، ذلك أنه يلغي الدور الرئيسي للأم في تنشئة أطفالها. إن خلق العائلة الصحيحة يقتضي أن يقوم الوالدان، كل من موقعه برعاية أطفالهما دون الإعتماد على غرباء من خارج المنزل.
لا شك أننا هنا أمام معضلة رئيسية، يقتضي النظر لها بجدية وإيجاد الحلول اللازمة لها. فالتحاق المرأة بالعمل ومساهمتها بالإنتاج وتحسين دخل العائلة هو مهمة أخلاقية ونبيلة. وقد أصبحت مع تعدد المطالب والغلاء ضرورية لتقاسم أعباء العائلة. إن استقلالية المرأة والتأكيد على إنسانيتها وكونها عامل تنمية وإثراء سيكون بإيجاد أوضاع صحية في العلاقة بين الرجل والمرأة،. لكنه في الوقت ذاته يضاعف من أعباء المرأة في مجتمعنا. لا بد إذن من سن قوانين خاصة بالمرأة، تحقق الموازنة بين الدور الذي تقوم به داخل المنزل ودورها في العمل.
ويبدو منطقيا في هذا السياق، أن يعاد النظر في الدور المحدود الذي يضطلع به الرجل داخل المنزل، تجاه تربية أطفاله ورعاية منزله، بحيث يشارك المرأة في هذا الدور ويأخذ حصة من المهام التي تضطلع بها. كما ينبغي إعادة النظر في عدد ساعات عمل المرأة، بحيث لا يؤثر عملها على دورها في الاهتمام بأسرتها.
لماذا يصبح إذن من الأهمية تدشين مؤسسات المجتمع المدني، ومن ضمنها في مجالنا هذا، المؤسسات النسائية؟. لسبب بسيط هو أن الرجل العادي، وبحكم تراكم ثقافي تاريخي، لا يجد ما يدفعه إلى التخلي عن ترسانة حقوقه وحرياته والأنظمة القانونية التي تعمل في صالحه. وليس هناك من سبب منطقي يدفعه إلى أن يتنازل طواعية عن منظومة من القيم والعادات، وربما المعتقدات التي تصب جميعا في صالحه. وهنا يتركز الدور الرئيس على المرأة في الدفاع عن نفسها وعن حقوقها المهدورة والحفاظ على ما هو ماثل منها.
إن نيل المرأة لحقوقها وتخلصها من مشاكلها الاجتماعية يقتضي تخلصها من اغترابها الذاتي، والاستعاضة عنه بقيم جديدة، وإقبالها على العلم والعمل خارج المنزل والمشاركة في الإنتاج الاقتصادي وعملية التنمية والعمل الاجتماعي والسياسي والمشاركة في الدفاع عن البلاد من خلال موقعها في المجتمع. وبقدر ما تتعلم المرأة وتنتج وتستقل اقتصاديا وتسهم في صنع مصيرها ومصير المجتمع، يصبح أمر مساواتها بالحقوق والتخلص من المشاكل التي تواجهها واقعا وحقيقيا.
إن وضع المرآة لن يتغير إيجابيا بشكل عملي إلا إذا حصل تغير رئيسي في البنى الاجتماعية، فهرمية العائلة هي جزء من هرمية المجتمع، ولن تنال المرأة حقوقها بمعزل عن عملية تحرير المجتمع. ولن يكون بالإمكان فهم حال النساء بمعزل عن السياق المجتمعي الكلي، ولا يمكن الإستغناء عن هذا الفهم إذا أريد لجهود القضاء على التمييز بين المرأة والرجل أن تنجح. ومن دون شك فإن القضاء على التمييز لا يمكن أن يتحقق إلا بالقضاء على إرث التخلف، ضمن برنامج يستهدف تحقيق نهضة إنسانية شاملة، وفي كافة المجالات.
وتصبح مهمة تطوير القوانين والإجراءات وإعادة صياغتها مهمة ملحة في هذا الإتجاه، بما يضمن إلغاء التمييز ضد المرأة ويكفل قيام المؤسسات المدنية الكفيلة بالدفاع عن حقوقها، والحفز على صيانة ما هو متوفر منها. ومن ضمن المؤسسات التي ينبغي العمل على تدشينها الجمعيات الأهلية الخاصة بالمرأة، أو تلك التي تعمل على مساندتها، باعتبار الفعل الجمعي خطوة لا بد منها لتحقيق التضامن واللحمة الوطنية. وحتى تكون هذه الجمعيات قادرة فعلا على تحقيق المهام المنوطة بها ينبغي أن تكون مؤسسات قابلة للاستمرار، من خلال اعتمادها على الذات، وأن تكون ممثلة لمختلف الشرائح الاجتماعية، وتلعب فيها المرأة الدور المحرك، وتتسم باحترام مختلف الآراء، وأن تتميز نشاطاتها بالشفافية والخضوع للمساءلة الفعالة من قبل عامة النساء المعنيات. إن وجود مثل هذه المؤسسات، خاصة إذا ترابطت وتضافرت يمكن أن يشكل رافعة لحركة فاعلة لتنظيم الحراك المجتمعي النسائي، علما بأن مشروعا كهذا ينبني أساسا على فعل التطوع..
وينبغي استكمال السبل للقضاء على حرمان النساء من التعليم في جميع مراحله ومختلف أنواعه وخاصة تلك المؤدية لمكانة مهنية واجتماعية متميزة.
ويبدو واضحا الآن أن العمل والمشاركة في النشاط الاقتصادي، وهو من أهم مجالات توظيف القدرات البشرية في إنتاج السلع والخدمات، هو أحد الفعاليات الأساسية التي ينبغي أن تشارك فيها المرأة. ويقينا أن تمهيد السبل لمعالجة التمييز ضد المرأة في مجالات العمل يقتضي مواجهة انخفاض مستوى تأهيل النساء، خاصة لشغل الأعمال المتميزة مهنيا واجتماعيا. وينبغي في هذا الصدد أن تتواءم برامج التعليم بكفاءة مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية. وهذا يستدعي توفر أنواع من التدريب ألتأهيلي والتعويضي خاصة في سياق التحول الاقتصادي وتغير متطلبات أسواق العمل. ومن الضروري أن تتاح للنساء فرص كاملة للاستفادة من أنواع التدريب.
وليس من شك في إن تحسين القدرات البشرية للنساء سواء من خلال التعليم أو التدريب سوف يزيد من قدرتهن في الحصول على عمل عند الحاجة، ومن قدرتهن على التفاوض على شروطه من ناحية أخرى. غير أن هناك حاجة لضمان المساواة في فرص العمل وفي ظروفه وفي عوائده. ومن الواضح أن تحقيق كل هذه الأمنيات يتطلب وجود البنية القانونية والإجرائية التي تضمن هذه الحقوق. كما يتطلب وجود المنظمات المجتمعية الكفيلة بالدفاع عن حقوق المرأة والحفز على صيانتها، سواء على مستوى الدولة أو العمل الأهلي.
ومن بين المهام التي ينبغي تحقيقها للنهوض بمستوى المرأة، تغيير البنية الثقافية ومناهضة التقاليد والتوجهات الاجتماعية المثبطة لتعليم البنات. كما يجب القضاء على أي تحيز أو تمييز ضد البنات في المناهج والكتب وأساليب التعليم والإدارة التعليمية في المدارس كافة. وينبغي القضاء على جميع أشكال سوء المعاملة، والعمل على رفع العائد الاقتصادي للتعليم بما يضمن توفر تعليم مهارات لمهن جيدة ومطلوبة في سوق العمل. ولعل من المستحسن، تقديم حوافز خاصة للبنات اللاتي اخترن سبيل التعليم، كفرص عمل جيدة وجوائز مادية ومعنوية مع إسناد إعلامي لهن في حالات النجاح.
يستحيل أن تقوم تنمية إنسانية ونصف البشرية مقصىً أو مستضعفاً. بل تتواتر الآن تأكيدات لبحوث علمية عديدة بأن للنساء قدرات خاصة، عقلية وعاطفية، بل وجسدية، وأنهن يمكن أن يتفوقن بها على الرجال في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يحرم المجتمعات المستهينة بقدرات المرأة من مكاسب كبيرة ومزايا هائلة في منظور التنمية الإنسانية.
إن استمرار أوضاع المرأة على ما هي عليه الآن، سيؤدى إلى محاذير ضخمة، في السياقات المحلية والقومية والعالمية تزداد شراسة. خاصة في ظل وضع عالمي جديد فوار وسريع الحركة، يقدس القوة ولا يعترف بالكيانات المجهرية، ولا يشفع للضعفاء. هناك حاجة ماسة إلى مضمون حضاري جديد لتربية مستقبلية يقوم على الابتعاد عن ضيق الأفق والنظرة المختزلة في التقييم وفي الرؤية الاجتماعية، اقترابا من جوهر الطريقة العلمية، واتصال التربية بمقتنيات العصر الذي يسوده العلم والمعرفة، وتهيئة الأفراد لتحقيق طاقاتهم الكامنة، والتطلع إلى مستقبل يكتنفه التفاؤل والأمل.
إن البيئة المقترحة تعتمد على توجهات عدة ينبغي أن تأخذ بالإعتبار مركزية الفرد في العملية الإنتاجية والتربوية واحترام كرامته الإنسانية وإعلاء قيمة الحوار وعدم الخشية من الإختلاف الخلاق ونشر فكرة التعددية وتدشين مؤسسات المجتمع المدني ورفض الخضوع للقوالب الجامدة، وتربية القوى الإجتماعية الناقدة للتعامل مع المشاكل الطبيعية والإنسانية، ومع إشاعة روح التحدي والإستجابة الخلاقة لمحيط الإنسان الطبيعي والبشري، وتأكيد أسبقية الإبداع وكرامة العمل الإنتاجي، والمراجعة المستمرة والمقارنة مع الأمم المتقدمة، تصبح أمامنا بوصلة عمل لمستقبل مشرق. لا بد أن يكون الهدف النهائي للمجتمع السعودي هو حماية الكرامة الإنسانية للنساء، باعتبارها المقدمة الرئيسية والضرورية التي لا عنى عنها لاحترام كرامة الإنسان.
خاتمة
يقتضي أن نشير في النهاية إلى أن هذه الورقة قد تناولت كثيرا من المشاكل الاجتماعية التي تواجه المرأة في المجتمع السعودي، وهو ما جعل من الصعوبة خضوع هذه الدراسة للمقاييس العلمية الصارمة في صياغة البحوث، التي يفترض فيها أن تركز على معالجة قضية واحدة، تكون موضوع البحث.
إن تعرض هذه الورقة للمشاكل التي تواجه المرأة بشكل عريض وواسع، دون تركيز محدد على واحدة منها، قد غيب عن البحث الإلتزام الصارم بتصاميم البحث العلمي، وجعله أقرب إلى المحاضرة منه إلى البحث العلمي. من هنا فإن الحاجة لا زالت ماسة وملحة لإنجاز بحوث أخرى تعالج كل مشكلة من المشاكل التي تعاني منها المرأة السعودية في بحوث مستقلة. ومن هنا فإن الباحث يتطلع إلى إسهامات الباحثين والمعنيين في الإهتمام المعمق والمركز بقضايا المرأة وتناول المشاكل التي تعاني منها في دراسات متنوعة ومتخصصة.
ولا شك أن ذلك سيشكل مدخلا رئيسيا لمعالجة أوضاع المرأة في بلادنا، وإضافة نوعية على طريق تجذير الوعي بأهمية مشاركة النساء في عملية التنمية والنهوض بالبلاد. والله الموفق.
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2004-06-17