النفاق السياسي وتقسيم العراق

0 257

ارتفعت الأصوات، داخل العراق، في أوساط القوى التي تضامنت مع الاحتلال الأمريكي لهذا البلد الشقيق، منادية بالويل والثبور بعد قرار الحكومة وتصويت البرلمان التركي على اقتحام المناطق الكردية في شمال العراق، لمطاردة ميليشيات حزب العمال الكردستاني، منددة بهذه الخطوة، باعتبارها اعتداء على وحدة العراق. وشارك في هذا التنديد كبار المسؤولين في الحكومة العراقية الموالية للاحتلال، ولم يتخلف عن ركب الشاجبين قيادات الميليشيات والأحزاب السياسية الطائفية المتعاونة مع المحتل. واجتمع البرلمان العراقي وأصدر احتجاجا على هذه الخطوة، واتخذت حكومة المالكي خطوة مماثلة.

 

من اللافت للانتباه، أن الذين نددوا وشجبوا، وتباكوا على سلامة ووحدة الأراضي العراقية، قد صمتوا دهرا، على الاحتلال الأمريكي لبلاد ما بين النهرين، ولم يحركوا ساكنا، بل ساهموا مع سبق الإصرار، في تدمير العراق، وتفتيت وحدة أراضيه، في مسلسل طويل، بدأ منذ أوائل التسعينيات، وتأكد بعد الاحتلال، وتواصل إلى يومنا هذا. وحتى القانون (غير الملزم) الذي أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي، قبل ثلاثة أسابيع، والذي أوصى بتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات، كردية وشيعية وسنية، والذي أعاد الاعتبار للنعرات الطائفية والعرقية لم يحرك ساكنا، لدى الساخطين على القرار التركي. لم يحرك قانون التقسيم الخطير، الذي هو خط أحمر بكل المعايير الوطنية، والذي يؤسس لاشتعال حروب طائفية وإثنية مستقبلية في العراق، ولكيانية سياسية طائفية وعرقية غير معهودة بالمجتمع العربي، تكون أنموذجا لمثيلات لها بالدول المجاورة، ردة الفعل التي يستحقها، لدى المتباكين والمدعين الحرص على وحدة الأراضي العراقية.

 

الشرفاء هم وحدهم الذين أعلنوا موقفا واضحا وصريحا، منذ البداية من الاحتلال الأمريكي وإفرازاته، وأخطرها قانون تقسيم العراق، الذي يمثل خطوة شريرة على طريق تفتيت، وإعادة صياغة الخارطة السياسية، للمنطقة العربية وفقا للاستراتيجية الأمريكية، بما يخدم أهداف السيطرة على مقدراتها، وتهيئة المناخ لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد.

 

تقسيم العراق، هو الأخطر على الإطلاق، ضمن كل ما واجهه حديثا هذا البلد الجريح، ومخاطره تمتد إلى ما هو أبعد من العراق، لتشمل البلدان العربية، التي تتطلع الصهيونية لتفتيتها إلى كيانات مجهرية تدور في فلكها. وسيكون من نتائجه إضعاف الهوية العربية الإسلامية، ليتلازم التفتيت الجغرافي بالتفكيك الثقافي. إضافة لذلك، يقف قانون التقسيم على الضد من حق تقرير المصير، ويخرق بشكل واضح وصريح ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، ويعتدي على الأمن القومي العربي الجماعي، والمواثيق الدولية التي تؤكد على عدم جواز المساس بوحدة الأراضي، وقوانين البلدان التي يتم احتلالها بالقوة العسكرية. وهو أيضا مخالف للقرار رقم 1483 (2003) في 22/5/2003 الذي صدر بعد احتلال العراق، واتفاقيات جنيف عام 1949 وقواعد لاهاي عام 1907، التي لا تجيز لإدارة الاحتلال إجراء أية تغييرات دستورية أو قانونية، أو هيكلية بالبلد المحتل، أو العبث بوحدة أراضيه.

 

إن الذين لم يعترضوا على قانون التقسيم الأمريكي، والذين يتباكون الآن على سلامة الأراضي العراقية، هم موضع شبهة واتهام. فهذا القانون، والقوانين واللوائح التي نشأت بعد احتلال العراق، قد أسست لاستباحته، وجعلته في موضع يصعب معه الدفاع عن سلامته الإقليمية ووحدة أراضيه. وشأن هذا القانون لا يختلف في روحه ونصوصه عن قرار البرلمان التركي من حيث مخالفته للمواثيق الدولية، والتي تحرم العدوان على الدول.

 

من المؤكد أن الحكومة التركية، قد مارست خرقا واضحا للقوانين والمواثيق الدولية، ينبغي في أوضاع طبيعية أن تدفع ثمنه، حين منحت نفسها حق تقرير اجتياح العراق. لكن ذلك لم يكن ليحدث لو لم تتعامل مختلف القوى الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، مع العراق باعتباره ساحة مستباحة يحق لأي دولة أن تفعل بها ما تشاء، وأن تقرر لها ما تشاء.

 

إن رصد النزعات الإنفصالية، التي أصبحت القيادات العشائرية الكردية العراقية تفصح عنها بوضوح، وممارساتها في كركوك والموصل، تجعل الحريصين على وحدة العراق، يميلون لاعتبار القرار التركي، موقفا إيجابيا، يتجانس مع الرغبة المشتركة للأتراك والعرب في عدم السماح بقيام كيان كردي منفصل، فوق أراضيهما، يهدد ويضاعف من المخاطر على أمنهما القومي. وبإمكان المراقب أيضا أن يتفهم الأسباب التي دفعت الحكومة التركية لاتخاذ قرار الاجتياح، والذي رأت فيه ممارسة لحق الدفاع عن النفس، ذلك أن وجود مقاتلين من حزب العمال الكردي في شمال العراق، ليس موضع شك، بل هو واقع متحقق على الأرض باعتراف القيادات الكردية نفسها، فلماذا إذاً هذا النفاق السياسي، والتباكي على مصير العراق، من قبل الذين شاركوا في تدميره ونحروا وحدته وعملوا على تقسيمه؟!

 

ولماذا يختلف موقف حكومة المالكي، تجاه قرار الحكومة التركية اجتياح جيشها لشمال العراق، والذي يجد مبرره في وجود مقاتلين أكراد خارجين على القانون، يهددون أمن تركيا وسلامتها الإقليمية، عن موقف آخر غير مبرر تمارسه القوات الإيرانية، التي قصفت عدة مرات، بالمدفعية الثقيلة، المناطق الشمالية؟ أو ليس ما تقوم به القوات الإيرانية من قصف في الشمال العراقي، كحاج عمران وقنديل وزاويته، هو عدوان أيضا على السلامة الإقليمية للعراق؟ أم أن وراء الأكمة شيء آخر؟!

 

لم تصدر أيضا أية ردة فعل غاضبة من هذه الحكومة تجاه ما يجري في منطقة البصرة، ولا أي تصد لعصابات النفط والمخدرات وتهريب السلاح التي تتشابك مع عصابات القتل الطائفي المدعومة من إيران، والهادفة إلى تأسيس إقليم شيعي يكون إسفينا في خاصرة العراق، وليحول دون أي تطلع مشروع نحو قيام دولته العربية الحرة المستقلة، وليشكل لبنة في وهم إعادة بعث الأطماع الكسروية القديمة في العراق ومنطقة الخليج العربي.

 

سلطة الاحتلال الأمريكي التي قضت على الدولة العراقية، وحلت جيشها، وأضعفت بلاد ما بين النهرين وجعلته غير قادر على الدفاع عن نفسه أمام العدوان، تتحمل بموجب القانون الدولي، المسؤولية الكاملة عن كل ما يجري بالعراق، فهي التي أوصلته إلى هذا الحال وجعلت منه ساحة مستباحة للطامعين، وهي التي تستخدمه ورقة لمساومات وضغوطات تجريها على الساحة الدولية. ومع كل ما قيل عن رفضها للقرار التركي، فإنها لم تفعل شيئا للحيلولة دون تطبيقه، غير مناشدة الحكومة التركية ضبط النفس. بل إن البعض رأى في القرار التركي، مواجهة، من نوع آخر مع الحكومة الأمريكية، احتجاجا على قرار لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي المتعلق بالأرمن، مستثمرا الأوضاع البائسة لإدارة بوش، الغارقة بالمستنقع العراقي والأفغاني، والعالقة في مشاكل دولية كثيرة مع عدد كبير من دول العالم في مقدمتها روسيا والصين وكوريا وفنزويلا وإيران..

 

ولا جدال في أن جميع القوى التي تتربص بالعراق الآن، لم يكن لها أن تفكر في ذلك، لولا هشاشة وضعف النظام العربي الرسمي، الذي يقف عاجزا عن فعل أي شيء، تجاه التحديات والتهديدات والمخاطر التي تتعرض لها الأمة العربية. لقد وضعت القيادات العربية نفسها خارج دائرة الفعل، ولم يعد لمواقفها أي وزن أو تأثير، بعد أن علقت إلى أجل غير مسمى معاهدة الدفاع العربي المشترك، وميثاق الأمن القومي العربي الجماعي، واكتفى أمين عام جامعة الدول العربية، بتكليف رئيس دائرة العلاقات العامة بالجامعة، بالبوح نيابة عنه، فيما يتعلق بالشأن العراقي، وقانون التقسيم.

 

لقد دعمت القيادات الكردية في شمال العراق، ميليشيات حزب العمال الكردستاني، ظنا منها أن ذلك سيمكنها من مساومة تركيا حول إقامة دولة كردية في الشمال العراقي، وغض الطرف عن استيلائها على كركوك. وحسب تصريحات هوشيار زيباري، فإن عدد أفراد هذه الميليشيات، في الشمال العراقي، قد تجاوز الأربعة آلاف مقاتل. سيشكلون، من وجهة نظرنا، خطرا إضافيا مستقبليا على العراق، العربي الموحد، بعد تحريره من الاحتلال الأمريكي.

 

واضح أن المواجهة بين حزب العمال الكردي، والجيش التركي قد تصاعدت بالأسابيع الأخيرة، حيث قتل الانفصاليون، منطلقين في هجومهم من شمال العراق، 15 جنديا من أفراد الجيش التركي. وهكذا وبقوة الأمر الواقع، أصبح الشمال العراقي، قاعدة للإرهاب ضد القوات التركية، خاصة بعد أن تأكد وجود القائد العسكري لحزب العمال ياهوز آردال، بمدينة أربيل العراقية، الذي بثت قناة الجزيرة الفضائية لقاء معه أجراه مراسلها أحمد الزاويتي من تلك المدينة، تحدث فيه بصراحة أنه اتخذ الاستعدادات اللازمة لمواجهة الاجتياح التركي المقبل.

 

إننا إذاً إزاء نوع من النفاق السياسي، يتعامل بدون مبالاة أو اكتراث تجاه جرائم التفتيت في العراق، ويشارك بالعدوان عليه، ويرفع عقيرته، استنكارا وغضبا، باسم الدفاع عن وحدة الأراضي العراقية حين لا تنسجم المواقف والقرارات مع استراتيجياته وتكتيكاته.

 

أمن العراق وسلامة وحدة أراضيه لن يحميه الذين ارتدوا عليه وناصروا قوى الاحتلال، وشاركوا في مصادرته كيانا وتاريخا وهوية من خلال مساهمتهم في العملية السياسية، وقيادتهم لفرق الموت التي هدفت لتفتيته. أمن العراق ووحدة أراضيه يحققه الذين تصدوا بصدورهم للمحتل، والذين عملوا خلال السنوات المنصرمة على دحر مشاريعه.. وهو مسؤولية عراقية وعربية جماعية، يقود ركبها، ويتقدم صفوفها فرسان المقاومة، وليس أولئك الذين يجرون خلف أذيال الخيبة والهزيمة.

 

سيعود للعراق بإذن الله ألقه العربي، وتعود بغداد مدينة للسلام…

 

yousifsite2020@gmail.com

 

اضف تعليق

اسمك بريدك الالكتروني

 

تعليقك:

تعليقات

 

* تعليق #1 (ارسل بواسطة بثينة الناصري)

 

رائع .. شكرا

 

* تعليق #2 (ارسل بواسطة ابو الحارث البدري)

 

بارك الله بك

 

* تعليق #3 (ارسل بواسطة عبدالله مشختى)

 

غريب جدا ان الاخوة وخاصة المثقفين والمتنورين يصفون الكرد بالانفصاليين استاذنا العزيز ليست للكرد نية الانفصال من جسد العراق واذا كان الاخوة العرب مستائين من من العراقيين فى ادانتهم للتهديدات التركية فليبعدوا انفسهم نحن الكرد لن نهاب التهديدات لا التركية ولاغيرها ولا نهاب الموت العزيز من اجل صيانة وحدة وتربة العراق الاتحادى نحن شعب ونقول ليس لنا احد سوى عزيمتنا وجبالنا الشامخة سنذود عنالكرامة الكردية والعراقية ولن نرضخ لا لتركيا ولا لغيرها ان وصل الامر الى قضايا المصير فبالنسبة لنا دخول الاتراك الى اراضى العراق من كردستان هى مسالة حياة او موت ولا يهمنا النتائج بيست بدعوة من امريكا ولا غيرها بل كواجب مقدس يفرضها علينا فرضا نحن ضد الحرب وسفكالدماء ولكن ان فرض علينا فرضا فسنكون اهلا لها.

 

* تعليق #4 (ارسل بواسطة مستخدم مجهول)

 

د. يوسف مكي بالتجمع القومي:

احتلال العراق تكتيك ضمن استراتيجية احتلال الجزيرة العربية

 

 

كتب: مكي حسن

 

 

أكد الدكتور يوسف مكي عضو المؤتمر القومي ورئيس موقع التجديد العربي أن ضمان وجود الأمة وتقدمها يكمن في التصدي لمشاريع التفتيت ورياح التقسيم التي تجتاح الوطن العربي بروح قومية وعلى أسس قومية وذلك لكونها الأنسب لمواجهة هذه المخاطر الكبيرة بالإضافة إلى كونها تسموعلى الطائفية والعشائرية. وقال لقد تصاعد الحديث عن مشروع تفتيت الأمة العربية خلال العقود القريبة الماضية وخاصة مع صعود كاسح للتيارات السلفية التي أفل نجمها في ستينيات القرن الماضي ومع الأسف قد ساهمت بعض الدول العربية في هذا الصعود وفتحت الأبواب لهجوم التيار السلفي على

 

الثقافة والتعليم وتم احتضان الهاربين من مصر ومن ذوي التيارات المتشددة الإسلامية.. وتفاقم أكثر مع طرح فكرة أن بالوطن العربي أقليات حيث كان هذا الطرح مقدمة لهزيمة المشروع الوحدوي وإشاعة روح الفتنة بين أبناء الأمة الواحدة بل بين أبناء الدولة الواحدة وبالتالي المساهمة في مشروع التفتيت. كشف ذلك الدكتور يوسف مكي في ندوة بعنوان: «تقسيم العراق مقدمة لتفتيت الأمة« بمقر التجمع القومي في الزنج مساء الاثنين الماضي وأدارها غازي المرزوق. وعد بلفور وقال الدكتور يوسف ان مشروع التفتيت عمل له منذ اليوم الأول لمشروع إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وما شمله من تشريد الشعب الفلسطيني وتفتيت الوطن العربي إل كنتونات ضمن «وعد بلفور« والذي طرح العمل على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين واستمر العمل على التفتيت وقيام الدولة القطرية واستمر الأمر إلى أن اعيد طرح مشروع تفتيت الأمة من جديد بعد حرب 1973 من خلال مشروع تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم وهذا ما أعرب عنه مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون للأمن القومي بعد حرب 1973 بقوله: أن إسرائيل خرجت منتصرة من الحرب وأصبحت القوة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وقد حان الوقت لتكون القوة الأكبر في المنطقة. وأضاف: ان هذا التصريح يحمل عدة مضامين وتساؤلات منها: إذا كان الأمر كذلك فكيف يضمن لإسرائيل أن تتحول الى اكبر قوة ضاربة في منطقة الشرق الأوسط في وقت لا يتعدى سكانها 4 ملايين من البشر حتى لو أضيف اليها تعداد اليهود في العالم الذي لا يتجاوز 17 مليونا؟ وتساءل ما هو الحل؟ فجاء نفس الطرح السابق بأن تفتت الدول العربية إلى دويلات تصبح إسرائيل بينهم قوة كبرى، وحينها جرى التلميح الى إحتلال آبار النفط والتلميح بقوات النجم الساطع التي التحقت بها عدد من الجيوش العربية مثل مصر والسودان وبعض دول الخليج ولم تطل المسألة للولوج أعمق في مخطط التفتيت حيث سرعان ما أتيحت الفرصة لصعود التيارات السلفية التي أفل نجمها في الستينيات من القرن الماضي وساهمت دول عربية في هذا التصعيد من خلال الدعم وتقديم التسهيلات. مسلسلات التفتيت وواصل الحديث عن مشروع تفتيت الأمة بالقول: بدأت المسألة في مرحلة معينة طرح وجود أقليات قومية في الوطن العربي ولها حقوق مهدورة مثل الأشوريين في العراق والأقباط في مصر والأمازيل في المغرب العربي بالإضافة إلى بدء نشاط حركتين إنفاصاليتين الأولى للأكراد في شمال العراق والثانية في جنوب السودان. وقال: لم تتحسن الأحوال بل تطورت فيما يخدم مشروع تفتيت الأمة حين جاء إعصار 1990 وما تلاه من اقتراح للإدارة الأمريكية بالتوجه إلى مؤتمر السلام حيث حضرت دول الطوق إلى مؤتمر مدريد، وكلنا يتذكر ما قاله جيمس بيكر لوزير الخارجية السوري في ذلك الوقت ان العرب هزموا في حرب الكويت. فسأله ماذا تقصد؟ فقال له: طالما أنهينا الجيش العراقي وألحقنا به الهزيمة، فهذا يعني أن التوجه المعادي للسلام قد انتهى فالجيش العراقي هو القوة الضاربة العربية وبالتالي لا مجال لدى العرب سوى السير في طريق المفاوضات نحو السلام. وقال: كلنا يعلم أيضا وعاصر ما الذي جرى بعد ذلك وما أعقب ذلك من مرحلة دعونا نطلق عليها «إعادة رسم الخريطة« بشكل يفوق مخططات ما بعد اتفاقية سايكس بيكو وبرز اتجاه جديد نحو البلقنة والإنتقال من مشروع الدولة القطرية إلى مشروع تفتيت الدولة القطرية. وكان قمة هذا المخطط ما سرب من تقرير للمخابرات الأمريكية بطرح مشروع تقسيم الدولة السعودية إلى ثلاث دويلات هي : دولة شيعية ودولة في نجد ودولة في الجنوب وجزء يمنح لليمن فيما يمنح جزء آخر إلى الأردن. حرب 2003 وأكد الدكتور يوسف مكي ان حرب 2003 التي أشعلت بالمال العربي وبيعت الأسلحة إليها وجاءت القوات الأمريكية باسم انقاذ الشعب العراقي من بطش النظام وبما لديه من أسلحة دمار تهدد أمن المنطقة، وكانت النتيجة أن لا وجود للأسلحة التي زعموا وجودها في العراق مع العلم ان الرئيس بيل كلينتون قد فرض الحصار على العراق وقسمه إلى ثلاث مناطق هي نفس المناطق التي يتم الآن ترجمتها على أرض الواقع. وأكد الدكتور يوسف أن محاولة تفتيت الأمة ضمن المخططات الأمريكية والإسرائيلية تواصلت مشروعا وراء آخر حيث جاء الاحتلال الأمريكي للعراق ومعروف أن قرار الحرب هو صناعة صهيونية مع المخططات التي تلت الاحتلال سواء مجيء برا يمر حاكما عسكريا للعراق أوفرض ما يريد من دستور وفيدراليات مدعومة بفرق الموت والتصفيات الجسدية بحسب الهوى وبالمجان ولم يكتفوا بذلك بل عمل المحتلون على إدخال عناصر القاعدة إلى العراق وبدا على ضوء ذلك قتال بين الشيعة والسنة، ولم تع الأطياف العراقية هذا الخطر الداهم ماعدا المقاومة العراقية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وبعد مصادمات عديدة اعترفت القوات الأجنبية بوجود مقاومة وطنية في العراق تصل عملياتها في اليوم الواحد إلى أكثر من 100 عملية لكن المواطن العربي ومن خلال التضليل الإعلامي لا يسمع ولا يرى عبر القنوات الفضائية سوى مظاهر السيارات المفخخة وجثث ملقاة في الشوارع واقتتال في الأماكن المقدسة ويتم التعتيم عمدا على أعمال المقاومة التي تتصدى للمحتلين.. وتساءل ما هو الهدف من هذا التعتيم؟ تعتيم إعلامي وقال: ان الهدف واضح من هذا التعتيم الإعلامي والذي يتمثل في توصيل رسالة إلى العالم لإيهام الرأي العربي والعالمي أن العراقيين يتقاتلون ويقتلون أنفسهم بأنفسهم وهم بأمس الحاجة إلى قوة رادعة بينهم تعمل على تهدئة الوضع وتضمن أمنهم وسلامتهم، فقامت بتفتيت المنطقة الواحدة وقسمت إلى قسمين مثلما هو حاصل لفصل الوزيرية عن الأعظمية بجدار عازل وتحت شعار حماية العراقيين. مفارقة المشاركة وتابع لما احتدم الخلاف مع إيران حول وجودها في العراق تحركت الدول المجاورة والتي بقيت صامتة ثم بدأت تتحدث عن عروبة العراق.. وتساءل أليس مفارقة ان يطرحوا عروبة العراق وهم من شاركوا في التحشيد على ضرب العراق؟ وجاءت اللحظة لطرح فكرة الصحوة، فجاءت فكرة الصحوة مكشوفة لعبتها والتي بدأت في محافظة الانبار بزعم أن هناك تحولا في الموقف من موقف المقاوم للاحتلال إلى موقف المتعاون مع الاحتلال.. وكشف ان الواقع لظهور فكرة الصحوة هو انه لما احتل العراق بدا تشجيع دخول كل من هب ودب وبدأت فلول القاعدة تدخل إلى العراق من الشام مرورا بمحافظة الانبار المتاخمة للحدود بعلم وتنسيق الامريكيين مثل الزرقاوي.. وكشف بالقول ان منطقة الانبار هي محافظة حدودية يكثر فيها السلاح والمخدرات وأصبحت تجارة جلب القاعدة وتهريبهم أو إدخالهم إلى العراق تجارة مربحة وذلك لأن الطرف الثاني يدفع مبالغ خيالية فسمحت لهم قوات الاحتلال بالدخول إلى العراق وضمن طرح إقامة «إمارة إسلامية« طالما أن هناك تبنيا لإقليم في الجنوب وآخر في الشمال. وهكذا الحال ينعكس على أبوريشة الذي كان معه 400 مقاتل حيث تدخلت دول عربية ودفعت أموالا لدخوله. أما بالنسبة الى موضوع الفلوجة فالموضوع كان واضحا ان هناك 30 ألف جندي يحومون حولها بالإضافة إلى 15 ألف من المرتزقة 10آلاف من فيلق بدر وغيرها أي 55 ألف جندي لم يستطيعوا دخول الفلوجة التي كان يسيطر عليها رجال المقاومة الوطنية لذا تكالبوا جميعا على ضرب المقاومة وسحقها ومع ذلك بقيت المقاومة العراقية صامدة. تقرير باتريوس واسترسل عضو المؤتمر القومي العربي الدكتور يوسف مكي في الحديث عن مشروع تفتيت الأمة بالقول بعد هذه المعطيات لم تتوقف المؤامرات والمخططات مشيرا إلى تقرير باتريوس ماكينزي الذي كان أساسا لقرار الكونجرس غير الملزم بتقسيم العراق إلى 3 مناطق: المثلث السني ودولة شيعية في الجنوب ودولة كردية في الشمال مشيرا إلى ان هذا القرار غير الملزم حسبما تدعيه الولايات المتحدة جاء متزامنا مع مشروع قيام 5 دول في السودان و3 دول في مصر وكل ذلك يجري ضمن مشروع تفتيت الأمة العربية. واستند في دعم أقواله بما نشره معهد مؤسسة (جراند استراتيجي) أن احتلال العراق مشروع تكتيكي وأن المشروع الاستراتيجي هو احتلال الجزيرة العربية والجائزة الكبرى في هذا المشروع كما جاء في التقرير هي (مصر) لما تمثله من زخم وثقل في المنطقة وهذا التصور منشور على الموقع الإليكتروني للمعهد. مشروع تغيير المناهج وتابع: كما ان هذا التصور لا يخرج عما طرح من مشاريع كلها تصب في خانة تفتيت الأمة العربية سواء المتعلق بالتأكيد على الاعتراف بإسرائيل أو المتعلقة بتغيير المناهج التعليمية بالوطن العربي بل تعدى ذلك إلى الدعوة إلى نشر طبعة جديدة من القرآن (معدلة) يحذف منها السور التي تدعو الى الجهاد والقتال مخاطبين المسئولين بالمملكة العربية السعودية كونها دولة عربية حباها الله المال والنفط ووجود الحرمين الشريفين على أرضها منوهين إذا لم يرضخوا فسوف ندعهم يسكنون الصحراء في نجد منوها في هذا الصدد الى ان حديثه لا يتطرق عن وجود مؤامرة بقدر الحديث عن أوراق مكشوفة ولم تعد مؤامرات سرية تحبك في الخفاء. وأكدا أن الإرهاب الذي تشهده المنطقة والعنف المنتشر في جسد الأمة مصدره التخطيط الأمريكي وبأموال عربية لها مصلحة في تفتيت العراق. وتساءل في خضم هذه المعلومات وهذه الأوراق المكشوفة: ما الذي يقتضي فعله تجاه وضع خطير يمس كرامة الأمة وأمنها ويهدد وجودها؟ وذلك على اعتبار ان مشاريع التفتيت وحسبما ذكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر أن مخطط تقسيم الوطن العربي يهدف بالأساس إلى إبقاء الكيان الصهيوني الدولة الأقوى في المنطقة، وألا يكون هناك جيش عربي قادر على مواجهة الغطرسة الإسرائيلية وإن الاقتصاد العربي يجب ألا يقوم على الشراكة بل يكون تحت الهيمنة الصهيونية مع أهمية العمل على عدم حصول عملية تنموية بالوطن العربي بل العمل على إبقائه متخلفا. تمجيد المؤامرات وتابع الغوص في عمق التحليل لموضوع تفتيت الأمة من خلال قوله: ينتابني الألم ليس من خلال مشروع التفتيت بقدر ما ينتابني من الكتابات التي تمجد المشاريع التصفوية والتآمرية على الأمة العربية منوها أنه هو أو غيره من الكتاب القوميين لا يحملون ضغينة ضد الحكام العرب بقدر معايشة الواقع المؤلم حين تنفذ فصول التفتيت ولا تخرج مظاهرة عربية قادرة على مواجهة هذا التحدي والتصدي لمشروع تمزيق الأمة دولة وراء أخرى. ماهو الحل؟ وتساءل في نهاية الندوة: هل هناك من أمل؟ وأجاب الدكتور يوسف مكي بالقول (الاحتلال في أي دولة في العالم يحمل عوامل هزيمته) مشيرا إلى ان الأمريكان لم يترددوا في قتل 40 عنصرا من عناصر ما أطلق عليهم عناصر الصحوة، فكيف حدث ذلك وهم يعملون معكم بحسبما زعمتم؟ وأشاد في هذا الشأن بالمقاومة الوطنية في كل من فيتنام وكمبوديا والجزائر وعلى أساس أن التاريخ لا يتغير في هذا الشأن سواء في آسيا او أفريقيا أو أي قارة في العالم. وقال ان المقاومة العراقية انطلقت في اليوم الثاني من عناصر حزب البعث وتوجهت للفعل العسكري مباشرة وهذا التسرع لم يتح لها فرصة التنسيق لدخول عناصر أخرى في مقاومة الأجنبي المحتل مما أفرز حالة فحواها أن كل فصيل مقاوم يعمل وفق رؤيته السياسية وبعضها دخل في المقاومة الوطنية بدون ان يكون له موقف واضح بل انخرط بعض منها في المقاومة وشارك لاحقا في مؤتمر القاهرة. واختتم عضو المؤتمر القومي حديثه عن مشاريع التقسيم التي يتعرض لها العراق الوقت الراهن بأهمية الإيمان بأن الاحتلال باطل وما نتج عنه باطل.. وطالما هناك إحتلال فالمقاومة تظل باقية وتعمل بثقافة ألا تفاوض مع المحتلين حتى مغادرتهم أرض العراق مشددا في نهاية الندوة على أهمية الدعم العربي للمقاومة العراقية وذلك لكونها تتصدى لمشروع لايهدد العراق وحده بل يهدد أمن ووجود الأمة بأسرها.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

واحد × خمسة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي