العراق بين احتمالي الوحدة واستكمال مخططات التقسيم

0 418

عد أكثر من سنتين وأربعة أشهر، على احتلال مدينة الموصل من قبل داعش، بدأت القوات العراقية، مسنودة بالطيران الأمريكي، معركة استعادة المدينة، وسط إلحاح تركي على المشاركة في تلك الحرب، وصراع إقليمي وكردي محموم على اكتسابها.

 

مدينة الموصل، هي الثالثة من حيث الحجم وتعداد السكان، والعمق التاريخي، ضمن مدن العراق. وقد تعرضت للتهميش، من قبل الحكومة التي عينتها إدارة الاحتلال، وجرت محاولة طمس هويتها العربية، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، شأنها في ذلك شأن جل المدن العراقية.

ظلت المدينة، منذ تأسيس الدولة العراقية، مخزونا بشريا، رافدا للمؤسسة العسكرية. وكانت معاناتها كبيرة من قرار حل الجيش العراقي، وقرارات الاجتثاث، مما خلق بيئة حاضنة للمقاومة الرافضة للاحتلال الأمريكي، والتدخلات الإقليمية في شؤون العراق، عبدت الطريق لوجود تنظيم داعش في الموصل، وبقية محافظ نينوى، التي تشكل المدينة ركيزتها وعمقها.

جاء احتلال العراق، ضمن مخطط تفتيته، واستغلال هشاشة الأوضاع الأمنية وضعف سيطرة الدولة، في العراق وسوريا، لإقامة منطقة عازلة بين العراق، وسوريا خطط لأن تكون باكورة دولة الخلافة الإسلامية، التي يقودها تنظيم داعش. وعلى طريق تحقيق مشروع التفتيت، تم احتلال محافظات: الأنبار، وصلاح الدين وديالى ونينوى. وخلال الشهور التي مضت، تم طرد تنظيم داعش من معظم هذه المحافظات، وبقيت الموصل، معلما يجسد عجز الحكومة بالمركز، عن الدفاع عن العراق وحماية وحدة أراضية.

إن من الصعب في هذه العجالة، تقديم قراءة دقيقة، لمعركة الموصل، والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها. لكن أي قراءة للواقع الراهن، لن تكون صحيحة، ما لم تربط هذا الواقع المتشظي، بالاحتلال، الذي أودى بالدولة الوطنية العراقية، وحل الجيش العراقي، صمام الأمان في الدفاع عن عروبة العراق وأمنه. وأيضا بالظروف التي تزامنت مع سقوط العاصمة بغداد، من نهب للمتاحف وحرق للجامعات، وقتل على الهوية، وتسعير للنزعات الطائفية المقيتة.

كان من إفرازات احتلال العراق، تمدد العمق الاستراتيجي لطهران، ليشمل أرض السواد بأسرها، وقيام حكومة، حليفة لإيران، في أقل تقدير. أما الإفراز الآخر، فهو العملية السياسية، التي أخرجت العراق دستوريا، من انتمائه العربي، واعتبرته بلدا يضم عربا عراقيين، وليس بلدا عربيا بالتاريخ والجغرافيا. وترتب على هذه العملية، قيام نظام على أسس القسمة بين الطوائف والأقليات الاثنية, والتمهيد لعزل شمال عراقي عن بغداد، تمهيدا لفصله التام، عن العراق.

جاءت أحداث ما عرف بالربيع العربي، لتضاعف من طبيعة الأزمة. فقد نتج عن عسكرة الحركة الاحتجاجية في سوريا، تضاعف دور القاعدة وداعش وأخواتهما، وتحول سوريا إلى ساحة احتراب إقليمية ودولية. وبديهي أن تستثمر التنظيمات الإرهابية، هشاشة الأوضاع في البلدين العربيين المجاورين، لتستبيح أراضيهما ولتدشن داعش مشروعها في الخلافة الإسلامية. فكان اختيار المحافظات الشرقية من سوريا، والمحافظات الغربية من العراق، لتشكل مشروع داعش للدولة الإسلامية.

ولم يكن لهذا التمدد، أن يتحقق بالسرعة التي حصلت، من غير توافقه مع أجندات إقليمية واضحة، عملت على إضعاف الكيانات الوطنية، لتسهيل عملية الانقضاض والهيمنة، وبما يتماهى مع مشاريع تقسيم المنطقة العربية، المطروحة بشكل واضح وصريح من قبل الغرب، منذ أكثر من أربعة عقود.

وقد وجد الانفصاليون الأكراد، بالعراق وسوريا، في هذه الفوضى، فرصة لتحقيق صبوات قومية قديمة، فعملوا على استثمارها، ووتوسيع حدود جغرافيا الكيان الكردي المتخيل ليشمل أراض جديدة، لم تكن بالأصل، في حسبان من رسموا وخططوا لفصلها عن الوطن الأم.

وهنا تتضح تعقيدات الحرب على الموصل. فالأكراد يتطلعون من دخولهم في هذه الحرب، إلى السطو على مدينتي كركوك والموصل. وهما مدينتان لم تكونا على خارطة الإقليم الكردستاني المتخيل، أثناء الصراع الملحمي، الذي استمر أكثر من ستة عقود، بين الدولة العراقية وبين المتمردين الأكراد.

وهنا أيضا، تتضح طبيعية التقاطعات بين القوتين الإقليميتين: إيران وتركيا. فكلاهما لا يرغب في قيام دولة كردية مستقلة، سواء فوق الأراضي العراقية أو السورية، لأن ذلك من شأنه أن يوسع دائرة المطالبات باستقلال الكرد، المتواجدين في إيران وتركيا، وهم بالتأكيد أكثر تعدادا، بأضعاف عن الأكراد المتواجدين في العراق وسوريا.

نقطة التقاطع الأخرى، هي داعش، التي باتت خطرا محققا على الاستقرار في عموم المنطقة. وفي هذا السياق، تبرز ازدواجية المعايير، لدى القوتين الإقليميتين. فإيران لم تكن تمانع من التنسيق والتعاون مع داعش، في مواجهة الأمريكيين. وتركيا لم تمانع من دعم داعش حين يتعلق الأمر بسوريا. ولكنهما معا، يدركان أن داعش تنظيم منفلت، لا يمكن التحكم بحركته، وأنه لن يتورع عن القيام بعمليات تخريبية، داخل أراضيهما. ولذلك فهما يسعيان لضربه في مناطق والتنسيق معه في مناطق أخرى، وفقا لمصالحها ورأيتهما الاستراتيجية.

أما بالنسبة للأتراك، فإنهم لا يقفون مرحليا على الأقل، ضد استعادة الحكومة العراقية للموصل، شرط أن يكون العراق موحدا. أما أن يستولي الأكراد على هذه المدينة، بما يستتبع ذلك، من استيلاء على مدينة كركوك، فإن الأمر مختلف جدا. إن ذلك سيدفعهم لإعادة الروح لمطالب يعتبرها الأتراك تاريخية لهم في الموصل. ومن هنا يطالبون بضرورة المشاركة في الحرب، لضمان أن لا تسقط الموصل، بيد الميليشيات الكردية “البشمركة”.

إيران في هذا السياق، تتخذ موقف “بين بين”. فهي لا ترغب في استيلاء الأتراك أو الأكراد على الموصل، لكنها ليس في مقدورها منع ذلك. وإذا فرض عليها أن تقبل بأحد الأمرين، فإنها تفضل سيطرة الأكراد، وليس الأتراك، لحسابات تتعلق بمستوى توازنات القوة.

وتبقى معركة الموصل في مراحلها الأولى، ومفتوحة لكل الاحتمالات، والعراق بعدها لن يكون كما قبله.

Makki@alwatan.com.sa

كاتب أكاديمي سعودي متخصص في السياسة المقارنة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

15 + ثمانية عشر =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي