التجديد العربي يشعل شمعته العاشرة

0 340

 

قبل تسع سنوات من هذا التاريخ، انطلق التجديد العربي في ظروف مفصلية وحرجة بالنسبة للأمة العربية, فالمحافظون الأمريكيون الجدد اعتبروا هذا الجزء من العالم هدفا استراتيجيا ومنطلقا لتنفيذ مشروعهم للقرن الواحد والعشرين. وكانوا قد انتهوا من احتلال أفغانستان. وحينها كانت إدارة الرئيس الأمريكي، جورج بوش قد قررت العدوان على العراق، وقاربت من الانتهاء من التحضير للحرب، التي شنت في آذار عام 2003 تحت ذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وعلاقة مفترضة للحكم الوطني مع تنظيم القاعدة. ومن جهة أخرى، كانت انتفاضة الأقصى في قمة استعارها.

 

 

انبثق التجديد العربي، في لحظة أريد لها أن تكون لحظة انتقال في الفكر العربي، من مكوناته التي ارتبطت بالنهضة، وصنعت هوية الأمة المعاصرة، إلى مكونات تعتمد على بعث الهويات ما قبل التاريخية، طائفية وإثنية وقبلية وعشائرية ومناطقية، ومنح الحياة لرممها، تحت شعارات الحرية والديمقراطية والقضاء على أنظمة الاستبداد والقهر.

لم تنطل علينا في التجديد العربي، أكذوبة الحرية واحترام الرأي والرأي الآخر. أعلنا صراحة انحيازنا الذي لا لبس فيه للوعي كقوة تاريخية، وتمسكنا بثوابت الأمة وبحقها في تقرير أقدارها دونما تدخل من قوى الهيمنة. ووقفنا بجلاء إلى جانب المقاومات العربية في العراق وفلسطين ولبنان. ولم نخضع للإرهاب الذي مورس بحقنا من قبل القوى التي افتتنت ببريق البرنامج الاحتلالي للمحافظين الجدد.

اعتمدنا موقفا متوازنا بين الجغرافيا والتاريخ، فلم تأسرنا شعارات العولمة وفيدرالية المحاصصات، ولم نذهب للتاريخ السحيق ليسعفنا في الجواب عن الأسئلة المعاصرة. ومع التمسك بالموقف القومي التقدمي الديمقراطي، المتمسك بالإيجابي من الموروث، جعلنا من التجديد بوابة مفتوحة على كل التيارات الإنسانية، مؤمنين بقول الحق: “أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.

يشعل التجديد العربي شمعته العاشرة، في ظروف لا زالت فيها قوى الهيمنة، تعتبر منطقتنا منطلقا في استراتيجيات هيمنتها، وتستثمر الانتفاضات الشعبية في الوطن العربي، التي مثلث الرد الأصيل والنبيل على حالات الاستبداد والفساد والتهميش التي تمر بها غالبية الأقطار العربية، من خلال العمل على اختطافها أو لجمها أو حرفها عن غاياتها النبيلة.

نقف في التجديد العربي مع حق شعبنا في كفاحه من أجل تحقيق الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة، لكننا في ذات الوقت، نرى أن التحولات التاريخية هي نتاج سيرورة وتعبيرا عن القوى الذاتية المحركة، وهي في النتيجة فعل وطني، يستمد مشروعيته من الحفاظ على الثوابت الوطنية في الاستقلال والوحدة. ولذلك نرفض بشكل حاسم تدخل القوى الخارجية في شؤوننا الخاصة.

ندين بقوة أنظمة الاستبداد، لكننا نقف بشكل حازم ضد تدخل القوى الغربية في شؤوننا تحت ذريعىة مناصرة الثورات العربية. ندين الناتو في قصفه لليبيا، ولا نسلم بمشروعية القيادة السياسية التي تنبثق عن حملات الإبادة التي شنها الناتو بحق شعبنا في ليبيا تحت ذريعة حماية المدنيين.

وبالمثل أيضا، نحترم خيارات شعبنا في سوريا العربية، ونرى أن الثورة والمطالبة بالحقوق شيء وعمليات التخريب، المتسقة مع أهداف أعداء أمتنا هي بالتأكيد شيء آخر، ندينه ونعتبره موقفا خيانيا للمبادئ النبيلة التي حملتها الثورات العربية. إن الحوار البناء والهادف إلى تحقيق منطلقات الثورة بالطرق السلمية هو ما نؤمن به، ونتبناه في التجديد العربي. إن سوريا عزيزة حرة موحدة، قادرة على مواجهة الأطماع والتدخلات الخارجية وملتزمة بالنضال القومي ومساندة المقاومات العربية هي ما نبتغي. والحال هذا ينسحب في نظرتنا لجميع الأقطار العربية، ولن تدفع بنا أنظمة الاستبداد ولا التدخلات الخارجية إلى استبدال وحدة الأوطان، بشعارات براقة، كشف النموذج العراقي عن بؤسها وزيفها.

خالص التحية، للأصدقاء كتابا ومفكرين ومهتمين، ممن ساندونا في هذه الرحلة، وعهدا على المضي قدما دول كلل مساهمين في تجديد مشروع النهضة والدفع بمسيرة الأمة نحو الحرية والديمقراطية والعدل… وإلى الأمام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ثمانية + تسعة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي