أمنيات في السنة الميلادية الجديدة

0 194

رحل عام، وحل عام جديد.. وكان إيقاع الحركة في العام المنصرم ثقيلا وكئيا وحزينا، ختم صفحاته الأخيرة بكارثة مدمرة شملت أجزاء مهمة من أرجاء المعمورة، في أندونيسيا، وسيرالانكا والهند، وعدد أخر من البلدان، ذهب ضحيتها عشرات الألوف، ولا زالت تحصد في أرواح المشردين والجياع الذين قدروا بمئات الألوف. وقدرت كلفة الخسائر المادية بعشرات المليارات من الدولارات.

 

وهنا في أفيائنا، وعلى أرض وطننا الغالي، حدثت عدة تفجيرات في مناطق مختلفة، ذهب نتيجة لها دماء عزيزة وأرواح من المدنيين ورجال الأمن.. وأيضا من شباب يافع تاهت بوصلته، وسط الإعياء والضياع والضجيح، وسيادة آحادية التفكير ومناهج التكفير، وانعدام روح التسامح. وجرى التقول على الدين الإسلامي الحنيف بما ليس فيه. وفي ظل غياب المشروع، وانعدام الرؤية، وحالة الإنهيار والتداعي التي تعيشها المنطقة بشكل عام، أصبحنا نقترب رويدا رويدا من حالة تضيع فيها الحقوق وتسود بها شريعة الغاب.

 

وخلال العام المنصرم أيضا، تصاعدت عمليات القمع في فلسطين المحتلة، وقضى عدد كبير من قادة حركة المقاومة نحبهم غيلة، في مقدمتهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية، حماس وكان آخر الراحلين، الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، مؤسس حركة التحرر الفلسطيني، فتح، قبل أربعين عاما. وفي العراق، واصلت قوات الإحتلال الأمريكية، قمعها وإرهابها بحق هذا الشعب العريق، واعترفت الإدارة الأمريكية بارتكاب جيش الإحتلال بمجموعة من الفضائح، كان الأشهر من بينها ما حدث في سجن أبو غريب من تعذيب واغتصاب… وأعلن لأول مرة في تاريخ العراق الحديث عن إجراء انتخابات تقوم على أسس محاصصات طائفية وإثنية، غيبت فيها حقائق التاريخ والجغرافيا وثوابت الوحدة الوطنية. كما قامت قوات الإحتلال بحرب إبادة حقيقية في الفلوجة، شرد على أثرها العشرات من الألاف من منازلهم، كما قتل وجرح الآلاف من أبناء تلك المدينة. واجتاحت مدينة سامراء، التي بناها الخليفة العباسي المتوكل، ومدن أخرى عراقية، كبعقوبة وتكريت… ولا زالت قوات الإحتلال تواصل حتى يومنا هذا قصف الموصل والفلوجة بالطائرات.

 

وهناك مخاطر كبيرة، تهدد الأمن القومي في سوريا ولبنان والسودان، واحتمال تدخلات عسكرية مباشرة في هذه البلدان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل كما أن هناك إيماءات لا تبعث على التفاؤل بمستقبل مشروع التكامل الإقتصادي بين منظومة مجلس التعاون الخليجي.

 

مع اطلالة العام الميلادي الجديد، نأمل في عيد ميلاد سيد السلام أن يتحقق حلم البشرية جمعاء في السلام. وليس من سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بتظافر الجهد الإنساني في البناء والإعمار، والإبتعاد عن مغامرات الحروب والفتك والدمار، ومغادرة غطرسة القوة. والتسمك بشرعة الأمم، والإلتزام بالمواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية وفي مقدمتها ميثاق هيئة الأمم المتحدة. وينبغي إعادة الروح لجوهر مفهوم الشراكة في التنمية الإقتصادية والإجتماعية العادلة والمتكافئة، ومواجهة السياسات الكولونيالية والعنصرية، ومحاربة تحكم قطب دولي واحد في العالم بأسره.

 

ولعلى أختزل امنيات العام الجديد في ثلاث أمنيات:

 

على الصعيد العالمي: العودة إلى ما اتفقت عليه الأسرة الدولية بعد الحرب العالمية الأولى، من إلغاء حق الفتح، ورفض الإستعمار بكافة أشكاله، والإعتراف للأمم بحق تقرير المصير. والإبتعاد عن سياسات التوسع والعدوان، والتسليم بالإخاء والمساواة بين الشعوب، وهو حق رفعته الثورة الفرنسية منذ عدة قرون، وأقرته المواثيق والمعاهدات الدولية. وفي هذا الإتجاء، ينبغي إعادة صياغة الهياكل الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، على ضوء حقائق التطور الجديدة، وإلغاء مواريث نتائج الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك العضوية الدائمة في مجلس الأمن وحق الفيتو (النقض)، وتخليص العالم بأسره من اسلحة الدمار الشامل، وبخاصة من الدول التي يشكل امتلاكها لهذا النوع من الأسلحة خطرا على السلم العالمي، كالولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

 

وعلى الصعيد العربي: نتمنى العودة لميثاق الأمن القومي العربي الجماعي، والتمسك بميثاق جامعة الدول العربية، والعمل على تحقيق تكامل اقتصادي عربي، وصولا إلى وحدة اقتصادية كاملة، انطلاقا من أن هذا العصر، ليس فيه مكان للضعفاء، ولا للكتل الصغيرة. إن الإلتزام بميثاق الأمن القومي العربي الجماعي، يعني رفض الإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وعدم التفريط في حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والحفاظ على عروبة القدس الشريف، ورفض الإحتلال الأمريكي للعراق، والذرائع التي بني عليها ذلك الإحتلال، والنتائج التي تمخض عنها جملة وتفصيلا. وكذلك رفض التدخل الإمريكي والإسرائيلي في شؤون سوريا ولبنان والسودان. والوقوف صفا واحدا في وجه محاولات الهيمنة بحق الأمة العربية. كما يقنضي تعضيد المنظمات الإقليمية، وتنميتها، وصولا إلى تحقيق أماني وتطلعات شعوبها، وفي مقدمة هذه المنظمات مجلس التعاون الخليجي. إن إلغاء الحواجز الجمركية وتحقيق الوحدة الإقتصادية بين أقطار الخليج هما الحد الأدني الذي يتطلع إليه أبناء هذه المنطقة. نأمل أن يتحقق، وأن يبنى عليه وصولا إلى وحدة خليجية كاملة، تضيف ثقلا وقوة إلى مسيرة العرب نحو تحقيق وحدتهم المنشودة.

 

وعلى صعيد بلادنا العزيزة، يبقى استقرار الوطن والحفاظ على وحدته هاجسا قويا يلح على العقل والقلب. وليس من سبيل للحفاظ على ذلك سوى تظافر جهود المخلصين والخيرين من أبناء هذه البلاد. وممارسة النقد والنقد الذاتي، والتخلص من الشوائب التي تعترض طريق البناء والنماء. لا بد من طي صفحات الإنغلاق ونهج التكفير، وسيادة الفكر الواحد، والتخلص من الخزعبلات، وتقديس العلم الحق والعمل الحق.

 

لقد مرت حقبة طويلة من تاريخنا، ساد فيها الفكر الواحد، والثقافة الواحدة وتم فيها قفل أبواب الإجتهاد، وشارك كثير منا للأسف، دون قصد وربما بحسن نية في عملية التجهيل وتهميش دور العلم، وكانت النتيجة عبئا على الوحدة الوطنية، وعنفا هدد حياة الأبرباء، ودماء سالت بغزارة. ومع التسليم بأن الحل الأمني شيء لا مفر منه، لكنه لن يكون العامل الحاسم في القضاء على ظاهرة العنف. ولذلك يبدو أن لا مندوحة من التفكيك وإعادة القراءة، انطلاقا من الإيمان بكرامة وحق الإنسان، وبكونه قيمة مطلقة. لا يمكن أن نمر على ما حدث في بلادنا، مرور الكرام، أو أن نقوم بعملية تسطيح تتجنب سبر أغوار مشاكلنا، مكتفية بوصم ما يحدث بالشذوذ والخروج على ما هو مألوف، فتلك محاولة فاشلة كونها تغرق في اختزال تفسير الظواهر، وتهرب من معالجتها. لابد من مواجهة حقيقية، من قبل أبناء المجتمع، حكاما ومحكومين، لظاهرة الإرهاب. إنه تحد حقيقي لأمننا واستقرارنا، بل وحتى وجودنا، يجب مواجهته بجدية واهتمام. إن استمراره يشكل تهديدا حقيقيا لكل ما هو نبيل وخير في ثقافتنا، كما يهدد السلم الإجتماعي في بلادنا.

 

ولعل الخطوة الأولى في هذا السبيل، هي الإرتفاع فوق الجراح، والزج بكافة القوى الوطنية التي تتبنى النهج السلمي طريقا لتحقيق الإصلاح السياسي في المواجهة الكبرى ضد العنف والإرهاب. لا بد من التسليم بأهمية مشاركة كل الأطياف الفكرية والثقافية والسياسية في هذه المواجهة الهادفة لحماية أمن الوطن واستقراره. إن ذلك يتحقق بالإعتراف بأن وجود مختلف الألوان الجميلة في واحات بلادنا وتمازجها وتفاعلها من شأنه أن يجعل بلادنا أكثر بهاء وقوة وجمالا، وسيكون من شأنه إبراز بلادنا بالمظهر المتمدن والمتحضر، وذلك هو ما يليق بها.

 

تلك هي أمنيات للعام الجديد، نامل كما أمل الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي من قبل أن تأخذ مكانها في الواقع وأن يكون “الوطن مكان سعادتنا العامة الذي نبنيه من خلال الحرية والفكر والمصنع”. ولعل فتح الأبواب للهواء النقي، وتعميق ثقافة التسامح، وتغليب لغة الحوار، وتدشين مؤسسات المجتمع المدني، والتعامل بشكل إيجابي مع قوى التنوير الحية والإصلاح المدني هي المقدمات الحقيقية لمواجهة الحالة الراهنة، والخروج من المأزق، ومواصلة بناء الوطن باقتدار وشموخ. وسد أبواب الذرائع على الدخلاء والحاقدين، وتفويت الفرصة على الخفافيش التي تتحرك في الظلام.

 

إنها بلا شك أمنيات عزيزة للعام الميلادي الجديد، تجعل الإنسانية والعالم بأسره، وبضمنه أمتنا العربية، وبلادنا العزيزة أكثر أمنا وسلاما. إنها أحلام تحتاج إلى اقتدار وعزيمة وتصميم كي تتحول إلى واقع معاش وحقيقة. إنها ومضة تفاؤل، تستمد قوتها من الإيمان بأن الإرادة في أبسط معانيها هي تحقيق حلم الإنسان.

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2005-01-05

شارك برأيك

الإسم

البريد الإلكتروني

البلد

 

2000-00–0 0-:00

محمود الهندي من فلسطين

مشكورين علي هذا الجهد الكبير

ارجو زيادة الجهد في البحث عن الاقتصاد وخاصة الاققتصاد في الوطن العربي والاسلامي

 

2020-06–0 1-:04

عبد الله احمد عنان من اليمن

ما فائدة الأماني والتطلعات وهي لا تتحقق طالما أنها أماني؟ ولكن على العموم ولمجرد أنها أمنيات ليس عليها ضرائب ولا جمركة ولا حتى رقابة سأتمني… أمنياتي علي الصعيد العالمي أن يذهب العالم بأسره إلى كوكب آخر تاركين كوكب الأرض فقط للناس الطيبين بمختلف جنسياتهم ودياناتهم. على الصعيد العربي أتمني أن يدرك العرب أنهم كانوا خير أمة دين وقيم ومبادئ أخرجت للناس، كما أتمنى أن ينسوا ولو ليوم واحد فقط أن هنالك خطرا يهدد لقمة العيش وظل المسكن. أما على الصعيد الشخصي أمنية مشفرة حتى لا تتسرب و يتمناها كل الناس، فلا أجدها إلا وقد ذهبت مني مثل كل مرة! آمل مع بداية العام الجديد 2006 أن أرى إمبراطورية الشر في العالم اليوم تنهار على مرأى ومسمع من كل من عانوا من ظلمها، لأنه بانتهاء إمبراطورية الشر أمريكا سيزول الظلم وينجلي الظلام وتنتهي تراجيديا الحروب على كثير من الشعوب بالذات الشرق أوسطية أو العربية منها.

مثلا عربي يقول: علامات الدار على باب الدار. هكذا يجب أن نتعامل مع الحاضر وما يحمله المستقبل… طبعا من الضروري أن يملأ دواخلنا التفاؤل . لكن ما يحصل لنا نحن – أتعس أمة في التاريخ والجغرافية – لا يمكن أن يبشر بتحول ايجابي نطمح إليه… نعيش انتكاسات وانكسارات متتالية: المنطقة العربية بين سندان الأنظمة المستبدة والجاثمة على أنفاس شعوبها وبين سندان أصولية حارسة وحريصة على نشر الظلام… العالم العربي أصبح يسكنه الرعب واستدعاء الموت فقط ، حال العراق يدمي القلوب بين عشية وضحاها. ها نحن أولاء نعاين تفتت شعب إلى ملل ونحل وقبائل داخل قبائل بعد أن تم غزوه باسم القضاء على خطر لم يوجد إلا في ذهن الإمبريالية التي اختلقته وجعلت بموجبه تبريرا لاحتلال المنطقة برمتها، والأيام أثبتت زيف هذا الادعاء… نتمنى أن تستيقظ الضمائر البشرية من أجل شجب ما يمارس ضد شعب عربي منكسر من المحيط إلى الخليج، أيضا نتمنى من الأنظمة العربية المتخلفة أن تنزاح….

 

2000-00–0 0-:00

مروة من المغرب

 

 

 

اختر محتوى مقالات استشارت أسماء المواليد

 

لماذا يسرق الطفل؟!.. الأسباب والعلاج | أهمية الإفطار لطلبة المدارس | معرض الرياض الدولي للكتاب والطفل يفتح أبوابه للمرأة والطفل | مكتب الإشراف التربوي النسوي يشارك في الجنادرية | دراسة: الغلاء والدروس الخصوصية أكثر المشكلات التي تؤرق المرأة المصرية | بدء فعاليات النشاط الثقافي النسائي للجنادرية | دورنا في معركة تدافع الحق والباطل | بحث حديث: الملابس القصيرة تسبب السرطان | الخارجية الدنمركية تطلق مبادرة الاحترام المتبادل والحوار بين الأديان | 23% من الفلسطينيات تعرضن للعنف عام 2005

 

 

الصفحة الرئيسية » أحوال الناس » المغاربة ورأس السنة الميلادية.. رافضون للطقوس ومحتفلون من باب العادة!

 

 

| |

30-ذو القعدة-1426 هـ:: 31-ديسمبر-2005

 

المغاربة ورأس السنة الميلادية.. رافضون للطقوس ومحتفلون من باب العادة!

أخبار لها

 

 

المغاربة ورأس السنة الميلادية.. رافضون للطقوس ومحتفلون من باب العادة!

 

الرباط – سمية عبد رب النبي – لها أون لاين

يقبل بعض المغاربة خلال نهاية السنة الميلادية على الاحتفال بما يسمى بـ”رأس العام” شأنهم في ذلك شأن العديد من الدول الغربية، فتستعد محلات الحلويات لاستقبال الزبائن عبر تزيينها بالألوان والخطوط الجميلة، كما يقبل بعضهم على شراء الهدايا من أجل إهدائها إلى أقاربهم وأصدقائهم، كما يتهافت الناس على اقتناء الصور مع تمثال البابا، وعلى شراء اللعب أو الملاعب البلاستيكية المجسدة للبابا.

موقع لها أون لاين التقى في التقرير بالعديد من المغاربة من أجل معرفة رأيهم في الموضوع فرأى بعضهم أن احتفالهم بهذا اليوم لا يتعدى أن يكون مجرد عادة وجدوا من قبلهم يحتفلون بها، فيما رأى البعض الآخر أن الاحتفال برأس السنة الميلادية حرام شرعاً لا ينبغي للمغاربة أن يحتفلوا به.

احتفالي مجرد عادة

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ثلاثة عشر − اثنا عشر =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي