إنها إذن ليست مجرد هزيمة أخلاقية
قبل ثلاث سنوات من هذا التاريخ كانت الإدارة الأمريكية في غمرة نشاط دبلوماسي واسع، وكانت تتحرك بسرعة من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز لها العدوان على العراق، بعد أن تمكنت من استصدار القرار رقم 1441، الذي يعتبر العتبة التي تسلقها مشروع العدوان والذي هيأت نصوصه المسرح الدولي والمحلي لقبول التطورات اللاحقة.
كانت مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي، كونداليزا رايس ورئيس وكالة المخابرات الأمريكية، جورج تنت ووزير الدفاع، دونالد رامسفيلد يتناوبون على زيارة الكونجرس الأمريكي، في اجتماعات متعاقبة لإقناع أعضائه بخطورة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، مؤكدين حيازته لها، وعلاقته مع تنظيم القاعدة. كانت جميع جهود الإدارة الأمريكية منصبة على إقناع أصحاب القرار في المؤسسات التشريعية والدستورية بأن الحرب على العراق تشكل أمرا حيويا من أجل الحفاظ على الأمن القومي والمصالح الأمريكية، وأنه ما لم يتحقق ذلك فإن المدن الرئيسية الأمريكية ستكون عرضة لهجوم، أو هجومات مماثلة، لذلك الذي حدث في 11 سبتمبر/ ايلول عام 2001، أو اخطر منه.
في 5 فبراير/ شباط التقى الرئيس الأمريكي بوش بعشرين عضوا، من المفاتيح الرئيسية، بالكونجرس مؤكدا لهم أن الولايات المتحدة لن تدع أمر سلامة أمنها القومي في مهب الريح، أو تحت رحمة قرارات مجلس الأمن، وأن الحرب الحاسمة التي تنتهي باحتلال العراق وإسقاط نظامه السياسي هو الخيار الفعال بعد أن جربت العقوبات الإقتصادية والخيارات العسكرية المحدودة وقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة.
وفي نفس التاريخ حضر وزير الخارجية الأمريكية، كولن باول إلى مقر مجلس الأمن الدولي في نيويورك. وقام بعرض حاول من خلاله أن يثبت امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.. تحدث عن مكالمات ملتقطة بين عسكريين عراقيين تؤكد نقلهم لأسلحة دمار شامل من مركز إلى آخر… دون إشارة إلى تدميرها. وقال إن فرقة صواريخ متمركزة خارج بغداد كانت دائبة على إرسال منصات إطلاق ورؤوس حربية متضمنة أسلحة بيولوجية إلى مواقع مختلفة. وقام بعرض صور أخرى موحية بإجراء عمليات تنظيف كبرى لمقر أسلحة دمار، قبل وصول مفتشي الأمم المتحدة مباشرة له. وقال في اتهاماته إن هناك مصانع كيمائية موجودة على عجلات متحركة، وفي عربات سكك حديدية. وقدم مخططات تفصيلية لمتختبرات متنقلة على الشاشة. كما أشار إلى وجود مركبات جوية غير مأهولة، قامت بتحليقات تجريبية قطعت خلالها 500 كيلو متر، بقيادة ذاتية وفقا لأنماط السير المقررة لها، وأن تلك المسافة تفوق ثلاثة أضعاف المسافة المسموح بها للعراق من قبل الأمم المتحدة. وأشار إلى أن العراق يمكن أن يستخدم هذه المركبات الجوية لإيصال قذائف بيولوجية ضد جيرانه.
تحدث باول في ذلك الإجتماع عن “احتمالات أخطار أكثر شؤما”، وأشار إلى قصة الزرقاوي، مؤكدا وجود علاقة بين النظام الذي كان يحكم العراق وبين تنظيم القاعدة. وقد استغرق ذلك العرض 75 دقيقة، لكنه فشل في إقناع مجلس الأمن الدولي في تبني الموقف الأمريكي، وفي منح الإدارة الأمريكية ضوءا أخضر لشن العدوان.
بعد العدوان واحتلال العراق، تكشفت الحقائق على الأرض. تكشف أن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل، ولم يثبت حتى الآن وجود أي نوع من العلاقة بين النظام الذي كان قائما حتى عشية احتلال بغداد وبين تنظيم القاعدة. وتكشف أيضا عدم وجود أي مبرر للحرب.
حسب البعض أن الإدارة الأمريكية كانت لديها قناعات خاطئة عن وجود أسلحة دمار شامل وعلاقة مفترضة مع تنظيم القاعدة. وأن الحرب في هذه الحالة تفترض حسن النية والحرص على الأمن القومي الأمريكي. لكن ما هو متاح الآن من وثائق يكذب هذه الإفتراضات جملة وتفصيلا. ويؤكد أن احتلال العراق كان هدفا قائما، وكان ضمن أجندة الرئيس بوش، قبل حوادث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 التي أعلن إثرها حربه العالمية على ما دعاه الإرهاب، وبل قبل وصوله إلى البيت الأبيض. ومن أراد متابعة للوثائق الأمريكية ولقصة العدوان على العراق، فما عليه سوى مراجعة كتاب “خطة الهجوم” للكاتب الأمريكي، بوب ودورد، المترجم للعربية عن مكتبة العبيكان عام 2004.
إن وكالة الإستخبارات المركزية، حسب بوب ودورد، قد أكدت في تقريرها أن العراق “احتفظ بمخزون احتياطي صغير من أسلحة الحرب الكيميائية، لا رؤوس حربية فعلية”. وأن التقويم الإستخباراتي القومي الامريكي السري الصادر في ديسمبر/ كانون الأول عام 2000 لا يشير إلى أن في حوزة العراق أي أسلحة بيولوجية. واللافت للنظر أن ذلك يخالف ما قاله رئيس الوكالة في معرض تحريضه للكونجرس الأمريكي، أمام لجنة غراهام في 6 فبراير/ شباط عام 2003، حيث قال إن العراق مستمر في بناء وتوسيع بنية تحتية قادرة على إنتاج أسلحة دمار شامل، وأن صناعته الكيمائية متوسعة بطرق تمكنها من التحول بسرعة إلى أسلحة كيمائية، وأنه يواصل العمل في برنامج أسلحة بيولوجية فعال وقادر.
وفي مايخص البرنامج النووي، أشار تقرير وكالة المخابرات المركزية إلى أن العراق لم يتخل عن طموحه في إنتاج أسلحة نووية، ولكنه لم يشر إلى أنه كان موشكا على صنع قنبلة نووية. كان التقرير الإستخباراتي الأمريكي يقتصر على أحكام افتراضية قائمة على استخدام كلمات مثل “ربما” و”قد” أو “من المحتمل”. وقد رأى عنصر استخباراتي محترف هو ستو كوهين أن مثل هذا التقرير لا يتضمن أدلة مدرعة لا يأتيها الباطل. وأنه لم يكن يحمل أي برهان على توفر ما يؤكد وجود أدوات أو أسلحة بيولوجية نافذة، أو مرجل تنبعث منه سحب دخان أدوات حرب كيمائية. ووكالة الإستخبارات الأمريكية التي أكدت امتلاك العراق لمادة الإنتراكس، لم تستطع توفير ما يؤكد اتهامها ذلك، ولم تعثر عبر وسائلها الخاصة على أية عينة منه.
هكذا إذن، لم تكن الطنطنة والضجيج الذي ملأ العالم بأسره حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ولعلاقة مفترضة مع الإرهاب الدولي سوى منهج ميكيافيلي، جرى تصميمه بشكل اعتباطي وعلى وجه السرعة، ليكون أحد مستلزمات التحضير للإحتلال، بحيث لم يتمكن مصمموه، رغم جبروتهم وقوتهم العسكرية والمادية، التي لا تضاهى، من إحكام صناعته.
يوم العاشر من أبريل/ نيسان عام 2003، بعد احتلال بغداد بيوم واحد كتبت ضمن خربشاتي، “أيا تكن النتائج السوقية التي تحققت أو تتحقق في مسرح المواجهة بأرض العراق، فإن المؤكد أن هزيمة أخلاقية قد لحقت بإدارة العدوان الأمريكي تجعل من المستحيل على اللاهثين خلف احتلال العراق تسويق مسوغاته”.
إن الإدارة الأمريكية التي نجحت في تحشيد عدتها وعتادها وتمكنت من فرض هيمنتها على معظم الأنظمة العربية للمشاركة في العدوان أو تقديم التسهيلات له، عجزت عن استصدار قرار من مجلس الأمن يجيز عدوانها. كما عجزت عن إقناع كل دول العالم، بما فيها الدول التي تماهت مع سياساتها، بأسباب هذا العدوان، وقامت به خارج إطار أغطية الشرعية الدولية التي عودتنا على التبجح بمبادئها. وكان ما شهده العراق، ولا يزال، من قتل للأبرياء وتدمير لبيوت المدنيين وتسويتها بالأرض، ومن مقابر جماعية وتخريب لمجمل البنى التحتية في المدن العراقية، واعتداء على الأعراض وتعمد لإخفاء الحقيقة، وبعث للفتنة الطائفية البغيضة، ومن سلوك وحشي وهمجي يعيد إلى الذاكرة قانون الغاب قد شكلت جميعها دليلا دامغا على إفلاس أخلاقي مريع.
إنها هزيمة أخلاقية، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهي جريمة لن يتمكن العالم من الوقوف طويلا مكتوفا أمامها، أو السكوت عليها، ليس من باب الوقوف مع العراق في محنته، ولكن من باب الدفاع عن النفس، وهو حق كفلته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية وشرعة الأمم، ومبادئ القانون الدولي. لقد تنبأ كثيرون، أن هذه الجريمة لن تمر دون حساب، وأن المنطقة ستشهد أعاصير وبراكين تجعل الغزاة يندمون على فعلتهم، حين يكون الوقت متأخرا لإبداء الندم، لكنهم لم يتوقعوا أن الغزاة سوف يندحرون حاملين معهم جثث جنودهم وأشلاء قتلاهم، قبل أن انبلاج خيوط الشمس في بغداد وسطوع أنوارها.
قبل مرور ثلاث سنوات على احتلال بلاد النهرين، وقبل انبلاج صباح بغداد، وتجمع خيوط شمسها، وماء دجلة الرقراق العذب لا زالت ترجه المجاديف القديمة، وبلابل البصرة كما كانت، منهمكة في قضم تمر النخيل، وفي الغناء للأهل والأحباب قريبا من شط العرب. فجأة بعد سقوط عشرات الألوف من القتلى والجرحى، في صفوف جند الغازي المحتل أعلن الرئيس الأمريكي، جورج بوش وحليفه رئيس الوزراء البريطاني، طوني بلير أن الإنسحاب من العراق سيبدأ منذ الآن، ويتواصل حتى يستكمل “العراقيون سيادتهم”، لا بأس إذن سينتزع العراقيون سيادتهم…
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-01-25
2020-06–0 1-:03
عبدالقادر كعوش من Ottawa, canada
أجل..سينتزع العراقيون سيادتهم.. وسيندحر الغزاة المتآمرون. والنصر للمقاومة الأسطورية.
2020-06–0 1-:05
Wisam من Germany
Thank you very much Dear Dr. Yousof Maky,
Your report is great. i would like to thank you again
.
The Iraq needs you and need any another honest person who can support us with his sound.
Best regards
Wisam
2020-06–0 1-:06
صالح من U.K.
الأخ الدكتور/يوسف المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:-
انني من المعجبين والمتابعين لمقالاتك التي تعبر فيها عنروحك الوطنية والقومية التي أعتز بالانتماء لها أيضا. انسحاب كما يقال بعد خراب مالطه. كيف يمكن للعراقيين الشرفاء الغيارى على وطنهم وعروبتهم أن يكتفوا فقط بالانسحاب المدحور لهولاء الغزاة, هل هدا ثمن كافي لدمار العراق وقتل أهل العراق ومن سيدفع الثمن؟ هل الدول العربية التي ساعدة وسهلة لما جرى ويجري؟ ام اولائك المرتزقة الدين جاء بهم الاحتلال تحت مسمى الوطنيين (المعارضة في المنافي) أم الدول التي ساهمت بشكل مباشر في العدوان وهل هناك ثمن لما حصل ويحصل؟ رحم الله جمال وأسكنه فسيح جناته ونا لله وانا اليه راجعون.
فقط حبيت أن أعبر عن ما يلوج بخاطري معك عللي أصبت والله من وراء الفصد.
أخوك ومحبك بالله
صالح
2020-06–0 1-:01
متابع من حيفا
على المعتدي ، كما تقول التجربة التاريخية ، أن يحقق الهزيمة الأخلاقية على مستوى الذات ، ليضمن انتصاره على مستوى الصراع الميداني . الرياضيون يتخففون من الملابس ، ولا ينزلون إلى الحلبات بمعاطف ثقيلة . ولعل على العرب أن ينهزموا أخلاقيا لتحقيق أهليتهم للمواجهة مع غيرهم . وفي الحقيقة لا يوجد أحد في هذا العالم غيرنا يوظف الأخلاق في الدفاع عن نفسه ، وذلك لأننا أقل شعوب العالم أخلاقية وكرامة وشرفا ذاتيا . ولو كان لنا أية صلة معرفية بالأخلاق لعرفنا أن المهزوم لا أخلاق له ، لأن الأخلاق هي امتحان القوي والمنتصر بعد الحرب وليس قبلها ، حيث أنه قادر على إملاء شكل العلاقة مع العدو المهزوم ، داخل اعتبارات
النظام الأخلاقي المعتمد أو خارجها . أما المهزوم فلا يملك لغيره ضرا ولا نفعا . لذلك فعلينا أن ننتصر أولا لنمتلك الخيار الأخلاقي . وأمريكا بلد اكتشفته صدفة الجشع التجاري ، وأسسته الجريمة ، تاريخا وشعبا وأخلاقا . إنها ظاهرة للتمدن الهمجي ، وليست ظاهرة لها أية علاقة بنيوية بحضارة التاريخ البشري . فكيف يستهجن أحد إذن مسوخيتها المستوجبة بضرورات البنية والتكوين ؟! وبأي حق نلومها، ونحن لا نمتثل لاستغاثات الإنساني فينا ، الذي تريد أمريكا قتله بليبرالية اخلاق الجريمة وديموقراطية الإنحراف الطبقي ؟ لم تترك لنا أمريكا كعرب عرضا لم تجعل من انتهاكه شرفا دوليا وواجبا على كل أمم الأرض المتحضرة ،أنظمة وشعوباوأفرادا. لم تترك لنا كرامة شكلية نتعلق بها ولو كذبا. تدوس وتجند حتى سلالات عصر الجواري المنتهكات لتدوس إنسانيتنا دون أن يؤثر ذلك في ولاء الأنظمة العربية المطلق لها ، أو يؤثر في ولائنا إلا فيما ندر لتلك الأنظمة . فمن هو الأكثر لا أخلاقية يا دكتور ، نحن أم هم ؟
لا طعن في نزاهة خطابك يا دكتور . لكن النزاهة وحدها أصبحت تقصيرا على ضوء فداحة المستوجب منطقيا.لم يعد لدينا مكان لاستنفار أخلاقيات الآخرين ، لأن أفضلهم يعترفون لنا بإنسانية ناقصة كحد أقصى . متى في رأيك نصل حدا من الإستفزاز يصبح معه كل خطاب دون الإستنفار والتحريض والتعبئة خطابا ناقصا؟
ومتى سنتخلص من فضيلة التروي المثيرة للعجب عل ضوء حاصل الإقتحام الشرس لوجودنا ووجوديتنا ؟ متى ستصبح الكتابة فدائية المثقف العربي الملتزم إن لم يكن الآن ؟ بل وأكثر بساطة : متى نتوقف ثقافيا عن التمسك بسقف ثابت لحرية الرأي ربما تكون المرحلة قد تجاوزته ؟ هل أصبح التعرض لفضائية مشبوهة ،أو للخطاب الطبقي المنافق للنظام والغزو الديموقراطي الأمريكي من ممنوعات حرية الرأي ؟ في النهاية فإن المكتوب مسؤولية الكاتب كما تقولون .
2020-06–0 1-:01
الدكتور محمد المختار ديه الشقيطي المدير الناشر ورئس تحرير مجلة البصائر في نواكشوط من موريتانيا
انظمة العرب وفوز حماس
الأنظمة العربيه مذهوله،من فقدان الشرعيه،وفاقدة الصواب من هول المفا جأة،وخائفة من إسرائل،ومهزومة أمام التنميه،ومنهارة من مساوء تاريخها…….
كل هذا صحيح لكن أعتقد أن حماس:بجدارتها وروعة أدائها،ونعدام البديل عنها،سوف تتلقى الدعم من بعض الأنظمة العربيه:سوريا قطر السعوديه،الكويت،ثم إران.
حماساليوم:تاج الفخر لشعوب العربيه والإسلاميه بأحزابها ومنظماتها:الوطنيه والإسلاميه والقوميه،هذا مما لا شك فيه،وهذا ما سيجعل الغرب يراجع موقفه من حماس،بعد إنجلاء الصدمه:وأداء حماس حتا بعد النصر:
كسر نظارات الزيف والكذب الأمركي،ودموع التماسيح العلميه على الدمقراطيه والحرية وحترام للعبة.
د محمد المختار ديه
2020-06–0 2-:04
سموحة من الأردن
وانتي شو خصك يا موريتاني بفلسطين ؟ إنتو خصكم باسرائيل .