القضية الفلسطينية، انقسام في القيادة وعجز عن إدارة الصراع

0 491

لم يتوقف كفاح الفلسطينيين من أجل استرجاع حقوقهم، وتثبيت هويتهم الوطنية، مند اغتصب الصهاينة، أرضهم، وأعلنوا قيام كيانهم الغاصب عام 1948. لكن هذا الكفاح، اصطدم باستمرار بغياب استراتيجية التحرير، وغياب المشروع الوطني القادر على زج كل الفلسطينيين في بوتقة الكفاح،

من أجل تثبيت حق العودة، وتحرير القدس الشريف، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

 

أثبت الشعب الفلسطيني، صلابة موقفه وثباته في التمسك بحقوقه، ومن أجل ذلك فجر في العقود الثلاثة الأخيرة، ثلاثة انتفاضات اتسمت بالبسالة والجرأة، وكان الأروع والأبهى بين تلك الانتفاضات، انتفاضة أطفال الحجارة، في نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم. وقد مثار اهتمام العالم، وإعجابه، بما مثلته من تنظيم دقيق وصمود أسطوري، أجبرت رئيس الأركان الإسرائيلي مناحيم بيجن، إلى الاعتراف بالقول بأنه تمكن من هزيمة الجيوش العربية، في أكثر من أربعة حروب رئيسية، لكنه لم يتمكن من القضاء على انتفاضة أطفال الحجارة.

كانت انتفاضة الأقصى، هي الثانية، بين الانتفاضات الثلاث، وتميزت بالعمليات الاستشهادية، لكنها وقعت أسيرة للصراع المرير بين حركة فتح في رام الله وحركة حماس في قطاع غزة. فكان أن ذهبت التضحيات الجسام أدراج الرياح، بفعل الانقسام بين القيادات الفلسطينية.

والواقع أن وعد بلفور عام 1917، شكل نقلة نوعية على صعيد اكتساب الصهاينة لأرض فلسطين، وقد شكل تناقضا واضحا للنتائج التي تمخضت عنها مراسلات مكماهونمع العرب. إلا أن تنفيذ اتفاقية سايكس- بيكو أعطيت الأولوية في التنفيذ بعد نهاية الحرب العالمية الأولى مباشرة. وقد منحت هذه الإتفاقية المشروعية الدولية عندما صادقت عصبة الأمم في 24 يوليو 1922 على الإنتداب البريطاني لفلسطين وشرق الأردن، والذي عنى في نتائجه تمكين بريطانيا من الوفاء بوعدها تجاه الصهاينة. وقد كان وعد بلفور في عام 1917 هو التأييد الرسمي الأول من إحدى القوى العظمى للادعاءات الصهيونية في فلسطين..

لقد سهل وعد بلفور الهجرة اليهودية لفلسطين، وبمرور الوقت، تثبت المهاجرون اليهود أقدامهم فيها، بحيازة مواقع اقتصادية هامة. ولقد أعطت السلطات البريطانية دعما كبيرا للوجود اليهودي في فلسطين، مدعية أن ذلك لن يكون على حساب تشريد أو قهر السكان الفلسطينيين.لكن من غير الممكن تصور كيفية تأمـين هذا المبدأ مع تحقق هجرات يهودية واسعة في فلسطين.

استمرت الهجرة اليهودية بالتدفق، كما استمر تدهور العلاقات بين الفلسطينيين والقادمين الجدد. وكنتيجة طبيعية لذلك، فقد كان على الفلسطينيين أن يتصدوا في آن واحد لسلطات الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني لإقامة دولة يهودية في فلسطين.

لم يكن التوازن في هذا الصراع لصالح الفلسطينيين العرب. فالفلسطينيون في صراعهم مع الصهاينة لم يكونوا مفتقدين للتنظيم والقيادة المقتدرة فقط، ولكنهم كانوا ممزقين إلى عشائر ومجاميع صغيرة. ولذلك فإن غياب التنظيم ووحدة العمل قد جعل تحقيق الهدف الفلسطيني في الاستقلال ومنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين أمرا غير ممكن التحقق في مثل تلك الظروف. وكانت نتيجة ذلك أن كثيرا من الاحتجاجات والانتفاضات الفلسطينية ضد البريطانيين وحركة الهجرة اليهودية في نهاية الثلاثينات انتهت بنتائج مأساوية.

في عام 1947، عقدت بريطانيا عقدت النية على التخلي عن انتدابها لفلسطين، وطلبت من الأمم المتحدة معالجة الصراع اليهودي – العربي في فلسطين. وفي 3 سبتمبر عام 1947، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 181 المتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية. وقد نادى هذا القرار بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام: الشطران الأوليان يقسمان بالتساوي بين الفلسطينيين الذين كانوا يشكلون أنذاك 70% من التعداد الكلي للسكان واليهود الذين لابيشكلون أكثر من 30% من سكان فلسطين. أما الشطر الثالث فيضم مدينة القدس، وستجري إدارته بنظام دولي.

رفض العرب، والفلسطينيون بشكل خاص، هذا القرار. حيث لم يأخذ مخطط التقسيم بعين الاعتبار نسبة التعداد السكاني للشعب الفلسطيني. ولأن الفلسطينيين في غالبيتهم اعتبروا المهاجرين الجدد من اليهود إلى فلسطين في حكم الأجانب الذين لايملكون الحق في الإقامة الدائمة على هذه الأرض.

وفي 14 مايو 1948، أعلن اليهود من جانب واحد قيام دولة اسرائيل. وقد رفضت الحكومات العربية الاعتراف بهذه الدولة. واندلعت الحرب مباشرة بين العرب والدولة الصهيونية. وقد انتهت تلك الحرب بهزيمة للجيوش العربية، وكانت حقا نكبة واجهها الفلسطينيون والعرب جميعا. وقد نتج عن تلك الحرب تشرد مايقارب من 775000 من الشعب الفلسطيني إلى الأقطار العربية المجاورة، وبقاء أقلية من الفلسطينيين تحت وطأة الاحتلال العسكري الاسرائيلي المباشر. وهكذا انتهى الفصل الأول في مأساة الشعب العربي الفلسطيني، لتتبعه فصولا أخرى أكثر قسوة ومعاناة، وأشد مرارة.

والنتيجة الطبيعية، أن الحلم الصهيوني في اغتصاب فلسطين وإقامة وطن قومي لليهود على أرضها قد تحقق بقيام دولة خاصة بهم، بينما لم يتمكن الفلسطينيون من تحقيق حلمهم في تحرير فلسطين وإقامة دولتهم المستقلة فوق ترابها.

لم يتمكن الفلسطينيون، من استلام زمام أمورهم بأنفسهم، إلا بعد نكسة يونيو عام 1967م، حيث تصاعد النهوض الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وتواصل مع نهاية الثمانينات بانتفاضة أطفال الحجارة، ومع بداية هذا القرن شهدت تلك الأراضي، انتفاضة الأقصى، والآن تمر الضفة والقطاع بظروف نهوض مماثلة. لكن غياب البرنامج، والافتقار للقدرة على إدارة الصراع، لم تمكن تلك الهبات والانتفاضات من تشكيل رصيد حقيقي يسهم في عملية التحرير.

ويبدوا التناقض واضح بين استعداد الفلسطينيين على البذل والتضحية، وبين وعي القيادات الفلسطينية، بأهمية استخدام هذا الرصيد. فالهبة الشعبية الحقيقية التي تمر بها الأراضي المحتلة الأن، ينبغي رفدها بوجدة فلسطينية. فليس من المعقول أمام هذه التضحيات أن يستمر انقسام القطاع عن الضفة وأن تستمر الصراعات بين قيادتي فتح وحماس. لا بد من مصالحة فلسطينية، على قاعدة الالتزام ببرنامج سياسي يقود إلى حرير فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإلا فإن التضحيات الكبيرة للشعب الفلسطيني ستذهب أدراج الرياح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

عشرة + 11 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي