الحرب على غزه والمتغيرات في الموقف الأمريكي
د. يوسف مكي
في السابع من أكتوبر 2023، نفذت حماس، عمليتها العسكرية، التي أطلقت عليها طوفان الأقصى. وقد اعتبرت هذه العملية من قبل عدد كبير من المراقبين والمحليين السياسيين، الأكبر ضمن العمليات التي نفذتها الحركة، ضد إسرائيل، منذ تأسيسها، على يد الشيخ أحمد ياسين.
والواقع أن هذه العملية اعتبرت فشلا استخباريا كبيرا، للموساد، الذي يصنف واحدا من أقوى الأجهزة الاستخباراتية في العالم. كما اعتبرت انتصارا كبيرا، لحماس، وتجسيدا لقدرتها على تحقيق اختراقات كبيرة، وغير مسبوقة داخل البنيان الإسرائيلي.
ردة الفعل الرسمية الغربية، تجاه ما حدث في السابع من أكتوبر، كانت متعاطفة ومؤيدة بالمطلق لإسرائيل، غيبت أسباب العملية، والأحداث السابقة عليها، والتي تمثلت في بقاء قطاع غزة لأكثر من سبعة عشر عاما تحت الحصار، وأيضا استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية، وقطاع غزة لأكثر من خمسين عاما، منذ حرب يونيو/ حزيران عام 1967.
وصل الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لإسرائيل، باليوم التالي لعملية حماس، وأعلن تأييده المطلق لنتنياهو، وتتالى حلفاء أمريكا للوصول إلى تل أبيب. فقدم الرئيس الفرنسي، ورئيس الحكومة البريطانية، وعدد آخر من رؤساء الدول الأوربية. وأعلن الرئيس بايدن، عن تقديم دعم عسكري كبير، للحكومة الإسرائيلية، ليتبع ذلك دعم مالي كبير، من قبل الكونجرس الأمريكي.
ومنذ الثامن من أكتوبر الماضي، ولمدة تزيد على الشهر، استمر القصف الجوي الإسرائيلي العشوائي على قطاع غزة، من غير تمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. بات مباحا، تدمير كل شيء، وكان غالبية ضحايا تلك الحرب هم من المدنيين العزل، نساء وأطفالا.
وقد بلغ عدد القتلى من الفلسطينيين في القطاع، قرابة ثلاثين ألفا، وما يقرب من السبعين ألفا من الجرحي. وفي الضفة الغربية، تجاوز عدد المعتقلين منذ السابع من أكتوبر السبعة ألاف شخص، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال.
وحشية العنف الإسرائيلي، قلبت معادلة التأييد، الذي حصده نتنياهو في الأيام الأولى لعملية “طوفان الأقصى”، إلى نقيضه. واللافت للانتباه، أنها المرة الأولى، التي تواجه فيها الحكومة الإسرائيلية، غضبا عالميا، على المستوى الشعبي. فقد عمت المظاهرات المناوئة للهمجية الإسرائيلية، معظم عواصم العالم، والمدن الرئيسية، بما في ذلك المدن الأمريكية، والعاصمة البريطانية والفرنسية. وبات الحديث عن الدولة الفلسطينية، أمرا متكررا ومألوفا.
وفي الوطن العربي، شمل الغضب، جميع الدول العربية. وتطور الموقف العربي الرسمي، المؤيد للفلسطينيين. وقد حمل الاجتماع الوزاري العربي التشاوري، الذي عقد بالعاصمة السعودية، نبرة واضحة وصريحة، تجاه الدعوة الفورية لوقف العدوان على غزة، وإلسماح بالغذاء والدواء للمواطنين الفلسطينيين في القطاع.
التصريحات الأخيرة، التي أطلقها الرئيس الأمريكي بايدن، والتي حملت رفضا صريحا لرفع إسرائيل سقف الحرب على غزة، والموقف الإيجابي من مبادرة حماس، حول تبادل الأسرى تعتبر تحولا جديدا في سياسة الرئيس بايدن. وقد تزامن هذا الموقف، بدعوة صريحة لفتح معبر رفع من قبل المصريين والإسرائيليين، لدخول المساعدات الغذائية، وتلبية احتياجات المدنيين الفلسطينيين من الدواء.
والأهم في التحول بالموقف الأمريكي، هو اعتبار قيام الدولة الفلسطينية المستقلة حلا حاسما للأزمة الحالية. ورغم أن الدعوة لقيام دولة فلسطينية مستقلة من قبل رؤساء أمريكيين، هي دعوة قديمة، بدأها الرئيس جيمي كارتر في اجتماع مشترك مع الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، ليونيد بريجينف، وتبناها من بعده، رونالد ريغان، وإن بصيغة مخففة، اقتصرت على الدعوة لقيام حكم ذاتي، إلأ أنها كانت أكثر وضوحا، مع بل كلينتون، حيث اعتبر الدولة الفلسطينية المستقلة، مفتاحا لحل معظم الأزمات في المنطقة، وإسهاما في تعضيد الأمن والسلم الدوليين.
وحده الرئيس دونالد ترامب، الذي طرح صفقة القرن، التي تنكرت بالمطلق للحقوق الفلسطينية، واعتبرت تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين بالأراضي المحتلة هو الحل للأزمة، مختزلا القضية في حقوق اقتصادية، وليس موضوع احتلال. وتزامن ذلك باعتراف بالقدس، عاصمة لإسرائيل. وكان ذلك سابقة غير معهودة في السياسة الأمريكية، رغم التبني الأمريكي، لإسرائيل، ودعمها المستمر، منذ تأسيسها عام 1948، بكل عناصر القوة والقدرة على الاستمرارية، وقضم الحقوق الفلسطينية.
ما الذي يدفع بالرئيس بايدن لإعلان موقف جديد تجاه القضية الفلسطينية، مغاير للموقف الذي تبناه، إثر السابع من أكتوبر الماضي. هل هو نابع من تغير حقيقي في موقفه الشخصي، وهو الذي قال ذات يوم، لو لم توجد إسرائيل، لوجب تأسيسها.
الجواب كما يراه كثيرون، هو التغير الكبير في المزاج الشعبي الأمريكي، والعالمي الذي نتج عن وحشية الهجمة الإسرائيلية على الفلسطينيين. إن على بايدن، وهو يعتزم، إعادة الترشح لدورة رئاسية قادمة، أن يأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت على مزاج الناخب الأمريكي، تجاه الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. إن هذا التغير يبدو أمرا جوهريا وأساسيا، لنجاح حملته الانتخابية، المرتقب إعلانها قريبا. وموقف بايدن في هذا السياق، يبدو موجها ضد سياسة نتنياهو، وليس ضد إسرائيل. إن ما يجري على الأرض الآن من وجهة نظر بايدن، وهو بسبب السياسات اليمينية الإسرائيلية، وعلى هذا الأساس فإن مجيء بديل عنه، أكثر ليبرالية، من شأنه أن ينهي الأزمة الراهنة، ويعزز من قوة الدعوة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
التعليقات مغلقة.