إنا لله وإنا إليه راجعون

0 188

فجعت المملكة العربية السعودية وشعبها برحيل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، بعد مرض لازمه لفترة طويلة. تغمد الله روحه بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته. وقد تربع الملك فهد سدة الحكم منذ حزيران/ يوينو عام 1982، إثر انتقال الملك خالد إلى الرفيق الأعلى، مرت خلالها المملكة، والمنطقة العربية بشكل عام بحوادث عاصفة، شملت احتلال الجيش الإسرائيلي لأول عاصمة عربية، بيروت ، والحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج الثانية والإحتلال الأمريكي للعراق، وتغيرت خلال هذه الحقبة أنظمة سياسية ورحل زعماء سياسيون، ووقعت معاهدات صلح بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، وتغيرت معادلات دولية. فقد انتهت في عهده الحرب الباردة وسقط الإتحاد السوفييتي والمنظومة التابعة له. وأعيد رسم الخارطة السياسية الدولية من جديد. وكان من المحتم أن ينعكس ذلك، بشكل واضح على طريقة أداء الملك الراحل في إدارة البلاد والتعامل مع المتغيرات والمستجدات.

 

وقد تم انتقال الملك إلى عبد الله بن عبد العزيز بسهولة ويسر، وكان ذلك أمرا طبيعيا، فقد كان يدير شئون الدولة لفترة تجاوزت العقد من الزمن، كما كان تولي الأمير سلطان بين عبد العزيز لولاية العهد أمرا متوقعا أيضا، بحكم كونه الشخصية الثالثة في هرم السلطة، بعد الملك فهد وولي عهده. وهكذا فإن ما جرى هو استمرار لتقليد عكفت عليه القيادة السعودية منذ تأسيسها، وكان صمام أمان في استمرار العملية السياسية، بعيدا عن العواصف والتقلبات. ولا شك أن ذلك هو مبعث اطمئنان على صعيد ثبات علاقات المملكة والتزاماتها بالخارج من جهة، وهو أيضا تأكيد لاستمرارية نهج الحكم وسياساته في الداخل.

 

ومن الطبيعي في مناسبة كهذه، أن يتبارى الصحفيون وأجهزة الأعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بتناول هذا الحدث الجلل وتأثيراته، وتناول سياسات الزعيم الراحل على كافة الأصعدة، الداخلية والخارجية بالقراءة والإشادة والتحليل.

 

لا يطمح هذا الحديث إلى تناول مآثر الراحل الفقيد وسياساته، فتلك أمور تحتاج إلى أحاديث مطولة لن تتسع هذه المقالة لتناولها. وقد جرت تغطيتها من قبل كثير من الزملاء، كل في مجاله. بل سنقصر تركيزنا على عملية البناء السياسي للدولة، والدور الذي لعبه خادم الحرمين الشريفين فيها، ليس فقط من أجل تدوين الحوادث بما يليق بفداحة الحدث، ولكن من أجل التهيؤ للمستقبل، نحو المزيد من العطاء والترسيخ للخطوات التي تحققت في المملكة خلال الربع قرن المنصرم.

 

إن التاريخ الإنساني في مجمله هو بالتأكيد سلسلة متصلة، وهذه السلسلة تتكون من حلقات، تستند كل حلقة فيها إلى الحلقة السابقة عليها. لكن ذلك لا يعني أن كل الحلقات تتشابه في أشكالها وحجومها وبصماتها. إن التشابه في الحجم والشكل واللون يعني أن هناك سكونا، وتوقفا عن الحركة وهو ما ترفضه حركة التاريخ وقوانينها، وترفضه أيضا طبيعة المشاكل والتحديات وردود الفعل الرسمية تجاهها داخل المملكة.

 

لقد تأسست المملكة العربية السعودية في حقبة لم يكن فيها وجود للدولة، بالمفهوم الحديث في معظم البلدان العربية. وشقت طريقها وسط ظروف دولية بالغة التعقيد. ومع بداية الستينيات، استكملت عملية بناء الهياكل الأساسية للأجهزة التنفيدية. وتم التركيز في الفترة التي تلتها على تدشين القاعدة التحتية للتنمية، التي عرفت لاحقا بالبنية الأساسية. وإثر الطفرة النفطية الأولى استمر العمل بشكل حثيث لاستكمال البنية الأساسية. وبعد وفاة الملك فيصل وتولي خادم الحرمين الملك فهد لولاية العهد أصبح هو مهندس الطفرة. وتزامن ذلك بالحديث عن تطوير أساسي في هيكلية الدولة، وبدأ التبشير بمجلس الشورى، والنظام الأساسي للحكم ونظام المقاطعات.

 

وبعد تسلم الزعيم الراحل، بفترة أصبح مجلس الشورى والنظام الأساسي للحكم بالمملكة ونظام المقاطعات حقائق معاشة على الأرض. وتزامن ذلك مع تطوير وإعادة تشكيل بالبنية الهيكلية التنفيذية والإقتصادية في البلاد. وارتفعت وتيرة الحديث عن الإصلاح السياسي. وكان أن تزامن ذلك مع منح دور أكبر للصحافة المحلية ولأجهزة الإعلام، في النقد وممارسة حرية التعبير. بحيث يستطيع المرء، أن يقول، بشكل محايد، بأن ثمة تطورات إيجابية كبيرة شهدتها المملكة في هذا الجانب بالعقد الأخير.

 

ومادمنا نتحدث عن هذه التطورات، فإن الأمانة تقتضي الإشارة لجملة المتغيرات الإيجابية التي شهدتها البلاد على صعيد التطوير الشامل، والمضي بمسيرة الإصلاح السياسي إلى الأمام. لعل أبرز ما رشح منها، الدعوة التي أطلقها الملك عبد الله بن العزيز، الذي كان وليا للعهد بتأسيس مركز للحوار الوطني، وانطلاق هذا المركز بصورة حثيثة شملت عقد أربعة لقاءات، ناقش كل لقاء فيها محورا مهما، من المحاور التي تهم المواطن السعودي، وتتعلق بمستقبله. وتزامنت هذه الخطوة بإعلان قيام الجمعية الوطنية الأهلية لحقوق الإنسان، وإعلان آخر بتأسيس مجالس بلدية، يجري انتخاب نصفها من قبل المواطنين بالإقتراع، ويعين النصف الآخر من قبل الدولة. ولا شك أن هذه الإجراءات تشكل خطوات واعدة على طريق تحقيق المشاركة الشعبية في صنع القرار، وبناء مؤسسات الدولة التشريعية، والفصل بين السلطات، على أسس تتجانس مع روح العصر الكوني الذي نعيش فيه.

 

إن الملك عبد الله بن عبد العزيز يتسلم سدة الحكم بشكل رسمي وعملي الآن مسنود بهذه الخطوات والإنجازات، ومسنود أيضا ببنية اقتصادية قوية، يضاعف من متانتها الدخل الضخم الذي يتأتي من عائدات النفط، ومن الإرتفاع المتسارع في أسعاره. وأيضا، وهذا هو الأهم، فإنه مسنود بإجماع وطني على الإلتفاف بقيادته. لكن ذلك يجب أن لا يجعلنا نغفل عن جملة التحديات والمخاطر التي تحيق بالبلاد. فهناك محاولات مستمرة للعبث بأمن المملكة واستقرارها. ورغم أن أجهزة الأمن قد ألحقت ضربات متتالية ومؤثرة في القوى التي مارست التفجير والتخريب خلال السنوات الأخيرة المنصرمة، لكن احتمال استمرارية عمليات التخريب لا تزال قائمة. ومن جهة أخرى، هناك الضغوط الخارجية التي تحاول أن تفرض على القيادة أنماطا معينة من السياسات والمواقف التي لا تتماشى مع مصالح الأمة. وهي ضغوط تمارس في السر والعلن، وليست بحاجة إلى إثبات.

 

وهناك أيضا تحدي التنمية، وهو تحد لا خيار لنا إلا الولوج فيه بقوة، لكي نضمن العزة والمنعة لبلادنا. ومع هذا التحدي تعشعش ثقافة وأفكار متزمتة ومتعصبة تسللت بقوة إلى مدارسنا وجامعاتنا وأجهزة إعلامنا ومراكز أبحاثتنا، بل وإلى شريحة كبيرة من مجتمعنا، وتقتضي منا مواجهتها شجاعة وجرأة، بحيث نجعل من بلادنا واحة للتسامح واحترام الرأي الآخر، والإبتعاد عن آفات الحقد والكراهية ومناهج التكفير. وهناك أيضا قضية مشاطرة المرأة لشقيقها الرجل في عملية التنمية والبناء، وهي مشاركة ستضيف لنا ثقلا نوعيا وقوة.

 

لقد بهتت خلال السنتين الماضيتين أصوات الدعوة إلى الإصلاح السياسي، بعد فترة شهدت نهوضا وحطوات حقيقية أقدمت عليها القيادة السياسية في هذا المجال. ولعل ذلك البهوت يعود إلى انشغال القيادة بمتطلبات اللحظة، وبشكل خاص مواجهة عناصر التخريب والتفجير. وكان لذلك دون شك خسائر على أكثر من صعيد، لكنه ينبغي في كل الأحوال أن لا يكون على حساب استحقاقات ومهام وطنية ملحة أخرى. إن الحزن الذي عم البلاد، والذي شمل الوطن بأسره، بمختلف تلاوينه وأطيافه، هو مناسبة يجب أن لا تفوت من أجل فتح صفحة جديدة من التسامح والإنطلاق نحو تحشيد جهود كل الخيرين والشرفاء في المواجهة الكبرى للإرهاب وللتحديات الخارجية التي تحيق بنا. وهي استحقاقات ينبغي أن نقدم عليها وفاء لروح الراحل العزيز، وتسمكا بالنهج الذي بدأه والذي أصبحت ثماره ماثلة أمامنا.

 

مطلوب من كل القوى الوطنية الخيرة أن تلتف حول قيادة البلاد في هذا الظرف العصيب. وأن تكون حصنا منيعا من أجل حماية الوطن، وأن نفتح أبواب الأمل، ونتطلع إلى المستثقبل بثقة وعزيمة واقتدار. وأن نجسد حزننا الدفين على القائد الراحل بالولوج إلى مرحلة جديدة، نتجه فيها نحو صياغة عقد اجتماعي جديد يؤمن التلاحم والتفاعل بين قمة الهرم وسفوحه. وسوف يكون تطوير مجلس الشورى وتحويله إلى مؤسسة تشريعية منتخبة، والتعجيل باضطلاع المجالس البلدية للأدوار التي أنيطت بها، والمضي قدما في تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، ومنح مركز الحوار الوطني مهام جديدة تجعله شريكا فاعلا في عملية البناء والتطوير، وفتح آفاق الحرية واحترام الرأي الآخر، ومحاصرة ثقافة التعصب والإرهاب خطوات على الطريق الصحيح، لكي تسير سفينتنا بأمان في بحر متلاطم مليء بالعواصف، ولكي تسهم جميعا في منح بلادنا مكانها اللائق بين الأمم.

 

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، ووفق قيادتنا للنهوض ببلادنا لما فيه عزتها وقوتها، ولخير وصلاح الأمة وإنا لله وإنا له لراجعون.

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

 

 

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2005-08-01

 

 

2020-05–0 8-:03

Baraoui Youssef من Morocco

Hello Doctor Youssef,

I am charmed to read your interesting opinions on this web site that I consult periodically. I make a point of congratulating you for your remarks and your standpoint that I find interesting especially for the openness of Arab youth. I hope to meet you soon

All my respects,

Your faithful

Youssef Baraoui

 

2020-05–0 8-:01

furat من

ندوة بيروت خطوة هامة على طريق تأسيس جبهة التحرير والديمقراطية

باقر إبراهيم

لم تثر ندوة من ، الندوات العراقية أو العربية ، التي عقدت بعد احتلال العراق ، من التساؤلات والتقولات واللغط ،كالذي أثارته ندوة (مستقبل العراق ) ، التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ، في بيروت بين 25-28/ تموز /2005 .

السبب الرئيسي لكل ذلك ،أن هذه الندوة غامرت في اجتياز الممنوعات والمحرمات التي أراد المحتلون ومن يعاونهم ، فرضها على الوطنيين العراقيين ، وعلى شعبنا كله .وأقصد بها منعهم من وضع نهاية لتفرقهم ، منعهم من تحقيق الأمنية العزيزة على كل المخلصين ، وهي أن يلتقوا جميعا وأن يتحدوا جميعا .

فندوة بيروت ، تخطت تلك الحواجز وحطمتها . وهذا هو أحد أسباب الحملة الظالمة على الندوة .

***

أشتمل جدول أعمال الندوة على جانبين هامين : ألاول بحثي عن مستقبل العراق بعد التحرير، والثاني عملي ، يناقش أسس ومستلزمات أقامة جبهة وطنية عراقية للتحرير والديمقراطية . وتركت إدارة الندوة الخيار لمن يرغب المشاركة ، من العراقيين ، في الجانب الأخير .

تولى أعداد مشروع دستور الجمهورية العراقية ، لجنة مؤلفة من : د . خليل الحديثي و د. خير الدين حسيب ود . عبد الحسين شعبان و د. عصام نعمان . و د. محمد المجذوب ود . محمد الجمل . و واضح أن بينهم مناضلون عرب لهم خبراتهم في هذا الميدان .

أعد الدراسة عن القضية الكردية ، د . سعد ناجي جواد وعاونه فيها آخرون . كما ساهمت لجان من بين من ذكرناهم أعلاه وغيرهم ، في أعداد المشاريع عن قانوني الانتخابات والأحزاب والجمعيات .

قدم د. عبدالامير الانباري سفير العراق السابق في الأمم المتحدة ، الدراسة عن الجوانب القانونية والمضاعفات المالية والسياسية للتعويضات المفروضة على العراق .

والدراسة عن برنامج أعادة أعمار العراق ، قدمها د . جعفر ضياء جعفر و د. نعمان النعيمي . أما القراءة في الصناعة النفطية فقد قدمها وزير النفط الأسبق د . عصام الجلبي .

كانت مداخلة د . عبد الوهاب القصاب : رؤية أولية – أعادة تشكيل الجيش العراقي . وقدم د . صباح ياسين دراسة عن الأعلام في العراق – المسيرة .. الواقع .. وإعادة البناء .

أفتتح د . خير الدين حسيب الندوة بكلمة شاملة ، تناولت أهدافها والرد على حملة التشويش عليها فقد جاء في كلمته :

>

أقترح د . خيري الدين حسيب موقفين من نتائج المناقشات العامة ومناقشات اللجان وهما :

1- أن يتبنى المشاركون في الندوة هذه البرامج وتصدر باسمهم .

2- أن يتولى المركز وحده ، مسؤولية المشروع الذي سيصدر في كتاب خاص ، وعلى موقع الانترنيت الخاص بالمركز ، إلى جانب اقتراحات اللجان والجلسات العامة . فصوت المشاركون ، بالأغلبية إلى جانب الموقف الثاني .

قال حسيب في كلمة الافتتاح : >

***

إلى هنا تنتهي المقاطع التي اخترتها للقارئ من كلمة د.خير الدين حسيب .وأود القول أن الغالبية الساحقة من المناضلين العراقيين المشاركين في ندوة بيروت، لم يفوتوا الإفادة السليمة من تلك الفرصة التاريخية . فهم ناقشوا مشروع ( نداء من أجل قيام جبهة وطنية شاملة في العراق ) ، قدمه باقر إبراهيم للندوة .

تولى د . وميض نظمي رئاسة جلسات المناقشة . وكان منذر الاعظمي مقررها . وبعد نقاشات أخوية عميقة ،صريحة وواضحة توصل المجتمعون إلى :

1- إصدار نداء إلى شعبنا العراقي الكريم وإلى جميع القوى الوطنية العراقية.

2- أتفاق جميع القوى الوطنية التي حضرت الاجتماع ، على تشكيل لجنة حوار لغرض إنضاج مستلزمات قيام جبهة وطنية شاملة . وتمت تسمية أعضاء اللجنة .

كانت النتيجة الأكبر والأكثر أهمية ، أن قوى النضال الوطني ، التقت وتكاشفت في هذه الجلسات ،اختلفت في بعض الآراء والتقديرات ، وأخيرا أجمعت على ضرورة وضع اللبنات الأولى لقيام الجبهة المبتغاة .

ولذلك لا بد من كلمة أقولها عن تسرع بعض الوطنيين في مهاجمة ندوة بيروت ، أو الطعن فيها ، وكثر ة منهم أصدقاء أعتز بمواقفهم ، ولا شأن لي بالطبع بالمغرضين .

أيها الوطنيون :

أحذروا النفخ في رماد الخلافات ، فهو غبار أسود ملوث وضار ، ستذروه رياح التغير الجارية .

أرجوكم ابحثوا عن ما يوحدنا جميعا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إحدى عشر + 10 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي