إرهاب صهيوني
لم يتأخر الكيان الصهيوني كثيرا، في استثمار انشغال العرب ما يجري في عدد من البلدان العربية، وبشكل خاص ما يجري في مصر، من تحولات سياسية غير مسبوقة. فقد سارعت آلته الإعلامية والسياسية والحربية في تصعيد ممارساتها الإرهابية بحق العرب والفلسطينيين.
في خلال أيام قليلة شهدنا جملة من التصعيد، كان في المقدمة منها، تراجع القاضي، الجنوب أفريقي، ريتشارد غولدستون عن موقفه من جرائم الكيان الصهيوني. لقد ترأس غولدستون اللجنة الدولية التي حققت في الجرائم التي ارتكبها الصهاينة، أثناء حربهم على قطاع غزة. وانتهت تحقيقات اللجنة بالتأكيد على انتهاك إسرائيل للقانون الدولي وارتكابها جرائم حرب على الإنسانية. وقد أشير إلى أن هذا التراجع قد جاء إثر ضغوط صهيونية مكثفة، وصلت حد منعه من حضور تعميد أبنائه في الكنيسة اليهودية، وحرمانه من عقد أية لقاءات سياسية ودينية واجتماعية.
ففي مقال نشره غولدستون، في صحيفة الواشنطون بوست الأمريكية، تناقض مع فحوى تقريره السابق، وأوضح أنه لم يتمكن من الإطلاع بشكل كاف على تفاصيل ما جرى خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع. وأكد أن استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين لم يكن مقصوداً. وذهب إلى أبعد من ذلك، فاتهم المقاومة الفلسطينية بتعمد إصابة المدنيين الإسرائيليين، أثناء تصديها للعدوان.
لقد جاءت هذه الخطوة، بعد أسبوع من اجتماع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي أصدر أربعة قرارات تتصل بالصراع بين المقاومين الفلسطيننين والصهاينة، من بينها قرار يوصي بأن تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعادة النظر في تقرير غولدستون بدورتها القادمة، وإحالة التقرير إلى مجلس الأمن للنظر فيه واتخاذ الإجراء المناسب بشأنه، وأدان عدم تجاوب إسرائيل مع دعوات مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة بإجراء تحقيقات مستقلة مستوفية للمعايير الدولية.
ومرة أخرى، تماهت إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما مع الموقف الصهيوني، فقامت وزراة الخارجية الأمريكية، بتوزيع نسخ من من مقالة غولدستون على جميع السفارات المعتمدة لديها، ضمن حملة إعلامية ودبلوماسية تستهدف المس بصدقية التقرير، والتشكيك فيهه، بما يؤثر على مواقف الدول المترددة عند نقاشه في مؤسسات الأمم المتحدة والهيئات الدولية ذات الصلة. وقد شجع ذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته، الصهيوني المتطرف ليبرمان، على المطالبة بعدم تداول تقرير غولدستون في المؤسسات الدولية، و”إلقائه في مزبلة التاريخ”.
تزامنت الحملة الأمريكية- الإسرائيلية بحق تقرير غولدستون، مع تصعيد إرهابي بحق الفلسطينيين، الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، شملت التهديد بسحب الجدنسية عن أي فرد يناصر المقاومة الفلسطينية. وتعد هذه سابقة ليس لها ما يماثلها في أي دولة آخرى. والغريب أن ذلك يقتصر على الفلسطينيين، ولا يشمل الإرهابيين الصهاينة، من أمثال قاتل رئيس الوزراء السابق، إسحق رابين.
يأتي ذلك وسط تصعيد واسع لعمليات المحاصرة بمدن الضفة الغربية، للناشطين الفلسطينيين، ووسط جمود كامل لعملية التسوية، ورفض معادلة الأرض مقابل السلام. ورفض الصهاينة التوصل إلى أي حل فيما يتعلق بقضية القدس، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. وأيضا رفضهم لخارطة الطريق والمبادرة العربية للسلام. وفي قطاع غزة، واصل الكيان الصهيوني اجتياح القطاع، واغتيال المقاومين الفلسطينيين، وقد دفع ذلك بحركات المقاومة الفلسطينية لاتخاذ قرار بكسر الهدنة التي استمرت لأكثر من عام، منذ انتهاء الحرب على غزة، في مطلع عام 2010. لقد بدأ الفلسطينيون في التصدي للعدوان الصهيوني، ورفضوا معادلة القبول بالهدنة من جانب واحد. وإذا ما تواصلت المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في قطاع غزة، فلن يكون من المستبعد أن تقوم إسرائيل باجتياح جديد للقطاع.
في السودان، أعلنت الحكومة عن قيام طائرة إسرائيلية بقصف سيارة في مدينة بور سودان، استهدفت شخصين قيل أنهما من قادة حماس، وتم التراجع لاحقا عن ذلك، وأشير إلى أنهما فلسطينيان يتاجران بالسلاح لصالح حركة حماس، لكن الحكومة السودانية نفت ذلك، وأكدت أنهما من السودان، لم تتكشف حتى هذه اللحطة أسباب استهدافهما من قبل الكيان الصهيوني. ما يهم في الخبر، ليس تفاصيل العملية ذاتها، ولكن طبيعتها، من حيث كونها استباحة واعتداء صارخ على سيادة بلد مستقل، وارتكاب جريمة إرهابية يعاقب عليها القانون الدولي.
بالتأكيد لم يكن قادة إسرائيل ليقدموا على ارتكاب هذه الجريمة البشعة، لولا قناعتهم بقدرتهم على الإقلات من العقاب، نتيجة للانحياز الفاضح والمستمر للإدارات الأمريكية المتعاقبة لهم، وحيلولتها دون تمكن مجلس الأمن الدولي، والهيئات الدولية الأخرى، من تبني أية إدانة أو عقوبة تجاه عربدتهم وجرائمهم ونهجهم الإرهابي.
لا يبدو في الأفق القريب أننا أمام حالة استرخاء وتوجه حقيقي للسلام بين الفلسطينيين والصهاينة، بل العكس هو الصحيح. إن انشغال القيادة المصرية بتبعات المرحلة الانتقالية، وتكريس جهودها للشأن الداخلي. يترافق ذلك أيضا مع اهتمام مصري بالأمن المائي، ومحاولة إيجاد تسوية مع الحكومة الأثيوبية، لضمان أن لا يؤثر بناء السدود الجديدة في أثيوبيا على تدفق مياه النيل للأراضي المصرية. يضاف إلى ذلك ما يجري على حدود مصر الغربية، في ليبيا من صراع بين قوات العقيد وقوات الثوار. لقد أدت هذه العوامل مجتمعة، إلى انشغال الحكومة المصرية بمتابعة شؤونها الداخلية، بما يحجب عنها إمكانية ممارسة أية أنشطة فيما يتعلق بالصراع العربي – الصهيوني.
وتستغل إسرائيل أيضا تطور الأحداث في سوريا، وانشغال الحكومة السورية بما يجري في درعا وعدد آخر من المدن السورية، وأيضا انشغال النظام العربي الرسمي بما يجري في اليمن وليبيا وتونس وبلدان عربية أخرى، لتواصل نهجها التعسفي الاستيطاني، وقضم الحقوق الفلسطينية. إن ذلك يستدعي دون شك، سرعة الخروج من الواقع الراهن، وإعادة الروح للعمل العربي المشترك، للحيلولة دون تذويب البقية الباقية من الحقوق الفلسطينية.