الأونروا… الهولوكست وحقوق الإنسان
وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، والتي تعرف اختصارا ﺑ”الأنروا”، هي منظمة إنسانية، أسستها الأمم المتحدة، بعد نكبة فلسسطين، إثر طرد ما يقرب من 750 ألف فلسطيني من ديارهم، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والبلدان العربية المجاورة. وقد أعلن عن تأسيسها في نوفمبر عام 1948،
وأضيف لها مهمات أخرى في مطلع الخمسينيات. والمهمة التي أنيطت للوكالة هي تقديم المعونة وتنسيق الخدمات التي تقدم لهم من المنظمات غير الحكومية، وبعض منظمات الأمم المتحدة. ودورها مؤقت، كما أشارت لوائحها وأنظمتها مرتبط بوجود اللاجئين الفلسطينيين بالمخيمات، ينتهي بعودة من شردوا إلى ديارهم.
في 8 ديسمبر 1949م، صدر قرار 302 من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حدد رسميا مهام “الوكالة”، واقترح تجديد ولايتها كل ثلاث سنوات لحين انتفاء الحاجة لها، بإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وكانت الوكالة قد باشرت مهامها بعد تسلمها كبديل عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتحددت مصادر تمويلها, وجرت تسمية الدول المانحة لدعم مهامها.
تحددت أوجه إنفاق وكالة الغوث في برامج التعليم، والصحة والخدمات التشغيلية، وبرامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية. ويستفيد من خدماتها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان والأردن وسوريا، الذين يتجاوز عددهم الآن الخمسة ملايين، وفقا لاحصاءات متحفظة نشرت مؤخرا. وهؤلاء جميعا ينطبق عليهم التعريف الذي حددته الأونروا للاجئ الفلسطيني، باعتبارهم ضحايا أصليين للنكبة، فقدوا بيوتهم وموارد رزقهم نتيجة لتأسيس الكيان الغاصب.
هذه المقدمة، تعنى أن دور وكالة الغوث يقتصر على تقديم الخدمات الاجتماعية، للاجئين الفلسطينيين، في المجالات التي سبق ذكرها. بمعنى أن الوكالة لا تملك صلاحية الدخول في دهاليز السياسة، ولا فرض توجهاتها وآرائها على الفلسطينيين. وقد استمر العمل بذلك لما يقرب من الستة عقود. لكن المرحلة الأخيرة، شهدت انحرافا خطيرا في سلوك وكالة الغوث، انتقلت فيه من الاقتصار على الاهتمام بالشأن الاجتماعي، والتخفيف من معاناة الفلسطينيين، إلى محاولات فرض أجندات ثقافية خارجية على اللاجئين، بما يتماهى مع الرؤية الصهيونية، ومشاريع ترويض الشعب الفلسطيني، وإرغامه على القبول بسياسة الأمر الواقع.
في الآونة الأخيرة، تم فرض مادة حقوق الإنسان، على حساب مادة التربية الوطنية، التي جرى تقليصها لتصبح حصة واحدة في الأسبوع، في حين تنال مادة حقوق الإنسان وقتا مضاعفا. وجرى تعميم هذا القرار وفرضه على كافة المدارس الثانوية، في المخيمات الفلسطينية، في الضفة والقطاع والبلدان العربية المجاورة التي تأوي الفلسطينيين.
الخطورة في الموضوع، ليست فقط في أن وكالة الغوث تجاوزت مهماتها، بل خروقاتها الفاضحة للقانون الدولي، الذي لا يجيز لأي جهة خارجية التعرض لثقافات وخصوصية الشعب المحتل. والجانب الآخر، هو فرض ثقافة تصالحية وتطبيعية لصالح الكيان الصهيوني، تــﹸفرض بالنيابة عن هذا الكيان، ويجري اجبار الطلاب الفلسطينيين على القبول بها، أو مغادرة مقاعد الدراسة.
والأغرب في ذلك، أن مادة حقوق الإنسان، كما تم فرضها، تقوم على تزييف التاريخ، وتكريس جزء كبير منها لتدريس تاريخ الهولوكست، كما دونه الصهاينة، وبطريقة متحيزة ومقززة.
إن الصهاينة، كما تبرزها مادة حقوق الإنسان، هم ضحايا أيضا للعنصرية، وقد تعرضوا للتشريد والإبادة. وأن ما تعرضوا له من أهوال يفوق كثيرا ما تعرض له الفلسطينيون. ووفقا لمادة حقوق الإنسان، كما أعدتها وكالة الغوث، تعرض اليهود لإبادة جماعية، ومحرقة وهولوكست لم يتعرض له أحد من الأمم قبلهم، ولا بعدهم. حدث ذلك لليهود في نورمبرغ.
مادة حقوق الإنسان، تتناسى جرائم أخرى ارتكبتها النازية، بحق الغجو والسلافيين والشيوعيين، وشعوب الاتحاد السوفييتي، وتشير التقارير المعنية بجرائم الحرب الهتلرية أن أعداد القتلى على يد النازية تجاوز الخمسين مليون شخص، منهم 17 مليون سوفييتي، و9 مليون ألماني. بمعنى أن اليهود لم يكونوا الضحايا الوحيدين للنازية.
اختيار الهولوكست ليـﹸدرس بمادة حقوق الإنسان، في مدارس اللاجئين الفلسطينيين، لم يكن صدفة أو اعتباطا، من قبل المعنيين في وكالة غوث اللاجئين، بل كان هدفه ضرب الهوية الفلسطينية، في أقوى حلقاتها، وبالتالي إضعاف مقاومة شعبها لنيل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير.
إن الهدف مع ذلك، هو دون شك وضع الجلاد والضحية في كفة واحدة. فالصورة كما يراد لها أن تثبت في ذهنية الجيل الفلسطيني الجديد هي أنه ليس وحده الضحية، بل إن الذين قاموا بالسطو على أرضه هم أيضا ضحايا العنصرية الأوروبية. وقد عملت منظمات حقوق الإنسان على تأهيل الجيل الفلسطيني الجديد للتعايش مع هذه الأطروحة المضللة. وصدرت روايات وقصص تحكي كيف أن فلسطينيا وصهيونيا، فرض عليهم، في الغربة، العيش المشترك، فاكتشفوا أن قضيتهم واحدة، وأن الإخاء الإنساني، وليس الصراع هو الذي ينبغي أن يسود في العلاقة بين الصهاينة والفلسطينيين. وتنسى مادة حقوق الإنسان، أن العرب والفلسطينيين منهم بشكل خاص، لم تكن لهم علاقة البتة باضطهاد اليهود, وإذا افترضنا صدقية رواية الهولوكست، وهي رواية شكك في صحتها كثير من المؤرخين، فإن التعويض بما فيه إقامة دولة مستقلة لليهود، ينبغي أن تقوم على أرض من تسبب في المحرقة، وليس على الأرض الفلسطينية.
الصراع القائم، بين العرب والصهاينة، ليس أساسه سوء الفهم بين مختلف أطراف الصراع، ولكنه قيام الصهاينة بالسطو على أرض فلسطين، ورفضهم القبول بالمبادرات السلمية الدولية والعربية، وضربهم بعرض الحائظ لقرارات الأمم المتحدة التي تنص صراحة على عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة. ومواصلة الإستيطان بالضفة والقطاع.
نداء في هذا المنعطف التاريخي، إلى القادة العرب، بالتصدي للخروقات التي تقدم عليها وكالة غوث اللاجئين وخروجها على المهام المناطة بها، صونا للحقوق الفلسطينية، وحفاظا على الهوية الوطنية للشعب المظلوم.