المثقف العربي والتحديات الكونية الجزء الثاني
ولعل من الأهمية التنبه إلى أننا في هذا السجال، نميز بين نوعين من الاندماج بهذا العصر الكوني، بين اندماج إيجابي يرفع في وجه الثقافة العربية تحدي الانخراط في الحداثة والمعاصرة والإبداع، والمساهمة في مجالات الثقافة والفنون، وإصلاح الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية باتجاه تحقيق مزيد من الاحترام لحقوق الإنسان، وبين اندماج سلبي يرفع في وجه الثقافة العربية تحدي الرضوخ للتبعية والتهميش وإلغاء الذات والتنازل عن الحقوق والهوية أمام قوى الهيمنة العالمية الجديدة.
الثقافة العربية، التي ننشدها، مدعوة للدخول بالاختراق والتفاعل والاستجابة إلى الزمن الكوني، لأن المبادئ المعلنة في هذا الزمن تستجيب للحاجات التاريخية لشعوب العالم الثالث المقهورة، وبضمنها شعبنا العربي. فنحن من دون مواربة، من أكثر الشعوب مصلحة في تحقيق التواصل والاندماج مع هذا الزمن الكوني، لأن ذلك سيكون عاملاً مساعداً في التعجيل بقطع المسافات الطويلة التي ينبغي علينا تجاوزها الآن.
إنها جدلية الضرورة التاريخية التي فرضت علينا من قبل الالتزام بمفاهيم العدل الاجتماعي وتحقيق التكافؤ والوحدة العربية، .هي الجدلية التاريخية ذاتها، تفرض علينا الآن التنازل عن المظاهر الشوفينية في فكرنا القومي، والتي رسخت فيما مضى فكرة الانعزال عن أو العداء للآخر، إلى الدخول في رحاب أوسع .، رحاب عالمي إنساني، دون أن يعني ذلك تنازلاً أو ارتماء أعمى في أعتاب النظام العالمي الجديد، أو تحت أقدام جياد سيده القابع في البيت الأبيض، التي تفننت في هزيمتنا وسحق ارادتنا.
إن ما نأمله باختصار، هو التسليم بأهمية وجود نظام عربي تحديثي عصري المنازع والتوجهات، قادر على مواجهة الهيمنة الغربية المتقدمة في العلم والتكنولوجيا والقوة العسكرية. وهو نظام ينبغي أن يجعلنا داخل النظام الكوني الجديد، بعيداً عن حواجز الخوف والشك والارتياب والشعور بالدونية إزاء تفوق الآخر ونهجه العدواني.
ولسوف يكون من شأن هذا التحول في ثقافة النظرة إلى التاريخ والآخر والذات، أن يضيف الكثير من عناصر القوة إلى صراعنا مع العدو الصهيوني من أجل التحرير واستعادة الأرض والكرامة، وإنهاء كافة أشكال الاحتلال والهيمنة عن الأرض العربية، وحماية الوجود.
ولن يتحقق ذلك إلا بإضافة صراع آخر إيجابي مع الذات من أجل الإصلاح والتنمية والحداثة، تستطيع من خلاله الأمة العربية النهوض من كبوتها من جديد، مستندة في ذلك إلى عمق حضاري وثقافي أصيل متعدد ومتنوع، يتيح لنا أن نستعيد دورنا الحضاري المفقود، وأن نساهم بفعالية في ركب التطور الإنساني الصاعد.
التعليقات مغلقة.