الملف النووي الإيراني: احتمال توجيه ضربة إسرائيلية لطهران
في الحديث الماضي (الملف النووي الإيراني واحتمالات المواجهة) قدمنا قراءة لردود الأفعال الأمريكية والإيرانية، المتعلقة بالملف النووي الإيراني، وانتهينا إلى طرح مجموعة من الأسئلة تركزت على ما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستقدم على مجابهة عسكرية مع إيران، وهل هناك إمكانية للإقدام على مثل هذه الخطوة، في الوقت الذي لا تزال فيه هذه الإدارة تعاني من تداعيات احتلال العراق؟ هل ستستسلم الإدارة الأمريكية لواقع هزيمتها في العراق، وتغض الطرف عن الطموحات الإيرانية في امتلاك القدرة النووية؟ وعلى افتراض أن ذلك ممكن، هل تقبل قوى الضغط الصهيونية “الإيباك” داخل أمريكا، بالفشل الأمريكي في العراق، كذريعة لعدم مواجهة المخاطر النووية الإيرانية على التوازن الاستراتيجي للكيان الصهيوني؟ وهل ستوافق إسرائيل، الحليفة المدللة للإدارات الأمريكية المختلفة، على تبريرات العجز الأمريكية، وهي التي تمتد، منطقة أمنها الاستراتيجي، من وجهة النظر الصهيونية، إلى باكستان شرقا، والمحيط الأطلسي غربا، وتركيا شمالا، وأوغندة جنوبا؟ وإذا كان الأمر هو غير ذلك فما هي البدائل المتاحة أمام صانع القرار الأمريكي لمواجهة إيران؟ وما تأثيرات تنفيذ تلك البدائل على المنطقة عموما، ومنطقة الخليج بشكل خاص.
إن تقديم أجوبة مقبولة ومقنعة على هذه الأسئلة يبدو أمراً ملحاً لتقرير ما ستكون عليه الأوضاع في منطقة الخليج العربي، في الأيام القليلة المقبلة. ولا مناص من تناولها لكونها تمس أمن واستقرار بلد نرتبط به بعلاقة الدين والجوار، كما يهدد بانفلات الأوضاع في منطقة تضم أكبر مخزون نفطي في العالم، وقد أصبحت خلال ربع القرن المنصرم من أكثر مواقع الكرة الأرضية تفجرا، ولا تزال حتى يومنا هذا تعيش على فوهات براكين قابلة للاشتعال في كل لحظة.
لا شك أن الإدارة الأمريكية، في مأزق حرج وفي وضع لا تحسد عليه، عندما يتعلق الأمر بهذه القضية… قضية الملف النووي الإيراني. مصدر المأزق أنها بنت كل حساباتها في التخطيط لاحتلال أفغانستان، والعدوان على العراق الذي استمر لأكثر من عقد على التنسيق والتحالف مع القيادة الإيرانية. وقد أكد هذا الأمر السيد هاشمي رفسجناني رئيس تشخيص مصلحة النظام، والناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، السيد حميد رضا آصفي بأنه ما كان بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية احتلال أفغانستان والعراق لولا التعاون والتنسيق الإيراني معها.
والواقع أن قراءة الخارطة السياسية للقوى التي اصطفت مع الاحتلال تجعلنا نأخذ أقوال المسؤولين الإيرانيين، فيما يتعلق بتنسيقهم مع الأمريكيين في أفغانستان والعراق، على محمل المصداقية والجد. فقد انطلق العدوان الأمريكي على أفغانستان من الجهة الغربية، قريبا من الحدود الإيرانية، من منطقة مزار شريف، متجها شرقا، وكان العمود الفقري للقوى الأفغانية التي ردفت الاحتلال الأمريكي، هم خصوم نظام طالبان، وحلفاء إيران. وقد كانت الحرب التي يشنها خصوم طالبان مدعومة بالمال والسلاح الإيراني، حتى قبل أن يتحول، إلى العلن، احتلال أفغانستان إلى مشروع أمريكي، إثر حوادث 11 سبتمبر عام 2001.
بالنسبة للعراق، تبدو الصورة أوضح من ذلك بكثير، فإثر نهاية حرب الخليج الثانية عام 1991، عبر الحدود الإيرانية إلى العراق، عشرات الألوف من ميليشيات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وعناصر حزب الدعوة. وقاموا بما أصبحت المعارضة الرديفة للاحتلال الأمريكي، تطلق عليه بالانتفاضة. وإذا كان بالإمكان للذاكرة أن تبهت، ويصبح من الصعب استحضار حوادث تلك الفترة، فإن أحداث احتلال العراق، واختراق القوات الأمريكية لبغداد في 9 أبريل عام 2003 وتداعياتها، ما زالت حية أمامنا. فقد جاء “المعارضون العراقيون” من المناطق الكردية بالشمال، ومن الحدود الشرقية مع إيران. تسللت قوات بدر ومجموعات حزب الدعوة إلى العراق، مستغلة حالة الحرب. وبدأت مباشرة في الاستيلاء على مقرات الدولة العراقية، وجعلتها مكاتب ومقرات لها.
ولأن المشروع الأمريكي للعملية السياسية في العراق، كان منذ البدء، مشروعا تفتيتيا، قائماً على أسس إثنية وطائفية، كان لا بد من أجل إنجاحه، التنسيق مع إيران وحلفائها.. حلفاء أمريكا داخل الساحة العراقية. وهكذا تأسس المجلس الانتقالي للحكم، بموجب محاصصات تتكئ على سياسة التفتيت والتطييف، وتبع المجلس الاستفتاء على الفيدرالية والدستور، وكلاهما من نتاج عبقرية المندوب السامي الأمريكي، برايمر، وتمت صياغتهما استنادا على مشروع التفتيت. وجرت الانتخابات فيما بعد، على ذات الأسس، أسس التفتيت والتقسيم على شاكلة النموذج اليوغسلافي، الذي أريد له أن يكون مستنسخ كربونيا، دون تعديل أو شطب لـ”العراق الديموقراطي الجديد”، فاقد الإرادة والكيان والهوية. ولاحقا تم تشكيل مؤسستي الشرطة، والقوات المسلحة وكانت ميليشيات بدر وقوات حزب الدعوة، هي المخزون البشري الذي مد الأمريكيين بما يحتاجونه لتشكيل تلك المؤسستين، وأيضا لاستحداث مؤسسات الخدمة العامة، التي لم يكن بالإمكان تجاهل إعادة تأسيسها. ولن نأت بجديد حين نشير إلى أن عناصر الشرطة وقوات الجيش، شاركت بقوة كدروع بشرية لحماية الاحتلال.. وقدمت الكثير من الضحايا قتلى وجرحى لإنجاح المشروع الأمريكي.
وتدرك إيران، بكل تأكيد، كم هي ثمينة أوراقها في العراق، ولذلك راحت تصعد من أنشطتها، في المجال النووي، اعتمادا على أن التصدي الأمريكي لتلك الأنشطة، يعني في أبسط أبجديات التحليل الموضوعي الفشل الذريع لمشروع احتلال بلاد الرافدين برمته، وهو أمر لن تكون الإدارة الأمريكية مستعدة له، على الأقل في هذه الفترة. واعتقد الإيرانيون، وهم على حق، إلى حد بعيد، أن القوات الأمريكية ستبقى رهينة في العراق، لصالح تنفيذ الاستراتيجية الإيرانية. وأنه طالما بقيت القوات الأمريكية بالعراق، فلن يكون بإمكان الأمريكيين الإقدام على اتخاذ أي خطوات عسكرية ضد إيران، لأن ذلك سوف يعني في النهاية تدمير معبد شمشون على جميع من فيه، وفي القلب منه الجنود الأمريكيون أنفسهم.
وهكذا بدأت لعبة القط والفأر، بين الطرفين، وشارك في اللعبة بقدر كبير الميليشيات الموالية لإيران، ووزير الداخلية، بيان جبر صولاغ بشكل مباشر. أخذت عناصر بدر تتحدث عن حالات التعذيب في سجون أبو غريب، وقابلها الأمريكيون، فأخذوا يكشفون ما يجري في سجون وزارة الداخلية العراقية بمنطقة الجادرية.. وحين يختلف اللصان تنكشف الحقيقة.. وكانت الحقيقة تتصدر الصحف والمجلات والقنوات الفضائية المتلفزة.. وكانت الصور معبرة عن أساليب وحشية ومهينة ومروعة يندى لها جبين البشرية خجلا.. ولم يكن جلادو أبو غريب أو الجادرية يختلفون عن بعضهم في تلك الممارسات. وتطور الصراع بين حلفاء الأمس، وغرماء اليوم، ووصل إلى اختطاف جنود بريطانيين وأمريكيين، ومهاجمة مقرات للشرطة من قبل أمريكيين.
وعلى الصعيد السياسي، رفضت الإدارة الأمريكية إعادة ترشيح الدكتور إبراهيم الجعفري لرئاسة الوزراء، وطالبت بترشيح بديل عنه. وخلال الفترة الأخيرة، بدأت تلميحات باستعدادات أمريكية للتفاوض مع المقاومة العراقية. فقد أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية، إلى أن التفاوض مع المسلحين أمر لا مفر منه لتحقيق الاستقرار. بينما قال رئيس الوزراء السابق، إياد علاوي إنه ينبغي التفاوض مع المقاومة “الشريفة” في حين قال رئيس الجمهورية المعين من قبل الإحتلال، السيد جلال الطالباني إنه يجري اتصالات مع بعض أطراف المقاومة، وأكد أيهم السامرائي أن لديه صلات ببعض عناصر المقاومة، وأن هناك سعيا حثيثا لإشراك هذه العناصر في العملية السياسية.
وأيا تكن التطورات، فإن الذي لا شك فيه هو أن إيران وحلفاءها سوف يظلون يطرقون على مخاطر الانسحاب الأمريكي السريع من العراق، بهدف إبقاء القوات الأمريكية رهينة لديهم، لمنع أي تصد عسكري من جانبها لإيران. في حين يلوح الأمريكيون باحتمالات جدولة مبكرة للانسحاب من العراق. لكن ذلك في الواقع، يبدو غريبا وغير منطقي، لأنه يعني الإقرار بفشل المشروع الأمريكي للقرن الواحد والعشرين، والذي اتخذ من العراق مدخلا له.
أمام هذا الواقع، هل يعني ذلك أن تستسلم الإدارة الأمريكية أمام الابتزاز الإيراني، وتكون ضحية لخطأ قاتل، هو قبولها بالتحالف مع الإيرانيين في أفغانستان والعراق، ويكون ذلك القبول هو عقب إيخيل الذي يؤدي إلى هزيمتها. أعتقد جازما بأن الإدارة الأمريكية لن تستسلم، وأن هناك ثمة بدائل أخرى، لمعالجة الموقف، وقد يكون الأكثر احتمالا بين تلك البدائل، هو قيام إسرائيل بتوجيه ضربة جوية ضد المواقع الإيرانية، خاصة وأن ذلك منسجم مع السياسة الصهيونية في التفرد بحيازة القوة النووية في المنطقة بأسرها. وسوف يكون الدور الأمريكي في العدوان على إيران، في هذه الحالة مستترا، مقتصرا على تقديم الدعم المادي واللوجستي، من تسهيل وتنسيق لعمليات العبور والطيران فوق سماء الأردن والعراق، وتوفير الصور والمعلومات عن مواقع المفاعلات والمؤسسات النووية. ومن ثم ليكون دور الإدارة الأمريكية اللاحق، ومعها حلفاؤها، وربما المجتمع الدولي هو العمل على تهدئة الموقف، والاكتفاء بإصدار بيانات خجولة من البعض تنتقد العملية، وأخرى صاخبة تمارس الشجب والاستنكار، ثم لتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي بعد أن تكون الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني قد تمكنا من إنجاز أهدافهما في تدمير طموحات إيران.
هل هذا كل ما هناك، أم إن هنالك سيناريوهات أخرى محتملة؟ ذلك ما سوف نحاول الإجابة عنه مع تناول المحاور الأخرى التي لم نتمكن من تغطيتها في الحديث القادم بإذن الله.
dbcadc
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-04-26
2020-06–0 4-:05
فاطمه من السعوديه
انا اعارض وبشده الهجوم على ايرااان
اسائيل تملك نووي فلماذا يمنعون ايران مع العلم ان حكومه ايران مؤمنه وليست فاجره
وتخاف الله وليست مثلهم
لماذا الدكتاتوريه وهم ينادون
بالديمو قراطيه ؟؟؟000
2020-06–0 5-:06
محمد الخالدي من فلسطين
انا مع ايران و ايدها في تصميم ملف النووي