الإرهاب يضرب بقوة فهل من سبيل لكبح جماحه؟!
سقطت ورقة التوت، وكشف الأقنعة، ولم يعد منطقيا نسبة التخريب إلى دين سماوي أو طائفة أو عقيدة سياسية، بل إلى شيء آخر، خارج منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية. فعشية عيد الفطر السعيد، عاود الإرهاب بقوة شن ضرباته، واختار هذه المخرة، معقل الإسلام، ومدينة الرسول الأعظم، قرب المسجد النبوي، ومقابر الصحابة.
صحيح أن للإرهاب سوابق عديدة، في قتل المدنيين الأبرياء، والتفجير بالمصلين بالمساجد، لكن هذه هي المرة الأولى، التي يستهدف فيها الإرهاب المدينة المنورة. هذا الحدث الإجرامي، يطرح أسئلة عديدة حول أهداف الإرهابيين ومن يقف وراءهم.
لقد تجاوز هؤلاء القتلة، بالأيام الأخيرة، كل الخطوط الحمر، وباتوا فئة باغية، تدفع بالابن إلى قتل أمه وأبيه وأشقائه، ولم تعد تستثني من جرائمها صديق أو بعيد. بل إنها لم تستثن أماكن العبادة والمستشفيات، والأسواق، ومراكز التجمعات البشرية.
إن سلوك هؤلاء القتلة، هو أقرب إلى الهستيريا الجماعية، حيث يتم غسل الأدمغة، وتجويفها، وتوجيهها جميعا نحو اتجاه واحد لا غير، هو القتل والتدمير، ونشر الفوضى والخراب في أرجاء المعمورة. إنها ثقافة الموت تحارب الحق في الحياة والخير والجمال.
لم تكن الحوادث الإجرامية الأخيرة، سوى حلقة في سلسلة طويلة، طالت مؤخرا، بلدانا عربية وإسلامية، شملت بغداد وإسطمبول وبنجلادش والقاع بالأردن. وفي الكويت أعلنت الحكومة عن إلقاء القبض على خلية إرهابية، كانت على وشك تنفيذ عمليات تفجير وتخريب. هذا من غير الحديث عن الهجمات المستمرة للإرهاب، في مصر وليبيا والعراق وسوريا واليمن وتونس. وشكلت دليلا صارخا على عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حلول عملية وناجحة، لاقتلاع هذه الظاهرة من جذورها، رغم الدماء الغزيرة التي سالت في معظم بلدان العالم، بسبب تغول هذه الظاهرة واستفحالها.
ففي كل حدث إرهابي، هناك شهداء وضحايا ومصابين، ودمار وخراب. وقد تحول الإرهاب، منذ مطالع هذا القرن، إلى ما هو أقرب إلى حرب عالمية، لا تستثني من أجندتها أية زاوية من زوايا الكرة الأرضية، ولا تستثني أحدا من مخططاتها، بما يفرض جديا على المجتمع الدولي، أن لا يقفوا عند حد المؤازرة اللفظية، واستنكار الحدث، بل الانتقال إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
فما هو مطلوب في هذه المواجهة يجب أن يتخطى لغة أضعف الإيمان، ذلك لأن أمن الجميع مهدد بالخطر، كلما استفحلت هذه الظاهرة. فهي تضرب الجميع بشراسة وبطريقة تبدو عبثية في أدائها وأهدافها، لكن نتائجها تدمير أوطان وتذويب هويات. وهي من غير شك، تهدر جهود المجتمعات، وتدمر اقتصاداتها، وتعيق نموها وتطورها، وتحجب عنها الاستقرار والأمن والسلام.
وما دام الجميع بات مستهدفا، في جرائم الإرهاب، فإن المنطقي أن تكون الخطوة الأولى، مراجعة الاستراتيجيات والخطط التي أعلنت إثر حوادث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، بالولايات المتحدة الأمريكية، حين قام تنظيم القاعدة بتفجير برجي مقر المركز العالمي للتجارة، ومبنى البنتاجون بالعاصمة الأمريكية، واشنطن.
فإثر أحداث سبتمبر، 2001م، أعلنت إدارة الرئيس جورج بوش الابن حربا عالمية على الإرهاب، كان ينبغي أن تتوجه مباشرة إلى الجماعات الإرهابية في معاقلها. وكانت تلك المعاقل حينئذ محدودة جدا ومعروفة. لكن الخيار في تلك الحرب وقع على أفغانستان والعراق، حيث جرى احتلالهما بقيادة الولايات المتحدة. وقد خلقت حالة الفوضى وانعدام الأمن في أفغانستان وأرض السواد، بؤرا جديدة مناسبة، للمجموعات الإرهابية، كي تجد قواعد ثابتة لها في البلدين المحتلين. كما وجدت في الانفلات الأمني باليمن، وانهياره الاقتصادي فرصا سانحة لكي تبني لها قواعد ثابتة، في بعض الأطراف والأماكن الأكثر فقرا وتخلفا.
وإثر اندلاع ما عرف بالربيع العربي، في أواخر عام 2010، بات واضحا، أن سوريا وليبيا، صارتا موئلا جديدا للجماعات الإرهابية، وسببا في تمددها. وقد أسهم ذلك في تمكين الجماعات الإرهابية من تطوير خططها، وتوسيع دائرة عمقها الاستراتيجي.
صار بإمكانها الانتقال من موقع لموقع، تبعا لمقتضيات الظروف والضربات التي تتعرض لها. فوجود قواعد ومراكز ثابتة لهذه المجموعات في أكثر من عشر بلدان، على رأسها العراق وسوريا واليمن والصومال وليبيا ومالي وتونس ولبنان، وارتباط بعض هذه البلدان ببعضها جغرافيا، كما في حالة سوريا والعراق ولبنان، مكن الجماعات الإرهابية من المناورة وتغيير مواقعها بسهولة، والهروب، واستخدام تكتيكات تمكنها من تفادي الضربات الجوية التي توجه من قبل قوات التحالف الدولي.
أما الإدارة الأمريكية، التي تعهدت بشن حرب عالمية على الإرهاب، فإنها بدلا من المواجهة المباشرة معه، في أماكن تواجده وانتشاره، بقيت تتفرج على داعش، وهي تحتل أربع محافظات عراقية، في ديالى والأنبار وصلاح الدين ونينوى، من غير أن تحرك ساكنا، رغم أن العراق يرتبط بمعاهدة أمنية، تجعل من أمريكا مسؤولة عن أمنه واستقراره.
ولم يكن العراق إلا صورة كاريكاتورية، عما يجري من جرائم إرهابية في ليبيا وسوريا واليمن والصومال، والقائمة طويلة…
لا بد من مواجهة دولية شاملة للإرهاب، فكرية وعسكرية، تضيق الخناق على مجموعات التطرف، حيثما وجدت، وتدمير جميع الأوكار التي تلجأ لها في آن معا. والتصدي لأسباب الفوضى، وانعدامك الأمن وبشكل خاص في البؤر المتوترة، التي غالبا ما تكون أماكن أثيرة لتمركزها. ولعل هذه الخطوة العملية هي السبيل لملاحقة الإرهاب وكبح جماحه.