المسألة الفلسطينية: أرجحية الوحدة على قيام الدولة

0 407

 

في الشهور القليلة المنصرمة، سعت السلطة الفلسطينية إلى تحشيد موقف عالمي مناصر، لإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، رداً على فشل المفاوضات الماراثونية مع الصهاينة، ووصولها إلى طريق مسدود. وتتوقع مصادر مسؤولة في السلطة أن يجري اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية المستقلة،

مع انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة بدورتها المقبلة في نيويورك أواخر هذا الشهر، وأن هذه الدولة ستصبح عضواً كاملاً بالمحافل الدولية، وبذلك يتحقق هدف عزيز ناضل الفلسطينيون من أجل تحقيقه عقوداً طويلة .

 

مصاعب كثيرة يتوقع أن تواجه مسألة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة . وحتى إذا ما تمكن الفلسطينيون من إحراز هدفهم في الاعتراف الدولي بدولتهم، فإن مشكلات كثيرة أخرى، ليست أقل صعوبة، سوف تواجه تأسيس الدولة، وستبقى معلقة دون حل، لعقود أخرى . فإعلان قيام الدولة لن يكون، بحسب تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فك ارتباط نهائي عن الاحتلال الصهيوني، وسوف تستمر العلاقات القائمة الآن بين السلطة و”الإسرائيليين” إلى مرحلة ليس بالمستطاع تقدير زمنها .

وكان عباس قد أفاد أن الذهاب إلى الأمم المتحدة، والحصول على وثيقة الاستقلال، ليس نهاية للمفاوضات بين السلطة والعدو الصهيوني . وأعاد لتأكيد التزام منظمة التحرير الفلسطينية التي يتزعمها، الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الغاصب، بما في ذلك اتفاقية أوسلو عام ،1993 ذلك يعني، وفقا للتجربة التاريخية، أن معظم الأمور العالقة بين السلطة و”إسرائيل”، سوف تبقى دون حل .

وعلى هذا الأساس، فإن قرار الاعتراف الدولي، سيبقى رهينة بيد “إسرائيل” المدعومة ن قبل الولايات المتحدة، وسوف تعود السلطة الفلسطينية إلى المربع الأول في مفاوضاتها مع “الإسرائيليين” . وسيكون الفيتو الأمريكي ووقف تمويل الاتحاد الأوروبي سيوفاً مسلطة فوق رقاب الفلسطينيين، إن هم تمسكوا بأدنى الحقوق . ولن يحول اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالسلطة، ما لم تتغير موازين القوى، دون استمرار الصهاينة في بناء المستوطنات في الضفة الغربية . ومرة أخرى، ستصطدم السلطة الفلسطينية بالتصلب “الإسرائيلي”، ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود .

ولن يكون مجدياً مراهنة القيادة الفلسطينية على أي تغيرات سياسية مستقبلية في الموقفين “الإسرائيلي” والأمريكي، نتيجة لتغير خارطة ونتائج الانتخابات في الولايات المتحدة، والكيان الغاصب . فقد اكتشفنا طوال العقود التي مضت من الصراع العربي- الصهيوني، أن ليس من خلافات جوهرية، في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بين إدارات المحافظين والليبراليين . بل إن الوقائع قد أكدت أن الموقف المتشدد في “إسرائيل” والولايات المتحدة من القضية الفلسطينية هو أحد عناصر شرعية الحكومات المتتالية بالبلدين . فلم يكن هناك خلاف في الموقف بين رئيس الحكومة “الإسرائيلي” الليبرالي، إيهود باراك، ورئيس الحكومة “الإسرائيلية” اليميني المتطرف، بنيامين نتنياهو، ولا بين الرئيس الأمريكي الجمهوري، جورج بوش أو الرئيس الأمريكي الديمقراطي، باراك أوباما . فالكل عمل جل ما في وسعه لدعم سياسة “إسرائيل” الاستيطانية التوسعية، والتنكر لحق الفلسطينيين في العودة والحرية وتقرير المصير والاعتراف بعروبة القدس . بمعنى أن التعويل على تغير السياسة “الإسرائيلية” أو الأمريكية بسبب تغير الإدارات الحاكمة في أمريكا أو “إسرائيل”، لن يتعدى حدود التسليم بالوهم .

والنتيجة أن ذهاب السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، لن يكون خطوة تاريخية على طريق إنجاز الأهداف المشروعة للكفاح الفلسطيني . وأن سبل تحقيق الأهداف الوطنية، لن تكون خارج إيجاد خريطة نضال جديدة، تسهم في صياغتها مختلف فصائل المقاومة، وتعيد الاعتبار للوحدة الوطنية، وبشكل خاص الاتفاق بين حماس وفتح، على ثوابت الكفاح، وإعادة توحيد العمل الفلسطيني في الضفة والقطاع .

إن دروس الماضي القريب لاتزال ماثلة أمامنا . فقد واصلت السلطة الفلسطينية، في الشهور الأخيرة جهودها الدبلوماسية، وأبقت قنوات اتصالاتها مفتوحة مع “الإسرائيليين” والأمريكان، تحت يافطة الدفع بعملية السلام . لكن تلك اللقاءات لم تنجز خطوة واحدة على طريق إقناع “الإسرائيليين” والأمريكان بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية . بل على النقيض من ذلك، كانت نتائجها مخيبة لآمال السلطة . لقد تقابل الرئيس أبو مازن مع رئيس الكيان الصهيوني، شمعون بيريز، ووزير الحرب إيهود باراك في العاصمة الأردنية عمان، ولم يستمع إلى ما يفيد باستعداد “الإسرائيليين”، لتقديم أي نوع من التنازل، من أجل إنجاح مسيرة السلام .

بل إن المبعوثين الرئاسيين الأمريكيين، ديفيد هل ودنيس روس، اللذين استقبلهما الرئيس الفلسطيني، بعد اتصال هاتفي من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، بهدف ثنيه عن الذهاب إلى الأمم المتحدة، قد هددا باستخدام الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي وقطع المعونات الأمريكية .

ما تريده الإدارة الأمريكية والحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة هو أن تتحول منظمة التحرير التي انبثقت من رحم المقاومة، إلى شرطي يحمي حدود الكيان الغاصب ويدافع عن مستوطناته ويشارك في الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، وهدر المزيد من الوقت، من خلال المراهنة على الاستفراد الأمريكي بالملف الفلسطيني، لقضم المزيد من الاستحقاقات الوطنية، مع تنكر فاضح للتعهدات التي نصت عليها الاتفاقيات التي وقعتها السلطة، برعاية أمريكية مع الكيان الغاصب، ومن ضمنها اتفاق أوسلو وتفاهمات ميتشل وخريطة الطريق . وكان التهديد باستخدام الفيتو في حالة عرض ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن هو قمة الانحياز الأمريكي الفاضح للكيان الغاصب .

لا مخرج لحالة الارتباك التي تشوب عملية الإخراج للدولة الفلسطينية، المتوقع عرضها في نهاية هذا الشهر، سوى إنجاز المصالحة الوطنية، وتحقيق وحدة القوى المقاومة، والشروع في تنفيذ اتفاق القاهرة الأخير . ففي ظل الانقسام والتشرذم، تضعف أوراق المفاوض الفلسطيني، ويتراجع التفاف الشعب حول قياداته .

ليس من المقبول استمرار حالة الانقسام، وأن تتوجه السلطة الفلسطينية عارية دون أوراق قوية إلى نيويورك، للمطالبة بالاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة . لا بد من تحقيق افتراق استراتيجي وجوهري عن السياسات السابقة التي حكمت العلاقة بين فتح وحماس، قبل الذهاب إلى نيويورك . والأجواء العربية، أكثر مواءمة الآن، بعد التحولات التي شهدتها أرض الكنانة فيما يخص العلاقة بالكيان الصهيوني، لتحقيق سياسة الافتراق مع الماضي، واعتماد منهج جديد يتبنى التوقف عن تقديم المزيد من التنازلات لمصلحة المشروع الصهيوني . ينبغي رفع سقف المطالب الفلسطينية، والنأي عن التكتيكات التي ثبت إخفاقها وعقمها .

ولن يكون ذلك ممكناً إلا بتحقيق التلاحم بين الفلسطينيين وصوغ استراتيجية عملية ومبدعة معتمدة على المحركات الذاتية، والعمق العربي القومي، والثقة بقدرة الجيل الجديد على مواصلة الكفاح من أجل الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

3 × 2 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي