أمل بعام جديد ينعم فيه العالم بالسلام
حصدت آلاف الأرواح، في مناطق واسعة من كوكبنا الأرضي.
وقد ختم العام، أيامه الأخيرة، بأسبوع حافل، مميز في قسوة أحداثه ووحشيتها، شمل بلدانا عربية وإسلامية ودولا أوروبية، وكان المشهد الأقسى والأفظع في هذا المشهد العبثي السيريالي المروع، هو تفخيف الأطفال، وإرسالهم لمحرقة الموت، في مشاهد لا يغني وصفها. حوادث إرهاب بالأردن ومصر والعراق وتركيا وألمانيا، وإرسال أطفال بأحزمة ناسفة، بحق الميدان في سوريا، ومصرع لرجال أمن بالكرك الأردنية، ومصرع للسفير الروسي في تركيا، وهو يلقي خطابه وسط حشد من الجمهور.
ولم يكن ما حدث في الأيام الأخيرة، سوى تصوير كاريكاتوري، واقعي، لأحداث ممتدة أكثر من ثلاثة عقود، شملت جميع القارات.
ولأن الزمن حالة متحركة، من صنع إنساني، وجب القول بأن العيب فينا وليس في زماننا. ومواجهة ظاهرة التطرف المقيتة، لن تأتي من خارج المكان، ومن كوكب آخر. إن مواجهة هذه الظاهرة، ينبغي أن تكون مسؤولية البشرية بأسرها، لأن خطرها بات يشمل الجميع من غير تمييز.
وفي هذا السياق، ينبغي التأكيد على عدمية نسبة التخريب إلى دين سماوي أو طائفة أو عقيدة سياسية، ذلك لأنه فعل غريب وخارج عن طبيعة الفطرة الإنسانية، وهو بالتأكيد خارج منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية، بما يتطلب عقدا دوليا حقيقيا، يعتبر كل من يدعم الإرهاب، بالمال والسلاح والكلمة مجرم حرب، وعدوا للإنسانية.
لقد تجاوز القتلة، كل الخطوط الحمر، وباتوا بدفعون بالابن إلى قتل أمه وأبيه وأشقائه. وسلوكهم أقرب إلى الهستيريا الجماعية، حيث يتم غسل الأدمغة، وتجويفها، وتوجيهها جميعا نحو اتجاه واحد، هو نشر الفوضى والخراب في أرجاء المعمورة. إنها ثقافة الموت تحارب الحق في الحياة والخير والجمال.
لقد أكدت حوادث التطرف، عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حلول عملية وناجحة، لاقتلاع هذه الظاهرة من جذورها، رغم الكلف العالية التي تتكبدها البشرية جراء استفحال هذه الحوادث.
ففي كل حدث إرهابي، هناك شهداء وضحايا ومصابين، ودمار وخراب. وقد تحول الإرهاب، في السنوات الأخيرة، إلى ما هو أقرب إلى حرب عالمية، لا تستثني من أجندتها زاوية ولا أحدا من مخططاتها، بما يفرض على المجتمع الدولي، عدم الاكتفاء بالمؤازرة اللفظية، واستنكار الحدث، بل الانتقال إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
فما هو مطلوب في هذه المواجهة يجب أن يتخطى لغة أضعف الإيمان، لأن أمن البشرية بأسرها، مهدد بالخطر. فهي تضرب الجميع بشراسة وبطريقة تبدو عبثية في أدائها وأهدافها، لكن نتائجها تدمير أوطان وتذويب هويات. وهي من غير شك، تهدر جهود المجتمعات، وتدمر اقتصاداتها، وتعيق نموها وتطورها، وتحجب عنها الاستقرار والأمن والسلام. وتحصد في طريقها الأبرياء من المدنيين نساء وأطفالا.
لا بد من إعادة تقييم للاستراتيجيات والخطط التي جرى تبنيها من قبل المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب، ومن بينيها استراتيجيات المواجهة الأمريكية، التي تبنتها إدارة الرئيس جورج بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2000م، كان ينبغي أن تتوجه مباشرة إلى الجماعات الإرهابية في معاقلها. وكانت تلك المعاقل حينئذ محدودة جدا ومعروفة. لكن الخيار في تلك الحرب وقع على أفغانستان والعراق، حيث جرى احتلالهما من قبل أمريكا. وقد أدت نتائج الاحتلال، إلى انتشار الفوضى وانعدام الأمن في أفغانستان وأرض السواد، وإلى خلق بؤر جديدة مناسبة، للمجموعات الإرهابية، مكنتها من إيجاد قواعد ثابتة لها في البلدين المحتلين. كما وجدت في الانفلات الأمني باليمن، وانهياره الاقتصادي فرصا سانحة لكي تبني لها قواعد ثابتة، في بعض الأطراف والأماكن الأكثر فقرا وتخلفا. وكانت القارة السوداء والظروف الاقتصادية الصعبة فيها، هي الأخرى محط أنظار فرق الموت.
وإثر اندلاع ما عرف بالربيع العربي، في أواخر عام 2010، بات واضحا، أن سوريا وليبيا، باتا موئلا جديدا للجماعات الإرهابية، ومنهما تمكنت هذه الجماعات من التمدد وتطوير خططها، وتوسيع دائرة عمقها الاستراتيجي.
بات بإمكان هذه الجماعات الانتقال من موقع لموقع، تبعا لمقتضيات الظروف والضربات التي تتعرض لها. فوجود قواعد ومراكز ثابتة لهذه المجموعات في أكثر من عشر بلدان، على رأسها العراق وسوريا واليمن والصومال وليبيا ومالي وتونس ولبنان، وارتباط بعض هذه البلدان ببعضها جغرافيا، مكن الجماعات الإرهابية من المناورة وتغيير مواقعها بسهولة، والهروب، واستخدام تكتيكات تمكنها من تفادي الضربات الجوية التي توجه لها من قبل قوات التحالف الدولي.
أما الإدارة الأمريكية، التي تعهدت بشن حرب عالمية على الإرهاب، فإنها بدلا من المواجهة المباشرة معه، في أماكن تواجده وانتشاره، بقيت تتفرج على داعش، وهي تحتل أربع محافظات عراقية، في ديالى والأنبار وصلاح الدين ونينوى، من غير أن تحرك ساكنا. وحين قررت المواجهة مع هذا التنظيم كان على الشعب بالبلدين، وبخاصة المدنيين أن يدفعوا أكلافا باهظة من أرواحهم وممتلكاتهم.
لا بد من مواجهة دولية شاملة فكرية وعسكرية، تضيق الخناق على مجموعات التطرف، حيثما وجدت، والتصدي لأسباب الفوضى، وانعدام الأمن وبشكل خاص في البؤر المتوترة، التي غالبا ما تكون أماكن أثيرة لتمركزها. ولعل هذه الخطوة العملية هي السبيل لملاحقة الإرهاب وكبح جماحه. هل سيكون العام الجديد عام عودة الوعي، بأهمية دحر التطرف وعودة الأمن والسلام.
أمل نتضرع بخشوع، أن يكون عام بهجة وفرح وأمن وسلام.