الانتخابات الرئاسية في لبنان.. قراءة أولية
في 25 مايو القادم، تنتهي فترة التمديد الرئاسية للرئيس ميشال سليمان، ذلك يعني أن من المفترض انتخاب رئيس جديد للبنان قبل هذا الموعد، ليكون جاهزا لتسلم منصبه، حال مغادرة الرئيس الحالي لموقع الرئاسة. لكن أحداث السنوات الأخيرة، وبشكل خاص منذ اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينات من القرن المنصرم، أكدت في حالات كثيرة، أن الأوضاع السياسية المتأزمة في الغالب في هذا البلد الجميل، لا تسمح بالتقيد بالمواعيد الانتخابية، بشقيها الرئاسي والنيابي.
الوصول إلى قصر بعبدا، وهو مقر رئاسة الجمهورية، لا يخضع لاستفتاء شعبي، كما هو الحال في معظم دول العالم، بل لتوافقات وتفاهمات داخل قبة البرلمان، وأروقته. وهو لا يمثل الإرادة الشعبية، إلا بالقدر الذي تمثلها محاصصات الكتل والطوائف. هكذا كانت الانتخابات الرئاسية، منذ الاستقلال، والتفاهم على ما صار يعرف ﺑ”الميثاق الوطني”، الذي يقسم السلطات الثلاث، بين ثلاث طوائف لبنانية رئيسية، على أساس ديني. فالمارونيون يحظون بموقع رئاسة الجمهورية، والمسلمون السنة، يحظون بموقع رئيس الحكومة، والمسلمون الشيعة يحظون بموقع رئاسة مجلس النواب.
المواقع الثلاثة، رئاسة الدولة، ورئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان، جميعها تتم نتيجة توافقات في قبة البرلمان، لكن ضمن آلية التوزيع الطائفي والمحاصصة السياسية التي أشرنا لها. ولأن الأمر كذلك، فإن النجاح أو الفشل في تحقيق ذلك، هو رهن لأمور ثلاثة. أن يكون هناك توافق وطني، وأن يكون هناك توافق إقليمي، وأن يكون هناك أيضا توافق دولي.
فقد شاءت مقادير لبنان، أن يحكم في الغالب من خارجه. والسبب يكمن في أن دولة المواطنة اللبنانية ضعيفة، وأن الطوائف اللبنانية، دون استثناء تشعر بالحاجة للاستقواء بظهير من الخارج. وهذه سياسة دائمة ليست رهنا بمرحلة دون أخرى. بدأت هذه السياسة في التمظهر، أثناء ضعف السلطنة العثمانية، ومسارعة القوى الكبرى للانقضاض على ممتلكاتها. ولكنها ترسخت عمليا، وأصبحت مصانة بمنطوق الدستور، بعد استقلال لبنان عن الاستعمار الفرنسي، بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة.
وإذا ما انتقلنا مباشرة، إلى الوضع الراهن، وموضوع حديثنا هذا عن انتخابات رئاسة الجمهورية: فإن هناك متقابلات داخلية وإقليمية ودولية، يدركها جميع المهتمين بالشأن اللبناني، لا بد من أخذها بعين الاعتبار. الانتخابات الرئاسية المرتقبة تتم وسط انقسامات حادة، في المكون السياسي ببلاد الأرز، بما يطرح السؤال: كيف سيتحقق التوافق بين اللبنانيين على الرئيس القادم؟ ذلك بالتأكيد، أمر غاية في الصعوبة،
فرغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لم يترشح لهذا الموقع، عند كتابة هذا الحديث سوى زعيم حزب القوات اللبنانية، الدكتور سمير جعجع، الذي يصعب الحصول على دعم له، ضمن جميع التيارات السياسية الفاعلة، بما فيها كتلة الثامن من آذار التي ينتمي إليها.
هناك شخصان آخران، أعلنا رغبتهما في تسلم الموقع، هما النائب سليمان فرنجية، والعميد ميشال عون. فرنجية معروف بتحالفاته مع النظام السوري، وكان التدخل السوري في لبنان بمنتصف السبعينات قد تم أثناء رئاسة جده سليمان فرنجية. وجاء تدخل الجيش السوري، لينقذه من السقوط. وقد بقيت عائلة فرنجية على ولائها للرئيس السوري السابق، حافظ الأسد عرفانا بدوره في حمايتها. واستمر الابن في سياسة والده، وبقي متحالفا مع الحكم في سوريا حتى يومنا هذا.
أما الجنرال ميشال عون، فقد تنقل في تحالفاته السياسية، من موقع إلى آخر. وقف مع العراق، أثناء حكم الرئيس الراحل صدام حسين، وأدت سياساته المناوئة للحكم السوري، إلى انقلاب الجيش السوري المتواجد في لبنان عليه، عام 1990، وإرساله منفيا إلى باريس. وأثناء نفيه سالت مياه كثيرة في لبنان. وعاد بعد خمسة عشر عاما، في 7 مايو 2005، في أوضاع سياسية مختلفة. فغريمه حافظ الأسد رحل إلى العالم الآخر، والجيش السوري، فقد سطوته على لبنان، واختار الجنرال أن يتحالف مع حزب الله، لكنه ظل محافظا على مسافة بينه وبين الحزب، في إيماءة منه إلى استعداده تغيير موقعه وموقفه.
في الشهور الأخيرة، بدأ عون في تحقيق افتراق أكثر عن حزب الله وحلفائه، واقترب من تيار المستقبل دون أن يقطع علاقته مع حلفائه. كما حاول تجسير علاقته مع المملكة وبقية دول الخليج العربي، وفتح قنوات اتصال بالإدارة الأمريكية، ودول الإتحاد الأوروبي، في سعي منه لأن يكون الشخص الذي يجري التوافق عليه بالانتخابات الرئاسية القادمة.
من جهته، دعا الرئيس اللبناني ميشال سليمان اليوم، في مطلع هذا الأسبوع، إلى احترام مواعيد الانتخابات الرئاسية والنيابية المقرر إجراؤها في هذا العام. وقد اعتبرت بعض الأوساط هذه التصريحات بأنها دعوة لتمديد آخر لحقبته الرئاسية.
يميل معظم من التقيت بهم أثناء زيارتي الأخيرة قبل أسبوع من هذا التاريخ، من السياسيين اللبنانيين، إلى أنه لا يوجد مرشح رئاسي، يمكن حصول توافق وطني بشأنه، وأن الأكثر احتمالا، هو الفشل في انتخاب رئيس توافقي خلال الفترة المحددة لذلك. وفي هذه الحالة سيكون اللبنانيون أمام خيارين، إما بقاء الرئيس الحالي في سدة الحكم، كرئيس بالأمر الواقع، أو أن يحدث رفض حزبي واسع لذلك، يرغمه على مغادرة قصر بعبدا، كما حدث للرئيس السابق، إميل لحود حيث أرغمه تيار الثامن من آثار على مغادرة موقعه الرئاسي، وظل موقع الرئيس شاغرا إلى حين تم التوافق الوطني على انتخاب رئيس آخر.
لبنان على كل حال هو بلد المفاجئات، وليست هناك قاعدة مثلى نستند عليها في التحليل. فمن كان يصدق أن اللبنانيين، سيتوافقون على حكومة جديدة، تشارك فيها كل مكونات النسيج السياسي اللبناني، بعد الصراعات الحادة، بين تياري 8 آذار، و14 آذار، وبعد الإعلان الصريح للسيد سعد الحريري عن النية لتشكيل حكومة الأمر الواقع التي يستبعد منها أعضاء حزب الله. لكنهم في النهاية اتفقوا على حكومة جديدة، ضمت كل الغرماء. والفضل في ذلك ليس لحكمة اللبنانيين فقط، ولكن للتدخلات الإقليمية والدولية، التي فرضت شكل التوافق الجديد.
هل ستلعب القوى الإقليمية، دورا آخر، يسهم في تحديد شكل وهوية المؤسسة الرئاسية القادمة في لبنان، أم أن اللبنانيين سوف يختارون العماد عون، كونه الشخص الأكثر قبولا من قبل مختلف أطراف السياسة في لبنان، ذلك أمر من المبكر الحكم عليه الآن، وليس علينا سوى الانتظار.