استمرارية التحديث ضمانة رئيسية لصيانة السلم الاجتماعي
صدور الأمر السامي في يوم الجمعة 28 رمضان عام 1427هـ الموافق 20 أكتوبر عام 2006م القاضي بتشكيل هيئة للبيعة، والذي وردت تفاصيله في الصحافة الرسمية، وأجهزة الإعلام المحلية المقروءة والمرئية، يعد خطوة على طريق التحديث في سلم القيادة وآلية انتقال الحكم. وقد جاء بعد جملة من الخطوات التي تراكمت خلال الربع قرن المنصرم، تمثلت في صدور النظام الأساسي للحكم، ونظام المناطق، وتعيين مجلس للشورى، ومن ثم الخطوات التي تتابعت في الأربع سنوات الماضية، ودشنت بإطلاق مركز الحوار الوطني والإنتخابات البلدية، والبدء في تدشين مؤسسات المجتمع المدني، وتطوير نظام الصحافة، والمناقشات الجارية الآن في مجلس الشورى الموقر حول صدور نظام للجمعيات الأهلية.
هذا الحديث ليس معنياً بمتابعة ما تحقق من خطوات، أو التعليق على الأمر السامي بتشكيل هيئة البيعة. فقد جرى تغطية هذه المواضيع في حينها، وكفاني كثير من الزملاء ما أدلوا به من قراءات وتحليلات واجتهادات – يحمدون عليها – مؤونة ذلك , وليس من شك في أن هذه الخطوات قد جاءت لتلبي حاجات محلية، ولتتجانس مع عصر كوني سماته الشفافية والوضوح والتعددية، وقيام دولة المؤسسات، المعتمدة على منح دور أكبر للجمهور في صناعة القرار.
لقد جاءت هذه الانجازات لتمنح الأمن والثقة للمواطن باستمرار مسيرة التطور ضمن خطى واثقة ودؤوبة، لا تخشى من التغيير، ولا ترجفها قوانين حركته. وهي خطوات لن تتوقف ما دام الكون في حركة دائبة، ما دامت شرعية البقاء والاستمرار والاستقرار تتطلب مزيدا منه. وأيضا، ما دام التماهي مع متطلبات البناء والتنمية واللحاق بثورات العصر يفترض خيارات جديدة لا مناص من تبنيها. إن العقل المحافظ الرافض لسنن التطور والتقدم هو وحده الذي يتشبث بمقولة “ليس في الإمكان أبدع مما كان”، أما عناصر التقدم المؤمنة بقدرة هذا الوطن على بناء المستقبل الواعد، فإنها ترى أن لدى الإنسان قدرات كبرى على الإسهام في تقرير مصائره وأقداره، وصناعة الحياة الأفضل ليس لجيله فحسب، بل وللأجيال القادمة.
ولعلنا نستمثر هذه المناسبة، فنذكر بما سبق لنا التأكيد عليه في أحاديث سابقة، بأن وقائع الجغرافيا والتاريخ، قد فرضت علينا أن نكون في قلب العالم، وأن كون بلادنا أكبر منتج للنفط، العصب المحرك للصناعة في العالم، قد جعلنا مركز استهداف من قبل قوى الهيمنة. ولن نأتي بجديد إذا قلنا إن بلادنا شهدت خلال الأربع سنوات المنصرمة أكبر التحديات التي واجهتها في تاريخها. وأنها بحمد الله، بتلاحم أبناء هذا الوطن، والتفافهم حول قيادته، وتمسكهم بوحدة بلادهم وبثوابتهم الوطنية قد نجحت إلى حد كبير في الامتحان , وعبرنا جسر الخوف. لكن مشاريع العدوان والتفتيت لا زالت سيفا مسلطا ترفعه قوى البغي بحق كثير من أقطارنا العربية، وبضمنها بلادنا كما أن مشاريع التخريب والعنف لا تزال تأخذ مدياتها في كثير من البلدان العربية والإسلامية، بما يفرض مراجعة مستمرة، البحث عن مخارج تؤمن لنا الأمن والاستقرار، وتجنبنا مخاطر الفتنة والعنف، وتحقق استمرار الوئام والمودة بين أبناء الشعب الواحد.
إن صيانة السلم الاجتماعي تأتي في سلم الأولويات التي ينبغي الحرص عليها، حتى يكون وطننا صخرة فولاذية تتحطم عليها كل محاولات الاختراق والنيل من السيادة. وصيانة هذا السلم تقتضي نبذا لكل عوامل الفرقة.. تقتضي نبذا للأنانية وتغليبا للإيثار.. تقتضي أن ينال الفرد موقعه الإجتماعي والوظيفي بسبب قدراته وكفاءاته، وليس بسبب من حسبه أو نسبه أو جاهه، أو معتقده، أو لونه أو جنسه.
إن صيانة السلم الاجتماعي تستوجب نبذا للعشائرية والقبلية والطائفية. وأن يؤخذ بعين الاعتبار أن هناك جملة من الاستحقاقات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية التي حان الوقت للتعامل موضوعيا وبجدية معها. ولن يجدي الوعظ والإرشاد في سبيل تحقيق ذلك، بل لا بد من صياغة لوائح وأنظمة وقوانين تؤكد على تلك الاستحقاقات، كطريقة لا بديل عنها لصيانة الوحدة الوطنية، من خلال ترسيخ وتغليب مبدأ المواطنة، على ما عداه من التفرعات الأخرى.
وفي هذا الاتجاه، أعتقد أن الإسراع في صدور قانون الجمعيات الأهلية، مع التركيز على مبدأ استقلاليتها، وانبثاقها الحر، ومنحها دورا مؤكدا ورئيسيا في صناعة القرار سيكون خطوة مهمة في حماية الوحدة الوطنية. ولعل من الأهمية في هذا الصدد، الإشارة إلى أن المرأة في بلادنا جرى تهميشها لفترة طويلة عن المشاركة في لعب دور قيادي في بناء البلاد، وقد حان الوقت لأن تمارس دورا أماميا في نهضة الوطن وتحقيق نمائه، وأن تعبر عن ذلك من خلال حضورها في مؤسسات المجتمع المدني، التي تجري مناقشة تدشينها الآن على أعلى المستويات. كما ينبغي تشجيع الفنانين والمبدعين والكتاب..، من خلال جمعيات تمثلهم وتعبر عن آمالهم وتطلعاتهم، للمشاركة في مسيرة البناء والتنمية والنهضة.
وسيكون تفعيل أداء المجالس البلدية، التي مضى على انتخابها حتى الآن أكثر من سنتين، ومنحها دورا مهما في تطوير البنى الهيكلية للمدن، وتحسين أداء الخدمات خطوة أخرى على صعيد تعزيز علاقة المواطن ببلاده وببنيانها الفوقي.
وما دمنا نتحدث عن الإصلاح، وعن الخطوات التي يأمل المواطن في تحقيقها، استكمالا لمسيرة الخير، وحماية لأمن البلاد واستقرارها، فلا مندوحة من الحديث عن أهمية تطوير مجلس الشورى، بحيث يتماشى مع روح العصر، ويقترب في تشكيله من مثيلاته من المجالس في البلدان الأخرى. إن ذلك يقتضي نقله من الحالة الشورية إلى الحالة التشريعية، على أمل أن يكون هذا المجلس ممثلا من خلال الانتخابات الحرة لشرائح المجتمع. ولا ضير في تعيين بعض أعضاء هذا المجلس، بعد نقله إلى الحالة التشريعية، من قبل القيادة السياسية كمرحلة أولى، كما هو الحال في انتخابات أعضاء المجالس البلدية.
ومن جهة أخرى، فإنه قد مضى على تأسيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني فترة لا بأس بها، وكان بحق تجربة رائدة. وقد حان الوقت لتطوير هذا المركز، بحيث يمثل في تشكيلاته، ليس فقط الحضور الوطني، ولكن أيضا تمثيلا حقيقيا لكل شرائح المجتمع، بمختلف توجهاتها الفكرية والثقافية، من أجل أن يكون أداءه أكثر فاعلية وعطاء.
وأخيرا وليس آخرا، فإن المواطن، وبخاصة شرائح المثقفين والمفكرين، يتطلع إلى صدور نظام جديد للصحافة والمطبوعات يضمن تطوير مفردات حرية الرأي والتعبير، بما يسهم في تشجيع النزعات الإبداعية وتطوير الطاقات الفكرية والثقافية في مجتمعنا. ويتطلع المواطن أيضا إلى إصلاح مناهج التعليم وتطوير الخدمات الصحية وتحسين الأداء الإداري..
إنها جملة من الآمال والتطلعات، فرضتها تغيرات متسارعة تجري من حولنا. وهي آمال وتطلعات لا يتحمل عبء تحقيقها جهة ما بعينها، ولكنها حاصل تفاعل أفقي خلاق، بين مختلف فئات المجتمع وشرائحه من جهة، وتفاعل آخر، عمودي بين قاع المجتمع وسفوحه، بين بنائه التحتي وبنائه الفوقي. ومن أجل ذلك، ينبغي أن تتظافر جهود الجميع، وتتحد قواهم، نائين بأنفسهم عن المصالح الذاتية والأنانية، ومغلبين مصلحة الوطن، إنها مسؤولية جماعية ينبغي الإضطلاع بها دون كلل، ضمانا لاستمرار مسيرة التحديث، وصيانة للسلم الاجتماعي، وهي مسؤولية، كما أعدنا وكررنا، ليست فرض كفاية.
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-10-25
2020-06–1 0-:02
علي الكاش/كاتب ومفكر عراقي من اليونان
الأستاذ الدكتور يوسف مكي المحترم
تحية عطرة
كما ذكرت في مقالك الرصين بأن مسؤولية تطوير المجتمعات وتحقيق آمالها وتطلعاتها المشروعة في التنمية والتقدم والمسار الديمقراطي هي مسؤولية جماعية تتظافر فيها جهود الدولة ومؤسساتها والقوى الشعبية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الأعلام ولكن تبقى المسؤولية الكبرى بيد الدولة لاسيما في عالمنا الثالث حيث تشدد الدولة قبضتها على كافة هذه المؤسسات والهيئات وتسيرها وفقاً لمشيئتها ومصالحها
ويبقى الحل هو الذي اشرت اليه وهو أن تتجرد
جميها من المصالح الضيقة والجشع والأنانية وتصهر جميع مفرداتها في بوتقة مصالح الدولة العليا وتحقيق الأزدهار والتقدم للوطن .