المسكوت عنه في الحرب على الإرهاب
الأساس في محاربة الإرهاب، أن وجوده بالنسبة لنا نحن العرب، هو تهديد للأمن القومي والوطني، وبالنسبة للعالم أجمع، تهديد للسلم والاستقرار. والإرهاب وبغض النظر عن المسميات، هو سلوك عدواني، لا يقبل التعايش مع الآخر. والأخر هو كل من يختلف معه في الأفكار والتوجهات. وتحقيق الأمن والاستقرار في بلادنا العربية، ليس رهن بالقضاء على فصيل دون غيره، من التنظيمات مع داعش، فمعظم هذه التنظيمات هي إفراز تنظيم القاعدة الأصل، والذي هو في المحصلة نتاج واقع تاريخي، إن من حيث أفكاره، أو من حيث البيئة التي احتضنته.
تنظيم القاعدة، إذن هو الأصل في الإرهاب المعاصر. وقبله كانت أفكار سيد قطب حول التكفير والهجرة، وحاكمية الله، وما فرخته أفكاره من تنظيمات إرهابية، أدت لمصرع العشرات في مصر، وتفجير للقاطرات والحافلات. وسع تنظيم الإخوان محيط عمله، ليشمل بلدانا كثيرة. وفي أفغانستان، تحققت نقلة أخرى، على طريق إيجاد نموذج سياسي متطرف، لطريقة إدارة الدولة والمجتمع، قادته حركة طالبان، وتزامنت بتصاعد دور تنظيم القاعدة، في المرحلة التي أعقبت سقوط النظام الشيوعي.
عندما شنت الحرب العالمية على الإرهاب، بعد حوادث 11 سبتمبر 2011 بالولايات المتحدة الأمريكية، تبنى تنظيم القاعدة استراتيجية جديدة، تكونت من عناصر ثلاثة. الأول، هو التكور في الأماكن التي يجري فيها الهجوم العسكري المباشر على قواعده. والثاني هو الهروب إلى الأمام، بالتوسع في أنشطته، في أماكن وبلدان لم يكن له فيها وجود من قبل، كما هو الحال في العراق، بعد احتلاله، وكما في ليبيا وسوريا، بعد اشتعال ما عرف بالربيع العربي.
وكان التنظيم قد حط رحاله، بشكل واضح في اليمن، وحقق نقلة كبيرة، بتفجير المدمرة كول. أما في بلدان المغرب العربي، فقد تمكنت السلطة المغربية، من احتوائه إلى حين، لكن ذلك لا يعني قضاء مبرما على أنشطته فيها. وفي الجزائر عاشت الحكومة صراعا مريرا مع التنظيمات المختلفة، بعد صراع العسكر مع جبهة الإنقاذ، تسببت في مصرع ربع مليون قتيل. والأمور في الجزائر لا تزال حبلى بمفاجئات، قد لا تحمد عقباها.
العنصر الثالث، في استراتيجية تنظيم القاعدة، هو فتح فروع بمسميات مختلفة، وباستقلال نسبي عن المركز، الذي مثله أسامه بن لادن سابقا، ولاحقا أيمن الظواهري. وبقاء كل التنظيمات في الجوهر، ملتزمة بذات الأفكار التي انطلق منها تنظيم القاعدة. والتسميات في هذا السياق كثيرة.
خلاصة القول، إن الإرهاب قد فرخ الآن في معظم بلدان الوطن العربي، فهو الآن يتواجد في العراق وسوريا ولبنان ومصر والأردن وتونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان، ومن غير أن نسمي الصومال، الذي كان له سبق استقبال عناصر هذا التنظيم المتطرف.
الأمن القومي العربي لا يهدده تنظيم داعش فقط. فمصر على سبيل المثال، لا تواجه هذا المسمى، بل تعاني من تنظيم القاعدة، بمسمياته المختلفة. والقيادة المصرية، التي شاركت في اجتماعات التحالف، ربما تشعر ببعض الضيق، كون أمنها الوطني لم يكن موضوعا جديا، على الطاولة، إنما أمن أربيل وبعض المحافظات العراقية، ذات الصلة المباشرة بالمصالح الأمريكية.
والحال هذا ينسحب أكثر، على أوضاع اليمن وليبيا. والبلدان يتعرضان الآن لعملية تفتيت. ففي ليبيا انهارت الدولة. والحكومات التي شُكلت غير قادرة على الإضطلاع بمسؤولياتها، بسبب تصاعد دور الميليشيات المتطرفة، بمسمياتها المختلفة، التي تتبع لتنظيم القاعدة.
الحرب على الإرهاب، ينبغي أن تكون شاملة، ولا تستثني بلد عربي دون آخر. إن ذلك سيخلق إحساسا مريرا، لدى إخوتنا في ليبيا واليمن ومصر، بأن أمنهم ليس في المقدمة من اهتمام أشقائهم العرب. وأن هناك انتقائية، وكيل بمكاييل مختلفة، تغض الطرف عن مشاريع التفتيت في المنطقة، المشاريع التي ارتبطت بالربيع العربي.
والنتائج ربما تكون أخطر من ذلك بكثير. فليس هناك ما يمنع تنظيم داعش، في حالة تعرضه لهجمات جوية كبيرة ليس بمقدوره احتواءها، أن يوجه قواعده بمغادرة العراق، إلى مناطق مجاورة، هربا من القصف الجوي، كما حدث بالدقة، عام 2001، حين شنت الطائرات الأمريكية هجماتها المكثفة على قواعد القاعدة، فكان أن رحلت قياداتها، ومعظم كوادها إلى باكستان، ولتغرق هذه البلاد في فوضى عارمة، لا تزال مستمرة، حتى يومنا هذا، رغم مرور ما يقرب من الثلاثة عشر عاما على الهجوم الأمريكي على أفغانستان.
وعلى هذا الأساس، فإن انتقائية الهجوم الدولي على داعش، في العراق وحده، من شأنها أن توسع دائرة حركة هذا التنظيم بدلا عن تقليصها. ويبقى السؤال قائما، عن الحواضن الاجتماعية لهذا التنظيم. فالأماكن التي توجد فيها حواضن اجتماعية أكبر، ستكون هي المؤهلة أكثر لاستقبال داعش بعد الهجمات الجوية المكثفة على قواعده.
وهنا نعيد التأكيد، على صعوبة قيام التحالف، بعمل عسكري ضد داعش، فوق الأراضي السورية، بسبب تعقيدات الموقف، وصلابة موقف روسيا والصين ضد هذه الخطوة، ورفض بريطانيا وسوريا ذلك، وانسحاب الأتراك من المشاركة في هذه الحرب. بما يعني مكن داعش، من الحصول على مأوى داخل الأراضي السورية، ما لم تتحدد استراتيجية جديدة، لمكافحة الإرهاب، لا تستثني سوريا، ولا بقية القوى الإقليمية من المشاركة في هذه الحرب.
إن شن حرب عالمية شاملة على الإرهاب، ينبغي أن لا تدع له وكرا أو مخبأ في أي من بلدان المنطقة، ضمن استراتيجية عملية، تتخطى الجوانب العسكرية، لتشمل محاربته فكريا، بإيجاد مناخات جديدة، تسمح ببروز قوى مجتمعية وفكرية جديدة، قادرة على التنافس معه، في بيئته الاجتماعية. إن ذلك سيشكل، دون شك إسهاما حقيقيا في مواجهة الإرهاب، دون تمييز. فلا تكون ليبيا أو اليمن، أو أرض الكنانة، مأوى للهاربين من الحرب العالمية.
ينبغي التركيز، على تحصين الجبهات الداخلية العربية، أمنيا وسياسيا وفكريا، وخلق استراتيجية عربية، تضع مصالحنا القومية، بالدرجة الأولى بعين الاعتبار، ولا تكون صدى لمصالح الآخرين، الذين أكدت التجربة التاريخية، أنهم لا يضعون في الحسبان إلا مصالحهم الخاصة.