الحرب على أوكرانيا مجددا في الواجهة

2

 

الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتدي بطرسبرغ الاقتصادي، والذي تحدث فيه عن العملية الخاصة التي تشنها بلاده ضد أوكرانيا، هو الأخطر على الإطلاق. ففي معرض حديثه، عن اطلاق الدول الغربية، يد الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، في استخدام ما توفره له من أسلحة، لضرب الأراضي الروسية، أشار إلى أن هذا الموقف يستدعي المزيد من التفكير بإمكانيات الرد الروسي,

 

إن موافقة الدول الغربية، التي تمد أوكرانيا بالسلاح، كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والولايات المتحدة على استخدام أسلحتها لضرب العمق الروسي، تتطلب ردا روسيا مناسبا، وفقا لتصريحات بوتين. فمن يسمح باستخدام السلاح ضدنا، عليه أن يتوقع ردودا روسية مماثلة، على بلدانه.

 

إن الرد المماثل، على السلوك الغربي، من وجهة نظر الرئيس الروسي، هو المعاملة بالمثل. فالدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لها خصوم في كثير من بقاع الأرض، وهؤلاء الخصوم بحاجة إلى أسلحة متطورة لمواجهة التدخلات الأمريكية في بلدانهم. وروسيا ستقدم ما تحتاجه البلدان التي تعيش في علاقة صراعية، مع الدول الغربية، ما لم تتوقف تلك الدول عن التدخل في الشؤون الروسية، وتشجيع أوكرانيا، على ضرب العمق الروسي. وذلك تصرف يأتي في إطار الدفاع عن النفس، وعن المصالح الحيوية لروسيا، وأمنها القومي.

 

لقد مضى على الحرب، التي أطلق عليها بوتين بالعملية العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا، أكثر من سنتين، منذ اندلعت في 24 شباط/ فبراير 2022. ورغم أن الجيش الروسي لم يحقق نصرا حاسما في تلك العملية، إلا أنه تمكن من الاستيلاء على أراض أوكرانية واسعة. وفي الأيام القليلة الماضية، اقترح الرئيس بوتين وقفا دائما لإطلاق النار بين البلدين، على أساس الاعتراف بالواقع الراهن، بما يعني أن تحتفظ روسيا الاتحادية بالأراضي التي استولت عليها خلال العامين المنصرمين، باعتبارها غنائم حرب. والرئيس بوتين يعلم علم اليقين، بأن هذا المقترح سيكون مرفوضا جملة وتفصيلا، لأنه يعني أن تتنازل الحكومة الأوكرانية، عن مساحات كبيرة من أراضيها، تم احتلالها خلال العملية العسكرية الخاصة.

 

إن المعنى الوحيد، لمبادرة بوتين بوقف اطلاق النار، هو تصميمه على استمرار الحرب بين البلدين، إذ لا يمكن لعاقل تصور قبول أوكرانيا بالمقترح الروسي، الذي ينهي الحرب باستسلام أوكراني، غير مشروط للإرادة الروسية. والعكس هو الصحيح، فالمبادرة الروسية، هي تصعيد للحرب، وليست وضع حد لها، خاصة وأن الحرب بين البلدين، لم يعد أثرهما الاستراتيجي مقتصرا عليهما، بل بات جزءا من الحرب الباردة الجديدة، التي اشتعلت بين الشرق والغرب. وهي أحد أوجه التعبير، عن انتهاء مرحلة الأحادية القطبية، التي سادت بعد سقوط حائط برلين، في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.

 

إن روسيا ستحقق النصر، ولن تنهي العملية العسكرية الخاصة، قبل تحقيق كامل أهدافها، وفقا لتصريحات بوتين. وستكون مضطرة للرد على القوى التي تدفع أوكرانيا، للتدخل في العمق الروسي. جاءت هذه التصريحات، بعد تصريحات للرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، بالسماح لأوكرانيا، بضرب العمق الروسي، بما لا يتعدى الثلاثة مائة ميل، وعدم التعرض لمبنى الكرملين.

 

لكن بوتين، من جهة أخرى، يتحدث كرجل دولة مسؤول، عن ضمان السلم في بلاده، وفي العالم، فيؤكد أنه يستبعد استخدام السلاح النووي في هذه الحرب. لكنه في نفس الوقت يحذر أوكرانيا والغرب، من توسيع دائرتها، لتشمل حليفة بلاده بلاروسيا، متعهدا بالدفاع عن سلامة أراضيها، والضرب بقوة، لأي قوى تتعرض لأمنها القومي.

تأتي هذه التطورات، وسط تصعيد عسكري روسي، لعملياتها العسكرية، حيث نقلت الأنباء أن القوات الروسية، نفذت سبعة وعشرين ضربة جماعية، خلال أسبوع واحد، استهدفت منشآت الطاقة الأوكرانية.

إ

هذه التطورات الخطيرة، في مشهد الصراع بين روسيا والغرب، لها نظيرها الأخر، بين الغرب والصين، حيث يساهم الغرب في تسليح تايوان، بالعدة والعتاد, وقد دفع ذلك بالقيادة الصينية، إلى التراجع عن وعدها بضم تايوان بالطرق السلمية، إلى الإفصاح عن أمكانية التدخل العسكري المباشر، لتحقيق لذلك.

 

في سياق آخر، أعلن وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريووس أن بلاده ينبغي أن تركز على بناء قوتها العسكرية، لمواجهة التحديات، التي تهدد أمنها. وطالب في خطاب أمام البرلمان الألماني، بضرورة تطبيق الخدمة الإلزامية في الجيش، والاستعداد للحرب. وقال أن بلاده يجب أن تكون مستعدة للحرب بحلول عام 2029، وأنه لابد من توفير قوة الردع، لمنع وصول الأمور إلى الأسوأ.

 

تأتي جملة هذه الأحداث، في وقت تتصاعد فيه مختلف أشكال المواجهة بين روسيا وحلف الناتو، حيث أشارت سكاي نيوز، إلى أن قيادة حلف الناتو، تخطط لنقل قوات أمريكية إلى الموانيء الرئيسية، لخمس دول أوروبية، هي هولندا واليويان وإيطاليا وتركيا والنرويج، في إطار خطة لإنشاء ممرات، لنقل القوات الأمريكية بسرعة، في حال نشوب حرب برية كبرى مع روسيا في القارة الأوروبية.

 

إنها مرحلة مخاض صعبة جدا، لانبثاق نظام دولي جديد، ينهي الأحادية القطبية، ويعكس حقائق القوة الراهنة. ولتجنب أي صدام حقيقي مباشر، بين القوى العظمي، ينبغي أن يعمل العقلاء على تجنيب البشرية جمعاء من حرب قد لا تبقي ولا تذر، وتحمل مخاطر فناء الجنس البشري بأسره.

التعليقات مغلقة.

د.يوسف مكي