اغتيال آخر لوحدة اللبنانيين…

0 268

في زحمة الصراع وحالات الانقسام التي يعيشها لبنان، وعجز النخب السياسية عن التوصل إلى اتفاق تملأ من خلاله المقعد الشاغر لرئاسة الجمهورية، وتأجيل اجتماع مجلس النواب المناط به انتخاب الرئيس تسع مرات.. وبقاء بوابة الخروج مغلقة، بالمدى المنظور، إلى ما لا نهاية، جرى اغتيال العميد الركن فرنسوا الحاج، مدير العمليات العسكرية. وكما في حالات الاغتيال السابقة، منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، السيد رفيق الحريري، في نوفمبر عام 2004م، لا تزال الملفات مفتوحة، والفاعل حتى الآن مجهولا. وأصبح كل طرف من أطراف الصراع في لبنان يوجه أصابع الاتهام للآخر، محملا إياه تبعة الانهيار الأمني الذي تعيشه البلاد منذ وقت طويل. وبذات المستوى، بقيت الأسئلة معلقة حول من هو المستفيد من عمليات الاغتيال المتتالية. بمعنى آخر من المستفيد من تفجير الأوضاع ب لبنان، ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، لتصل إلى التهديد بالعودة إلى الاحتراب بين أبناء الوطن الواحد، والاحتكام إلى السلاح.

 

وللطبيعة الخاصة للاغتيال العميد الحاج، كونها الأولى التي تجري لمسئول عسكري لبناني، ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالصراعات بين الغرماء، فإن قراءة الظروف والمناخات التي تمت فيها عملية الإغتيال ربما تشكل إسهاما حقيقيا في فك الرموز وتقديم إجابات أولية، عن الجهة المستفيدة من تفتيت لبنان.

 

الخاصية الأولى لعملية الاغتيال الأخيرة، هي أنها حدثت ليس فقط في ظل انقسام بين النخب اللبنانية، وعجز عن التوصل إلى توافق وطني حيال مستقبل لبنان، ولكنها أيضا أخذت مكانها والبلاد تعيش فراغا في الموقع السياسي الأول… موقع رئاسة الجمهورية. لقد جرت حتى هذه اللحظة تسع محاولات لعقد اجتماع لمجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، وفشلت في التوصل إلى حل توافقي يقبل به الجميع.

 

في هذا الصدد، هناك وجهتا نظر، حول الفراغ الرئاسي: الأولى ترى بأن مختلف القضايا، هي نتاج للفراغ في الكرسي الرئاسي، وأنه سوف يجرى حلها، بمجرد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بينما يرى دعاة وجهة النظر الأخرى أن الفراغ الرئاسي على أهمية وجوب حله، فإنه يشكل جانبا من الأزمة ، وأن الأزمة في حقيقتها أزمة نظام سياسي وليست فقط أزمة فراغ رئاسي. وعلى هذا الأساس فان الأزمة سوف تستمر حتى ولو انتخب الرئيس الجديد, استناداً إلى هذا الاعتقاد، يدعو أصحاب وجهة النظر هذه إلى التوافق على برنامج سياسي، يشمل القضايا الرئيسية التي تؤثر على المسار الوطني، واعتبار انتخاب رئيس الجمهورية واحداً من رزمة من التفاهمات.

 

ورغم أن النظرة الأخيرة تبدو منطقية، في حدود تحليلها للواقع اللبناني، كون الأزمة، بدأت قبل الفراغ الرئاسي، وهي بالتالي سبب للفراغ وليست من نتائجه، فإنه ليس من المنطقي بقاء كرسي الرئاسة شاغرا حتى تحل مختلف القضايا.

 

الخاصية الثانية، إن معظم الغرماء السياسيين ساهموا، من خلال صراعاتهم، في استمرار هذا الفراغ، وهو أمر يصعب فهمه، لسبب بسيط، هو أن الجميع متضرر من استمراره. فالموالاة، على سبيل المثال، تعلم أن مشروعيتها في إدارة الحكومة تبقى موضع تساؤل وشبهة في ظل بقاء كرسي الرئاسة شاغرا. والمعارضة التي كانت تحظى بدعم الرئيس السابق، إميل لحود أصبحت لا تملك دعما لا في المركز السياسي الأول، ولا ضمن الحكومة، وهي بالتالي لا تشكل أغلبية في البرلمان، وبديهي أن يكون من مصلحتها وجود رئيس يقف، في أقل تقدير، على الحياد، كما هو متوقع في حالة انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية. والمؤسسة الكنسية المارونية، بزعامة البطريرك صفير، ترى في الفراغ الرئاسي، إضعاف للطائفة المارونية، وإبقاء الباب مفتوحا للمزيد من تدخل الطائفتين السنية والشيعية في موضوع انتخاب الرئيس اللبناني، وهو شأن، كان منوطا بشكل رئيسي بالطائفة المارونية وعموم المسيحيين اللبنانيين. ومع وجاهة هذه الأسباب بقي فراغ كرسي الرئاسة سائدا لما يقترب من أربعة أسابيع.

 

لقد ضاعف هذا الفراغ من التوترات الداخلية، وخلق حالة عامة من الإحباط لدى المواطن اللبناني العادي، مصحوبة بالخشية من عودة اندلاع الحرب الأهلية، التي اكتوى بها لبنان سنين طويلة. كما أدى إلى استعار حالة الركود الاقتصادي، في ظل تضخم اقتصادي يسود العالم بأسره، ويلقي ببصماته، ثقيلة وكئيبة على الواقع اللبناني.

 

ولا شك إن استمرار حالة الاحتراب بين الموالاة والمعارضة، وتركة حرب تموز عام 2006، والتي أدت إلى تدهور في البنية التحتية، وفي الخدمات العامة، من صحة وتعليم وكهرباء، قد ضاعف من معاناة اللبنانيين. ولن يكون بالمقدور تجاوز هذا الواقع ما لم تتحقق المصالحة الوطنية، ويلتئم شمل اللبنانيين.

 

الخاصية الثالثة، ذات صلة مباشرة بالتركيبة السياسية والاجتماعية للبنان. فمنذ استقلاله، بنيت القسمة السياسية والتنفيذية والنيابية فيه، على الأسس الطائفية والمذهبية، ولأن الدولة لم تتكئ على سيادة مفهوم المواطنة، فإن الجيش، بمواقفه الوطنية المعهودة، ورفضه الاصطفاف في أي من خنادق الصراع بين القوى المتناحرة، بقي عمودها الفقري، ورمز إجماعها الوطني. وكان مواقفه الوطنية في كل الأزمات التي واجهها لبنان هي المعبر الحقيقي عن سيادة لبنان واستقلاله. وقد لعب دوره كطائر الفينيق، يعلن حضوره القوي عند كل نازلة، لينتشل بلد الأرز من محنته.

 

ونتيجة لذلك، وأمام الواقع المأزوم الذي يعيشه لبنان الآن، ساد تصور لدى اللبنانيين بأن جيشهم هو الحصن القوي والملاذ الأخير لكل اللبنانيين، عند كل أزمة دستورية يمر بها لبنان. ولذلك، تحقق شيء من الارتياح والاسترخاء، في عموم البلاد، حين غدا في حكم المؤكد انتخاب قائد الجيش، العماد ميشيل سليمان لرئاسة الجمهورية، باعتباره مرشحا مقبولا من مختلف الفرقاء، بعد إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة.

 

وعلى هذا الأساس، فإن اغتيال قطب من رموز هذا الجيش، من وجهة نظر اللبنانيين جميعا، هو تعد على الضامن للم شملهم، وبالتالي فإنه اعتداء على الوحدة الوطنية. وفي هذا السياق، يمكن بسهولة فهم حالة الذهول والشعور باليأس التي أحاقت باللبنانيين فور سماعهم نبأ اغتيال العميد فرانسوا الحاج، بعد أن راودهم الأمل باحتمال التوصل إلى تسمية قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان كمرشح لرئاسة الجمهورية، مقبول من مختلف الفرقاء.

 

لقد وجد اللبنانيون في اختيار العماد ميشال سليمان لسدة الرئاسة الشاغرة، خطوة إلى الأمام، على صعيد الخروج من الأزمة التي مضى على احتدامها أكثر من ثلاث سنوات. فالعميد سليمان، معروف بوطنيته واستقلاليته وكفاءة أدائه، وحرصه على استقرار البلد وأمنه. وأيضا، معروف بصلابة مواقفه في وجه الاعتداءات “الإسرائيلية” على لبنان، ودعمه لمقاومته الوطنية، ومؤازرته لقوى الأمن الداخلي، ضمانا لفرض الأمن والنظام في وجه الإرهاب. وهو بالإضافة إلى ذلك، يحظى بتقدير واسع بين المواطنين والأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالشأن اللبناني وأثناء مواجهة عصابات فتح الإسلام، في مخيم نهر البارد كان لتوجيهاته دورا مركزيا في محاصرة الإرهابيين، والتقليل من الخسائر في صفوف المدنيين. وقد وجد في العميد الركن الراحل، فرنسوا الحاج خير ملتزم بتوجيهاته وتعليماته.

 

ولذلك فإن اغتيال العميد الحاج هو ضربة موجهة في الصميم إلى البلد ككل، وللمؤسسة العسكرية بأسرها باعتبارها االضامن للوحدة الوطنية، والى المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية، قائد الجيش العماد ميشال سليمان.

 

لقد فقدت المؤسسة العسكرية باغتيال مدير عملياتها، احد كبار قادتها، المعروفين بسلامة طويتهم الوطنية. وكان من المفترض أن يحل الفقيد محل العماد سليمان، وأن يتبوأ منصب قائد الجيش اللبناني، في قيادة الجيش في حال انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية. في هذا السياق، فإن أحد أهداف عملية الإغتيال الأخيرة، هو رفض الموقف الحيادي للجيش اللبناني، وحرف موقفه الوطني المبدئي، الرافض للإصطفاف في أي من خنادق الأطراف المتصارعة. ولعل الذين وقفوا خلف تنفيذ عملية الإغتيال قد أملوا في إحداث فراغ في البنية العسكرية، يمكنهم استثماره، وفقا لممكناتهم، وملؤه بما يخدم أهدافهم وتكتيكاتهم.

 

ان محاولة المساس بالمؤسسة العسكرية، يعني النية والتخطيط لإقحامها في الأزمة السياسية، وبالتالي خلط الأوراق وإطالة الأزمة وتعقيد الحالة السياسية والأمنية، والاستفادة من تبعاتها، وهي أمور لا يستفيد منها أحد من أطراف الصراع الداخلية. وإذن فلا مناص من البحث عن المستفيد خارج حدود لبنان، وفقا للاستراتيجيات الدولية والإقليمية المعلنة… وضمن الشعار الواضح والصريح، المعمم الآن في عدد من بلدان المنطقة: الفوضي الخلاقة!…

 

yousifsite2020@gmail.com

 

اضف تعليق

اسمك بريدك الالكتروني

 

تعليقك:

تعليقات

 

* تعليق #1 (ارسل بواسطة ابو هلاله)

 

ما لك وما لبنان…..انت في وادي وهم في وادي….وأنت لا تعرف لا السنه ولا الشيعه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

19 − 3 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي