البنية الثقافية العربية وصناعة القرار
احتضن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت حلقة نقاشية خلال يومي 7 و8 من هذا الشهر، يوليو 2006م، ناقشت موضوع صناعة القرار بالبلدان العربية. وقد شارك فيها اثنا عشر باحثا، تناولوا معالجة إحدى عشر حالة. تطرقت المناقشات بعمق وبشكل مكثف للميكانيزمات التي تؤثر في صنع القرار العربي، وآليات صناعة القرار.
كانت هناك بالتأكيد اجتهادات عدة في تفسير طرق وآليات صنع القرار العربي. وذلك أمر بديهي، بسبب تنوع الظروف واختلاف مستويات النمو الإجتماعي والسياسي والإقتصادي من بلد إلى آخر، وأيضا بسبب اختلاف الأدوار التي تضطلع بها المؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية بالبلدان العربية. ومن الطبيعي أن يستدعي هذا الواقع معالجات نظرية غير تقليدية لمعرفة الكيفية التي تتم فيها عملية اختيار القرار. ففي العالم الثالث، وبضمنه بلداننا العربية، لا تتوفر معلومات دقيقة، لسيرورة اتخاذ القرارات، بسبب غياب الشفافية وعدم وضوح الأدوار التي تضطلع بها مختلف مؤسسات الدولة فيما يتعلق بموضوع البحث. إضافة إلى أن مؤسسات الدولة داخل البلد الواحد لا تحتفظ بنسق متواصل يعكس ثقلها في الدولة، فطبيعة عملها في الغالب لا ينبع من الصلاحيات التي يمنحها لها النظام، بل من ثقل وقوة الفرد التي يتسلم قمة المسؤولية في هذه المؤسسة أو تلك. ولذلك يتم النأي غالبا، في حالات التعامل مع صناعة القرار في العالم الثالث، عن التحليل الكمي، والإستناد بدلا عن ذلك بتحليلات نوعية أو تاريخية أو نفسية.
في النقاشات التي دارت، طالب بعض الباحثين باعتماد التحليل النفسي للعناصر التي تتفرد بصناعة القرار، وبالذات الشخص الأول في هرم الحكم، خاصة حين يتعلق الأمر، بالأنظمة الشمولية التي سادت في بعض الأقطار العربية منذ مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم.
كانت هناك ملاحظة وجود سيناريو في الوصول إلى السلطة وطريقة ممارسة الحكم، يبدوا متماثلا، في معظم البلدان العربية، التي حدثت فيها انقلابات عسكرية، أدت إلى تسلم ضباط أو حلفاء لهم للسلطة. هذا السيناريو يركز على رئيس الدولة.. فهذا الرئيس بعد تسلمه السلطة يبدأ عهده بشكل متواضع مؤكدا اعتماد مبدأ القيادة الجماعية. واعدا بتحقيق إصلاحات هيكلية وسياسية وإدارية، وبمعالجة موضوع البطالة من خلال توفير فرص العمل. إضافة إلى وعود بالقضاء على الفساد، وتحسين الأوضاع الصحية والتعليمية، وتحقيق قدر معقول من العدالة الإجتماعية. لكنه ما يلبث بعد ذلك أن يعصف برفاق الأمس الواحد تلو الآخر، زملائه الذين ساهموا في إيصاله للحكم، مستبدلا إياهم بعناصر من رتب صغيره أقل أهمية، تفتقر إلى الكفاءة في العمل والقدرة على التحشيد، ولم يدر بخلدها أبدا إمكانية التسلق، ولو عن طريق التدرج، للمواقع التي أوصلها لها الزعيم القائد. ونتيجة لذلك يصبح ولاؤها مطلقا للزعيم الذي أتاح لها فرصة تقلد المناصب العالية. وفي هذا المناخ تغيب المشاركة في صناعة القرار، كنتيجة طبيعية لسيادة روح الولاء والخضوع والطاعة للزعيم الأوحد. ولا يعود هناك حديث عن القيادة الجماعية أو التشاور في الأمر.
ورويدا رويدا تحدث تغيرات جوهرية في الأنماط السلوكية للقائد، يصبح مزاحه حادا، ويضيق بالرأي الآخر، وتتضخم الأنا في ممارساته، وتتضاعف نرجسيته. ويصبح الموظفون التابعون له مجرد إمعات، يقتصر دورهم على الهتاف والتصفيق وتأييد القرارات الصادرة عن الرئيس، ونسج الحيل والمكائد تجاه بعضهم، وممارسة مختلف أنواع التدليس والكذب بما يجعلهم أكثر قربا من قلب القائد ومركز صناعة القرار. ولن يمض وقت طويل حتى تضيق دائرة المحيطين بالرئيس، فتختفي كافة أشكال الرأي الحر والمصارحة والمكاشفة، ولا يبق قريبا من سدة الحكم، إلا فيما ندر، أي شخص معارض.
كان الإتجاه في مناقشة صناعة القرار قد اقترح أن يجري التأكيد على متابعة السيرة الذاتية للشخص الأول في الدولة، ومراقبة تطور سلوكه. وقد تمت دراسات مماثلة في أوروبا بحق بعض الزعماء والقادة كفرانكو أسبانيا وموسوليني إيطالبا وهتلر ألمانيا النازنة، بل وتناول ذلك رؤساء أمريكيين كأبراهام لينكولن وروزفلت وكينيدي.. والقائمة طويلة. كان هناك حديث عن تأثيرات التربية المنزلية، وعن العقد النفسية التي صاحبت حياة هؤلاء القادة منذ طفولتهم، كالعلاقة بالمرأة. لقد كشفت كثير من تلك الدراسات عن قضايا سلوكية كان لها الدور الرئيس في التأثير على القائد والدفع به لاتخاذ هذا القرار أو ذاك. قيل على سبيل المثال، إن يحيى خان دخل الحرب مع الهند، في بداية السبعينيات من القرن الماضي، والتي انتهت بانفصال بنجلادش عن باكستان مدفوعاً بعقدة عداء مبكرة تجاه المرأة، ولأن السيدة أنديرا غاندي كانت رئيسة لوزراء الهند آنذاك، فإن حربه مع الهند كانت في لا وعيه موجهة للمرأة في شخص انديرا غاندي، وقيل إن عقدة الضعف عند هتلر تجاه أمه هي التي دفعته للتعويض عن ذلك بالنزوع العدواني التي طبع سياسة حقبته، والتي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. وقيل أيضا إن بعض الزعماء لديهم عقد تجاه اللون الأسود، ينعكس في وجود حالات شيزوفيرينيا في سلوكهم، وأنهم ينزعون إلى أحد أمرين، إما الخضوع الكامل للون الأبيض، أو يتكون لديهم نزوع عدواني حاد تجاه البيض. ويشمل هذا التحليل النفسي بعضا من القادة الأفارقة لحركات التحرر الوطنية.
ولا شك أن مثل هذه التفسيرات لا ترقى إلى أن توصف بأنها علمية. فأقصى ما يمكن أن تقدمه هو تقديرات مبنية على رصد، يكون في الغالب جزئي ومسطح يتسم بالسذاجة. وما يعزز استنتاجنا هذا هو تماثل سيناريوهات الحكم الشمولي في الوطن العربي، بما يعني أننا في الغالب، نصل في كل الحالات، إلى نفس التشخيص ونفس النتيجة. وذلك يعني أننا نعيد تكرار ذاتنا، ولا نضيف شيئا ذا قيمة إلى وعي الطريقة التي تتم بموجبها صناعة القرار في البلدان العربية.
إن المطلوب إذا هو الإنتقال من دراسة الحالة الفردية إلى دراسة حالات جمعية، تقتضي الإهتمام بدراسة البنية النفسية والثقافية للمجتمع العربي بأسره. إن هذه البنية في مجتمعنا العربي، لا تشجع على الإستقلالية وليس هناك مكان فيها لروح المبادرة، وبالتالي تحل التبعية والمحاكات والتقليد مكان الإبداع والمشاركة بفعالية وقوة في صناعة المستقبل. والنتيجة أننا نعيد استنساخ صيغ الحكم، حيث تسود المحسوبيات، ويحل الولاء والطاعة مكان المبادرة والكفاءة. ويصبح تقديس الدولة ورعاية القوة جزءا من طقوسنا اليومية. وفي هذا المناخ، يغدو ما هو مسكوت عنه أوسع بكثير من القضايا التي نتعامل معها دون وجل أو خشية.
ينبغي في هدا الصدد، على الباحثين الإهتمام بمعالجة هذه الظواهر، وأن تركز التوصيات على توسيع دائرة صنع القرار بالمجتمع العربي، سواء على مستوى السلطة، أو الأداء اليومي الوظيفي في خلايا المجتمع بأسره، لا بد من مراجعة أنماط التربية المنزلية، بما يتناسب مع المتغيرات الإجتماعية، وبما يجعلنا قوة لها دور لا يستهان به في صناعة هذا العصر.. ينبغي أيضا إعادة النظر في مناهجنا الدراسة وفي أداء أجهزة الإعلام والتوجيه، وإلغاء ما يشجع على الجمود والإتكالية، ويخنق روح المبادرة، ويسفه العلم الحق.
ومن جهة أخرى، تشكل فرص إطلاق مؤسسات المجتمع المدني مناخا مواتيا لخلق قيادات شابة قادرة على اكتساب مهارة المشاركة بمرونة وشفافية في تقدم البلاد ونهضتها.. نتعلم من خلالها أسلوب إدارة الحوار، وقبول الرأي والرأي الأخر، ولا بأس من تكون هناك برامج مكثفة لخلق وعي عميق بأهمية المشاركة الجماعية في صنع القرار، كل في مجاله.. الأستاذ في مدرسته، حيث يتفاعل مع زملائه وطلابه، والطبيب في المستشفي الذي يعمل فيه، والعامل في حقل عمله، والفلاح في مزرعته… وهكذا.
وستكون نتيجة ذلك، ليس فقط الإقرار بحق الفرد في تقرير وصناعة مستقبله، ولكن أيضا، من خلال تشجيع روح المبادرة وفتح النوافذ للهواء الطلق، وفتح أبواب الإجتهاد الديني والعلمي والتشجيع على الإبداع. لن يكون هناك مجال في بيئة صحية يشارك الجميع في صياغتها مكان لإرهاب يمارس بحق أوطاننا، سواء عن طريق المتفجرات وقنابل الدمار وممارسة القتل، أو من خلال تعميم الخرافة وتسفيه العلم وتغليب الأسطورة والتسليم بالمعجزات الخارقة.. ستكون السيادة للعقل والعلم، وعندها فقط، عندما تتوسع دائرة صنع القرار، يمكننا القول إن مجتمعنا العربي، قد تلمس طريقه الراسخ والصحيح نحو المشاركة من جديد في بناء الحضارة والتنمية والوطن، مستلهما عناصر قوته من إيمان عميق بالثوابت الدينية والوطنية والقيم الإنسانية، متفاعلا دون خوف أو وجل مع منجزات الحضارة وإبداعاتها.
cdabcd
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-07-12
2020-06–0 7-:05
علي الكاش من اليونان
احسنت .د يوسف بإثارة هذا الموضوع الشائك والكشف عن بعض ثناياه المعقدة..
أن عملية صنع القرار في الوطن العربي فعلاً أشبه ما تكون بلعبة الكلمات المتقاطعة بفعل العوامل المتشابكة المتقاطعة في ماهيته ويبدو ان الذي يحاول أن يدرس هذه الظاهرة اشبه ما يكون بقائد مركب صغير في بحر متلاطم الأمواج ومتعاكس الرياح، فمن الصعب جداً ان يؤخذ معيار واحد وثابت ليطبق على كافة الدول من ناحية صناعة القرار السياسي فقد يصلح فعلاً مثل هذا المعيار لدراسة دولة ولكنه لا يصلح لبقية الدول كما نوهت حضرتك،بسبب أختلاف نوع الحكم،والظروف السياسية والأقتصادية والثقافية، فهناك إرادات ملكية وأميرية وجمهورية تساهم بشكل مباشر في صنع القرار، وكل لديه صفات معينة تؤثر فيه العوامل البيئية والنفسية والتبوية والأجتماعية والأقتصادية والثقافية، إضافة الى البيئة التي يصنع فيها القرار، ومستوى تطورها مستوى الوعي والثقافة عند مواطنيها، ناهيك عن القرارات نفسها ومدى مطايقتها لأرادة الجماهير أو المصلحة العليا، وحتى في هذه المسألة هناك تباين ملحوظ، فأن مصلحة الدولة العليا قد تجير لصالح الرئيس أو الحزب الحاكم وليس الشعب نفسه..
ومن الأمور المهمة حسبما أعتقد تأثير العوامل الخارجية على صنع القرار السياسي في الوطن العربي، وهذا الأمر في غاية الخطورة، ونتمنى أن تجود علينا بمقال عن هذا الأمر .
استاذ يوسف أن هذا الموضوع يحتاج الى أن يدرس باديء ذي بدء في سياقه التأريخي، فكما تعرف أن الأمر نوقش منذ قرون خلت وفق المنظور الأسلامي تحت عنوان ” أهل الحل والعقد” ولحد الآن مازال الموضوع ساخناً، ويحتاج الى المزيد من الجهود.. بارك الله فيك أنه موضوع البارحة واليوم والغد
2020-06–0 7-:06
حسين الجنبي من السعودية
موضوع مثير حقا , وأعتقد أنه يستحق التعمق ومواصلة الكتابة والبحث فيه, أرجو أن تكون هناك حلقة أو حلقات متممة تثري الموضوع وتشبعه .
2020-06–0 7-:01
علي الكاش من اليونان
الأستاذ د( يوسف مكي المحترم
تحية العروبة عنوان مجد المناضلين التليد والمدافعين عن حماه وكرامته وسيادته، البارحة فلسطين واليوم فلسطين والعراق ولبنان أي جرح هذا وأي ذل وهوان يعصف بحكام هذه الأمة؟ واي عار سيلحق بهم؟ وماذا سيكتب التأريخ عنهم وبأي مداد أحمر دلالة الدماء الزكية التي تسيل على الأرض العربية ؟ أم اسود بلون قلوب هؤلاء الخونة ومستقلهم القريب ؟
بارك الله فيكم لتسليط الضوء على هذا الواقع المؤلم للأمة العربية والأسلامية.. ويبقى الأمل طالما هناطك أقلام شريفة وإرادات حرة، وضمائر حية
سيدي اقدم لك هذا المقال المتواضع ويؤلمني كعراقي أن يكون موقف بلدي العظيم هكذا فالألم يعتصرني والحسرة تخنقني بسبب هذا الموقف المتخاذل.. آمل أن ينال رضاكم وإستحسانكم
علي الكاش
اليونان
83691
تركت أحداث فلسطين ولبنان ظلالها على الساحتين العربية والدولية، وتسارعت الأصوات مطالبة الكيان الصهيوني بوقف مسلسل الأعتداءات المستمر ضد الشعبين العربيين الفلسطيني واللبناني، وقد تبايت المواقف الدولية والعربية والشعبية ما بين تظاهرات عاصفة نظمتها القوى الوطنية في عدد من الدول العربية والأجنبية، و مابين تقييدات وضعتها الحكومات إزاء التظاهرات، أما المواقف الرسمية فقد تأرجحت هذه المرة بين تحميل إسرائيل مسؤولية العدوان، كما هو عليه الأمر في مصروالجزائر واليمن وسوريا وتركيا وإيران ودول أخرى، وبين مواقف حملت حزب الله اللبناني مسؤولية العدوان الأخير مثل مصر والسعودية والأردن،في موقف لم يشهده العالم العربي من قبل، ومواقف خجولة لا يمكن معرفة خلفياتها الحقيقية، كالعراق وتونس وبعض دول الخليج، فقد دعت الى ضبط النفس وتغليب منطق الحواروسنحاول أن نستقريء موقف العراق من هذا العدوان الغاشم من خلال الموقف الرسمي والمواقف الشعبية والقوى الحزبية والمرجعيات الدينينة، لكي نميز بين من يقف في خندق مساندة الشعبين الفلسطيني واللبناني، وبين خندق من يصمت صمت الحملان أزاء ما يحدث .
الموقف الرسمي
يبدو ان الحكومة العراقية من خلال كافة مسؤوليها قررت عدم كسر حاجز الصوت، والأستمرار في الصمت المخزي الذي عودتنا عليه هذه الحكومة منذ ان حل الضيف الأمريكي الثقيل الضل على العراق، فقد أبتعد العراق عن الطابع القومي الذي كان صفة مميزة لكافة الحكومات التي تسلمت السلطة في العراق وبغض النظر عن نوعها ملكي أو جمهوري أو ميولها السياسية، وكانت تلك النزعة القومية من أهم سمات العراق، ولكن منذ الغزو وبعد ان سلخ العراق من محيطه القومي والعربي، وبعد أن نص الدستور الشيعي- الكوردي على أن الشعب العربي في العراق فقط يمثل جزء من الأمة العربية، لم يكن من المستغرب مطلقاً أن يلوذ السياسيون العراقيون بصمتهم المطبق ، منزوين في الركن المخجل من دار العرب الكبرى، فالقضايا القومية أمست رجساً من عمل الشيطان، والعروبة كابوس مزعج يقضي مضاجع قادتنا الغيارى، المتوراين عن قضايا العرب الأساسية، وليس من المستبعد أن ينسى هؤلاء القادة العملاء الدور العراقي في لبنان ومشاركة العراقيين في السبعينيات في الذود عن سيادة لبنان من خلال الآلاف من المتطوعين، وكان للحكومات السابقة دوراً كبيراً في دعم لبنان وجيشها وشعبها ولا سيما وقت الأزمات، وسنذكر واقعة حصلت عام 1957 عسى أن تزيل الصدأ المتراكم على ذاكرة سياسي العراق الجديد، وتنظف ما علق فيها من أوساخ الخيانة والأنهزام والعمالة، ففي عام 1957 قرر مجلس الوزراء العراقي، في جلسته المنعقدة في شهر تموز إهداء الجيش اللبناني ست طائرات عراقية تستخدم للتدريب والقتال وقدر ثمنها آنذاك (1) مليون دينار عراقي، ورحبت الحكومة اللبنانية بهذه الهدية السخية ترحيباً فائقاً وأوفدت لفيفاً من طياريها الى العراق لغرض تسلمها، وفي الثاني عشر من أيلول أحتفل في معسكر الرشيد بتقديم الهدية بحضور رئيس الوزراء العراقي ووزيري الدفاع والداخلية وعدد من قادة الجيش، وألقى رئيس الوزراء كلمة جاء فيها ” أن السرور يغمر قلوبنا جميعاً في هذه اللحظات الخالدات التي يتجلى فيها التعاون الوثيق بين قطرين عربيين شقيقيين ” وفي آخر الكلمة ذكر ” إننا نتألم ونتحسس لأي ألم ينتاب أي جزء منها ” ويرد السفير اللبناني في بغداد ” بأنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتقدم فيها العراق العزيز الى بلد عربي شقيق بالمكرمة والمروءة، فلقد ألفنا ذلك منه على إختلاف عهوده وأيامه ” رحم الله السفير فلو كا عائشاً لوقف حائراً امام الكلمات التي القاها، ففي محنة لبنان الحالية لم يكن العراق هو نفس عراق الخمسينيات ولا الستينيات ولا عراق ما قبل الغزو، لقد تغيرت المقاييس والقيم، وأصبح العراق مرتعاً خصباً للأمريكان والصهاينة والخونة الذين قدموا مع الدبابات الأمريكية، الذين لم يخجلوا من أمس العراق المنصرم، فقد عصف الحاضر المؤلم بالماضي وذكرياته العبقة، وعشعشت الأرضة في السقف الوطني وبدأت تنخر فيه لغاية سقوطه على أرض الواقع بكل ما يحملة من مواطنة وكرامة وسيادة وغيرة وشرف وعزة … رحم الله شاعرنا الرصافي عندما قال :-
انا بالحكومة والسياسة أعرف أ ألام في تفنيدهـــــــــا واعنــف
علم ودستور ومجلس أمــــــة كل على المعنى الحقيقي محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظمـها امـــا معانيـــــها فليست تعرف
لقد إنسابت الوقائع بهدوء كأن الذي يحدث في لبنان شأن لبناني خاص و لايعني العراق عن قريب أو بعيد، وهذا لم يكن وليد صدفة أو محطة عابرة في سياسية العراق الجديدة، فالأمر أعمق بذلك بكثير، وكلنا نستذكر الطروحات التي جلبها معهم القادمون في جيب الكنغر الأمريكي، فقد إنتقدوا العالم العربي ولم يخلص من لسانهم أحد بدعوى ” ماذا أفادنا العرب” كأن الأمر بيع وشراء، أو ” اين كان العرب عندما كان صدام حسين يضرب حلبجة ” وكأنهم يريدون من العرب أن يشنوا الحرب على صدام ونظامه ؟ و ” ماذا فادتنا القومية والعروبة ” و ” اين كان العرب وقت المقابر الجماعية ” وغيرها من الأقوال الساذجة لأستمالة البسطاء من العراقيين والجهلة والشعوبيين وتضليلهم، دون أن يستذكر هؤلاء الجهلة بأن الدول العربية وأسفاه هي التي أحتضنتهم ودعمتهم مادياً ومعنوياً، وكانت المحصلة هي موقف اللامبالاة أزاء ما يحدث في فلسطين ولبنان، فلا حكومة علقت على الحدث ولا مجلس نواب تحدث عن المصيبة، ول مسؤول أخرج رأسه من سياج المنطقة الخضراء ليدين العدوان، والحمد لله أن وزير الخارجية غير العربي شارك في المؤتمر العربي الطاريء لوزراء الخارجية العرب الذي عقد في مقر الجامعة العربية في 15/7/2006 وهذا أمر شبه ملزم من الناحية الأخلاقية وعلى سبيل المشاركة ليس إلا ؟؟ وكان لوسائل الأعلام الرسمية نفس الموقف المخزي، فقد تجاهل بعضها الحدث وآخر تناول ما رددته وكالات الأنباء العربية والعالمية من أخبار وتعليقات كالببغاء مرددين أصداء غيرهم.
أما الأحزاب السياسية فالبعض كمم افواهها الأنقياد الأعمى للأمريكان والصهاينة وإنساقت مع الرؤية الأمريكية للأحداث، وأخرى لاذت بالصمت مقلدة ومحاكية موقف الحكومة وهناك أحزاب نطقت حقاً لأنها معتادة على قول الحق، منطلقة من القاعدة الأسلامية ” الساكت عن الحق شيطان أخرس” فقد صدر بيان عن سماحة الفقيه المرجع أحمد الحسني البغدادي المعروف بمواقفه الوطنية الغيورة، والصوت الشيعي الوطني الوحيد على الساحة العراقية، أشاد البيان بموقف الشعبين اللبناني والفلسطيني، وطالب المسلمين كافة بمؤازرة المرابطين والمقاتلين على خط النار للأخذ بالثأر، ومساندتهم بكل الوسائل الممكنة كأرسال الأدوية والمؤن والجند والمال،التي من شأنها تحقيق متطلبات المعركة الفاصلة بالنصر المبين .
كما أصدر الحزب الشيوعي العراقي /الكادر بياناً شجب فيه العدوان الأسرائيلي الغاشم على لبنان وفلسطين، وأعلن تضامنه ودعمه ومساندته بكل ما لديه من طاقات وإمكانات لتوحيد الجهود والمواقف التي تعزز من وحدة الكفاح والصمود والتحدي، مضيفاً بأن وحدة قوى المجاهدين والأحرار على طول الساحة، هو السبيل للأنتصار على الأعداء، ومهما كانت قدراتهم. كما أصرت جبهة التوافق والحزب الأسلامي العراقي بياناً نددا فيه العدوان الأسرائيلي على لبنان الشقيق .
أما موقف المرجعية فيبدو أنها لا تزال على غفوتها العميقة، حيث عودنا هؤلاء المراجع العظام بالشدو على أنغام الأنتخابات ومسودة الدستور، وبالصمت عندما يتعلق الأمر بأرواح المسلمين، رغم ان حزب الله من الأحزاب الشيعية والمعروف بموالاته الى أيران، ولكن الحوزة الصامتة غير مكترثة بأرواح اللبنانيين والفلسطينيين وبالرغم من أنهم مسلمين .. لكنهم عرب وهنا مكمن المشكلة؟؟ ففي الوقت الذي سارعت هذه الحوزة بتقدين نصف الخمس من وارداتها المليارية الى الفرس الذين تضرروا بالزلازل التي تعرضت لها إيران، في محاولة هي الأولى من نوعها في تأريخ الحوزة المجاهدة، فأنها لا تتكترث بأرواح العرب المسلمين الذين يستنجدوا بالعالم العربي والأسلامي لفك الحصار عليهم وتزويدهم بأحتياجاتهم من الأكل والشرب والخيم والأدوية، وفي الوقت الذي يساهم الصليب الأحمر المسيحي بتقديم هذه المساعدات الأنسانية فأن الحوزة ألأسلامية لم تحرك ساكناً بعد ؟؟ ولكم ماذا نتوقع من حوزة أدارت ظهرها للأساءات التي تعرض الرسول العربي (ص) ولم يكن الأمر يعنيها،وأدارت وجهها لحمامات الدم العراقي النازف يومياً ؟ والصامته عن إالأنتهامات المخجلة للقوات الأمريكية أزاء نساء العراق الماجدات ؟ والتي تغض النظر عن الخراب والدمار الذي يتعرض له العراق ؟ والتي لم تزكم انفها فضائح سجن ابو غريب والجادرية وعبيرقاسم وما أدراك ما عبير؟؟ والتي غضت نظرها عن قصف الفلوجة بالأسلحة المحرمة دولياً، وعن قصف الأمريكان لمرقد الأمام علي (رض) ؟ والمواقف كثيرة لاتعد و لا تحصى ؟؟ فهل ستتحرك حوزتنا لنجدة أحفاده وأبناءه ؟ معاذ الله أن تفعلها ؟؟
أما موقف التيار الصدري وجيش المهدي، فالأمر مدعاة حقاً للسخرية، ففي الوقت الذي أكد فيه السيد مقتدى الصدر بأن جيشه الجرار العقائدي سيشارك في درء العدوان إذا تعرضت إيران أو سوريا أو لبنان الى عدوان، فقد جاءت الأحداث مفندة هذه الدعاوي الباطلة ، فقد كانت ردة فعل السيد مقتدى أشبه بردة الموآمنة والقراء الحسينيين وجنجلوتياتهم الباكية، فقد أعلن الصدر حامي حمى المسلمين بأن ” العين لتدمع والقلب يعتصر ألماً وحزناً على اهلنا واحبتنا في لبنان الحبيب، لما يقوم به العدو الصهيوني ” ؟؟؟ ولم ينسى صاحب الجيش العرمرم أن يختم بيانه بتوجيه التحية الى الشعب اللبناني الصابر والمدافع عن بلده وأرضه ومقدساته ” والغريب أن السيد الصدر تناسى جيشه ومهمامه القومية كما سبق أن صرح خلال زياراته الى ايران وسوريا ولبنان، وبدأ يوجه كلامه للشعب العراقي وليس جيشه ” سنطلب من الشعب العراقي بكل اطيافه وأحزابه وتياراته الوقوف مع الشعب اللبناني صفاً واحداً في مواجهة العدو المشترك” ؟؟
أنه فعلاً ليس عراق الأمس .. عراق العروبة .. عراق التصدي .. عراق الكرامة والصمود !!
انه العراق الجديد العراق االديمقراطي الفدرالي الموحد فيالسخرية الأقدار ؟