إطلالة على اجتماعات القمة العربية
النبرة المتفائلة التي صاحبت تصريحات الرئيس السوداني، السيد عمر البشير، وأمين عام جامعة الدول العربية، الأستاذ عمرو موسى تبعث الرضا لدى المواطن العربي، الذي لا يتوقع في العادة صدور نتائج إيجابية من اجتماعات القمم العربية.
فبضمن المواقف الإيجابية كما يبدو، الموقف المساند للسودان في قضية دارفور، وإصرار القادة العرب، حسب تصريحات الرئيس المصري، السيد حسني مبارك على ألا يفرض وجود قوة سلام دولية على الأراضي السودانية، دون موافقة حكومة السودان. وكذلك موافقة وزراء الخارجية العرب على مشروع إنشاء مجلس الأمن والسلم العربي ليكون الجهاز القضائي للجامعة العربية في إطار الدبلوماسية الوقائية لمنع النزاعات واحتوائها بين الدول العربية. وكنا نتمنى لو أنه لم يتم اتخاذ قرار بتأجيل مشروع محكمة العدل العربية بسبب وجود ملاحظات من بعض الدول العربية مما يتطلب إعادة دراسة نظامها الأساسي ليأخذ بعين الاعتبار ملاحظات الدولة المعترضة. ووافق الوزراء أيضا على قواعد التصويت بالنسبة للمسائل الموضوعية التي تحتاج إلى ثلثي الأصوات وهي القضايا الحيوية العربية والمسائل الإجرائية التي تحتاج عند التصويت إلى الأغلبية البسيطة. واعتمدوا النظام الأساسي للبرلمان العربي الانتقالي لمدة خمس سنوات. كما ميزوا بين الإرهاب الدولي، وبين حق الشعوب في مقاومة الاحتلال والعدوان، وطالبوا بإصلاح الأمم المتحدة.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكدوا على أن السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وقيام دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشريف، وحل قضية اللاجئين، وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194. ورفضوا الإجراءات الأحادية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتأكيد على عروبة القدس ورفض جميع الإجراءات الإسرائيلية غير الشرعية التي تستهدف تهويد مدينة القدس. وحثوا المجتمع الدولي على توفير الحماية للشعب الفلسطيني وإدانة العدوان الإسرائيلي الفاضح الذي استهدف سجن أريحا، واختطاف عدد من الشخصيات الفلسطينية المحتجزة فيه واعتبروا أن ذلك يمثل انتهاكا صارخا لاتفاقيات جنيف. ودعوا المجتمع الدولي إلى الاستمرار في تقديم المنح والمساعدات المالية والاقتصادية للسلطة الفلسطينية واحترام خيار الشعب الفلسطيني الديموقراطي والتحذير من استمرار المواقف الداعية إلى وقف الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية بعد الانتخابات الفلسطينية. وطالبوا الدول العربية باستمرار تقديم الدعم المالي الشهري للسلطة.
فيما يتعلق بالشأن العراقي رحب الوزراء بالانتخابات التي جرت في ديسمبر الماضي، ووصفوها بأنها خطوة أساسية لتوفير الأمن والاستقرار وبناء العراق وإعادة إعماره. وطالبوا بسرعة تشكيل الحكومة الوطنية العراقية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق الأمن والاستقرار في العراق.
وجدد الوزراء دعم الدول العربية الثابت لحق سوريا في استعادة كامل الجولان المحتل، ورفض كل الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني والطبيعي للجولان. وأدانوا استمرار احتلال إسرائيل أراضي لبنانية، مؤكدين مساندة لبنان في حقه السيادي بممارسة خياراته السياسية ضمن المؤسسات الدستورية واعتبروا أن الكشف عن الحقيقة في جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه ومعاقبة المجرمين أينما كانوا يساهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة.
وأكد الوزراء حق دولة الإمارات العربية في جزرها الثلاث المحتلة، مطالبين إيران بالكف عن الأعمال الاستفزازية التي تعد تدخلا في الشؤون الداخلية للإمارات. كما أكدوا حق ليبيا المشروع في الحصول على تعويضات عما أصابها من أضرار مادية وبشرية بسبب العقوبات التي كانت مفروضة عليها، والمطالبة بالإفراج عن المواطن الليبي عبدالباسط المقراحي واعتباره حال استمرار حجزه “رهينة ” طبقا للقوانين الدولية.
ورفض الوزراء العقوبات الأمريكية أحادية الجانب على سوريا، كما رفضوا قانون ما يسمى “محاسبة سوريا” واعتباره تجاوزا لقرارات الأمم المتحدة وتغليبا للقوانين الأمريكية على القانون الدولي وطلبوا من واشنطن إعادة النظر في هذا القانون الذي يشكل انحيازا سافرا لإسرائيل.
وبشأن قضية دارفور أكد الوزراء على ضرورة مواصلة الاتحاد الإفريقي جهوده وإنجاز مهمته في معالجة الأزمة، مشيرين إلى أن إرسال أي قوات أخرى إلى دارفور يتطلب موافقة مسبقة من حكومة السودان. وطالبوا الدول العربية بتقديم الدعم المالي والمادي لبعثة الاتحاد الإفريقي لتستمر في أداء مهامها. ورحب الوزراء بالتطورات الإيجابية التي حققتها عملية المصالحة الصومالية والترحيب بافتتاح مكتب للجامعة العربية في الصومال ليتولى تنسيق الدعم العربي في مجال بناء المؤسسات وفي مجال إعادة الإعمار. وأكد الوزراء حرصهم الكامل على الوحدة الوطنية في جزر القمر وسلامة أراضيه وسيادته الوطنية ودعوة الدول العربية إلى تحويل مساهماتها المالية في حساب صندوق دعم جزر القمر.
كانت تلك هي هو أهم ما ورد من توصيات في بيان وزراء الخارجية الذي سوف يقدم للقادة العرب، كمشروع لبيان ختامي يصدر عن القمة. وقد رأينا أنه تعرض لمعظم القضايا العربية، باستثناءات قليلة لم يتم تناولها، كالصراع بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء، القضايا الخلافية الثنائية بين عدد من الأقطار العربية، وقضايا الإصلاح السياسي الداخلي، والإقتصاد والتنمية.
وبشكل عام، يمكن القول إن البيان غلبت عليه الصيغة الإنشائية وعبارات الشجب والاستنكار التي سادت معظم البيانات التي صدرت عن اجتماعات القمم العربية في السابق. وباستثناءات قليلة جدا، غيبت آليات التعبير، بشكل عملي ومتوازن، في المواقف السياسية التي تبناها وزراء الخارجية العرب. على سبيل المثال، ماذا لو رفض الكيان الصهيوني، كما كان ديدنه دائما، النظر بجدية إلى مواقف القادة العرب؟. إن هذا الكيان يعلم أنه قد أقدم على ارتكاب جرائم كبيرة بحق الفلسطينيين، وقام بعمليات اغتيالات واسعة شملت قادة بارزين في النضال الفلسطيني، كأبي علي مصطفى والشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي .. والقائمة طويلة، ولم تستثن تلك الاغتيالات رئيس منظمة التحرير وزعيم السلطة الفلسطينية السيد ياسر عرفات، ولم يتعد مواقف القيادات العربية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية واقتصادية واتفاقيات أمنية حد الاحتجاج الخجول، الذي لم يكن من وجهة نظر الفلسطينيين والمواطنين العرب على العموم سوى ذر للرماد في العيون.
وما هو الموقف الذي ستتخذه القيادات العربية إذا أصرت الإدارة الأمريكية على التدخل والعبث في شؤون السودان. وقد كانت لنا سابقة في العراق، حيث حدد القادة العرب في مؤتمرهم الذي عقدوه ببيروت موقفا واضحا وجليا من مشروع العدوان. وكانوا ملزمين بموجب معاهدة الدفاع العربي المشترك، وميثاق الأمن القومي العربي الجماعي، أن يقفوا بثبات من العدوان.. لكنهم للأسف شاركوا ليس فقط بالصمت العاجز، ولكن بالتمويل وفتح القواعد العسكرية العربية والبحار لتنطلق منها البوارج والطائرات لتقصف بغداد. بل إن أحد القادة العرب، تباهي بدوره في التسهيل للعدوان أمام الرئيس بوش وقال له “لقد وعدتك ووفيت” دون اتساق مع بيان القمة الذي جرى التوقيع عليه وتبنيه في بيروت قبيل العدوان، ودون واعز من ثوابت أو قيم أو أخلاق دينية ووطنية. هل سيرفض القادة العرب، أن يقدموا أراضيهم الآن للعدوان على السودان وسوريا.. وربما على أقطار أخر، وهل سيتخلون عن التباهي بمساندتهم للعدوان الذي قضى على الأخضر واليابس، والذي أحال مدينة السلام، إلى خرائب ومناطق احتراب طائفي لا يعلم إلا الله وحده إلى أين يسير وإلى أين يتجه.
بغداد الآمنة، التي كانت النوارس الجميلة تحلق فوق سمائها بسلام ومحبة، نحرت عربيا، قبل أن ينحرها الأمريكيون، والصهاينة. ولم تنفعها قرارات القمم، ولا ميثاق جامعة الدول العربية… وطعنت من الخلف وفي الخاصرة من قبل أشقائها العرب، وقد تحولت إلى مزرعة لشذاذ الآفاق الذين يردون لها من الغرب والشرق، ويشكلون فرق الموت، في عملية تعدٍ واضحة على التاريخ والمستقبل. والآن يأتي بيان وزراء الخارجية العربية ليرسخ ويواصل التوطؤ العربي الرسمي على العراق، فيدعو حفنة الخونة والعملاء، ووفقا لمشروع برايمر، لإسراع بتشكيل حكومة وطنية، تماما كما هو موقف الرئيس الأمريكي، جورج بوش، حيث يتيه في وسط الزحمة وهزير الطائرات وصوت الرصاص وفراق الأحبة معنى الوطن، الموقف الصحيح وتضل البوصلة وتصبح القرارات مجرد اسطوانات مشروخة؟ إن الحراب جميعها ينبغي أن تتجه مباشرة لمناهضة المحتل الغادر، واعتبار المقاومة العربية، وليس غيرها، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي.. ولا شك أن للتاريخ حقاً علينا في رفض ومناهضة المشروع الأمريكي وما تمخض عنه من آليات ومؤسسات، ولدى أمتنا قول مأثور: ما بني على باطل فهو باطل.
هناك نقاط كثيرة في بيان وزراء الخارجية العرب، تستحق القراءة والتفكيك، حتى لا تضيع البوصلة ونفقد الأمل في مستقبل أفضل، وصباح أجمل. وسوف يكون لنا معها وقفات في حديث آخر بإذن الله.
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-03-29