الاقتصاد العالمي: انتعاش أم انكماش؟!

0 187

 

 

بدت التقارير التي صدرت في الأيام الأخيرة، حول انتعاش الاقتصاد العالمي مربكة ومقلقة. كما بدت متناقضة، ومتضاربة، لدرجة تجعل المرء يحار في مصداقيتها، حتى أن الشبه بينها وبين مؤشر أسواق البورصة، من حيث تحركه صعودا وهبوطا، بات كبيرا.

 

ففي الوقت الذي يبلغنا فيه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أن بلاده تمكنت من عبور الأزمة الاقتصادية، وأن الأوضاع تتحسن بشكل مطرد، تتوالى التقارير، من داخل أمريكا ذاتها، مشككة في تصريحات الرئيس. فقد أشار زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، متشل مكونيل إلى أن الأرقام المقدمة من الرئيس، مربكة وأن الاقتصاد الأمريكي خسر في الواقع ثلاثة ملايين وظيفة منذ وافق الكونغرس على خطة الحفز.

 

وتشير تقارير أخرى إلى أن نسبة البطالة بلغت 9،8% في نهاية شهر سبتمبر. وهي أعلى نسبة تسجلها الولايات المتحدة، منذ أكثر من ربع قرن، وأن ذلك المعدل سيتصاعد في الأشهر القادمة. وقد توقع أعضاء لجنة السياسة النقدية في الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، أن نمو الاقتصاد في 2010 قد لا يكون كافيا لخفض معدلات البطالة بشكل كبير.

 

في سياق آخر، أعلنت شركة فورد لتصنيع السيارات أنها ستغلق أحد مصانعها في كندا بالفصل الثالث من العام 2011 وستلغي 1400 إلى 1600 وظيفة. وأشير إلى أن القرار اتخذ لتخفيف النفقات. وفي مضمار صناعة السيارات أيضا، لا تزال مدينة دترويت، عاصمة صناعة السيارات الأمريكية تعاني من أعلى معدلات البطالة بالبلاد. وتقول صحيفة دترويت نيوز إن منطقة يصل تعداد سكانها أكثر من مليون نسمة تعاني من ارتفاع نسبة البطالة إلى 17.3%. وأن سوق العمل لا تشهد أي تحسن على الإطلاق.

 

لكن الأرقام الرسمية لإجمالي الناتج الداخلي الأمريكي، تأتي مناقضة لهذه التقارير المتشائمة، مؤكدة أن الولايات المتحدة خرجت من الانكماش خلال فصل الصيف، مع معدل نمو يصل إلى 3،5%. وقد أكد البيت الأبيض أن خطة الإنعاش الاقتصادي التي أطلقها أوباما في فبراير لمواجهة الأزمة أوجدت أو أنقذت مليون وظيفة. كما أكد مسؤولون بالإدارة الأمريكية أن الإحصاءات الواردة من الإدارات الحكومية والسلطات المحلية والشركات الخاصة والجامعات تفيد أن حوالي 650 ألف وظيفة أنقذت أو أوجدت بشكل مباشر بحلول سبتمبر المنصرم.

 

تأتي هذه التقارير المتفائلة مع إعلان آخر، عن إفلاس تسعة بنوك جديدة في كاليفورنيا وإلينوي وأريزونا وتكساس ليرتفع عدد البنوك المنهارة هذا العام إلى 115 وهو الأعلى منذ العام 1992. وتتبع البنوك التسعة مؤسسة أف بي أو بي في إلينوي. وفي السياق ذاته، أعلنت المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع التابعة للحكومة الأمريكية إن مؤسسة أف بي أو بي ذاتها لم تغلق ولكن المصارف التابعة لها والتي تمثل كل أصولها، هي التي أغلقت. وأوضحت أن إغلاق البنوك سيكلفها 2.5 مليار دولار. والبنوك المفلسة هي بنك يو أس أي في فينكس بأريزونا، وكاليفورنيا ناشيونال في لوس أنجلوس، وساندياغو ناشيونال، وباسيفيك ناشيونال في سان فرانسيسكو، وبارك ناشيونال في شيكاغو، وكوميونتي في ليمونت في إلينوي، ونورث هيوستون في هيوستون تكساس، وماديسونفيل ستيت في ماديسونفيل في تكساس، وستزنز ناشونال في تيغ بتكساس. ويختلف حجم هذه البنوك التي يصل عدد فروعها إلى 153. ويعتبر كاليفورنيا ناشيونال البنك الأكبر بين البنوك التسعة ولديه 68 فرعا ووصل حجم ودائعه إلى 6.5 مليارات دولار بنهاية يونيو/ حزيران الماضي. أما أصغر هذه البنوك فهو ستزنز ناشيونال وله فرع واحد ويصل حجم أصوله إلى 102 مليون دولار.

 

ومن جهة أخرى، أعلنت شركة أمريكان إيرلاينز للطيران نيتها إلغاء 700 وظيفة في أقسام الصيانة العام المقبل بسبب خفض الرحلات وعدد الطائرات. وقال رئيس قسم الصيانة، كارمين رومانو في رسالة أوردتها الصحافة أن كل العمليات في قاعدة الصيانة التابعة لنا في كنساس سيتي، سوف تتوقف. وان المنشآت ستتقلص أو تلغى في ستة مطارات أمريكية. وأن الشركة تأمل في التوصل إلى إلغاء عدد اكبر من الوظائف على قاعدة المغادرة الطوعية.

 

في هذا الحديث، وأحاديث قادمة نحاول تسليط الضوء على التطورات الأخيرة التي حصلت على الأزمة الاقتصادية العالمية، ومدى فاعلية الحلول التي جرى تبنيها للخروج من الأزمة.

 

في هذا السياق، يمكن القول بأن العنصرين الأساسيين في التوازن الاقتصادي، هما توازن العلاقة بين المنتج والمستهلك. بمعنى أن شرط وجود أي اقتصاد هو وجود منتج، سواء كان ذلك المنتج زراعيا أم صناعيا، ومستهلك. ويخضع انتعاش الاقتصاد لارتفاع الطلب على المنتج، بما يؤدي إلى تضخم في الأسعار. وكلما ازداد الطلب، وقل العرض كلما ارتفع سعر المنتج، والعكس صحيح، بمعنى إن زيادة العرض وقلة الطلب يؤدي إلى انكماش.

 

هناك بالتأكيد، أكثر من سبب لارتفاع التضخم. بعضه له علاقة مباشرة بالانتعاش الاقتصادي، وبعضه الآخر، له علاقة بالانكماش، حيث تنهار العملة بسبب تضعضع الاقتصاد، وتقل قيمتها الحقيقية. وعند ذلك يجري تعويض عن تضعضع القيمة النقدية، برفع أسعار السلع، لجعلها تتكافأ من القيمة الحقيقية.

 

معنى ذلك، أن شرط نحاج الاقتصاد يرتكز دائما وأبدا على وجود مستهلك. وشرط وجود المستهلك هو توافر المال لدى الأفراد العاديين. وتلك متلازمة تتطلب انسيابا في حركة الاقتصاد وفي أسواق العمل. إن المعادل المنطقي في هذه الحالة هو أن انتعاش الاقتصاد يكون متزامنا مع تقلص البطالة، وازدياد الطلب على الموارد البشرية. وما عدى ذلك، يدخل في دائرة الزيف والوهم.

 

من هذه المقدمة، ننطلق في قراءة تطور الأزمة الاقتصادية العالمية، ونحاول الكشف عن المحطة أو المحطات التي بلغناها في معالجة هذه الأزمة.

 

المؤكد أحد معالم الأزمة هي تراجع سعر الدولار، الذي تعرض لضغوط قوية جعلت أستاذ الاقتصاد بجامعة فريبورغ السويسرية، سيرجيو روسي يقول بوجوب استبداله بعملات أخرى، بسبب غياب أي مؤشرات على إمكانية استعادته لعافيته قريبا. وفي هذا المضمار يشير روسي إلى أن انهيار الدولار يعود لجملة من الأسباب، من ضمنها التخفيض الكبير في أسعار الفائدة من طرف وزارة الخزانة الأمريكية، حيث لم تعد ودائع الدولار تدر أرباحا ذات قيمة. يضاف إلى ذلك، الزيادة في الضرائب لمواجهة العجز الكبير في ميزانية القطاع العام، مما دفع بأصحاب رؤوس الأموال، لنقل ودائعهم إلى الخارج. وأخيرا، خطر التضخّم الذي يخيّم على البلاد، والذي ينال من جاذبية الدولار على الساحة العالمية.

 

إن تراجع سعر الدولار، يؤدي دون شك لقيام المؤسسات المالية العالمية لاستبداله بالين أو اليورو، بما يسهم في انهيار أكبر لهذه العملة، والنتيجة المنطقية لذلك هي انهيار سعر المدخرات، وسرعة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، والقفز بمعدلات التضخم. ولذلك يتوقع أن تسن الحكومة الفيدرالية القوانين، التي من شأنها منع انهيار العملة الأمريكية، والحد من انكماش سعر صرفها. لكن أي إجراء في هذا السياق، ستكون نتائجه محدودة جدا. فعلى سبيل المثال، طرحت الخزانة الأمريكية للبيع سندات دين على المدى الطويل. لكنها لم تجد من يشتريها، وهذه سابقة ليس لها نظير في التاريخ الأمريكي المعاصر، بما يهدد وضع الدولار كسلة للعملات على الساحة المالية الدولية.

 

في أوروبا أكد تقرير اقتصادي أشار له موقع الجزيرة القطري أن القارة تشهد خروجا من حالة الركود الاقتصادي لكنها في الوقت ذاته، تواجه صراعا مريرا للتخلص من عدد كبير من المشكلات. وأشار تقرير لوكالة فرانس برس إلى أن هذه المشكلات تتعلق بوضع الدين العام والبطالة والنمو، وتكاليف الشيخوخة.

 

ووفقا للباحثين في مورغان ستانلي فإن منطقة اليورو في مواجهة مؤلمة أخرى مع طفرة في معدلات البطالة، حيث يتوقع أن يرتفع معدل البطالة فيها من مستواه بنهاية النصف الأول من العام والبالغ 9.6% إلى 10.7% مع نهاية النصف الثاني من العام. وتقول غلوبل إنسايت إن ثلث المناطق المدنية ستشهد معدلات بطالة بأكثر من 10% في الربع الأخير من العام القادم. وفي 16 مدينة سيزيد المعدل عن 15% في مقابل 13 مدينة في سبتمبر الماضي.

 

هذه التقارير المتناقضة والمربكة، بحاجة إلى وقفة قراءة هادئة، لفك رموزها، على أمل أن تكون موضوع لحديثنا القادم بإذن الله تعالى.

 

°±²v²±°

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة × 1 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي