الحرب على الإرهاب وتضارب المصالح الإقليمية
تصريحات عديدة لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين، وقادة إقليميين، تصور حرب التحالف الدولي ضد الإرهاب، وكأنها حرب ضد المستحيل. فالرئيس الأمريكي، باراك أوباما قدر في أحد تصريحاته الفترة التي سوف تستغرقها هذه الحرب بثلاثة عقود، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الفترة التي استغرقتها الحرب العالمية الثانية. مسؤولون أوروبيون تجاوزا تقديرات أوباما، فأشاروا إلى أن الحرب التي تشن الآن على الإرهاب، قد تستغرق أربعة عقود.
هذه التصريحات، يمكن وصفها بالاعتباطية، إذا ما أخذت على علاتها، أما حين توضع في إطار الصراعات الإقليمية، ورغبة بعض الأطراف استمرار حالة العنف والتطرف والإرهاب، بما يخدم أجنداتها الخاصة، فيمكن قبول ذلك. لكن أصابع الاتهام في هذه الحالة، ينبغي أن لا توجه إلى رأس الحربة، في التطرف، أولئك الذين غيب الوعي فيهم، ودفعوا لمحرقة الموت، بحسبان أن ذلك هو أقصر الطرق، لكسب ثواب الآخرة. المتسبب الحقيقي في هذه الحالة، هم أولئك الذين يعملون على إطالة الحرب، خدمة لأجنداتهم الخاصة، حتى ولو تسبب ذلك، في سحق مئات الألوف من البشر، وتعطيل خطط البناء والتنمية، ونشر ثقافة التخلف، والمرض والجوع.
الحرب في هذه الحالة، لا تحتاج إذا ما صدقت النية، لزمن طويل، طالما أن بإمكان المجتمع الدولي تحديد من هم تجار الحروب، المستفيدين من الأزمة الراهنة.
لقد مضى حتى الآن قرابة ربع قرن، منذ بدأت عمليات القاعدة. وخلالها وصل اليمين المحافظ الأمريكي إلى سدة الحكم، لدورتين رئاسيتين متتاليتين. وحين حدث إعصار الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، لم يكن حدوثه سيئا كثيرا، بالنسبة لتجار الحروب. فقد أتاح هذا الإعصار احتلال عاصمة العباسيين، وتنصيب حكومة على مقاس التطورات اللاحقة التي شهدتها المنطقة العربية، بعد ما عرف بالربيع العربي، مقاس صراع الطوائف والقبائل والأقليات.
فوصول أتباع طائفة ما، إلى أعلى هرم السلطة، في بلد ما مع تكريس النهج الطائفي، يستتبعه بالضرورة، تسعير نزعات التطرف لدى أتباع الطوائف الأخرى. وهو في النهاية تعميم للمشروع الصهيوني، القائم على أساس ثيولوجي. دولة يهودية، تطرد السكان الأصليين من ديارهم، وتظل تمثل تحديا صارخا، لأتباع الديانات الأخرى، مسلمين ومسيحيين, هذا عدى عن البعد القومي والوطني والحضاري للصراع.
وجود النموذج الصهيوني، بقي ناشزا، وخارجا على بيئة المجتمع العربي، إلى أن حدث احتلال أرض السواد، حين تأسس نظام سياسي على أساس القسمة بين الطوائف، لتصبح الهوية الطائفية، بديلة عن هوية المواطنة.
حين انطلق الربيع العربي، بدا واضحا أن جل من استثمروه كانوا من جماعة الإخوان المسلمين. وكانت تركيا أوردوغان هي أكثر المتحمسين لهذا الربيع، في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن. وبدا وكأن الأمة العربية، تتجه نحو مرحلة عثمانية جديدة.
اختطف الإخوان السلطة، بطرق ماكرة في تونس ومصر. وجاء المتطرفون من كل حدب وصوب، ليسقطوا نظام العقيد القذافي، ولتتحول ليبيا بعد ذلك، إلى غابة موحشة يتصارع فيها أمراء القبائل، وزعماء التطرف. ولتنتهي ربما، إلى الأبد الهوية الليبية الجامعة، ويقام على أنقاضها فيدراليات وإمارات ومناطق متنافرة ومتناحرة.
وفي سوريا، أعادت جماعة الإخوان المسلمين، تجربتها السابقة، في الثمانينات من القرن المنصرم، بعسكرة الحراك الشعبي، وحرف مسيرته، وإغراق البلاد في فوضى عارمة حتى يومنا هذا. وجرى الاعتداء على المدن. ونقلت مصانع حلب إلى مركز العثمنة، حيث ينتظر السلطاني العثماني، تنصيبه مجددا على العالم الإسلامي.
في أرض الكنانة، بدأ العد العكسي للعصر الذهبي لجماعة الإخوان. وقبرت حقبة مظلمة من تاريخ مصر، بإرادة جيشها الباسل، الذي استجاب لتطلعات الشعب المصري، في طي صفحة قصيرة بغيضة، من تاريخ مصر. لكن هذه التجربة، لا تزال مطوقة من الشمال والجنوب والغرب. وليست أحداث سيناء هذا الأسبوع، إلا أحد فصول المواجهة المصرية الملحمية مع قوى التطرف، رغم ما قدمه الشعب المصري من شهداء وتضحيات جسام.
الحرب على الإرهاب، تصطدم بمعوقات إقليمية, فالأتراك والإيرانيون يعيدون مشهد الصراع الصفوي العثماني مجددا في العراق وسوريا. يعمل العثمانيون على إقامة دولة إسلامية متطرفة، تقام في محافظتي الأنبار ونينوى والجزء الشرقي من الأراضي السورية, والهدف هو منع إيران، من الوصول إلى عمقها الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط, وترد إيران على ذلك، بتوسيع دائرة الصراع في اليمن، فيكتسح حلفاؤها معظم المحافظات اليمنية، ويلحقون الهزيمة بحزب الإصلاح، أحد أضلع جماعة الإخوان المسلمين، وحليف تركيا باليمن. ويبقى الحلم العثماني مستمرا في إعادة أرض الكنانة لبيت الطاعة، لكن ذلك الحلم يتهاوى يوميا، أمام الضربات الشجاعة للجيش المصري.
الحرب على الإرهاب، سوف تستمر طويلا، والسبب في ذلك ليس القدرة الذاتية، لقوى التطرف، ولكن في حقنها المستمر بالعتاد والرجال والمال، من قبل القوى الإقليمية، التي تطمح في فرض هيمنتها الشاملة على المنطقة.
لن يواجه الإرهاب، بحملة انتقائية ومحدودة تشنها الولايات المتحدة والحلفاء، على عناصر داعش في سوريا والعراق. الحرب على الإرهاب، تتطلب موقفا حاسما من قبل المجتمع الدولي، يردع القوى الإقليمية، ويمنعها عن مواصلة سياساتها في دعم قوى التطرف، ويقضي نهائيا على منابع الدعم، بكافة أشكالها.
ويبقى في هذا السياق، الإشارة، إلى أن كل القوى الإقليمية التي تعمل ضد مصالحنا، لديها استراتيجيتها الخاصة، الهادفة لإلحاق الضرر بنا، بينما يفتقر العرب إلى استراتيجية عربية موحدة، خاصة بهم في مواجهة التطرف. مطلوب وبشكل عاجل، صياغة استراتيجية عربية لمواجهة الإرهاب، يتبعها تشكيل جبهة موحدة، تسمى الأشياء بمسمياتها، وتقود عملية المواجهة الوطنية الكبرى. وقديما قال أجدادنا ما حك جلدك غير ظفرك، فتول أنت جميع أمرك…