الصراع الفلسطيني ولقاء مكة المكرمة

0 214

عند صدور هذه المقالة، يكون من المفترض أن اللقاء الذي اقترحته القيادة السعودية لاجتماع ممثلين عن السلطة الفلسطينية التي يقودها الرئيس أبو مازن، والحكومة الفلسطينية التي تقودها حركة حماس، ويرأسها إسماعيل هنية، في مكة المكرمة، قريبا من بيت الله الحرام قد تحقق. ونأمل أن تكون نتيجته اعتماد لغة الحوار بديلا عن الاحتكام إلى السلاح، وحقن الدم الفلسطيني، وتحقيق الوحدة الوطنية، والتوجه نحو صياغة جديدة للعمل السياسي المشترك، لتحرير الأرض وإقامة الدولة المستقلة فوق التراب الوطني.

 

إن حل الأزمة الفلسطينية بشكل نهائي ودائم، يقتضي من وجهة نظرنا الأخذ بعين الاعتبار جملة من القضايا الجوهرية، التي بدون التركيز عليها، ربما نصل إلى تحقيق هدنة قصيرة بين الأشقاء المتصارعين، ولكنها سرعان ما تنهار، عند اصطدامها بالحقائق التي تجري على الأرض.

 

أولى القضايا التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، هي التمييز بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي. بمعنى التمييز بين الهدف وخطوات تنفيذه. الهدف من النضال الفلسطيني، كما يراه غالبية العرب والفلسطينيين هو تحرير فلسطين، وإقامة الدولة المستقلة، فوق ترابها الوطني. وهو هدف لا نحسب أن أحدا في السلطة أو في حركة حماس يختلف عليه. لكن خطوات تحقيق هذا الهدف أصبحت موضع خلاف بين حركات المقاومة، منذ منتصف السبعينيات من القرن المنصرم. وبخاصة بعد حرب أكتوبر عام 1973. كان هناك شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وكان الكفاح المسلح هو الطريق لتحقيق هذا الهدف. وقد أكد الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، الصادر عن الدورة الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في مدينة القدس عام 1965 على ذلك.ثم تم الانتقال التدريجي، إلى النضال من أجل قيام دولة مستقلة على الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني في عدوان يونيو عام 1967. وأمام هذا الانتقال، الذي أشير في حينه إلى أنه انتقال تكتيكي، تحقق انتقال آخر، هو تلازم العمل السياسي بالنضال المسلح، بعد أن لوح الرئيس الراحل ياسر عرفات في خطابه التاريخي من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه جاء لهم حاملا غصن الزيتون بيد، والبندقية باليد الأخرى، منهيا خطابه التاريخي بدعوة الأسرة الدولية بأن لا تسقط غصن الزيتون من يده.

 

رويدا رويدا، تراجع شعار الكفاح المسلح، لصالح المفاوضات والوصول إلى تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني، تضمن حق تقرير المصير للفلسطينيين، وعودتهم إلى ديارهم، وإقامة الدولة المستقلة فوق التراب الوطني.

 

لكن هذا الانتقال في مواقف منظمة التحرير الفلسطينية لم يكن متفقا عليه من قبل جميع الفرقاء، فقد رفضته مجموعة من فصائل المقاومة الفلسطينية وتمسكت بالتحرير الكامل لفلسطين من النهر إلى البحر، وبقي هذا الأمر مختلفاً عليه حتى يومنا هذا، ولعل هذا الاختلاف من أهم أسباب الاقتتال الذي دار بين حركتي فتح وحماس. ينبغي في هذا الصدد، الإقرار من قبل مختلف الفرقاء في السلطة الفلسطينية وحركة حماس، بأن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، هو هدف مختلف عليه. ولن يكون بالإمكان حسم الأمر فيه. وأن التركيز عليه سواء بإقراره أو برفضه، لن يوصل إلى حل يضمن حقن الدم الفلسطيني، بل سوف يزيد من حالة الاحتراب والاقتتال، ويحول دون توجيه النضال الفلسطيني نحو غاياته، الممكنة، والمتجانسة مع المطالب والقرارات الدولية.

 

إن الفلسطينيين، لم ينجزوا بعد استقلالهم الوطني، الذي أكدت عليه برامج المجالس الوطنية وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية في دوراتها المتعاقبة. على أن هذا الإقرار ليس نهاية المطاف، بل هو الخطوة الأولى فيه. فإذا كان مقبولا أن تؤجل خلافاتنا، فيما هو استراتيجي ونهائي، لصالح ما هو تكتيكي ومرحلي، فإن التكتيكي والمرحلي ينبغي في كل الأحوال ألا يتناقض مع ما هو استراتيجي ونهائي، لأنه لن يكون لذلك سوى معنى واحد هو الإقرار بهدر الحقوق والتسليم بمشروعية الاغتصاب الصهيوني للأرض الفلسطينية. ومن هنا فإن البرنامج المرحلي الفلسطيني، وهو يسعى لتحقيق بعض الإنجازات والمكاسب ينبغي أن يضع تعريفا، يتفق عليه من قبل مختلف الأطراف في السلطة وحماس، وبقية حركات المقاومة، للحدود الدنيا التي يقبل بها الفلسطينيون، ولا يستطيعون التفريط بما هو دون تلك الحدود.

 

إن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، واعتبار القدس الشريف عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة، هي دون شك ضمن دائرة الخطوط الحمراء، التي ينبغي عدم التفريط فيها، من قبل أي من الفرقاء. ويبدو من خلال التصريحات التي صدرت عن حركة حماس، منذ توليها لرئاسة الحكومة الفلسطينية، وبشكل خاص تصريحات، السيد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، أنه بالإمكان التوصل لصياغة تقترب من هذا التصور. فقد أشار رئيس الحكومة الفلسطينية، إسماعيل هنية إلى إمكانية تحقيق هدنة طويلة، تمتد إلى عشر سنوات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تكون بمثابة فترة اختبار لمدى جدية الإسرائيليين في الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. ومن جهته، قال السيد خالد مشعل، إن وجود إسرائيل هو أمر واقع، بما يوحي بإمكانية قبول حماس للتعامل سياسيا مع هذا “الأمر الواقع”.

 

إن الفلسطينيين لن يتمكنوا من إنجاز أي خطوة باتجاه تحقيق أهدافهم المشروعة، ما لم يتفقوا على برنامج كفاحي مرحلي، يأخذ بعين الاعتبار مصالحهم العليا، ويتفهم الظروف الدولية، ولكنه يرفض في كل الأحوال أن يخضع للترهيب أو الابتزاز.

 

لقد غيب الفلسطينيون على أنفسهم، فرصة استثمار انعقاد اللجنة الرباعية، عندما غيبوا القراءة المشتركة، ولجأوا إلى حسم خلافاتهم بالاحتكام إلى السلاح. في حين تعاملت الرباعية معهم، كطرف واحد، وفرضت عقوبات جماعية على الشعب الفلسطيني. وكان ضغط الإدارة الأمريكية حاضرا على هذه اللجنة، وليس ذلك بمستغرب ما دام العرب أنفسهم، لا يملكون أي برنامج مرحلي حقيقي للتعامل مع الصراع الصهيوني، ولا يمارسون أي ضغط على المجتمع الدولي من أجل الإقرار بحقوقهم المشروعة. وبالمقابل، تخلت الأمم المتحدة عن دورها، ولم تمارس أي فعل في التصدي للحصار الاقتصادي المفروض على الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى الحكومة الفلسطينية.

 

هل يعقل أن يسلم العرب، قضية يعلنون ليل نهار أنها قضيتهم المركزية ومستقبلها إلى رباعية، يعلمون سلفا مواقفها، السياسية، ويدركون تماما مدى نفوذ وهيمنة الإدارة الأمريكية على قراراتها. أليس بالإمكان أن تكون لدينا نحن العرب قراءتنا الخاصة، وبرامجنا الخاصة، التي من خلالها نستطيع تشجيع النزعات الاستقلالية، التي بدأت تبرز لدى كل من روسيا والصين والهند وفرنسا، لصالح قضايانا المصيرية؟. إن التوصل إلى إجابات موضوعية عن هذه الأسئلة لا شك سيشكل إسهاما حقيقيا في حقن الدم الفلسطيني، ويمنع الاحتراب بين الأشقاء. وسيجعلنا نوفر قوانا لبرنامج التحرير والتمسك بحق تقرير المصير. إن ذلك سيؤدي، إذا ما أنجز، إلى تحقيق توازن في معادلتي المقاومة والتسوية، يكون فيها الموقف العربي، موازنا أيضا للانحياز الأمريكي الشامل والفاضح للكيان الصهيوني.

 

إن التوصل إلى نتائج عملية باتجاه تبني برنامج فلسطيني نضالي مرحلي، يقبل به كل الفرقاء، وبخاصة رئاسة السلطة، ورئاسة الحكومة، يتطلب وقفا فوريا وصارما للتصادم المسلح، وحالة من الاسترخاء، وعودة للأمن وتجريما للاقتتال بين الإخوة، وسيادة روح التسامح والمودة، وذلك ما نأمل مخلصين أن يكون حاضرا في أذهان الإخوة المجتمعين في مكة، متضرعين إلى الله، أن يكلل محاولة الخيرين للتوسط إلى سلام فلسطيني – فلسطيني بالتوفيق والنجاح.

 

cdabcd

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

 

اضف تعليق

اسمك بريدك الالكتروني

 

تعليقك:

تعليقات

 

* تعليق #1 (ارسل بواسطة وائل أبو الحسن)

 

بارك الله في الغيورين على الدم الفلسطيني وعلى قضايا هذه الامة. فما دامت مثل هذه الكلمات تخط لنا، وما دام هنالك من يخطهالنافلا خوف علينا بإذن الله تعالى. ولا عجب فيمااذا قلت لكل من يقرأ بان الكلمة البناءة القائمة على الوعي والادراك هي سلاح فعال يمكن امتشاقه متى شئنا وأينما شئناوكيفما شئنا، وفي هذا السياق أرى كلمة الأستاذ الغيور د. يوسف مكي.

 

 

 

* تعليق #2 (ارسل بواسطة محمدمنصور)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.

لم تكن المشكلة ابدا ولا يوما في اي ثورة في العالم بالهدف التكتيكي والاستراتيجي ولكنها كذلك ستكون ودائما في ثوراتنا نحن العرب والمسلمين ..وخصوصا اذا ناضلنا بلواء لا يحمل بوضوح الفكر الإسلامي النقي والطاهر من شوائب الأيدلوجيات التي لاتتناسب مع واقعنا.ليس ذلك الكلام للهو او لتسكين الآلام بدواء مزيف يعيدها ملتهبة اكثر مما كانت عليه اولا بل هي الحقيقة تصدع بقول بن الخطاب رضي الله عنه(نحن قوم أعزنا الله بالإسلآم ومهما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله).وكذلك نحن الأن مسحوقين ونستجدي النصر ممن يتآمرون علينا ويعينون أعداءنا علينا.لو فرظنا ان قوة أخرى ظهرت غير أمريكا التي تأخذ نفطنا وتعطي أسلحتها لإسرائيل مع احدث التكنولوجيا لإبادتنا فهل تلك القوة الجديدة ستكون الأم الحنون علينا انه من شديد الحمق ان خطر لنا ذلك.فلماذا تفعل ذلك وهي تعلم اننا لن نفيدها بشيء اذا وقفت بجانبنا وخصوصا اننا نحن انفسنا لا نقف الى جانب بعضنا البعض.ولا نملك لأنفسنا ذلك بينما اذا وقفت مع الطرف الآخر فإنها ستجني الكثير من النفع.

ان الفرق واضح تمام الوضوح بين رجل الثورة ورجل الدولة لسنا بحاجة في هذه الأيام الى رجل الدولة ذلك السياسي المحنك صاحب الوجه السينمائي واللسان العذب والمواقف الإعلامية بل نحن بحاجة الى رجل صادق النية والفكر لديه القدرة على جمع شمل العرب حوله ليطهر ارضنا بقوة ديننا ومدى انتماءنا اليه من النجاسات وذلك لايكون بالتنازل عن الثوابت والمسلمات بل بفرض القوة وان تاريخنا يشهد بأن ذلك هو الحق فنحن لم ننتصر على من حولنا من أمم قوية في صدر الإسلام لأننا أحطنا بما لم يحيطوا به من علم دنيوي او تكنولوجيا مدمرة بل اننا انتصرنا عليهم بما ملكنا من عقيدة وتآلف وتوحد.لااقول ان العلم والتطور ليس ضروري بل انه في غاية الضرورة والأهمية ولكن كيف سنستفيد من العلم والتكنولوجيا ونحن لا نملك القدرة على استغلالها سياسيا وسياديا؟؟؟ان اولا اولوياتنا هو السعي للوحدة على عقيدة راسخة واضحة قبل كل شيء ولأنني أعتقد تمام الإعتقاد ان الحل لقضية غربي النهر لا تكون من الداخل ولن تكون ابدا منه اعلم ان الأجدى لنا والأنفع ان نسعى لذلك لا ان نستجدي سيدا اخر ان لم ينصفنا السيد سام….

 

* تعليق #3 (ارسل بواسطة أنا)

 

الله يساعدك اليوم هو التاسع شباط وليس مارس، الفريق الذكي لم يلاحظ..

لم أنم كالمعتاد وبعد الخامسة صباحا اغمضت عيناي وبدأ كابوسا استمر الي السابعة صحوت مقطوعة الانفاس، على أي حال اتيت لأكتب بعد ان اخذت انفاسي .كنت احاول النجاة من اشخاص.. وتخلصت باعجوبة وبعدها كنت معي كنت قريبا وبعيداحاولت ان اخبرك وانبهك ولكنك تركت المكان حاولت الذهاب اليك ولكن حدث مايمنعني،عندما وصلت الى المكان جاء من يقول لى انك اتجهت الى المطار، حاولت المساعدة ..انتبه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

3 × اثنان =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي