الشرق الأوسط الجديد والعدوان الصهيوني على لبنان

0 223

كانت بداية التسعينيات مقدمة لانهيارات سياسية واقتصادية وثقافية عربية كبيرة.. كما كانت مقدمة لتراجع ثوابت دينية ووطنية وأخلاقية ومقاومات ومصدات شكلت طيلة أكثر من أربعة عقود ضمانة الصمود والاستمرارية للأمة في وجه مشاريع التركيع والتفتيت. ومن رحم حالة الانهيار، بدأت خيوط جديدة في التشكل مشيرة إلى محاولات عاتية وقاسية، لتشكيل نظامي سياسي إقليمي بديل، صورة كاريكاتيرية لنظام لم يكتب له أن يرى النور من قبل.

 

ما هو هذا النظام الشرق الأوسطي الجديد، ما هي مؤشراته وأهم عناصره.. وما معنى مخاض الولادة الجديدة وعلاقة ذلك بالعدوان الصهيوني على لبنان..؟

 

كنا قد أنهينا حديثنا السابق بهاتين الفقرتين، ووعدنا القارئ الكريم بأن نركز مناقشتنا في هذا الحديث على الإجابة عن التساؤلات التي بقيت معلقة، حول ماهية الشرق الأوسط الجديد.. عناصره ومكوناته، وعلاقة ذلك بالعدوان على لبنان؟.

 

وحين نعود إلى أكثر قليل من ثلاثة عقود، إلى نهاية عام 1973، إلى تصريحات لمستشار الرئيس الأمريكي هنري كيسنجر ووزير خارجيته فيما بعد، لصحيفة نيويورك تايمز في شهر ديسمبر، سنجد مؤشرات أولية تحدد لنا أهم خاصية للمشروع الشرق الأوسطي الجديد. قال كيسنجر في حديثه المشار إليه أن إسرائيل قد خرجت من حرب أكتوبر كأكبر قوة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وأنه حان الوقت لتكون أيضا أكبر كيان إقليمي. وكان هذا التصريح مثار استغراب من قبل كثير من المراقبين والمتابعين لخفايا السياسة الأمريكية. ما معنى أن تكون “إسرائيل” أكبر كيان إقليمي، وهي الغارقة والعاجزة عن إدارة احتلالاتها في سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية وهضبة الجولان. وهي بالتأكيد لا تملك المقومات الإقتصادية والبشرية لتحقيق أي توسع جغرافي، يمكنها أن تصبح أكبر كيان إقليمي في المنطقة.

 

لم يكن لمثل هذا الطرح من معنى سوى واحد من أمرين، أو كلاهما معا: أن يوجد نظام إقليمي جديد بديلا عن النظام العربي الرسمي السائد، ويكون بقيادة الكيان الصهيوني، وتنخرط الأقطار العربية المحيطة بإسرائيل، بصيغة التابع، بهذا النظام. والآخر، أن ينفرط عقد الدولة القطرية العربية، ويصار إلى تقسيم المقسم، وتتحول الأقطار العربية إلى كانتونات مجهرية، تصبح في حجومها أقل مسافة من الكيان الصهيوني.

 

وقد كانت الرحلات المكوكية لهنري كيسنجر بعد الحرب مباشرة، تسير باتجاه إضعاف النظام الإقليمي العربي، من خلال تحريض مصر وسوريا والأردن على الدخول في فك اشتباكات ومفاوضات منفردة مع الكيان الصهيوني. وقد تمكن كسينجر من تحقيق بعض الإختراقات في هذا الصدد. لكن الإختراق الكبير قد تحقق مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد، حين وقعت مصر مع إسرائيل معاهدة صلح وسلام، أنهت بموجبها حالة الحرب مع الكيان الغاصب، وتعهدت بتطبيع العلاقات السياسية والإقتصادية معه. ولا شك أن ذلك كان خروجا على جملة من العناصر التي ارتكز عليها النظام الإقليمي العربي.

 

كانت الإتفاقية في مضمونها تعني أولا، أن مصر قد خرجت عن الإجماع العربي، وثانيا أن مصر لم تعد ملتزمة بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، على الأقل حين يتعلق الأمر بمواجهة عربية مع إسرائيل، وثالثا، أنها أصبحت خارج ميثاق الأمن القومي العربي. ورابعا، أن مصر قد خرجت على العنصر الأساس الذي استند عليه ميثاق جامعة الدول العربية، وهو مناهضة المشروع الصهيوني، وصيانة حقوق الشعب الفلسطيني. وخامسا، فإن قبول القادة العرب بمعاهدة كامب ديفيد ونتائجها، وما يترتب على ذلك من إقامة علاقات سياسية واقتصادية وتنسيق أمني مع إسرائيل، مع وجود اتفاقيات تكامل اقتصادي وثقافي وأمني ومعاهدات عسكرية، بين البلدان العربية، يعني أن تكون جميع البلدان العربية، دون استثناء، مخترقة بشكل مباشر وغير مباشر من قبل الكيان الصهيوني.

 

كان وعي القادة العرب لمخاطر هذا التحول الجديد، على الأمن القومي العربي، هو الذي دفعهم لعقد مؤتمر قمة عربي في بغداد، عام 1978، إثر زيارة الرئيس السادات للقدس واجتماعه بالكنيست الإسرائيلي. وكان القرار آنذاك، هو وضع القيادة المصرية بين خيارين: إما التراجع عن المبادرة السلمية التي أطلقها الرئيس السادات للصلح مع إسرائيل، أو الخروج من الجامعة. وكان خيار القيادة المصرية هو التمسك بالمبادرة، وتحمل ما يترتب على ذلك من نتائج.

 

وقد جرى اختبار فعالية اتفاقية كامب ديفيد، من قبل الكيان الصهيوني، حين شن الجيش الإسرائيلي اجتياحا عسكريا واسعا في لبنان، وصل إلى بيروت، وأصبحت العاصمة محاصرة لأكثر من ثمانين يوما، أرغمت إثرها المقاومة الفلسطينية على الرحيل، من بيروت، وجرى ارتكاب مجازر وحشية، يندى لها جبين الإنسانية خجلا، من قبل الإسرائيليين والمتحالفين معهم، أخذت مكانها بالمخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا، ثبت خلالها بالدليل أن معاهدة الدفاع العربي المشترك، وميثاق الأمن القومي العربي الجماعي، ليستا سوى حبر على ورق، وأن على الأقطار العربية، أن تسعى بمفردها لحل مشاكلها، دون استناد على أية اتفاقيات أو مواثيق عربية.

 

وإثر حرب الخليج الثانية، كان هناك إسفينا جديدا في خاصرة النظام الإقليمي العربي.. ولم يكن مستغربا أن الحديث عن مبادرة أمريكية للسلام في الشرق الأوسط قد بدأ أثناء تلك الحرب، وأنه ما أن وضعت الحرب أوزارها حتى تم التحضير لعقد مؤتمر السلام في مدريد. وكان أهم ما رشح من ترتيبات داخل قاعات وأروقة ذلك المؤتمر، هو أن مسارات التسوية لم تتعامل مع الفريق العربي، كوفد واحد، يناقش مجموعة من القضايا، بل وفود عديدة، يناقش كل وفد شأنه الخاص، ولا علاقة له بالمسارات الأخرى. وكان معنى ذلك، أن المعنيين من القادة العرب في ذلك المؤتمر، قد قرروا، مرة أخرى، الخروج على ميثاق جامعة الدول العربية، وضرب كل الإتفاقيات والمعاهدات التي توصلوا إليها من خلال جامعة الدول العربية.. وتلك كانت المقدمات للتبشير بقيام نظام إقليمي بديل، عن النظام العربي.

 

في هذه الأجواء، كان الحراك سريعا بين الفلسطينيين والحكومة الأردنية من جهة، والكيان الصهيوني من جهة أخرى للتوصل إلى اتفاقات سلام مع “إسرائيل”. وكانت اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة تتويجا للحراك العربي اللاهث عن التسوية.. وكانت نتيجته تطبيع العلاقات بين الأردن وإسرائيل، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة وأريحا. وكان ذلك قد شكل قفزة نوعية على طريق وأد المشروع العربي، وبروز مشروع الشرق الأوسط الجديد.

 

والواقع أن الحديث عن شرق أوسط جديد، قد بدأ يطرح رسميا للعلن، في مؤتمر مدريد حين قال وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، آنذاك، إن ترتيبات ما بعد حرب الخليج سوف تعيد صياغة الخارطة الجيو سياسية للشرق الأوسط بشكل أكثر دراماتيكية من صياغة سايكس- بيكو في نهاية الحرب العالمية الأولى. أثناءها أيضا، نقلت وكالات الأنباء عن إبلاغ وزير الخارجية الأمريكي، بيكر لنظيره، وزير الخارجية السوري آنذاك، السيد فاروق الشرع، أنكم خرجتم من حرب الخليج الثانية منهزمون – رغم أن سوريا كانت ضمن التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق. وأنه ليس أمامكم سوى القبول بهذا الواقع والإنطلاق منه للمصالحة مع إسرائيل. وأثناءها أيضا، تكرر الحديث عن شرق أوسط جديد من قبل بيكر، وشمعون بيريز الذي ألف كتابا عن تصوره لهذا الشرق الأوسط، وعن آماله في توحد العبقرية الصهيونية مع المال العربي لزراعة الصحراء وتحقيق التنمية لأبناء منطقة الشرق الأوسط.

 

وتماهى مع هذا الطرح للأسف قادة وكتاب ومثقفون. ألف أثناءها المرحوم، لطفي الخولي كتابا تحت عنوان: عرب نعم… ولكن شرق أوسطيون أيضا. وقد صور الخولي الشرق الأوسط الجديد بأنه ورشة عمل وتعليم، وواحة حرية وديمقراطية، وتعاون مشترك بين الأجناس والأعراق، وإخاء إنساني، يعلو على كل الإعتبارات.. بما في ذلك الإعتبارات الدينية، والثوابت الوطنية، والأحكام القطعية للجغرافيا والتاريخ.

 

وبعد 11 سبتمبر عام 2001، انطلق المارد من قمقمه.. أعلنت الإدارة الأمريكية بوضوح أنه لم تعد هناك فسحة للإنتظار.. لقد دقت ساعة مواجهة الإرهاب.. وفي زحمة الإعداد لهذه الحرب، كان عتاة اليمين الأمريكي المحافظ، من أمثال ديك تشيني وريتشارد بيرل قد وجدوا بين ركام الأوراق المتكدسة في الإرشيف، أن ورقة الشرق الأوسط هي الأكثر قيمة وبريقا.. وأيضا في ظل الضعف والإنهيار العربي، الأكثر قابلية للتطبيق.. وكان الركن الأساس في هذه الورقة، هو الإنتقال، بالدولة العربية، من طابعها الكياني القطري، إلى كيان العشيرة والطائفة، ومن النظام الإقليمي العربي الرسمي، الذي جرى وأده منهجيا، إلى نظام شرق أوسط جديد..

 

كان مخاض الولادة لهذا النظام قد بدأ مع حرب الخليج الثانية، وتواصل مع اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة، وتدمير غزة، وتقطيع أوصال الضفة الغربية، واحتلال العراق، ومصادرته كيانات وهوية، وتحويله إلى كانتونات طائفية وعشائرية، والحرب على لبنان والعمل مجددا على تفتيته، كخطوة أخرى على طريق تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد..

 

ألم تقل السيدة كونداليزا رايس أن ذلك هو مخاض الولادة لشرق أوسط جديد؟!.

 

cdabcd

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2006-08-30

 

2020-06–0 8-:04

علي الكاش من اليونان

أستاذ يوسف

كما بينت في مقالك الرصين أن المؤمراة على الأمة العربية كبيرة وخطرة وان ملامحها بانت واضحة على كافة الأصعدة، وحري بالشعب العربي أن يتوخى الحذرواليقظة منها، وهذا يستدعي قيام النخبة والطبقات المثقفة في العالم العربي الى تكثيف الجهود الواعية لإلفات نظر الجماهير العربية الى المهمة النضالية والمصيرية التي تنتظرهم لمواجهة هذه المؤامرة الكبرى، من خلال الأعداد الفكري والتنظيمي والنضالي لتشكيل الروح الأنبعاثية التي تتحدى الصعب، وتخوض المعارك دفاعاً عن الوجود والمصير الحضاري للأمة العربية التي أمست على قاب قوسين أو أدنى من كف العفريت الأمبريالي .

إننا نقف أستاذ يوسف أمام أمتحان عسير بسبب حجم المسؤولية التأريخية، فمستقبل هذه الأمة بكل ما قدمته من عطاءات وتضحيات في طريق أنبعاثها المعاصر معرض للخطر، وطالما أن المؤمرة كبرى فأن المهمات الملقاة على الطبقة المثقفة كبرى أيضاً .

الجميع مسؤولون وكل من موقعه عن بلورة قاعدة موحدة لفضح هذه المخططات وإستلهام دروس الماضي القريب في التحدي والصمود وإفشال نوازع التفتيت والتقسيم والتشرذم المحيطة بنا.

لقد أنصبت مقالاتك في أتجاه النظرة الأكثر عمقاً وشمولاً وقدرة لتوجيه الأنظار الى حجم المؤامرة .. بارك الله فيك وبكل الخيريين ومن الله التوفيق .

 

2020-06–0 8-:04

علي الكاش من اليونان

الأستاذ د.يوسف مكي المحترم

تحية عطرة

بمناسبة وفاة شيخ الرواية العربية المرحوم نجيب محفوظ أقدم لجنابكم العالي هذا المقال المتواضع راجياً ان يكون صالحاً في قضايا ومناقشات .. مع التقدير والأحترام

 

نجيب محفوظ الهرم الرابع في مصر

لقد كانت رحلة نجيب محفوظ الهادئة في الحياة تتسم بعدد كبير من المناظر الجمالية، والتعابير الأبداعية، رحلة طويلة أمتدت منذ عام 1932 وكان المحطة الأولى في مصر القديمة مع أول كتاب نشر له، والمحطة الأخيرة فتوة العطوف آخر كتاب نشره عام 1999، وكان بينهما 55 محطة ممتعة وجميلة وهادئة لم يعكر صفوها سوى محطة واحدة كانت مربكة في حياة نجيب محفوظ لكنها تمخضت عن أشهر كتاب له وهو أولاد حارتنا، وقد جاء الكتاب بعد فترة مخاض طويل أمتد من عام 1952 ولغاية 1959 وهي الفترة التي صاحبت ثورة 23 يوليو، وتوقف خلالها نجيب محفوظ عن الكتابة، أما أجمل المحطات فقد كانت عام 1988 عندما قررت الأكاديمية السويدية منح نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب لأول مرة في تأريخها في منح أديب عربي هذه الجائزة .

نجيبب محفوظ كما يقول المثل أشهر من نار على علم، فقد عاش أبناء الشعب العربي معه مصر في كل مراحلها التأريخية، وامسوا يعرفون عن مصر اكثر مما يعرفونه عن بلدانهم، فهم يملمون بحاراتها وأزقتها وأسواقها وطبيعة سكانها والقبضايات والفتوات وعاداتهم وتقاليدهم وحرفهم ومشاكلهم الأجتماعية والسياسية والثقافية، كما انهم في عيون نجيب محفوظ تطلعوا على تأريخ مصر من خلال كتبه كفاح طيبة ورادوبيس وعبث الأقدار ومصر القديمة، ومن لم يتعرف على نجيب محفوظ من خلال كتبه فقد تعرف عليه من خلال الأفلام التي أنتجت عن قصصه وهي (34) فيلماً بدأت مع فيلم بداية ونهاية وأنتهت بفيلم الحب فوق هضبة الهرم .

لم يكن الشعب العربي فقط ممن أطلع على أعمال نجيب محفوظ أو الكتب التي تناولت سيرته أو نقد كتبه والأطروحات الكثيرة التي أعدت عن مؤلفاته، فقد ترجمت كتبه الى الأنكليزية (19) كتاب واللغة الصينية (10) كتب والسويدية (6) كتب والفرنسية والألمانية (4) كتب والى لغات أخرى منها الأسبانية والبولندية والأيطالية والروسية وغيرها .

كانت رحلة نجيب محفوظ هادئة ولم يعكر صفوها سوى كتاب ” اولاد حارتنا” الذي نشر في باديْ الأمر على شكل حلقات في جريدة الأهرام المصرية وأثار ضجة كبيرة، بحيث تدخل الأزهر ومنع طبع الكتاب ونشره في مصر فتلاقفته دور طبع الأجنبية لتطبع مئات الآلاف من النسخ وتنتشر في دول العالم العربي كأنتشار النار في الهشيم بأستثناء مصر، بسبب الموقف المتشدد لرجال الدين، وأصبح الجبلاوي المحور الأساسي في القصة من الشخصيات التي لم ينساها القاريء العربي شأنها شأن زوربا اليوناني والعراب وجان فلجان في رواية البؤساء لفكتور هوغو .

لاشك أن لكل أديب أسلوبه الخاص، وهو صفة تميزه عن غيره من الكتاب،ويمكن للقاريء أن يستشف أسم الكاتب من خلال أسلوبة، وأدبائنا الرواد كالورود لكل لونه الأدبي ورائحته الشذية وتأثيره النفسي، فتوفيق الحكيم عرف بأسلوبه الكوميدي الساخر، وأحسان عبد القدوس بتوغله في دراسة النفس البشرية، ويوسف السباعي بقصصة الواقعية ذات الطابع الشجي، وكذلك بقية القصصيين والرواة العرب، وتميز نجيب محفوظ بأسلوبه المتعمق في سبر أغوار المجتمع المصري سواء كان الشعبي أو الأرستقراطي وتجسيد شخصياته للواقع بكل مفرداته وتفصيلاته حتى الصغيرة منها،مما جعله الرائد في إستجلاء كوامن القوة والضعف فيه، والتعبير عن الآمال والتطلعات عند النخبة والطبقات الأجتماعية الفقيرة على حد سواء .

ان عالم نجيب محفوظ يعبر لحد ما عن ثروته الأنتاجية الفذة وقابليتها على عدم النضوب، فهي تحررت من كافة القيود التي تقف عائقاً تجاه عميلة الأبداع الفني، فقد سمى فنه عن نقاط التأزم الغامضة التي يواجهها الأنسان في صراعاته مع الحياة، ممهداً الطريق لتحويلها الى رمز كبير يحس به كل متذوق للفن من خلال الأتجاهات الرمزية والتعبيرية والواقعية، والتي ترجمت مفاهيمه ومضامينها حول الأبعاد النفسية لمعاناة الأنسان بالشكل الذي يتفق مع البعد المكاني والزماني والأجتماعي، فمخيلته الأبداعية تحلق دائماً في عوالم القلق والأحباط والأمنيات غير المجدية والأنتصارات والتضحيات مجسداً العواطف الداخلية خير تجسيد وواضعاً الفواصل بين العالم الحقيقي والعالم الخيالي .

لقد تمكن نجيب محفوظ من تركيز أفكاره في بوتقة شاعرية مغلقة على الذات ولكنها منفتحة على المجتمع، مكيفاً عقله للعمل بين يديه، باذلاً في ذلك جهوداً إستثنائية لتحقيق الهدف الذي كرس حياته له وهو الأرتقاء بفن الرواية العربية منطلقاً في ذلك بأن المجتمع سينتفع بأنجازاته الكبيرة وهذا بحد ذاته مصدر إلهام عظيم، وقد بادل المجتمع المصري أديبه اللامع بنفس المشاعر، فكشف له كل أوراقه وأسراره ليوظفها في مجال اداركه الشمولي كتجارب تتضمن روحاً غنية وعميقة وكنوزاً لا تنضب من المعرفة، وبالتأكيد أن نجيب محفوظ كاتباً متحمساً وموهوباً للغاية ً وله أمكانية فريدة على التبصر في المستقبل، وقد ساعدته سعة نظرته الشمولية وتعطشه الدائم لتحليل المجتمع المصري على فهمه فهماً متكاملاً، وتحديد مكامن أيوناته النفسية وتسخير قلمه لأقتناص أفكار جديدة، مبرهناً في ذلك بأن الكاتب نبض حي للشارع ، وهو ضمير حيّ ليس لمجتمعه وشعبه فحسب وأنما للأنسانية جمعاء .

لقد تمكن نجيب محفوظ من الأسهام في بلورة جوهر الرؤية العربية والعالمية للأدب العربي، فكان كالصائغ الذي مزج ذهنه وأفكاره بالمعدن ليخرج على الأنسانية بحلة جميلة مزدانة بأبهى آيات الأبداع الفني، وقد بلغ من فرط شغف الناس في روايته أن شخصياتها أصبحت محببة للناس، بغض النظر عن مواقفها القاسية او الساخرة أو الجدية أو العابثة، فما بين جبروت الجبلاوي في اولاد حارتنا وبين قسوة “سي السيد” في ثلاثيته تتباين الصفات ولكنها تتماثل في تأثيرها وسطوتها على القاريء، ونستذكر كلمة الكاتب الألماني غونتر غراس بأن ” الكتب العظيمة كالقنابل الزمنية، ما أن تنفصل عن كاتبها حتى تبدأ في الأنفجار داخل عقول القراء وتغير حيواتهم ” وهكذا كان فعل أعمال نجيب محفوظ وتأثيرها في نفوس القراء، فقد كشفت لنا عن طبيعة الجانب الواعي في العملية الأبداعية حيث تنهمر الأحداث الشائقة كالمطر لتنعش ذهنية القاريء وترطب عنه جفاف مشقات الحياة وروتينها اليومي .

لقد اخترق نجيب محفوظ حجب الماضي والحاضر وأستقرأ المستقبل بكل ما يحمله بين طياته، مستشرفاً ما فيه من نوازع إنسانية ليكشف لنا عن مهمة الكاتب ودوره الرائد في المجتمع لقد كان نجيب محوظ فعلاُ نجيباً في أدبه ومحفوظاً في مكانته .

 

 

 

 

2020-06–0 9-:01

صباح زيارة الموسوي من العراق

عقدة مسعود والعلم العراقي : مثال فاضح على النفاق السياسي الساذج

في مقابلة اجريت قبل شهور للسيد مسعود في احدى الفضائيات الطائفية برر مسعود البارزاني تحالفه مع الدكتاتور صدام واستنجاده به عسكريا لحسم صراعه عام 1996 مع غريمه المجرم الطالباني وتحت راية العلم العراقي ذاته” اجيبك بصراحة كان هناك تدخلا لدولةاجنبية ” ! فعراقية مسعود كما يدعي فرضت عليه الاستنجاد بقاتل شعبه وقبوله العلم العراقي

مع بداية تشكيل ” مجلس ” بريمر سئ الصيت والتركيبة , بادر مسعود على الفور لاستيراد ” خرقة” هي نسخة عن علم الدولة الصهيونية اللقيطة ليطلق عليها تسمية العلم العراقي الجديد , تللك المبادرة اللئيمة التي قد وأدة في مهدها نتيجة الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق التي جوبهت بها محاولته الرخيصة

اليوم , يعاود مسعود ابو مسرور شخصيا وابو الاحزان كرديا ذات اللعبة الساذجة في ارخص صورة من صور النفاق السياسي باصداره قرارا يمنع بموجبه رفع العلم العراقي في كردستان العراق , مبررا فعلته هذه بذات الميررات الساذجة المكشوفة , في اصرار على الظهور بمظهر السياسي المنافق الساذج

لقد فات السيد مسعود أمر في غاية البساطة , الا وهو عدم جرأته على منع رفع العلم العراقي في كردستان ايام الدكتاتور رهبة من الجلاد , لكنه يفعل ذلك عدم احتراما لل ” ديمقراطية ” المزيفة التي حاول مع زملائه من عملاء الاحتلال تسويقها والتي تقضي وفق قراراتهم هم بأن يبت ” برلمانهم ” بمسألة العلم

انها ديمقراطية امراء الطائفية والعنصرية فمسعود يسعى لاقامة اقطاعيته وحليفه عبد العزيز يسير باتجاه اقامته اقطاعيته الطائفية يجمعهما فقدان الحس الوطني العراقي والعمالة للمحتل الامبريالي الصهيوني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

20 − 2 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي