الإرهاب يستهدف المشروع الوطني المصري
فقد حبى الله أرض مصر، كل مقومات السياحة، ذلك أن تاريخها الممتد لأكثر من خمسة ألاف عام، وفر لها موروثا تاريخيا شامخا وعظيما. لقد مرت على هذه البلاد حضارات وأنظمة حكم عديدة، ترك كل منها أثاره واضحة، وماثلة حتى يومنا هذا.
فمن الحضارة الفرعونية، وأهرامها التي تعتبر من المعجزات في التاريخ البشري، إلى الاحتلال المقدوني، ثم الاحتلال الروماني والبيزنطي, ثم دخل القوم في دار الإسلام، وبدأت أثار تلك الحقبة، في جامع عمرو بن العاص، ومسجد السيدة زينب والإمام الحسين. وهناك الحقبة الأموية بآثارها المتمثلة، في جوامع كبيرة تنتشر في القاهرة القديمة. وجين استولى العثمانيون على مصر، تركوا بصماتهم واضحة على التراث المصري, بل إن الاحتلال الفرنسي، في حملة نابليون على مصر، والذي لم يستمر طويلا، ترك آثاره، في البنى العلمية والمعرفية بأرض الكنانة. ناهيك عن عهد محمد على باشا، وما تركه من آثار، يجسدها وجود القلعة المعروفة، بقلعة محمد على، وهي معلم سياحي بارز. والسائح لمصر، لن يفوته زيارة متحفها الكبير، الذي تجد فيه صورا عديدة، وضخمة تجسد التاريخ المصري العريق.
ولم يكن نصيب مصر، من جمال الطبيعة، والمناخ المناسب، بأقل من آثارها. فالمنظر الخلاب للنهر، وهو يشق طريقه من أقصى الجنوب، إلى حوض البحر الأبيض المتوسطـ، والرحلات النهرية، التي تمخر النهر، والفنادق الجميلة وأماكن الترفيه التي تقع على ضفتيه، كلها مناطق جاذبة للسياح، من مختلف أنحاء العالم.
ولذلك بأتي استهداف هذه الأماكن السياحية من قبل قوى الإرهاب، ضرب في العمق، للاقتصاد المصري، منذ بدأت عمليات جماعة التكفير والهجرة شن عملياتها الإجرامية ضد مصالح الدولة، في مطالع السبعينيات من القرن المنصرم. وكانت القاعدة الفكرية لهذا التنظيم تفكير الدولة والمجتمع، والهجرة من دار الكفر، وفقا لتصنيفهم لعموم الشعب المصري، إلى مواقع تمكن المهاجرين من توسيع قاعدتهم، وإعادة تنظيم صفوفهم. وكان من أوائل ضحايا الإرهاب في تلك الحقبة، وزير الأوقاف المصري، الشيخ محمد حسين الذهبي.
وقد شهدت أرض الكنانة، في عقد السبعينيات من القرن الماضي، أعمالا إرهابية كبيرة، شملت تفجير الباصات وقاطرات السكك الحديدية، وقتل السياح، والمرافق السياحية الأخرى، متسببة في إنهاك النشاط السياحي وتراجعه، مما أدى إلى تزايد معدلات البطالة، وتراجع الناتج القومي، والتأثير على القوة الشرائية للجنيه المصري، وإضعاف الاقتصاد. والهدف المباشر لضرب الاقتصاد، هو تدمير هياكل الدولة، تمهيد لإسقاطها. وذلك السبب بعينه، هو الذي يحرض الإرهابيين، هذه الأيام على الإمعان في اختيار المواقع الحيوية الاقتصادية، لتكون هدفا لعملياتهم التخريبية.
إن ذلك يفسر، سبب إسقاط الطائرة الروسية، في أواخر أكتوبر الماضي، في سيناء. وقد اعترف تنظيم داعش بمسؤوليته عن التفجير. ومنذ حادث إسقاط الطائرة، توالت الهجمات الإرهابية، على عدد كبير من المواقع السياحية، في القاهرة والغردقة، مسببة في مصر العشرات من السياح الأجانب، ومن المدنيين المصريين.
وتؤكد التطورات التي حدثت في جمهورية مصر العربية، منذ الإطاحة بسلطة الإخوان المسلمين، وقوف التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وعلى رأسها تنظيمي القاعدة وداعش خلف تلك العمليات.
ويقينا أن من الصعب عزل ما يجري في مصر، عما يجري في دول الجوار قريبا من الساحة المصرية، وبشكل خاص ما يجري من جرائم إرهابية في ليبيا وسوريا وتونس، وتواجد تنظيم القاعدة في بعض المحافظات اليمنية، وأيضا حالة الانفلات الأمني الذي تعيشه أرض السواد، منذ جرى احتلال العراق، عام 2003 حتى يومنا هذا.
لقد اعتبر الإرهاب، هذه البلدان مجتمعة، جبهة واحدة، غير مفصولة لتحركه، انسجاما مع رفضه الاعتراف بالحدود الوطنية والقومية للدول، ومن رؤيته لشمولية فكره.
اختيارنا لمصر، في هذه القراءة، لا يعني أن ما يجري فيها من إرهاب، هو الأكثر في همجيته ودمويته، ولكن لأهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به الدولة المصرية، في مواجهة الإرهاب، في عموم المنطقة. ولأنه صار من الوهم الآن تصور، إمكانية هزيمة الإرهاب في موقع ما، من المواقع، وفي بلد عربي بعينه، دون أن يؤخذ بالاعتبار طبيعة التأثير، بين التنظيمات الإرهابية، في عموم الوطن العربي.
إن الرد الطبيعي على الإرهاب، ينبغي أن لا يقتصر على جبهة عربية واحدة، ويدع الجبهات العربية الأخرى مكشوفة. فكما أن استراتيجية الإرهاب، لمحاربة الدولة العربية، هي استراتيجية واحدة، فينبغي أن تكون المواجهة، وفق رؤية استراتيجية واحدة، وبقيادة عسكرية عربية موحدة.
ليس يكفي أن يعلن القادة والشعوب العربية، تضامنهم، في مواجهة الإرهاب، بل لا بد من عقد عربي، يستند على وعي الجميع بأهمية صيانة الأمن القومي العربي الجماعي، وتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، صونا وحماية لجميع أقطار الوطن العربي، وضمنا لأمنها واستقرارها.
إن المعركة ضد الإرهاب، هي معركة وجود، ومعركة سلاح، ومعركة أفكار. ولن تكون فاعلة، إلا حين تكون شاملة، في الفكر والجغرافيا والسلاح. يهزم الإرهاب كمهج ناكص ومتخلف، يدعو للاحتراب مع العصر والتقدم والعلم. فيواجه فالفكر النقيض. كما يواجه بالسلاح في معركة وجود، لا مفر من خوضها. ويواجه بوحدة المصير، التي هي الرد الصلب والقوي، على مخططات التقسيم والتفتيت. فهل سننتصر لمصر، والأمة العربية في معركة الوجود والمستقبل؟!