أوباما والمسألة الفلسطينية

0 191

 

 

الحديث عن السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، في عهد الرئيس باراك أوباما يستدعي وضعها، ليس فقط في سياق التصريحات والمواقف المعلنة للإدارة الجديدة، ولكن أيضا قراءتها، من خلال وضعها في السياق التاريخي. كما يستدعي وضعها ضمن الرصانة، التي افتقرت لها سياسة الإدارات الأمريكية السابقة، منذ زمن بعيد، والظروف الموضوعية التي فرضت انتهاج السياسة الجديدة.

 

خلال هذا الأسبوع فقط، مرت علينا جملة من التصريحات والمواقف، ذات صلة مباشرة وغير مباشرة بموضوع مناقشتنا هذه، وهي بالتأكيد جديرة في التوقف عندها.

 

فقد أدلى نائب الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، بتصريحين مهمين من حيث دلالاتهما، وردود الأفعال تجاههما. الأول جاء في صيغة تحذير لإيران بأنها سوف تواجه عزلة دولية إن لم تتوقف عن استكمال برنامجها النووي. في هذا السياق، يلاحظ هنا الغياب شبه التام للغة التهديد والوعيد التي طبعت خطاب إدارة الرئيس السابق بوش. وإذا ما استحضرنا حديثنا السابق، فإن تصريحات بايدن تأتي مؤكدة ما ذهبنا إليه من أن الملف الإيراني، ربما يبقى مفتوحا، دون مواجهة حقيقية مع الإدارة الأمريكية لعامين قادمين.

 

وليس من المستبعد جدا أن الإدارة الإيرانية قد استنتجت عدم جدية الموقف الأمريكي في مواجهة أنشطتها، ولذلك اتسمت ردة فعلها تجاه تلك التصريحات بلا مبالاة وعدم اكتراث. بل إن حالة الاسترخاء التي تمر بها قضية الملف النووي، جعلت بعض المسؤولين الإيرانيين يتمادون في استخدام لغة الغطرسة والصلف، فيصرون على تمسكهم بالجزر الإماراتية، ويعاودون الحديث عن تبعية البحرين لإيران، مع ما تحمله تلك التصريحات من تعكير للعلاقات وتشجيع على الكراهية، بين شعوب المنطقة. وبالتأكيد فإن تلك التصريحات تمثل تهديدا حقيقيا للأمن القومي العربي، وينبغي أن تواجه جماعيا من قبل القادة العرب.

 

والواقع أن المباحثات التي أجراها السفير الأمريكي، ريان كروكر في بغداد مع الإيرانيين مؤخرا، قد تركزت على الأوضاع الأمنية في العراق، ولم تتعرض حسب تصريح السفير نفسه إلى الملف الإيراني. بمعنى أن الملف الإيراني سوف يبقى مغلقا حتى إشعار آخر.

 

التصريح الثاني، لنائب الرئيس الأمريكي، بايدن أدان رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي للتلكؤ في إجراء المصالحة الوطنية. وفي لهجة غير مسبوقة، من شخص وصل إلى الحكم على ظهر دبابة أمريكية، أعلن المالكي أن الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأمريكية تصدر الأوامر للحكومة العراقية، قد ولى دون رجعة. هذه التصريحات، رغم صعوبة أخذها بجدية، خاصة وأن المتتبع للسياسة الأمريكية، يعرف أن رئيس الوزراء العراقي، في ظل الاحتلال الأمريكي لا يملك صلاحية تحريك كتيبة عسكرية، وأن وجوده في الحكم مرهون بوجود ما يقرب من اﻟ 130 ألف عسكري أمريكي. لكن هذه التصريحات تحمل دلالات، أهمها إدراك المالكي، أن الأمريكيين ليسوا في وارد مواجهة معه الآن، وأنهم ربما يقررون الانسحاب بشكل مفاجئ من العراق، بما يعني أن عليه تعبيد علاقاته مع إيران، باعتبارها القوة الوحيدة، القادرة على إسناده، بعد الانسحاب الأمريكي والدخول في مواجهة عسكرية مع المقاومة العراقية.

 

خلال هذا الأسبوع أيضا، تناقلت وكالات الأنباء تصريح بريطاني، بأن أزمة الكساد الاقتصادي في أمريكا الشمالية وأوروبا قد تستمر لأكثر من تسع سنوات. وتزامنت هذه التصريحات مع تقرير عن تفوق الصين في مبيعاتها من السيارات، لأول مرة هذا العام على الولايات المتحدة الأمريكية. ومن جهة أخرى، شهدت العاصمة الرياض استقبال خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز للرئيس الصيني، وتوقيع اتفاقية بناء سكة حديد بالمشاعر المقدسة. وقد نقلت هذه الزيارة العلاقة الاقتصادية بين البلدين إلى مستوى استراتيجي.

 

الخبر الأخير، هو فوز اليمين الإسرائيلي في الانتخابات الأخيرة، واحتمالات تكليف زعيم الليكود، بنيامين نتنياهو من قبل رئيس الدولة العبرية، شيمون بيريز بتشكيل حكومة ائتلاف، ستضم صقور اليمين الإسرائيلي. وإذا تمكنت زعيمة كاديما، سيبني ليفني من تشكيل ائتلاف، فليس من المستبعد أن تتولى هي رئاسة الحكومة. وفي كلا الحالتين، فنحن أمام احتمالين لا ثالث لهما، هما وصول الأشخاص الأكثر تطرفا لسدة الحكم، بما يعني أن محاولات التسوية، بين الفلسطينيين والصهاينة، بما يؤمن قيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة سوف تصطدم بممانعة قوية من قبل الإدارة “الإسرائيلية” الجديدة.

 

في هذا المناخ الصعب، عين الرئيس الأمريكي أوباما، مبعوثا شخصيا له بالشرق الأوسط هو السناتور جورج ميتشل، وكلفه بتولي ملف القضية الفلسطينية. وكان ميتشل قد تولى عملا مماثلا لذلك، أثناء رئاسة بيل كلنتون، بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، عام 2001. وقد أثمرت رحلاته الماراثونية للمنطقة عن تفاهمات، أطلق عليها “تفاهمات ميتشل”، وافق بموجبها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي على مجموعة من المبادئ، من ضمنها الإعلان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة بالأراضي الفلسطينية التي احتلها الكيان الصهيوني، في يونيو عام 1967م.

 

والحقيقية أن قرار الرئيس أوباما آنف الذكر، هو لفتة مبكرة من الرئيس الجديد مغايرة عن سلوك أقرانه السابقين. فقد جرت العادة أن يظل الملف الفلسطيني مغلقا لفترة طويلة، لحين يجري تحريكه من خلال سخونة أزمة، أو تداعيات حدث. حملات الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة، لم تترك مجالا للرئيس الأمريكي، لتأجيل طرح هذا الملف لفترة قادمة.

 

لكن المعضلة تكمن في السياسة الأمريكية ذاتها، وفي جوهر هيكلية وتحالفات الحزب الديمقراطي، الذي يمثل الرئيس أوباما سياساته. فطيلة تاريخ الصراع مع الصهاينة، كان موقف هذا الحزب، متحيزا للكيان العبري. وإذا ما أخذنا ذلك بعين الاعتبار، ووضعناه في سياق الممارسة الرصينة، للسياسة الأمريكية الجديدة والتي تصل حد السلبية حين يتعلق الأمر بقضايا أمتنا، فلن نتوقع إنجاز الكثير باتجاه الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وتفكيك المستوطنات الصهيونية، والاعتراف بحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم.

 

إن ما هو متاح لدينا من تفاصيل حتى هذه اللحظة، لا يشجع على التفاؤل، بحدوث تغيرات جذرية وجوهرية في مسرح الصراع مع الصهاينة، باتجاه تحقيق أماني وتطلعات الفلسطينيين.

 

فقد أماطت صحيفة يديعوت أحرونوت اللثام في عددها الصادر 29/1/2009 عن بعض ما وافقت عليه حكومة ايهود أولمرت الراحلة خلال مفاوضات الوضع الدائم مع الجانب الفلسطيني. وأشارت أن “إسرائيل” وافقت على إجلاء 60 ألف مستوطن من الضفة الغربية، والانسحاب إلى حدود 1967، لكنها استثنت الكتل الاستيطانية الكبرى التي أكدت أنه سيجري ضمها للكيان الصهيوني، مقابل منح الفلسطينيين أراضي تعادل مساحتها تلك الكتل لكن بصحراء النقب.

 

وبالنسبة للقدس فحسب “يديعوت أحرونوت” وافقت حكومة أولمرت على تجزئتها وتسليم الفلسطينيين إدارة أحيائها الشرقية فيما ستخضع المقدسات الدينية لرعاية دولية. وسيتم ضمان التواصل الإقليمي بين الضفة الغربية وقطاع غزة عبر طرق علوية أو تحت الأرض.

 

وخلال اجتماع مبعوث الرئيس الأمريكي، جورج ميتشل مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، أولمرت أبلغ الأخير، أن إسرائيل ترفض السماح للاجئين بالعودة، وأن أكثر من 440 ألف مستوطن، سيمكثون في المستوطنات الصهيونية بالضفة الغربية.

 

وفيما يتعلق بالتهدئة ورفع الحصار عن قطاع غزة، وفتح المعابر فإن حكومة أولمرت أبلغت ميتشل أن إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي، جلعاد شاليط هو مقدمة لازمة لتحقيق أي تقدم باتجاه تلبية مطالب حركة حماس والسلطة الفلسطينية، وتثبيت وقف إطلاق النار، وتمهيد الأرضية لدفع التسوية في الشرق الأوسط. وفي هذا الاتجاه تبنى ميتشل المطالب الإسرائيلية، وأشار إلى أن وقفا طويل الأمد لإطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين ينبغي أن يعتمد على وقف تهريب السلاح إلى قطاع غزة، ووقف العمليات العدائية، وفتح كافة المعابر حسب اتفاق 2005. كما أكد على التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل وبحقها في الدفاع عن نفسها، وتمسكها بحل النزاع على أساس الدولتين”.

 

وباختصار يمكن تلخيص أولويات الرئيس الأمريكي أوباما، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في مواصلة الضغط على الفلسطينيين بتقديم المزيد من التنازلات إزاء ملف القدس وحق العودة. والتأكيد على التزام واشنطن بالعلاقة الاستراتيجية مع الكيان الغاصب، مع عدم فرض أي ضغوط من أي نوع عليه، باتجاه دعم القضية الفلسطينية.

 

وفي أحسن الحالات، ربما تصدر مذكرة تفاهمات جديدة، أو اتفاق أو خطة عمل، كتلك التي نتجت عن اتفاق طابا وشرم الشيخ وواي ريفير وكامب ديفيد وأوسلو وأنابوليس… والتي بقيت حبرا على ورق، ولم توضع رغم مضى فترات طويلة على التوصل لها، قيد التنفيذ.

 

ستبقى القضية الفلسطينية معلقة حتى إشعار آخر، والحل الطبيعي والصحيح تجاهها، لن يتحقق إلا بتجاوز حالة الشقاق والصرع بين الفلسطينيين، وتحقيق الوحدة الوطنية، وعودة اللحمة للتضامن العربي، والالتزام بالمعاهدات والمواثيق القومية…

 

cdabcd

 

yousifsite2020@gmail.com

 

اضف تعليق

اسمك بريدك الالكتروني

 

تعليقك:

تعليقات

 

* تعليق #1 (ارسل بواسطة ابوالريض)

 

يا دكتور كفانا التسول على باب الامريكان

ان ما اخذ بالقوة لايسترد بغير القوة

علنا نستبين الطريق ولا حول ولا قوة الا بالله

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

واحد + واحد =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي