إيران… أزمة انتخابات أم أزمة نظام
بدأ الإفصاح عن الأزمة الإيرانية مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، التي ترشح للفوز فيها أربعة أفراد: نجاد، موسوي، كروبي، رضائي. وقبل إعلان النتائج، أعلن المرشح، ورئيس الحكومة الإيرانية السابق، السيد مير حسين موسوي عن فوزه بشكل واضح. وقد موقفه بتقارير خاصة استندت لمصادر بالداخلية الإيرانية، شاركت في عملية فرز الأصوات أشارت إلى أن موسوي حصل على 21 مليون من إجمالي أصوات المقترعين اﻠ37 مليونا. وأفادت تلك التقارير أن الإحصائيات الرسمية التي نشرتها الداخلية، والتي تظهر فوز نجاد “ملفقة ومعدة مسبقا”. لقد جاءت الإعلانات الرسمية مجافية لكل التوقعات، وأعلنت فوز الرئيس أحمدي نجاد بغالبية الأصوات، وتتويجه في دورة ثانية لرئاسة الجمهورية.
اللافت للانتباه أن الحكومة الإيرانية رفضت السماح إشراف أو اطلاع أي رقابة دولية على إدارة الانتخابات، واكتفت بتكليف لجنة تابعة لوزارة الداخلية، يرأسها مقرب من الرئيس نجاد بإدارة عملية الانتخابات.
إثر إعلان النتائج بدأت الاتهامات، والاتهامات المتبادلة بين فريقي الإصلاح والمحافظين، حيث اتهم زعماء اصلاحيون وزارة الداخلية بتزوير النتائج، عبر برمجيات الحاسوب. وأكد تقرير تم تسريبه من قبل فريق الإصلاح مزاعم المرشح مير حسين موسوي في حصوله على 21 مليون من الأصوات أي بنسبة 57% من المجموع الإجمالي مقابل 10 ملايين صوت للرئيس نجاد بما يعادل 28% من الأصوات. وأكد نفس التقرير حصول محسن رضائي على نحو ثلاثة ملايين صوت وأقلهم كان الشيخ مهدي كروبي على 2 مليون صوت فقط.
وأضاف التقرير أن موظفين في الداخلية الإيرانية اتصلوا بالإصلاحيين، وأبلغوهم بالنتائج الأولية، التي تشير إلى حتمية فوز موسوي، الأمر الذي دفع الرئيس السابق محمد خاتمي أن يستعجل ويهنئ موسوي بالفوز قبل الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية.
وكان مما أثار دهشة الجميع واستغرابهم، فوز نجاد في أماكن ولادة المنافسين الآخرين، في مناطق تسودها صلات قومية وقبلية، ويحظى فيها المرشحون بتأييد كاسح. وذلك ما يؤكد الشكوك في حصول عمليات تلاعب وتزوير كبرى بنتائج الانتخابات. ومما ضاعف من تلك الشكوك السرعة التي أعلنت بها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية فوز الرئيس، مباشرة بعيد إعلان عن فوزه.
وكان موقف المرشد الأعلى المنحاز لنجاد، قد فاجأ كثير من الإيرانيين، خاصة وأن جاء بعد موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية. وكان المؤمل منه أن يقف على الحياد، وأن يطالب بتشكيل لجان تقصي، للتأكد من نزاهة الانتخابات. وقد أسهم موقف الولي الفقيه، في اتخاذ مجلس الشورى قرارا مؤيدا لنجاد، على الرغم من انتقاد أغلبية أعضاء المجلس من الإصلاحيين والمحافظين لسياسات الرئيس الإيراني. ومن بين المفاجآت إعلان كتلة خط الإمام أن النتائج المعلنة لا تتطابق والإرادة الشعبية التي تمثلت في الإنتخابات، وإعرابها عن استغرابها وحيرتها من الإعلان عن فوز نجاد.
وقد شهدت شوارع طهران الرئيسية إثر إعلان النتائج، وخاصة شارع تخت طاووس أكبر مسيرات اجتجاجية ضخمة، لم يشهد لها مثيل إلا قبيل انتصار الثورة عام 1979، شارك فيها الآلاف. وقد اشتبكوا مع قوات مكافحة الشغب وقوات التعبئة. وفي مراحل لاحقة شددت قوات الأمن من هجماتها في محاولة لمنع الإيرانيين من المشاركة في المسيرات التي دعا لها المرشح مير موسوي. وتم وضع معظم رموز الحركة الإصلاحية تحت الإقامة الجبرية أو المراقبة إضافة إلى إيداع أعداد كبيرة منهم السجن. وردا على ذلك أصدر أية الله صانعي فتوى حرمت التعامل مع حكومة نجاد، كما وقفت جمعية رجال الدين المجاهدين المحافظة، ومن ضمنهم رموز معروفة مثل ناطق نوري وهاشمي رفسنجاني، ضد نتائج الانتخابات، متهمة أنصار نجاد في وزارة الداخلية بالتزوير.
بالنسبة لرؤيتنا، لم تكن حالة الانهيار التي يشهدها المجتمع الإيراني، والصراع المحتدم بين مختلف مكوناته مفاجأة لنا. وقد ناقشنا، في سلسلة الأحاديث التي بدأنا بها قبل عشرة أسابيع، طبيعة الأزمة السياسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد أكدت قراءتنا للأحداث، عمق جذور هذه الأزمة، إنها أزمة مركبة ومعقدة، وليست اتهامات التزوير في الانتخابات سوى أحد تجلياتها. وأن أزمة تزوير الانتخابات، والاتهامات المتبادلة، لم تكن كما عبرنا عنها سابقا، سوى القشة التي قصمت ظهر البعير.
هل كانت الأزمة الإيرانية ستنكمش وتتراجع إلى الخلف لو صحت فرضية انتصار المرشح الإيراني مير حسين موسوي في الانتخابات الأخيرة، وتم تتويجه رئيسا للجمهورية؟. ذلك سؤال افتراضي، لكنه مع ذلك سؤال منطقي ووجيه. وستكون الإجابة عليه، من خلال قراءة تجربة الانتخابات في إيران خلال الثلاثة عقود المنصرمة، وأيضا من خلال مسيرة النظام، بالنفي. إن المعضلة كما نراها، تكمن بشكل جوهري في ولاية الفقيه، ليس غير. فهذه الولاية، هي مكمن الداء، مختزلة مصادرة الرأي والرأي الآخر، ومعممة حالات من الإقصاء للمعارضة، وفرض نهج الاستبداد. في ظل ولاية الفقيه، تصبح كل المناصب الأخرى، ومن ضمنها رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس الشورى بدون معنى، طالما بقي القرار الحاسم والأخير، بيد مرشد الثورة الإسلامية.
لقد دخل السيد محمد مهدي خاتمي، المقرب من الزعيم الروحي والمرجع الديني، آية الله حسين منتظري، معركة انتخابات عام 1997 ببرنامج إصلاحي. وتمكن من الفوز بنسبة اﻠ 70% من الأصوات، وهي نسبة ساحقة بكل المقاييس. وبموجب تلك النتيجة أصبح الرئيس الخامس للجمهورية الإسلامية. لكنه لم يتمكن من التقدم قيد أنملة صوب تحقيق برنامجه الإصلاحي. لقد كان المرشد الأعلى للجمهورية واقفا له بالمرصاد. فقد استخدم الولي الفقيه الصلاحيات الممنوحة له، بموجب الدستور الإيراني، لفرض فيتو على كل خطوة يتخذها خاتمي، باتجاه توسيع دائرة المشاركة في صنع القرار. وفي ذلك الحصار، استخدم المرشد مجلس الشورى الإيراني، كما استخدم المراجع الدينية الأخرى، وسلطة القرار الأوحد الممنوحة له لمحاصرة الرئيس المنتخب. ولم يكن وضع المرشحين الآخرين، ليتخلف عن وضع رئيس الجمهورية السابق خاتمي, فقد تبوءوا هم أيضا، في مراحل سابقة مراكز مهمة في السلطة. فالمهندس مير حسين موسوى، كان رئيسا للحكومة، لثمان سنوات، إلى أن ألغي هذا المنصب، بعد وفاة آية الله الخميني، وتولي السيد على خامنئي مهمة مرشد الثورة الإسلامية. وبالمثل كان المرشح مهدي كروبي، رئيسا للبرلمان الإيراني. ولم يستطع أي منهم المضي قدما في تحقيق برامج الإصلاح التي يطالبون بها الآن.
المتوقع لو تمت الأمور، وفقا لتمنيات قوى الإصلاح، وفاز موسوي، أن يعاود الولي الفقيه، محاصرة مركز الرئاسة، ويفرض هيمنته على كافة مؤسسات الدولة، كما كان دائما. وستستمر لعبة القط والفأر بين شد وجذب، بين قوى الإصلاح والمحافظين. ولن يكون حال المواطن الإيراني، أفضل مما هو عليه الآن. مكمن الأزمة كان ولا يزال في النظام، والمطلوب معالجة الأزمة في جذورها، وإقامة نظام وطني يستمد مشروعيته من علاقة تعاقدية بين الحاكم والمحكوم، علاقة تقوم على الندية وتكافؤ الفرص، وتستمد مشروعيتها من الدستور، ومن بيئة المجتمع الإيراني، ومناخاته، لا من التيه في التاريخ السحيق والغابر، أو من سنن ما أنزل الله بها من سلطان. وما لم يتحقق ذلك، فسوف تبقى إيران إلى مدى غير منظور فوق فوهة بركان.
°±v±°
yousifsite2020@gmail.com