الأستاذ المغربي رجل الثبات على المبادئ
اسمحوا لي في البداية، أن أتقدم بخالص الشكر والامتنان للقوى السياسية التي نظمت هذا المهرجان، احتفاء وتكريما للأخ العزيز والصديق النبيل المناضل الأستاذ عبد العظيم المغربي، القامة الوطنية والقومية، التي عرفت في ساحات الكفاح الذي خاضته الأمة، من المحيط إلى الخليج.
تعرفت على الأستاذ المغربي، قبل أن ألتقي به بعدة سنوات، بعد انقطاع طويل عن الوطن، وغياب عن محيطه الفكري والثقافي. كان ذلك في منتصف التسعينات من القرن الماضي، أثناء الحصار الجائر على العراق، الذي فرضه مجلس الأمن الدولي، استجابة للضغوط الأمريكية. مصادفة جميلة تلك التي جعلتني أتعرف على المناضل عبد العظيم، من خلال مشاركته في برنامج الاتجاه المعاكس الذي تبثه قناة الجزيرة. كان صوت أستاذنا الكبير، يصدح بالحق، مجلجلا في مواجهة الباطل، مستنكرا الموقف الدولي، وعجز الحكام العرب، عن كسر طوق حصار الأشقاء في أرض السواد.
وتوالت الأيام، وقدر لي أن ألتحق بالمؤتمر القومي العربي، حيث ينشط الأستاذ عبدالعظيم. وكانت فرحتي غامرة للتعرف عن قرب، بهذه الشخصية القومية البارزة. وتواصل الدرب، دورات متتالية للمؤتمر القومي العربي، أجد فيها مناسبة للتعرف على القامات الكبيرة، من عصارة ما أعطته هذه الأمة. وفي كل دورة أيضا، تتعزز معرفتي أكثر فأكثر، بالمناضل المغربي.
كان تكريس مؤتمر المحامين العرب، لاجتماع خاص عقد في فندق شيبرد بالقاهرة، لنصرة العراق، بعد جريمة الاحتلال التي أقدمت عليها إدارة الرئيس جورج بوش بحق هذا البلد العريق، مناسبة للاقتراب أكثر، من الصديق عبدالعظيم. وفي يقيني الآن، أن ذلك الاجتماع ما كان له أن ينعقد، لولا الجهد الكبير والعمل الدؤوب الذي بذله عزيزنا المحتفى به.
وفي الحقبة التي امتدت منذ احتلال العراق حتى يومنا هذا، شهد الوطن العربي أحداثا جساما: عدوان تموز على لبنان 2006م وحربي غزة، وما عرف بالربيع العربي، الذي نتج عنه تفكيك بعض الكيانات العربية، كما جرت من قبل مصادرة العراق كيانا وهوية، وتسعير الفتنة الطائفية، والعمل منهجيا على تدمير بنيته الأساسية.
في كل هذه الأحداث، لم تتغير بوصلة أستاذنا المثقف والمناضل، عبدالعظيم. ظل تمسكه بموقفه القومي جليا وواضحا, ميز بين الموقف من الاستبداد والديكتاتورية، ورأى أن رفع راية الكفاح عاليا، لإقامة نظام قومي تقدمي بالوطن العربي هو هدف نبيل ومشروع. ولكن الغاية النبيلة يلزمها موقف أخلاقي ونبيل. لا يمكن أن يحقق لنا الديمقراطية، من صادروا حقوقنا ونهبوا ثرواتنا، وشردوا شعب فلسطين، وكانوا إلى وقت قريب، ولا يزالون يدعمون الطغاة والفاسدين والمستبدين، في مواجهة شعبنا العربي، في كل زاوية من زوايا وطننا العربي المقهور.
وقف الأستاذ عبد العظيم، مع الحراك الشعبي العربي، في كل مكان وانخرط فيه، وكان يزحف كل يوم مع أشباله الصغار، وعائلته الكريمة، إلى ميدان التحرير، مرددا مع الجميع تحيا مصر، والشعب يريد. وكان أن ارتفعت راية مصر عاليا، وكان للشعب ما أراد. امتلك الصديق العزيز وعيا مبكرا لمخاطر أخونة الدولة، ورفض اعتبار الجماعة كتلة تاريخية، لأن شرط الكتلة هو التوجه نحو المستقبل، وليس باتجاه ناكص.
ناصر الثورات العربية في كل مكان اشتعلت فيه، لكنه رفض تدخل الناتو، ومختلف التدخلات الأجنبية، في دعم هذا الحراك. واعتقد وهو محق في ذلك، أن هذه التدخلات، لا يمكن أن تكون ضد الاستبداد والديكتاتورية، بل بهدف خطف الثورة، وحرف الحراك الشعبي عن أهدافه الحقيقية.
كان الالتزام إذا، التزام نضالي ووطني وقومي، وفوق ذلك كله كان التزاما أخلاقيا، بعيدا عن التحزب. لم يتردد مناضلنا يوما عن الكشف عن انتمائه الناصري، لكن ذلك لم يمنعه من مناصرة المقاومة العراقية الباسلة، ولا مباركة انتصار حزب الله ضد العدو الصهيوني. ساند حركة حماس، باعتبارها مقاومة فلسطينية، وهو يعلم علم اليقين، بتبعيتها لجماعة الإخوان المسلمين. لكن مواقفه بقيت ثابتة وواثقة من صلابة الأرض التي تقف عليها. لا سؤال عن هوية البندقية التي تتجه للعدو الصهيوني، ما دامت تسهم في وضع مسمار في نعش هذا العدو.
وفي مواجهة الكيان الغاصب، يصبح المعنى واحدا لكل الخنادق، التي تكافح ضده، لا فرق ولا تمييز في الموقف بين حاملي السلاح في وجه العدو. وكان ذلك تجاوزا كريما ونبيلا للذات، لكنه لم يكن تفريطا أو تجاوزا للمبادئ. فالنسبة لعبد العظيم كانت قضية فلسطين ولا تزال القضية المركزية للعرب، وتحرير فلسطين، هو طريق النهوض، وهو سبيل تكنيس الترسبات التي خلفتها مشاريع التفتيت الاستعمارية، بدءا من سايكس بيكو وعد بلفور…
وقف عبد العظيم ولا يزال ضد تدخل الناتو في ليبيا، مع ما هو معروف عنه من نقد جرئ للراحل القذافي. اكتشف أن ذلك التدخل، لن يكون إلا بوابة لتفتيت ليبيا، وتغيير خارطة تحالفاتها بالضد من مصالح الأمة. وساندا الحوار الوطني في اليمن باعتباره المدخل لقيام نظام ديمقراطي حقيقي في البلد الشقيق. وأفصح عن غضبه تجاه ما جرى ويجري في السودان. وناصر ثورة الشعب العربي في تونس.
ووقف منذ البداية، مع حل الأزمة في سوريا، حلا سلميا، بعيدا عن الحلول الأمنية، وبذل جهده، مع ثلة من زملائه، منذ الأيام الأولى للاتصال بالقيادة السورية والمعارضة الوطنية على السواء، لإيجاد حل يقود إلى انتقال سلمي في سوريا، نحو تأسيس نظام ديمقراطي حقيقي، يمثل إرادة السوريين جميعا. نجح في خطوات وتعثر في خطوات، لكن اليأس لم يتسرب له أبدا. فمن يفتح بوابات الأمل، ومن يؤمن بالمستقبل، لن يتسرب الشك إليه مطلقا، مهما واجهت الأمة من أزمات ونكبات وصعاب.
في حياة الأستاذ عبدالعظيم، يختلط الذاتي بالموضوعي، والخاص بالعام. فليس في حياته ما هو أثمن من القيمة النضالية التي طبعت حياته. وذلك ما جعلت منه حامل رسالة، لا يقدر عليها سوى الرجال الكبار والعظام. والنضال بالنسبة له، هو بالدرجة الأولى موقف وأخلاق وسلوك. يتبدى ذلك في تعامله مع أهله وأصدقائه وزملائه بالنضال، وفي نهجه النضالي المتواصل.
تكريم الصديق والأخ والحبيب الأستاذ عبدالعظيم مغربي، هو تكريم وللوطن، وهو احتفاء بالقيم النضالية، والكفاح المستمر والملحمة الكبرى التي يخوضها شعب مصر العظيم، لاستكمال ثورته الظافرة، أطال الله عمر أستاذنا العزيز ومنحه الصحة والعافية، فالحاجة ماسة وملحة لنكمل معا مشوارنا: مشوار العزة والكرامة والتقدم والبناء.