الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي: حسابات الأرباح والخسائر

0 490

أيا تكن مواقف البريطانيين، والنتيجة التي تمخضت عن تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن يوم الجمعة الماضي، كان يوما أسودا بامتياز بالنسبة لأرباب المال، وحملة الأسهم، في الأسواق العالمية قاطبة. فقد تسببت نتيجة الاستفتاء بخسارة ثلاثة تريليونات من الدولارات،

في يوم واحد. كما تراجع الجنية الإسترليني، بشكل واضح. وفي السياق ذاته، أعلن بنك انجلترا، استعداده لضخ 250 مليار جنيه إسترليني بالأسواق، للتأكد من وفرة السيولة.

 

ورغم أن نتائج التصويت على الخروج من الإتحاد قد جاءت لصالح دعاة “الاستقلال”، فإن الفارق بين المؤيدين والمعارضين ليس كبيرا، بما يعني أن هناك شرائح كبيرة من البريطانيين لا تزال واقفة ضد قرار الخروج.

فمن جهة، هناك أصوات عالية، داخل المجتمع البريطاني، تطالب بإعادة الاستفتاء، حيث اندفع عشرات الألوف من البريطانيين، لموقع مجلس العموم البريطاني البريطاني، مطالبين باستفتاء ثان. ومن جهة ثانية، اندفع أكثر من أربعين ألف شخص، من المقيمين بالعاصمة البريطانية لندن، مطالبين باستقلال العاصمة عن المملكة المتحدة، وبقائها ضمن الاتحاد الأوروبي. ويبررون ذلك بأن 60 في المائة من الذين صوتوا في الاستفتاء، قالوا بنعم للبقاء بالاتحاد، في حين أن نسبة من صوتوا لصالح الخروج لم تتجاوز الـ 52 في المائة. ومن وجهة نظرهم، فإن مصلحتهم تقتضي أن تبقى لندن، مدينة دولية.

يتعلل المؤيدون لخروج بريطانيا من الاتحاد، بعدة أسباب منها أنهم يقدمون قرابة ثلاثة عشر مليون مليار يورو وأن الامتيازات التي يحصلون عليها، جراء بقائهم بالاتحاد، لا تعادل هذا المبلغ. ويرون أن البريطانيين خسروا كثيرا جراء عضويتهم بالاتحاد الأوروبي.

يتعلل المصوتون لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد، بأن بقائها في عضويته سيغرق بلادهم بملايين المهجرين، الذين تعاظمت أعدادهم في السنوات الأخيرة، بسبب الأحداث التي شهدتها البلدان العربية. وتحديدا ما جرى في ليبيا والصومال وسوريا والعراق واليمن. وأن ذلك يهدد الاقتصاد البريطاني، ويؤدي إلى ضعف التجانس داخل المجتمع، ويشوه الهوية والثقافة البريطانيتين.

ويشيرون أيضا، إلى أن معدلات البطالة، التي يعاني منها الشباب في بريطانيا، سوف تزداد بسبب حيازة عشرات الألوف من الأوربيين، للوظائف التي ستكون من حصة البريطانيين، حال الخرج من عضوية الاتحاد.

أما الذين صوتوا لبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد، فإنهم يعلقون على موضوع البطالة بالقول، بأنه خروجهم من عضوية الاتحاد، سوف يحرمهم من حرية التنقل والعمل، في القارة الأوروبية. إن عضوية بريطانيا في الاتحاد، أتاحت للبريطانيين حرية التحرك بالهوية الشخصية، ومن غير حاجة إلى تأشيرة دخول، حتى ضمن الدول التي لم تنضم إلى اتفاقية شنغن.

ويشير هؤلاء إلى أن كلف العيش والسفر، سوف تتضاعف بالنسبة للبريطانيين، نتيجة تراجع قيمة الجنيه الإسترليني أمام اليورو، مما يقلص قدرتهم الشرائية، ويحرمهم من الامتيازات، التي من الامتيازات والتسهيلات الممنوحة لشركات الطيران التي تعمل في المجال الجوي الأوروبي. كما أن كلفة المكالمات الهاتفية، عبر الهواتف النقالة، ستكون أعلى منذ الآن فصاعدا، بالنسبة للبريطانيين، حيث أنهم كانوا، يخضعون لأسعار موحدة، على صعيد دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مزايا أخرى، يتمتعون بها أثناء السفر لدول الاتحاد الأوروبي.

ويرد المؤيدون للبقاء في الاتحاد، على موضوع تسبب وجود الأجانب بازدياد البطالة، بأن أكثر من واحد وثلاثة أعشار، مليون من البريطانيين يعملون في دول الاتحاد، بسبب المزايا التي أتاحتها لهم العضوية فيه. وأن هؤلاء سوف يضطرون للعودة، بعد الآن إلى بريطانيا، وسوف يتسبب ذلك بالتأكيد، في ارتفاع نسبة البطالة.

ليس ذلك فحسب، بل إن المتشائمين، بخروج بريطانيا من الاتحاد، يشيرون إلى أن ذلك سيشكل بداية العد التنازلي له. ويستندون في ذلك إلى أنه في أثناء الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن أزمة الرهن الأمريكية، جرت مطالبات بخروج الدول الفقيرة من الاتحاد. وذكرت اليونان والبرتغال وأسبانيا وإيطاليا، وبعض دول أوروبا الشرقية بالاسم. إن خروج القوة الثالثة اقتصاديا من الاتحاد، سوف يترك آثارا سلبية على مسيرته. وقد جوبه القرار بمواقف غضب من قبل الأوروبيين، وبشكل خاص من فرنسا وألمانيا، الدولتان الراعيتان لفكرة تأسيس الاتحاد، منذ أوائل الخمسينيات من القرن المنصرم، حين بدأ فكرة، وتحول إلى سوق أوروبية مشتركة، ثم اتحاد أوروبي، بعملية نقدية موحدة.

ويذهب البريطانيون المعارضون للخروج بعيدا في تشاؤمهم، فيشيرون إلى أن النزعات الانفصالية، داخل المملكة المتحدة سوف تتصاعد، مباشرة بعد مغادرة بريطانيا للاتحاد. لقد صمن الاسكتلنديون وجزء من ايرلندا، عن المطالبة بالانفصال، لأنهم باتوا جزءا من كيان أكبر، عابر للقوميات، كيان يشمل القارة الأوربية بأسرها. أما وأن بريطانيا قد اختارت القطع مع الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سيعيد الاعتبار للمطالبات السابقة، لاسكتلندا وايرلندا بالانفصال عن المملكة المتحدة. ويتوقع أن ترتفع نبرة المطالبات باستفتاءات محلية، داخل بريطانيا، حول البقاء أو الخروج منها. وقد رأينا مطالبات كهذه بدأت تأخذ مكانها في العاصمة البريطانية ذاتها.

لعل الوقت لا يزال مبكرا، للقول بأن بريطانيا سوف تشهد بالأيام القادمة أياما صعبة، لكن المؤشرات على ذلك بدأت تفصح عن ذاتها، وليس علينا سوى الانتظار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

2 × 1 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي