العدوان الصهيوني على لبنان وخطة أولمرت
منذ الأسبوع الأول للعدوان على أهلنا في لبنان، حاولنا قدر ما تتيحه المساحة، قراءة وتحليل الدوافع التي تقف حوله. وفي الحديث الماضي أشرنا إلى ارتباط هذا العدوان بيافطات ثلاثة هي على التوالي: تطبيق القرار رقم 1559 ووضع خريطة أولمرت المتضمنة الحدود النهائية لإسرائيل عام 2010 قيد التنفيذ، ومخاض الولادة لشرق أوسط جديد. وقد ناقشنا علاقة الحرب العدوانية بمشروع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، ووعدنا القارئ الكريم بمناقشة علاقة هذه الحرب والقرار الأممي المشار إليه بخطة رئيس الوزراء الإسرائيلي، أولمرت لإعلان الخريطة النهائية للكيان الصهيوني عام 2010، وأيضا علاقة ذلك بالإستراتيجية الأمريكية الكونية المتمثلة في قيام شرق أوسط جديد.
والواقع أن موضوع الحدود النهائية للكيان الصهيوني كان من الأمور التي تجنب قادة هذا الكيان الحديث عنه منذ تأسيس الكيان المغتصب حتى بروز ما عرف بخطة أولمرت. كان الحديث يجري دائما عن حدود آمنة ومعترف بها، دون تعريف لتلك الحدود. وكانت بعض العناصر الصهيونية المتطرفة، عند حديثها عن تلك الحدود، تذهب بعيدا مشيرة إلى الشعار الصهيوني القديم: “دولتكم يا بني صهيون هي من النيل إلى الفرات”. لكن مثل هذه الضبابية أوقعت القادة الصهاينة في وضع غير مقبول، خاصة وأن المرحلة القادمة، المرتبطة بمشروع الشرق الأوسط الجديد تتطلب دورا رئيسيا وقياديا للكيان الصهيوني في هذا المشروع، يتعدى في رياديته الدور العسكري، ليصبح دورا سياسيا واقتصاديا، يشمل التطبيع مع معظم البلدان العربية، وإقامة علاقات دبلوماسية معها، والإختراق الإقتصادي لبنيانها.
إن المرحلة القادمة تتطلب تحول مشروع الهيمنة الصهيوني، من طبيعته كمشروع حرب، إلى مشروع هيمنة اقتصادية وسياسية على مجمل البلدان المعرفة طبقا للمفهوم الجيوسياسي الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط، مستندا في ذلك على مظلة عسكرية قوية وقوة ضاربة، من باكستان شرقا إلى المغرب العربي غربا، ومن تركيا شمالا إلى أوغندة جنوبا، تردع العناصر والدول المارقة، الرافضة لمشروع الهيمنة الجديد.
هكذا جاءت خطة أولمرت لتعالج أمرين في آن واحد. الأول هو رفع الحرج الدائم عن الكيان الصهيوني، نتيجة غياب تحديد ماهية وحدود الأرض التي يقيم عليها كيانه، والثاني هو التهيئة لدخول مشروع الشرق الأوسط بقوة، والذي يهدف إلى استبدال النظام العربي الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي عبرت جامعة الدول العربية عن وجوده بنظام شرق أوسطي، من شأنه أن يسقط كثيرا من المفاهيم والمفردات التي شكلت مجتمعة هوية الأمة في مرحلة نضالها الوطني للتحرر من الإستعمار الغربي التقليدي. ويرتبط بهذا المشروع مجموعة من التغيرات الدراماتيكية التي سوف تأخذ مكانها، وفقا لنص مشروع الشرق الأوسط الكبير، تحت يافطات الإصلاح السياسي والإجتماعي والإقتصادي، وبناء المجتمع المعرفي، وتشجيع الديموقراطية والحكم الصالح، وتوسيع الفرص الإقتصادية، وهي يافطات تبدو جميلة وبراقة، لكنها سرعان ما تكشف عن نوايا أخرى مبيتة، تهيء لولوج المنطقة في مشاريع اندماج، بل وتبعية مشبوهة للكيان الصهيوني، والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
لكن خطة أولمرت نفسها، بغض النظر عما يقف خلفها، هي في النتيجة استمرار للنهج التوسعي الصهيوني. فالحدود الآمنة التي تتحدث عنها الخطة، تشمل أمن الكيان الصهيوني ذاته، باعتباره الطرف الذي يتعرض دائما للتهديد من قبل العرب. وضمن التصور الإسرائيلي لمفهوم الأمن، فإنه يتحقق فقط عند قضم أجزاء استراتيجية من جميع البلدان العربية المحيطة: سوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، وربما الأردن.
ومع أن المعلومات غير متوفرة بالكامل لمضامين هذه الخطة، لكن ما هو معلن منها حتى الآن يشير إلى مخاطر كبيرة على الأمن القومي العربي. فهناك خطط للإستيلاء على مناطق استراتيجية من جميع البلدان العربية ذات التماس المباشر مع حدود الكيان الغاصب.
ففيما يتعلق بالجانب الفلسطيني، لاحظت الجيروزاليم بوست في عددها الصادر في 25 مايو 2006 أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في لقائه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش قد تحدث عن حاجة إسرائيل إلى أن تحدد الخطوط التي يمكنها أن تحقق أمنها على الأقل في الوقت الراهن إلى أن تتهيأ الشروط المقبولة للتوصل إلى تسوية نهائية للصراع. وحسب تصور د. مناحم كلاين – أستاذ العلوم السياسية في معهد MIT في الولايات المتحدة- فإن خطة أولمرت، على الجبهة الفلسطينية، ستقتضي خلق ثلاثة خطوط ستعيد توزيع القوات الإسرائيلية وتحدد بشكل مختلف المناطق الأمنية وكيفية التعامل معها، بما يفرض تواجد القوات الإسرائيلية في أجزاء من الأراضي الفلسطينية في الضفة وأيضا على طول حدود الرابع من يونيو 1967، بوصفها مناطق يمكن للفلسطينيين استغلالها لشن هجمات صاروخية على المدن الإسرائيلية القريبة من الخط. ومعنى ذلك، حسب تصريحات أولمرت، أن تواصل القوات الإسرائيلية السيطرة على منطقة غور الأردن كحزام أمني. بمعنى آخر ستكون هناك ثلاثة خطوط حدودية: خط السور والجدران الذي لن يبقى وراءه مستوطنون وإنما قوات أمن إسرائيلية فقط، والخط الذي يفصل بين الفلسطينيين وبين غور الأردن، وخط الحدود الخارجية على امتداد نهر الأردن، بالإضافة لذلك هناك خطوط ثانوية تربط منطقة غور الأردن بمنطقة التجميع للمستوطنات.
وبموجب هذه الخطة سوف تبقى القدس موحدة. وسوف لن يجري تفكيك الكتل الاستيطانية المركزية بل إنها سوف تتوسع في آخر العملية، بما يحقق فصلا تاما عن الغالبية العظمى من الفلسطينيين. هناك بالطبع ما يتصل بغور الأردن، وهنا يقول أولمرت إن “الأردن يجب أن يبقى حدوداً أمنية لإسرائيل” معتبراً أن العالم سيقبل هذه النقطة من دولته. أما العلاقة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن المطروح هو فك ارتباط شبه كامل، عبر تحويل حدود القطاع إلى حدود دولية وقطع الربط الكهربائي والمائي، مع منح الفلسطينيين وقتاً كافياً لترتيب شؤونهم. وفي هذا الإتجاه يشير أولمرت إلى أن الفرصة مواتية لتطبيق هذه الخطة نظرا لوجود إدارة أمريكية ليس لها مثيل في “مناصرتنا ودعمنا وأسرة دولية تتفهم الوضع”..
حسب خطة أولمرت ستتحول الضفة الغربية إلى ثلاثة كانتونات معزولة عن بعضها البعض، بينما يحول الجدار الذي سيتلوى في أحشائها مثل الأفعى من أجل ضم الكتل الاستيطانية، حياة الفلسطينيين إلى جحيم. وسيجري بالطبع ربط هذه الجزر والكانتونات ببضعها البعض من خلال الأنفاق والجسور والممرات التي ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية.
سوف تتقلص المساحة التي ستتبقى للفلسطينيين، من 56% من أجزاء الضفة الغربية، وفقا لخطة الإنسحاب التي طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، باراك، إلى 44% من مساحة الضفة وفقا لخطة أولمرت هذه. تشكل في النهاية دويلة فلسطينية ترتبط باتحاد مع المملكة الأردنية الهاشمية، ليصبح الأردن مسؤولا قانونيا عن حماية حدوده مع الكيان المغتصب.
وعلى الجبهة السورية سوف يخرج قرار الكنيست الإسرائيلي الذي صدر في 14 ديسمبر عام 1981، بضم الجولان من غرفة الإنعاش. وسيصبح جزءا لا يتجزأ من خطة أولمرت، رغم أن هيئة الأمم المتحدة، ممثلة في مجلس الأمن قد أدانت قانون الضم بصفته مخالفاً لأسس ومبادئ القانون الدولي، وطالبت “إسرائيل” بإلغائه واحترام أحكام القانون الدولي التي تنظم حالات الاحتلال الحربي والالتزام بتطبيقها على الجولان وكافة الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، كما طالبت المجتمع الدولي برفض الاعتراف به أو التعامل معه. ولكن مياها كثيرة قد سالت، منذ ذلك التاريخ، بما يمكن أولمرت من تحقيق مشروعه بمباركة دولية وربما محلية أيضا. إن السيطرة على مرتفعات الجولان، التي تطل من عل على الأراضي السورية، وتهدد من خلال سيطرتها عليها بقصف مدينة دمشق، هي من وجهة النظر الإسرائيلية الموقع الإستراتيجي الذي لا غنى عنه لتوفير حدود آمنة مع سوريا.
أما على الجبهة اللبنانية، فليس بسر أن الكيان الصهيوني، منذ اليوم الأول لعدوانه الأخير، قد أعلن بوضوح عن نواياه في أن قواته سوف تواصل زحفها إلى مياه الليطاني. إن حدوده مع لبنان وفقا لخطة أولمرت هي مياه نهر الليطاني، بالدقة تماما مثل ما تشكل مياه نهر الأردن، الحدود الشرقية المثالية للكيان المغتصب. ومن هنا فإن إسرائيل، وبدعم من الإدارة الأمريكية سوف تعمل على إطالة أمد الحرب بما يحقق لها الوصول إلى المياه، والإستقرار في تلك المنطقة، والعمل الدؤوب، تحت شعار فرض سيطرة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، على تجريد المقاومة اللبنانية من أسلحتها، لكي تكون الحدود مكشوفة كلية أمام العربدة الصهيونية, ولتكون الخطوة التالية إغراق لبنان في أتون حرب أهلية، تمثل حسب التعبير الرامسفيلدي الفوضى الخلاقة، ومخاض الولادة لشرق أوسط جديد حسب تعبير السيدة، كوناليزا رايس.
على القادة اللبنانيين أن يدركوا أن معركتهم القادمة، على الصعيد السياسي، ستكون أقسى وأعنف من تلك التي خاضتها المقاومة اللبنانية على الصعيد العسكري. فالمطلوب الآن هو استقلال لبنان وسيادته. مطلوب إسرائيليا وأمريكيا، أن يتحقق بالسياسة ما عجز السلاح عن تحقيقه. فحذار أن يكون عبورنا من جسر الهزيمة إلى جسر العزة والكرامة، عبورا إلى الضفة الأخرى.. إلى خطة أولمرت والشرق الأوسط الجديد، لأن في ذلك تنكرا للدماء الزكية وللبطولات التي صنعها لبنان.. كل لبنان في تصديه الأسطوري للهجمة الأخيرة للتتار.
في الحديث القادم ستكون لنا، بإذن الله تعالى، وقفة مع مشروع الشرق الأوسط، وعلاقة ذلك بالحرب الدائرة الآن على أهلنا في لبنان.
cdabcd
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-08-09
2020-06–0 8-:03
nada من سورية
إن المرحلة القادمة تتطلب تحول مشروع الهيمنة الصهيوني، من طبيعته كمشروع حرب، إلى مشروع هيمنة اقتصادية وسياسية على مجمل البلدان المعرفة طبقا للمفهوم الجيوسياسي الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط، مستندا في ذلك على مظلة عسكرية قوية وقوة ضاربة،))))))
مع عدم مقدرتي على تبصر الامور الا من زاوية واحدة احترفتا النظر من خلالها انا وامثالي الا انى استغرب كيف ترى ان هناك مرحلة قادمة مع انها مرحلة سابقة وجدا لكل مايحدث وهى نهاية مطاف لكنها كانت على العنوان وكانت الهدف الذى يسعون اليه وسيصلون
اقول للاسف هم على الطريق وخطاهم ثابتة وأبلغ ايادا انى أرى الرأى ؟؟
2020-06–0 8-:03
علي الكاش من اليونان
كما اشرت د. يوسف المحترم أن لبنان في الوقت الحاضر يقف على مفترق طرق مصيرية على الصعيد الوطني والقومي، فلبنان اليوم يتولى مسؤولية كبيرة الحجم في الدفاع عن الوجود الحضاري للأمة العربية بأسرها، وهويقف أمام أمتحان عسير وخطير، فمثل هذه المسؤولية التأريخية تتطلب الكثير من الصبر والمزيد من التضحيات المادية والبشرية، وهذا ديدن الدفاع عن القيم والسيادة ، أن مستقبل الأمة بكل ما قدمته من تضحيات جسام في مسيرتها الطويلة تتعرض اليوم الى التهديد المباشر من خلال المؤمرات التي تحاك لجعل التغيير في خارطة العالم العربي يجري في صالح قوى الأحتلال سواء كان في العراق أوفلسطين أولبنان،وما خارطة الطريق الجديدة حول الشرق الأوسط إلا جزءًا من نظرية المؤامرة، لقد تولى لبنان مهمة تأريخية كبيرة من خلال قبوله التحدي والمضي في طريق التحرير مهما بلغت الصعاب، وهذه المهمة فعلاً مصيرية لأن خوض معارك المصير الوطني والقومي والصبو الى تحرير كامل التراب الوطني وإنتزاع السيادة الوطنية من براثن الأعداء ليست مهمة الأجيال الحالية فحسب وأنما أيضاً مهمة ألأجيال القادمة التي ستدرك خطورة التحديات وتوظفها بما يعزز ثقتها بنفسها، وستجد في تجربة لبنان تربة خصبة لنموها بعد أن أسقط لبنان اسطورة التفوق الأسرائلي ومرغها بالتراب .. انها المعجزة اللبنانية التي تسطر على صفحاتها عظمة الأنتصارات التأريخية وتنمي قيمة الأنسان العربي أمام التأريخ وتزوده بسلاح العزيمة على مواجهة التحديات، إنها تجربة جديرة بأن تدرس وأن تستلهم دروسها النضالية لتكون ركيزة للأنطلاق الجديد للأمة .
ننتظر بشغف إكمال الموضوع لأهميته وخطورته وبورك قلمك .
2020-06–0 8-:03
اسامة من المانيا
بسم الله الرحمن الرحيم
شكر خاص للدكتور مكي,وإضافة لما تفضل به,نحن
نعلم جميعا بان لهذا العدو اطماع وخطط عدوانية واستعمارية مهما حاولوا تزيينها بشعارات رنَانة مثل الحرية والديمقراطية وحجة الدفاع عن النفس.
اكثر ما يؤسفني هو وقوف الشعوب العربية متفرجة لما يحدث للفلسطينيين اولا واللبنانيين ثانيا.دعنا من الحكام فالشعووب هي اللتي تصنع كل شئ,واللوم عليها حين تتقاعس وهي مطالبة يوما امام الله عز وجل.
جاءت المقاومة الاسلامية في لبنان لتحطم شعار
(القوي يغلب الضعيف),وترفع شعار (صاحب الحق هو المنتصر)وتطبيقا للاية الكريمة ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم.
والنصر الكبير باذن الله ات ات ات .
2020-06–0 8-:16
علي الكاش من اليونان
الأستاذ الفاضل د.يوسف مكي المحترم لقد كان للأقلام النيرة دوراً كبيرة في فتح آفاق الأنتصار، وكان مدادها كالبارود في فعله، فغالباً ما يكون للقلم والبندقية مفعولاُ متشابهاً، رغم أن الأقلام هي التي تحرك البنادق، وتكون ساحة عملها قبل المعارك وبعدها.. لقد كان منبر التجديد أحدى المحطات النضالية التي رافقت العمليات الحربية من بدايتها حتى تحقيق النصر، من خلال الأخبار المكثفة التي نشرتها أو المقالات العديدة التي تناولت موضوع الحرب القذرة التي شنتها أللقيطة اسرائيل على لبنان دون وجه حق، ولكنها والحمد لله تعلمت درساً قاسياً سوف لا تنساه فقد أنهارت أسطورة قوتها وتمرغلت بالتراب من قبل قوات حزب الله الأبطال الغيارى.. رافعي رؤوس العرب عالياً.. نحيي التجديد ونحي كل من وقف وراء الحزب وسنده بالكلمة والمال والرجال والأسلحة والذخيرة . في مثل هذه الفرحة الغامرة لا يمكن ان يغيب عن اذهاننا أولئك الأبطال الذين انضموا الى قافلة الشهداء مسترخصين ارواحهم الزكية في الذود عن حياض الوطن وأعلاء شأنه وكانوا جنود الله وجنود الحق فعلاً، ونقف أيضاً أجلالاً للمدنيين الأبرياء الذين راحوا ضحايا للعدوان الأسرائيلي الغادر.. انهم أحياء عند ربهم يرزقون من خلالكم نهنيء الأخت ندى من سوريا على هذا النصر والذي كان لبلدها العربي سوريا دوراً مشرفاً ورائداً في تحقيقه.. وعسى أن تزيل نشوة النصر بعض الدموع التي ذرفتها على واقعنا العربي المؤلم .